الاثنين، 5 مايو 2014

أحاديث من القلب

المهنة: قاتل!!
فخرى كرم
«أنتم من أبٍ هو إبليس، وشهوات أبيكم تريدون أن
تعملوا، ذاك كان قتَّلاً للناس من البدء» (يو8: 44)
أناس كثيرون في بلدي امتلأوا بشهوة القتل، قتل على كل شكل ولون، قتل مادي وقتل معنوي، قتل على خلفيات كثيرة ولأسباب متعددة، قتل لأسباب إجرامية وأسباب عرقية وأسباب سياسية وأسباب دينية... وأحياناً بدون أسباب!! لم يعد القتل فعلاً شاذاً عارضاً في بلادنا بل أصبح عند الكثيرين منهجاً للحياة واسلوباً للتفكير، صار القتل للبعض مهنة يمتهنها وحرفة تجلب له المال، وصار للبعض الآخر وسيلة لإثبات القوة وطريق للوصول للمركز والنفوذ، وثالثة الأثافي أن البعض أصبح يعتقد أن القتل هو طريقة الوصول لرضا الله ونعيمه!! البعض صار يوثِّق لجرائم القتل التي يرتكبها بالصوت والصورة لكي يضيفها لسجل شرفه المهني، لم يعد القتل سباباً للخزي والتواري خجلاً بل مادة للمجد والتباهي فخراً!! أصبح الكثيرون في بلدي يستحقون عن جدارة أن يُكتب في بطاقات هويتهم «المهنة: قاتل»!!
وإذ أرفع عيني من على هذا الواقع المرير الذي صرنا نعيشه جميعاً وأرجع لكلمة الله التي بين أيدينا وأسكب حيرتي وتساؤلاتي عند أقدام سيدي أجده يعلِّمني ما يجلو بصيرتي ويبدِّد حيرتي، أجده يخبرني أن القتل هو شهوة إبليس وعمله منذ بدء الخليقة، هو الذي يقف وراء كل جرائم القتل منذ البداية وحتى الآن، وهو ينفذ مشيئته القبيحة هذه من خلال أبنائه الذين يمتلئون بشهوات أبيهم ويعملونها، حتى أنك إذا سمعتَ في مكانٍ ما صراخاً وعويلاً ورأيتَ دموعاً وعذاباً فلتتأكد أن إبليس مرَّ من هناك أو أن أحد أبنائه خطا في هذا المكان!!
وإذ أُقلِّب صفحات الوحي أجد سيدي يعلِّمني أيضاً أن البغضة هي الأم الشرعية للقتل والمنشأ الأول لهذه الجريمة، القتل يبدأ داخل الإنسان بمشاعر الكراهية والاستهانة بالآخر، وإذ تترسب هذه المشاعر داخل قلب الإنسان وتتراكم وتتزايد وتتغذَّى وتتقوَّى بمناخ البغضة وثقافة الكراهية السائدة في مجتمعنا يتكوَّن لدينا «قاتل» جديد، إن لم يقتل بيديه فسوف يقتل بلسانه وبمشاعره وبأفكاره وبدعمه المادي والمعنوي للقاتلين، ولذلك يعلِّمني سيدي أيضاً أن الله يحسب البغضة قتلاً ويعتبر مَن يقبل مشاعر سلبية تجاه الآخرين أنه مستوجب نار جهنم!!

وإذ أعترف أن كلمات الوحي هي الحق الكامل والنور الحقيقي الذي ينير الواقع الحاصل في بلدي، وإذ أُصادق على أن مناخ الكراهية للغير والاستهانة بمعتقدات الآخر هو الجذر لكل القتل والموت الذي نشده اليوم في كل مكان، أجد نفسي أتضرع أمام عرش النعمة: «إملأني يا سيدي بروح المحبة والفرح والسلام، روح الحياة الذي يبذر بذور الخير في كل مكان، روح محبة الأعداء ومباركة اللاعنين، روح الوداعة التي تقبل الآخر وتحترم فكره حتى وإن اختلف عن فكري، فروحك المبارك هو وحده القادر أن يقف ضد روح القتل والموت المنتشر في بلادنا، ولا تسمح يا سيدي أن يُكتب في بطاقة هويتي في أي يوم من الأيام وبأي معنى من المعاني: المهنة قاتل»!!