الاثنين، 5 أكتوبر 2020

أحاديث من القلب

 

موعظة الجبل (44)

بقلم : فخرى كرم

«لأن لك المُلك والقوة والمجد إلى الأبد.آمين»(مت6: 13)

في هذه العبارة الختامية يضع ربنا الأساس الذي ينبغي أن تقوم عليه صلاتنا، وهو الإيمان الراسخ بأن إلهنا «يمتلك» ما نحتاج إليه و«قادر» أن يعطيه لنا بحسب غناه في «المجد»، وقوة صلاتنا وتأثيرها يتناسب مع قوة وثبات هذا الإيمان، أما إذا تعرض هذا الإيمان للإهتزاز تصبح صلاتنا فاترة لا قوة فيها.

المُلك: بديهياً أنه من العبث أن نطلب الأشياء ممن لا يملكها!! ولا شك أننا نذكر مقدار الاحباط الذي أصابنا ونحن صغار عندما طلبنا أشياء من آبائنا واكتشفنا أنهم لا يملكونها وبالتالي لا يستطيعون توفيرها لنا، فالطفل في سذاجته المفرطة يظن أن والده يستطيع أن يوفر له كل ما يريد، وربما يترك لخياله العنان فيطلب دراجة أو سيارة أو حتى طائرة!! إلى أن تصطدم طموحاته بالواقع المرير وهو أن والده لا يستطيع أن يعطيه هذه الأشياء لأنه ببساطة لا يملكها!! ويبدأ عندئذ يقلص طموحاته تدريجياً حتى تنكمش وتصير في حدود ما يملكه الأب. ما نطلبه في صلاتنا سيظل في حدود ما نؤمن أن آبانا السماوي يملكه!!

الإنسان بالغريزة يقدم الولاء والطاعة لمن يملك أن يعطيه ما يحتاجه من قوت ضروري، طلب إبليس من يسوع أن يسجد له لكي يعطيه ممالك العالم، فاذا اعتقدنا أن المال هو ما يضمن لنا اشباع احتياجاتنا فبالضرورة سوف نقدم خضوعنا للمال ساجدين في محرابه، وإذا اعتقدنا أن الشهوة هي التي تملك لنا السعادة فالبديهي أن نحرق أجسادنا على مذبحها النجس، أما إذا آمنا بأن الآب السماوي هو وحده من له «المُلك» وأنه وحده يعطينا طعامنا في حينه وهو يفتح يده فيشبع كل حي رضى فالطبيعي عندئذ أن تترجاه أعيننا ونرفع له صلاتنا بكل جرأة ويقين (مز145: 15، 16)

القوة: أحياناً لا تكمن مشكلة العطاء في «المُلك» بل في «القوة»!! فكم من آباء كانوا «يملكون» أشياء كثيرة ومع ذلك لم تكن لديهم «القوة» لاسعاد أبنائهم، وعاش الأبناء في فاقة وحرمان ليس لأن الأب لا يملك لكن لأنه يعاني من ضعف ما يجعله لا يستطيع أن يسخِّر ما يملكه لسعادة أبنائه، وقد يعود هذا الضعف الى جوانب كثيرة في شخصية الأب، فربما كان ضعفاً في المحبة لأبنائه بسبب فرط أنانيته ومحبته لذاته، أو ضعف في الحكمة يجعله لا يحسن وضع المال في مواضعه الصحيحة، أو ضعف في احساسه بالأمان الذي يجعله يلجأ لاكتناز المال وعدم انفاقه خوفاً من المستقبل المجهول..الخ. لكن يسوع يعلمنا هنا أن نقدم صلاتنا بثقة ويقين لأننا نؤمن أن آبانا السماوي لا «يملك» فقط ما نحتاج اليه لكن عنده أيضاً «القوة» اللازمة لتوصيل هذا الاحتياج إلينا، لا يوجد أي ضعف في شخص الآب السماوي يمنعه من تسديد كل احتياجنا، حاشا!! لا توجد قوة في السماء أو الأرض أو الجحيم تستطيع أن تمنع عنا خيراً يريد أبونا السماوي أن يعطيه لنا!!

«المجد»: إن ثقتنا في الآب السماوي ليست وليدة اللحظة ولا تستند على خبراتنا الخاصة فقط بل تستند على مجد ممتد عبر الأجيال والحقب، إن مجد إلهنا هو أنه «سامع الصلاة» الذي إليه يأتي كل بشر، إننا نؤسس ثقتنا في الصلاة على ما عرفناه من مراحم صنعها إلهنا لطالبيه عبر السنين، أن مجد إلهنا في استجاباته لصلوات قديسيه يعطينا الجرأة لنتقدم إلى داخل الأقداس طالبين كل ما نحتاج إليه بكل ثقة ويقين، إننا لا نتعامل مع آلهة الأمم الصماء التي لا تسمع بل مع إله حي تشهد صفحات الوحي عن مجده كسامع الصلاة ومستجيبها، له كل المجد (يتبع)