الأحد، 8 يوليو 2012


الموت مع المسيح (4)
بقلم/ واتشمان ني
«عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلب معه ليُبطل جسد
الخطية كي لا نعود نُستعبد أيضاً للخطية» (رو6:6)
قبل الإيمان كانت أجسادنا تعمل وفق أوامر إنساننا العتيق، حتى يبدو أن ارتكاب الخطايا أصبح هو وظيفة الجسد الأساسية!! الإنسان العتيق يحب الخطية بجنون، يريد أن يخطئ دائماً، يشتهي الخطأ باستمرار، وجسدنا المادي يطيع الإنسان العتيق ويرتكب الخطايا حتى أصبح اسمه «جسد الخطية»، ولكن الآن بعد تعامل الرب يسوع مع إنساننا العتيق وصلبه معه على الصليب تحرر الجسد من سلطان الخطية وأصبح حراً أن يعمل الصلاح، عندما كان الإنسان العتيق حياً كان يحتل الجسد ويستعبده ويجبره على فعل الخطايا، لكن شكراً لله أن هذا الإنسان العتيق قد مات مع المسيح، رغم أن الخطية مازالت موجودة في أعماقنا وتصارع كل الوقت لكي تعود تسيطر على حياتنا إلا أننا لم نعد عبيد لها، تحاول دائماً الخطية أن ترسل أوامر لأجسادنا لكي ترتكب الخطايا لكنها لا تنجح لأن الروح القدس أصبح هو السائد على الجسد في حياة إنساننا الجديد، وهكذا تكون النتيجة أن الخطية لم تعد قادرة على تحريك أجسادنا لفعل الأفعال الخاطئة، ويكون الهدف من صلب الإنسان العتيق قد تحقق وهو «كي لا نعود نستعبد أيضاً للخطية» أو «كي لا نعود نخدم الخطية كعبيد» بحسب الترجمة الإنجليزية.
لقد رأينا إذاً ثلاثة أمور في هذا النص الكتابي:
(1)  حقيقة: أن إنساننا العتيق قد صُلب معه.
(2)  نتيجة: أن أجسادنا تحررت من سلطان الخطية.
(3)  هدف: أن لا نعود عبيداً للخطية.
      هذه الأمور الثلاثة مرتبطة معاً ولا يمكن فصلها، إدراكنا للحقيقة يؤدي للنتيجة التي تحقق الهدف، لكن كيف يحدث هذا عملياً؟ ما هي الشروط الواجب تنفيذها كي نختبر الموت مع المسيح؟
الإيمـان
لا يوجد شرط سوى الإيمان، بنفس الطريقة التي بها قبلنا موت الرب النيابي عنا نقبل الموت معه، لقد كان الإيمان وحده (وليس الأعمال) هو الطريق لنتشارك في نتيجة موت المسيح الكفاري بديلاً عنا ألا وهي الخلاص من العقاب الأبدي، وبالمثل نقول أنه بالإيمان وحده نتشارك في نتيجة موتنا مع المسيح ألا وهي التحرر من سلطان الخطية، كما أن موت المسيح لأجلك حقيقة فموتك مع المسيح أيضاً حقيقة، وكما أنك لو لم تؤمن بحقيقة موت المسيح لأجلك لن تستطيع الاستفادة من نتيجة هذا الموت ألا وهي الخلاص من العقاب الأبدي كذلك لو لم تؤمن بموتك مع المسيح لن تستطيع الاستفادة من نتيجة هذا الموت وهي الخلاص من سلطان الخطية، كل الذين آمنوا بموت المسيح نيابة عنهم نالوا الخلاص وكل الذين آمنوا بموتهم مع المسيح نالوا الانتصار والتحرير من سلطة الخطية.
الاشتراك في نتائج موت المسيح يتطلب فقط الإيمان، سواء كان موته «عنا» أو موته «معنا»!! الله يطلب منا الإيمان بموت المسيح بدلاً عنا للتكفير عن الخطية وموته مع إنساننا العتيق للتحرر من عبودية الخطية، وللحديث بقية (يتبع)

الاسم العجيب (59)
فخرى كرم
قلنا أن ربنا المبارك اتخذ قراراً بكامل اختياره أن يكون عبداً لله كل أيام حياته على الأرض، فكان لسان حاله عند دخوله للعالم «أن أعمل مشيئتك يا إلهي سُررت»، وإذا كان التاريخ المقدس قد شهد العديد من عبيد الله الذين خدموه في بعض أوقات حياتهم فربنا يظل متفرداً بأنه العبد منذ ولادته!! واليوم نريد أن نتقدم قليلاً لنرى سيدنا وهو:
عبد في صباه وشبابه
أيام الصبا والشباب المبكِّر ترتبط عادة في أذهاننا بالطيش والتهور، والسبب أنه في هذه المرحلة المبكرة من العمر يبدأ الإنسان يكتشف ذاته وقدراته وتفور في داخله الطاقات والرغبات بينما في ذات الوقت تكون معرفته للواقع المحيط به لم تنضج بعد، عادة تكون الطاقة النابعة منه أكبر من إدراكه للصواب والخطأ وما ينبغي وما لا ينبغي، تمتلك الإنسان في هذه المرحلة من العمر رغبة جارفة لإثبات ذاته وترك بصمته في الواقع المحيط به رغم عدم إدراكه الكامل للقواعد والمبادئ التي تحكم هذا الواقع، في تلك الأيام تكون ذات الإنسان ضخمة جداً في عينيه حتى أنها تحجب عنه رؤية الكثير من حقائق الحياة وقوانينها، وتفجُّر الطاقات في تلك المرحلة يجعل الإنسان يعتقد أنه قادر على تغيير واقعه وواقع مجتمعه بينما هو في الحقيقة ليس بقادر!! لذلك تتميز هذه المرحلة عادة بالأفعال الطائشة غير المحسوبة والكثير من الانفعال والتمرد وتخطي الحدود في العلاقة مع المجتمع، وتتميز أيضاً بالأحلام والطموحات الكبيرة بينما الإنجازات في أرض الواقع تكون عادة قليلة أو معدومة، ولذلك تكثر في هذه المرحلة أيضاً الصدمات العاطفية الشديدة التي قد تعصف بالإنسان وتحطمه أو تزيده نضجاًً وإدراكاً لطبيعة الحياة وقوانينها.
 قضى ربنا هذه المرحلة الحرجة من العمر في طاعة وعبودية كاملة للآب!! كان في هذه الأيام المبكرة ينمو ويتقوَّى بالروح ممتلئاً حكمة وكانت نعمة الله عليه، ودائماَ كان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس (لو2: 40، 52) كان ممتلئاً بالروح القدس الذي ملأه بالحكمة التي أعطته نضجاً وقامة في تعامله مع الله والمجتمع المحيط به.
تتميم مشيئة الله العامة
لقد قضى سيدي ثلاثين سنة من صباه وشبابه يصنع مشيئة الله العامة التي تكلمنا عنها سابقاً، المشيئة المدونة في أسفار الناموس والمطلوب تنفيذها من كل يهودي تقي، لم نقرأ طوال الثلاثين سنة الأولى من حياته عن عمل خاص أو مشيئة خاصة مُكلَّف بها من الآب، لكنه مثل أي يهودي مولود تحت الناموس كان يسعى لتتميم وصايا الله وتعاليمه، ولقد دوَّن لنا الوحي حادثتين في تلك المرحلة من حياته الكريمة تكشفان لنا هذا الحق:
(1) «ينبغي أن أكون في ما لأبي» (لو2: 49)
كانت هذه الحادثة وهو في الثانية عشرة من عمره، عندما لم تجده مريم ويوسف مع الرفاق وبحثا عنه ثلاثة أيام مُعذَّبين، ثم وجداه أخيراً في الهيكل جالساً وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم!! كانا يطلبانه وسط الشباب والصبية لأنهما لم يدركا أنه مختلف عن كل هؤلاء، أنه منحصرٌ في وصايا أبيه وتعاليمه، كل ما يشغله في تلك السن المبكرة أن يُرضي الله ويتمم شرائعه، كان يطلب الشريعة من فم المعلمين الجالسين على كرسي موسى (مت23: 2، 3) وكان يسمعهم بكل خضوع ويسألهم فيما يعسر عليه فهمه، لم يكن مطلوباً منه في هذه المرحلة أن يصطدم مع سلوكيات هؤلاء المعلمين، فهذه مشيئة خاصة سيُكلف بها فيما بعد، لكن المطلوب منه في هذا الوقت كان المشيئة العامة، أن يستمع منهم لأقوال الشريعة ويحفظها ويعمل بها مثل أي يهودي تقي يريد أن يسلك في مرضاة إلهه، وللحديث بقية (يتبع)