السبت، 4 فبراير 2012


الاسم العجيب (55)
بعدما تأملنا في بعض ألقاب ربنا المعبود المقترنة بلفظة «ابن» مثل «الابن» و«ابن الله» و«ابن الإنسان» دعونا اليوم نبدأ تأملنا بكل إتضاع في لقب عجيب آخر من ألقاب سيدنا ألا وهو لقب:
عبد الرب
«هوذا عبدي الذي أعضده، مختاري الذي سُرَّت به نفسي» (أش 42: 1)
«هوذا عبدي يعقل يتعالى ويرتقي ويتسامى جداً» (أش 52: 13)
«وعبدي البار بمعرفته يبرِّر كثيرين وآثامهم هو يحملها» (أش53: 11)
«لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد» (في 2: 7)
قد يبدو تناقضاً أن نتكلم عن عبودية ربنا يسوع المسيح للآب بعدما تكلمنا عن بنوته الأزلية له، فمركز الابن يختلف تماماً عن مركز العبد، ولكل منهما مقتضياته وصفاته، فكيف يستطيع هذا «العجيب» أن يجمع في ذاته صفات الابن والعبد في آن واحد؟! لكنه في الحقيقة ليس تناقضاً بل اتساعاً في شخصه الكريم أعطاه القدرة على جمع هذه الصفات معاً.
«الله لم يره أحد قط، الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبِّر» (يو1: 18)
الابن عادة يجلس في البيت قريباً من حضن الآب بينما العبد يُرسل خارج البيت لكي يتمم المهام وينفذ المشيئة، وسيدي الكريم جمع في شخصه هذين النقيضين: في نفس الوقت الذي كان جالساً في حضن الآب يعرف مكنونات قلبه وأسراره كان يسير بيننا يخبِّرنا عن شخص الآب، فالآية لا تقول «الذي كان في حضن الآب» أي قبل التجسد بل تقول «الذي هو في حضن الآب» حتى بعد تجسده وحلوله بيننا، فالرب لم يفقد بالتجسد مركزه كالابن الأزلي المتحد مع الآب في الجوهر، حاشا، لقد جمع في شخصه بين وجوده في حضن الآب كالابن وبين وجوده بالجسد بيننا كالعبد، كالابن كان يستطيع أن يقترب من أعماق الآب ويعرف مشيئته وكالعبد كان يجول في الأرض يصنع هذه المشيئة ويتممها.
نفس هذا الحق قاله ربنا مرة في (مت11: 27، 28) «لا أحد يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له، تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم» باعتباره الابن استطاع أن يكون الوحيد الذي يعرف الآب، وباعتباره العبد استطاع أن يقترب من المتعبين وثقيلي الأحمال لكي يعلن لهم الآب ويريحهم!!
في حديث ربنا مع نيقوديموس أعلن لنا هذا الحق صريحاً «ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء» (يو3: 13) في ذات الوقت الذي كان ربنا على الأرض كان أيضاً في السماء، لقد أخذ صورة عبد ونزل من السماء لكنه في ذات الوقت كان محتفظاً بمقامه كابن في السماء.
لقد شهد عنه يوحنا المعمدان قائلاً «الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع، وما رآه وسمعه به يشهد وشهادته ليس أحد يقبلها» (يو3: 31، 32) لقد رأى وسمع باعتباره الابن الأزلي الموجود دائماً في إتحاد مع الآب، وعندما أتى إلينا كعبد مُرسل من الآب شهد لنا بما رأى وسمع، كان جالساً داخل البيت كابن وفي نفس الوقت كان مرسلاً خارج البيت كعبد، كان صاحب السلطان كابن وكان طائعاً للسلطان كعبد!! له المجد إلى الأبد (يتبع)