الأحد، 31 مارس 2024

أحاديث من القلب

 

سبعة أرواح الله (66)

بقلم : فخري كرم

قلنا إن صورة المصباح والعين تشير إلى روح الحق الذي ينير أمامنا حقائق الأشياء ويفتح عيوننا لنراها ، ونحن نحتاج لرؤية حقيقة الأشياء لعدة أسباب أولها لكى نتجنب العثرة ، فإذا كنا نسير ولا نرى أمامنا فلابد أن نعثر ، وقد تأتي العثرة من داخلنا إذا فوجئنا بما لا نتوقعه من أنفسنا ، وقد تأتي من الآخرين إذا اكتشفنا فيهم ما لم نتحذر منه ، واليوم نضيف أن العثرة قد تأتي أيضا

من إبليس

كل قوة إبليس مستمدة من عدم رؤية الإنسان لمكايده وفخاخه وجهله بأفكاره ، إن مملكة الشر بأكملها تسود على «ظلمة هذا الدهر» ( أف 6 :12) بل إن سلطانها يسمى «سلطان الظلمة» ( لو 22: 53، كو 1 : 13) إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين وأغرقهم في ظلمات روحية كثيفة لكي يسهل اقتناصهم في فخاخه وحبائله .

منذ أن سقط الإنسان في فخ إبليس الأول في جنة عدن أصبح عاجزاً عن تمييز أعماله والنجاة منها ، انفصاله عن الله أدخله إلى الظلمة لأن الله هو النور الذي لا ظلمة فيه البتة (1يو1: 5) الرب الله هو «شمس ومجن» (مز84: ۱۱) أي أنه النور والحماية ، فالنور هو الحماية الحقيقية من السقوط في فخاخ الظلمة ، فباطلا تنصب الشبكة في عيني كل ذي جناح ، لكن بالانفصال عن الله صار الإنسان بلا نور أو حماية، أصبح يجلس في الظلمة وظلال الموت ..

إن كل قدرات الإنسان الطبيعية لا تستطيع أن تحل محل نور الله ، فإبليس أكثر حكمة من أحكم إنسان ، إنه «ملآن حكمة» (حز 28 : 12) لذلك فكل حكمة الإنسان وتمييزه وفطنته وخبرته لا تستطيع أن تنير له أعمال إبليس وتحميه من مكايده ، فليس من قدرات الإنسان الطبيعية أن يرى في الظلام !! صار الإنسان محتاجاً إلى من يفتح عينيه لكي يرجع من ظلمات إلى نور ومن سلطان الشيطان إلى الله (أع۲6: ۱۸)

 

الرب نوری و خلاصى

بالنسبة لكل المؤمنين الرب هو «النور» وبالتالي هو «الخلاص» من كل خبايا الظلمة ، من يتبع الرب لا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة ، روح المصباح ينير لنا أفكار العدو و نياته (۲ كو ۲: ۱۱) وإذا كنا لا نجهل أفكاره فسنستطيع مقاومته وهزيمته .

الروح ينجينا من «فخ الصياد» (مز۹۱: ۲) إنه يعرف كل شيء ويستطيع أن يخبرنا بما يرتبه العدو في الخفاء وما ينصبه لنا من فخاخ ، كما أخبر أليشع بمخططات العدو وأخبر بولس بمكايد اليهود ضده ، لا شيء يخفي عن السبعة العيون المرسلة إلى كل الأرض !!

فلنتعلق بالرب !!

          إذا كانت طريقنا تمتلئ بالعثرات سواء من داخل أنفسنا أو من الآخرين أو من إبليس رئيس مملكة الظلمة فكيف نستطيع أن نسير دون أن نعثر ؟ إذا اعتمدنا في سيرنا على رؤيتنا المحدودة وقدراتنا الضعيفة ومعرفتنا السطحية فلابد أن نعثر ونسقط ، فكمية ما نجهله من الأشياء المحيطة أكبر مما نتصور ، ولعل سر ضعف كنيسة اليوم هو تعثر وسقوط المؤمنين في قيود وفخاخ لم يروها ولم يتوقعوها ، العدو يستغل جهلنا بأفكاره وينصب لنا فخاخه لكي نظل طوال حياتنا ضعاف مقيدين غير نافعين للسيد .

دعونا إذا نتعلق بالرب نورنا وخلاصنا ، شمسنا ومجننا ، روح المصباح الذي ينير عيوننا فتبصر خفايا الظلمة المحيطة بنا ، الروح الذي يحفظ أنفسنا في الحياة ولا يسلم أرجلنا إلى الزلل ،لا نسير دون أن نهتدي بنوره ولا نخطو خطوة دون مشورته ، نمتلئ به وبكلمته ليكون لنا نور الحياة فالنور حلو للعينين !! (يتبع).

 

الثلاثاء، 26 مارس 2024

أحاديث من القلب

 

سبعة أرواح الله (65)

بقلم : فخري كرم

قلنا إن الصورة الأخيرة للروح القدس هي صورة «العين والمصباح» والتي تشير إلى «روح الحق » الذي يزيل الظلام ويكشف حقائق الأشياء، ومن منا يستطيع أن يستغني عن عمل العين والمصباح !! من منا يستطيع أن يسير في الظلام ؟! إننا نحتاج لروح العين والمصباح لعدة أسباب :

أولا : لكي لا نعثر !!

قال رب المجد : « إن كان أحد يمشي في النهار لا يعثر لأنه ينظر نور هذا العالم ، ولكن إن كان أحد يمشي في الليل يعثر لأن النور ليس فيه « (يو 11 : 9 ، 10) الإنسان يعثر حينما تصطدم رجلاه بشيء لم يكن يراه أو يتوقعه ، وكم من أشياء كثيرة في العالم الروحي لا نراها ولا نتوقعها ، أشياء في أعماقنا وأخرى محيطة بنا ، أشياء نابعة من الإنسان وأخرى من الشيطان وثالثة من الله ، ولو سار الإنسان بدون نور المصباح في وسط هذه الأشياء فلابد أن يعثر ويسقط .

النهار ... والليل !!

النهار هو الوقت الذي كان فيه رب المجد على أرضنا يسير ، كان هو النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان وكل من سار معه كان يسير « في النهار »، ولا يمكن أن يعثر ، ولكن بعد رحيل الرب عن عالمنا وحلول الظلام أصبحنا نسير «في الليل» حيث لا يجب أن نتوقع نورا من خارجنا بل لابد أن نحمل النور داخلنا ، في النهار كانت الشمس تشرق حولنا و تسير بيننا وتنير سبيلنا ، أما في الليل فينبغي أن نأخذ مصابيحنا ونخرج للقاء العريس ، تلك المصابيح التي لا تضاء إلا بزيت الروح القدس الساكن فينا ، أي أن مصدر النور أثناء الليل ينبغي أن ينبع من داخلنا ، من روح «المصباح والعين » العامل فينا ، أما من يسير وليس « فيه » النور فلابد أن يعثر، والعثرة قد تأتي من عدة اتجاهات :

من أعماقنا !!

إننا نجهل الكثير مما يدور في أعماقنا ، لا نعرف حقيقة أنفسنا كما يراها الله ، نعتقد في أنفسنا ما ليس بحقيقي ونجهل عنها الكثير مما هو حقيقي ، لذلك نحن نحتاج لروح المصباح والعين الذي يكشف لنا حقيقة أنفسنا ، أما إذا سرنا بدون نور المصباح في داخلنا فقد نفاجأ بما لم نكن نتوقعه من أنفسنا فنعثر ونسقط !!

كان بطرس يعتقد في نفسه ما ليس حقيقياً ، كان يظن أنه يحب الرب حتى إلى الموت بينما الحقيقة التي كان يجهلها أنه يحب نفسه أكثر من أي شيء آخر ، وجهله بنفسه كان سبب عثرته وسقوطه!! لو كان يرى أعماقه ويعرفها لتوقع غدرها وتجنب شرها وسعي لإصلاحها ووضعها بين يدي الرب بانكسار وتوبة ، لكن للأسف عندما واجهه الرب بحقيقة نفسه نراه يرفض النور الذي يكشف أعماقه ويتمسك بفكره عن نفسه (مت 26 : 34 ، 35) ومن يرفض النور لابد أن يعثر ويسقط سقوطاً عظيماً بقدر ما كان اعتقاده عن نفسه عظيماً !!

طوبى للإنسان الذي يعرف حقيقة نفسه !! فلا يحملها مالا تطيق ولا ينتظر منها ما لا تستطيع ، لا يعطيها كرامة لا تستحقها ولا ينتفخ على الآخرين ، يكون الاتضاع سهلا بالنسبة له ويجد طريقه ببساطة إلى أقدام الرب، يتعلم بسهولة ولا يحتاج إلى ضربات موجعة أو سقطات عنيفة حتى يتعلم .

و من الاخرين !!

عدم رؤيتنا الصحيحة للمحيطين بنا تسبب لنا الكثير من العثرة ، فعادة ما يكون فكرنا عن الناس بما يظهر منهم أما حقيقة باطنهم فتبقى مجهولة لنا ، نرسم لهم صورة بحسب كلامهم ثم نصطدم فجأة بما لم نكن نتوقعه منهم فنهتز ونفقد توازننا ونسقط ، نشعر بالأمان والحرية ثم نكتشف أننا مكبلون بقيود وأغلال ، نعقد صداقة مع من نظن أنه ملاك ونفاجأ بأنه شيطان ، نطمئن للشركة مع خروف ثم نراه ذئباً ، والمأساة هي أننا عادة لا نرى الحقيقة إلا بعد الكثير من الخسائر والجروح !!

كم من مرة أسلمنا أنفسنا لقائد ثم اكتشفنا أنه أعمى مثلنا ، لكننا لا نكتشف هذه الحقيقة إلا بعد ان نقع سوياً في الحفرة !! وكم من مرة ألقينا رجاءنا على قوى ثم عرفنا أنه ضعيف مثلنا ، لكننا لم نعرف هذا إلا بعد أن سقطنا سوياً !!

كم من أشراك وفخاخ تحيط بنا من كل جانب ، بعضها بسوء نية من الآخرين وبعضها بسوء تقدير منا ، عدم رؤيتنا لحقيقة الناس والأشياء المحيطة بنا لابد أن تؤدي بنا إلى السقوط في هذه الأشراك ، أما إذا أسلمنا أنفسنا لقيادة روح الحق الذي يخبرنا بكل شيء وينير أمامنا الطريق فلن نعثر لأن النور « فينا » !! كم من «مؤمنين » أحاطوا بالرب لكنه لم يستأمنهم على نفسه ، لماذا ؟ لأنه كان يعلم ما في داخل الإنسان ( يو 2 : 24 ، 25) كم نحتاج إلى مثل هذه المعرفة لكي نتجنب الكثير من العثرات ، وللحديث بقية.