الأربعاء، 5 سبتمبر 2012


الاسم العجيب (61)
بقلم : فخرى كرم
قلنا أن سيدنا عاش الثلاثين سنة الأولى من حياته يتمم مشيئة الله العامة الموجودة في كتب العهد القديم، تلك المشيئة كان ينبغي تنفيذها من كل يهودي تقي يريد أن يرضي الله، وتلك المشيئة كانت تُستقى من فم الكتبة ومعلمي الناموس الذين جلسوا على كرسي موسى، وعندما أتمَّ يسوع كل وصايا الله وآخرها المعمودية من يوحنا المعمدان انفتحت السماء وأعلنت أن هذا هو الابن الحبيب الذي استطاع أن يُدخل السرور إلى قلب الآب، وعندها نزل الروح القدس كهيئة حمامة ليمسح يسوع لتتميم مشيئة أخرى لله، مشيئة خاصة بيسوع لم ولن تُطلب من سواه، وقضى سيدنا ثلاث سنوات ونصف يصنع هذه المشيئة الخاصة والتي أتمها أيضاً كاملة غير منقوصة، حتى استطاع أن يقول قبيل الصليب «العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته» (يو17: 4)
وتتميم مشيئة الله الخاصة يتطلب دائماً مجهوداً خاصاً يختلف عن تتميم المشيئة العامة، كما أن متمِّم المشيئة الخاصة يتعرض لنوعية خاصة من المعاناة والآلام لا يتعرض لها المؤمن العادي، ولقد بذل سيدي مجهوداً شاقاً مُضنياً وتحمَّل معاناته صامتاً حتى أتم هذه المشيئة كاملة، وسنحاول أن نستعرض سريعاً بعض أوجه المشقة والمعاناة التي اجتازها عبد يهوه الكامل لعلها تنير سبيلنا وتساعدنا لكي نقتفي خطاه في درب الطاعة وتتميم مشيئة الله في حياة كل واحد منا:
(1) معاناة معرفة المشيئة الخاصة
مشيئة الله العامة موجودة في الكتاب المقدس ويسهل معرفتها لكل واحد يدرس الكتاب بإخلاص، كما يمكن معرفتها من دارسي الكلمة ومعلميها الذين أعطاهم الله موهبة خاصة لشرح الكلمة وتوضيح خفاياها، أما معرفة مشيئة الله الخاصة بشخص ما فيحتاج إلى وجود دائم في محضر الله وأذن مفتوحة تستمع إلى هذه المشيئة وقلب نقي يحفظها ويعملها، لا يمكن أن أستقي مشيئة الله الخاصة بي من فم معلم أو دارس للكتاب، إنها مشيئة خاصة بي ولن تُعلن إلا لي، إنها لا تتناقض مع مشيئة الله العامة لكن لها تفاصيلها الخاصة التي ينبغي أن آخذها من الرب مباشرة.
كما أن المشيئة العامة يمكن معرفتها كلها وبكامل تفاصيلها من الكتاب حتى لو لم نطعها وننفذها، فكم من معلمين يستطيعون أن يشرحوا بإسهاب مشيئة الله المعلنة في الكتاب رغم أن حياتهم العملية لا تخضع لهذه المشيئة مطلقاً!! لذلك طلب الرب من الجموع والتلاميذ أن يأخذوا الشريعة من فم الكتبة والفريسيين لكن لا يتشبهون بحياتهم لأنهم يقولون ولا يفعلون (مت23: 1-3) لكن الأمر مختلف مع مشيئة الله الخاصة، المشيئة الخاصة لا يمكننا أن نعرفها كاملة من البداية، المشيئة الخاصة لا نعرف تفاصيلها إلا بالتدريج، خطوة بعد خطوة، لا يعلن لنا الله إلا خطوة واحدة في الوقت الواحد، إذا كنا أمناء فيما أعلنه الله لنا وأطعناه يعلن لنا الخطوة التالية، إذا لم نكن أمناء فيما طُلب منا يتوقف الله عن أن يعلن لنا المزيد، ونظل طوال حياتنا نتأسف على مشيئة لم تكتمل وعلى تفاصيل لم نعرفها أبداً!!
هذا يعني أن المؤمن الذي يريد أن يعرف وينفذ مشيئة الله الخاصة بحياته ينبغي أن يظل دائماً في حالة الانتباه والإصغاء والخضوع والطاعة، قد تكون هذه معاناة ومشقة لكنها ضرورية لتتميم مشيئة الله الخاصة، وهذا ما كان يفعله سيدي له المجد إذ قال عنه الكتاب أنه كان كل يوم يستيقظ مبكراً ويمضي إلى موضع خلاء ليصلي (مر1: 35) وأوقات كثيرة كان يُمضي الليل بطوله يصلي في الوقت الذي يهجع الشعب كله للنوم (لو6: 12) وقيل عنه بروح النبوة «يُوقظ كل صباح، يوقظ لي أذناً لأسمع كالمتعلمين، السيد الرب فتح لي أذناً وأنا لأم أعاند، إلى الوراء لم أرتد» (أش50: 4، 5) ليتني أقتدي بك في أمانتك وطاعتك التاعبة يا سيدي!! وللحديث بقية (يتبع)