سبعة أرواح الله ( 26 )
بقلم : فخرى كرم
قلنا إن الرب تعامل مع الإنسان بروح الوداعة أولا ثم بروح القداسة
والقضاء ثانياً، زرع بنعمته في البداية ثم طالب بالحصاد أخيراً، والحق أن هذا هو
أسلوب تعامل الله مع الإنسان منذ بدء التاريخ وحتى يومنا هذا، وأول ما نرى هذا
الأسلوب نراه في:
جنة عدن
بدأ الله تعامله مع آدم -
ممثلا للجنس البشری - بنعمة غامرة وعطاء بلا حدود ، قبل أن يخلقه صنع له كل ما يلزم
للحياة السعيدة، خلق لأجله الأرض والسماء وملأها بالكائنات الحية من كل صنف ونوع،
وغرس له جنة ووضعه فيها، وقبل أن يطالب الله بحقه أعطى للإنسان كل حقوقه - إن جاز
لنا القول أن للإنسان حقوقاً - أعطاه حق التمتع والشبع بكل شجر الجنة، وحق التسلط
والسيادة على كل الأرض، وحق الصحبة والمعونة إذ خلق له حواء معينة نظيره، بل أعطاه
حق الاختيار عندما غرس في وسط الجنة شجرة الحياة وشجرة معرفة الخير والشر، وكان
الوصول إليهما متاحاً وسهلا، فالله لن يطلب الطاعة من إرادة مقيدة بل من إرادة حرة
تملك أن تخطىء كما تملك أن تصيب!!
أليست هذه هي روح الوداعة التي تعطى للإنسان حقه كامل غير منقوص ؟ أي
حق للإنسان لم يأخذه بل أي خير لم ينله بفيض ووفرة ؟ عندما يطالب الله الإنسان بأي
شيء بعد ذلك فهو يطالبه مما سبق وأعطاه له، وعندما ينتظر منه محبة فهي لن تكون سوى
رد فعل زهيداً لمحبة الله الكاملة وعندما يتوقع منه الطاعة فلأنها أقل مقابل
للحرية والمجد اللذين كلله بهما.
بل
إن روح الوداعة لم تكن تجاه آدم فحسب بل حتى تجاه الحية أحيل جميع حيوانات البرية!!
لقد منحها الفرصة لكي تشتكي عليه ـ له المجد ـ وتنسب له ظلمة وتفسد بمكرها ذهن
المرأة، أي وداعة تلك التي غلفت جنة عدن !! حتى إن من أراد أن يخطىء تجاه الله ما
كان يجد أي مانع!! لكن لا شك أن بعد روح الوداعة هذه لابد أن يأتي الله بروح آخر.
روح القضاء
بعدما أخذ الإنسان فرصته الكاملة ومارس حقوقه كما أراد حان الوقت
الذي ينبغي فيه أن يأخذ الله حقوقه ويمارس سلطانه، فوجدنا الرب الإله يأتي إلى
الجنة بروح القضاء ويمارس سلطانه في إدانة الخطية، ورأيناه يعاقب آدم وحواء والحية
كلا بحسب خطئه، ونلاحظ أن أحدا منهم لم يعترض على القضاء أو يطالب برأفة لأن كلا
منهم يعلم أنه أخذ فرصته كاملة وأنه كان كامل الإرادة وحر الاختيار عندما أخطأ ،
ونلاحظ أيضا أن روح القضاء كان مقترناً بصورة رمزية معبرة وهي:
لهيب سيف متقلب
أول مرة نرى فيها النار في الكتاب المقدس نراها عندما أقام الرب
الإله لهيب سيف متقلب الحراسة طريق شجرة الحياة، وعندما يقترن اللهيب بالسيف في
صورة رمزية واحدة فلكي يعبر لنا عن حق روحي مزدوج وهو أن قداسة الله (اللهيب)
تطالب بالموت (السيف) قصاصاً لخطية الإنسان، لقد باتت قداسة الله وقضاؤه هما
العقبة في طريق شجرة الحياة !! وأصبح الإنسان مفصولا عن الحياة الأبدية ولا يجرؤ
على الاقتراب منها، لأنه إذا أراد أحد أن يصل إلى الحياة فعليه أن يجتاز لهيب
قداسة الله وسيف عدالته، ولأن «كل» ما في الإنسان يستوجب الموت بحسب قداسة الله،
لأنه لا يسكن فيه شيء صالح، لذلك فالهلاك هو مصير كل من يقترب من سيف النار
المتقلب، وإذا اجتاز لهيب قداسة الله فسوف يحتــــرق « كله » ولن يبقى فيه ما يعبر إلى الحياة.
إلى أن جاء الشخص الوحيد الذي استطاع أن يجتاز لهيب السيف المتقلب
ويبقى حياً، اشتعلت «نار» قداسة الله في قلبه حتى ذاب كالشمع في وسط أحشائه (مز 22
: 14 ) واستيقظ « سيف » القضاء عليه فضربه إلى الموت (زك 13 : 7 ) (فالسيف كان
نائماً منذ خروج آدم من الجنة لأن أحدا لم يجرؤ على الاقتراب منه!) وبعدما اجتاز
هذا الشخص المبارك في لهيب السيف المتقلب حاملا لخطايانا ونائباً عنا وجدناه يقوم
من الموت في ملء الحياة، لم تنته حياته في لهيب قداسة الله بل استطاعت أن توفي
قصاص الله ومع ذلك تبقى حية، لأنه إن كان يحمل على كاهله خطايانا التي تستوجب
الموت فقد كان يحمل أيضا في داخله طبيعة طاهرة أرضت قلب الآب وسرته، لهذا السبب لم
يكن ممكناً أن يمسك من الموت.
وبعدما
اجتاز الرب يسوع - له المجد - لهيب السيف المتقلب صار الطريق إلى شجرة الحياة
مفتوحاً مرة أخرى لكل من ارتبط بشخص المسيح واستتر فيه (رؤ 2 : 7 ) وهؤلاء لن
يؤذيهم السيف الملتهب لأنه «لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع»
(رو 8 : 1) لأنه - بالنسبة لهم فقط - قد انطفأت النار في
دماء المخلص وانكسر السيف في جسده الكريم !! (يتبع).