السبت، 6 يوليو 2013

أحاديث من القلب

الاسم العجيب (69)
فخرى كرم
قلنا أن كمال العبودية هو أن يخدم العبد سيده عن محبة وليس فقط عن التزام ومسئولية، وبحسب شريعة العبد العبراني في العهد القديم كان العبد الذي يحب سيده يبقى في بيته إلى الأبد، ورأينا أن هذه الصفة اكتملت تماماً في حياة ربنا يسوع المسيح الذي لم تكن شريعة الله بالنسبة له التزاماً ومسئولية فحسب بل نُسجت في وسط أحشائه، واليوم نضيف شاهداً آخر لتأكيد الفكرة
«قال لهم يسوع: طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله» (يو4: 34)
في هذا الشاهد يقول ربنا أن عمل مشيئة الآب الذي أرسله هي بمثابة تناول الطعام بالنسبة له، فكما نشتهي نحن تناول الطعام عندما نكون جياعاً هكذا كان سيدنا «يشتهي» عمل مشيئة الله، وكما نجتهد بحثاً عن طعامنا ونبذل في سبيله العرق والمال هكذا كان سيدنا يتعب ويسافر ساعات طويلة لكي يصنع مشيئة الآب ويتممها، وكما نشعر بالراحة والاكتفاء عندما تناول الطعام هكذا كان سيدنا لا يشعر بالراحة والاكتفاء إلا عندما يصنع مشيئة الآب!! لم يكن سيدنا عبداً بطّالاً يفعل ما يُأمر به فقط بل كان عبداً محباً للآب يشاركه فعل مشيئته بكل سرور وفرح!!
العبد الشريك والعبد البطّال
«متى فعلتم كل ما أُمرتم به فقولوا إننا عبيد بطالون» (لو17: 10)
يعلمنا الرب في هذا الشاهد أن العبد متى فعل كل ما يُطلب منه فهو عبد بطّال، لأنه فعل ما يجب عليه أن يفعله ولم يضف جديداً يستحق عليه الثناء، ولكننا عندما ننظر لحياة ربنا المبارك لا نجد عبداً بطّالاً أبداً بل عبداً أدخل السرور لقلب الآب واستحق كل الثناء والمديح، وذلك لأن محبة العبد لسيده تجعله لا يكتفي بأن يفعل كل ما يُطلب منه بل تجعله يتقدم ويشارك سيده مشاعره واهتماماته وقد تجعله يتقدم ويبادر بأعمال لم تُطلب منه لكنه يراها في قلب سيده، وهذا ما يمكننا أن نسميه «العبد الشريك»!!
ولو نظرنا إلى كل التاريخ المقدس لوجدنا أمثلة عديدة للعبيد «الشركاء» ولو بدرجات متفاوتة، عندما يخرج إبراهيم من أرضه وعشيرته ويذهب إلى أرض الموعد فهو مجرد عبد بطّال لأن فعل ما أمره به الرب، ولكن عندما نراه يأخذ عبيده ولدان بيته ويذهب ليحرر لوط من الأسر فهو هنا يفعل شيئاً لم يُأمر به لكنه رأي في قلب الله أن يعطي للوط فرصة أخرى لعله يُحسن الاختيار ويُصلح ما أفسده في الاختيار الأول،  وعندما نجده يقف أمام العلي يشفع في سدوم وعمورة لكي يخلِّص ابن أخيه فهو هنا أيضاً لا يفعل ما يُأمر به بل هو هنا «يشارك» قلب الله لأنه رأي في قلب الله خلاصاً للوط وإن كان مستتراً خلف التهديد بحرق سدوم وعمورة!! لم يكن إبراهيم إذاً عبداً بطّالاً بل عبداً شريكاً أحب إلهه من كل قلبه!!


عندما يتقدم موسى ليُخرج الشعب من مصر فهو هنا عبد بطال يفعل ما يُأمر به، ولكنه عندما يقف أمام غضب الله ليشفع للشعب ويقدم نفسه للموت معهم فهو هنا لا يفعل ما يُطلب منه بل يبادر بطلب فرصة أخرى للشعب يراها في قلب الله مستترة خلف تهديده بإبادتهم!! فموسى لم يكن عبداً بطالاً بل شريكاً في رحلة خلاص الشعب ودخوله لأرض الموعد!! وللحديث بقية(يتبع)