الخميس، 31 ديسمبر 2015

أحاديث من القلب

الأوقات والأزمنة (4)
فخرى كرم
«ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه» (غل4:4)
دعوة الله للإنسان مُمثلاً في شعبه القديم هي دعوة للتمتع بميراث سماوي كامل، ولكن بسبب أن ادراك الإنسان للأمور السماوية كان ادراكاً قاصراً قرر الله أن يضع الشعب القديم تحت أوصياء ووكلاء إلى الوقت المؤجل منه، قرر الرب أن تمر دعوته للإنسان في مرحلتين رئيسيتين، المرحلة الأولى وهي مرحلة الناموس ومرحلة أخيرة وهي مرحلة النعمة، ولقد عيّن الله وقتاً محدداً لكل مرحلة لا يمكن تخطيه.
في المرحلة الأولى قرر الرب أن يضع الإنسان تحت وصاية الناموس ليكون مؤدباً للإنسان إلى المسيح (غل3: 23، 24) كان هدف الناموس هو زيادة وعي الإنسان وادراكه للأمور الروحية السماوية، كان يتعامل مع الإنسان بمنطق الأمور المادية التي يسميها الرسول «أركان العالم» لكي يصل بالإنسان للأمور غير المادية المُذخرة له في ميراثه الكامل، كان الناموس بطقوس القداسة الجسدية يهدف لقيادة الإنسان لمعرفة أن الله قدوس لا يقبل الخطية، تمهيداً للإنسان لكي يطلب قداسة روحية أكثر عمقاً من قداسة الطقوس الخارجية، القداسة الحقيقية التي أتى بها يسوع من خلال سكنى الروح القدس.
كان الناموس من خلال مجموعة ضخمة من الوصايا والتشريعات يحاول أن يُنمِّي داخل الإنسان ضرورة السلوك بالبر أمام الله، ورغم أن وصايا الناموس وفرائضه لا تصنع براً حقيقياً كاملاً إلا أن المقصود منها أن تدفع الإنسان إلى طلب البر الحقيقي الذي سيأتي به المسيح.
وكان كل يوم يمر في تاريخ الشعب القديم يقتطع من الفترة الزمنية المحددة من الله لاكتمال زمن الناموس، كان الزمن محدداً أمام الله حتى أن النبوات أشارت إلى زمن مجيء المسيا بدقة شديدة، وفي (غل4:4) يشبِّه الرسول زمان الناموس بإناء فارغ تتساقط فيه حبات رمل بشكل منتظم، كل يوم يمر تضاف حبة رمل للإناء، ورغم أن حبة الرمل الواحدة قد تبدو للعيان تافهة وبلا قيمة إلا أن انتظام تساقط حبات الرمل يؤدي لامتلاء الإناء، كل يوم يمر كان يقترب بنهاية زمن الناموس وبداية زمن النعمة، إلى أن جاء يوم امتلأ الأناء بآخر حبة رمل، لم يعد الإناء قادراً على استيعاب المزيد!! 
كانت حبة رمل عادية مثل أي حبة أخرى لكنها كانت الأخيرة، كان يوم مجيء يسوع يوماً عادياً مثل أي يوم آخر قضاه الشعب تحت وصاية الناموس، لكنه بحسب توقيت الله كان اليوم الأخير في زمن الناموس، كان هذا اليوم هو «ملء الزمان»!! لقد «امتلأ» زمن الناموس ولا يمكن اضافة يوم واحد إليه!! لن يقبل الله من الإنسان ولو ليوم واحد آخر الاستمرار تحت قداسة الناموس الطقسية وبره الظاهري، لن يقبل الله مرة أخرى دم تيوس وعجول بعدما أتى يسوع ليدخل بدم نفسه إلى الأقداس الحقيقية ويجد لنا فداءً أبدياً، لن يتسامح الله ولا ليوم واحد آخر مع تنقية خارج الصحفة والكأس بينما الداخل ممتلئ اختطاف ودعارة، لن يقبل الله ولا ليوم واحد آخر منهج تصفية البعوضة وابتلاع الجمل!!

وتبقى المأساة الحقيقية أن الإنسان لا يميِّز الأوقات والأزمنة، لقد ظن قضاة الشعب ورؤساؤه أن زمن الناموس مستمر لا يمكن أن ينتهي، وانتظروا مسيحاً يأتي ليخضع معهم لنفس منهاج الناموس القديم، لم يتوقعوا قط أن يغيِّر الله الأوقات والأزمنة، ولقد بذلوا جهوداً مستميتة واستخدموا كل الطرق الشرعية وغير الشرعية لإبقاء تعاليمهم الطقسية ثابتة أمام تعاليم المسيح الروحية لكن هيهات!! لقد امتلأ الزمان وانتهى عصر الناموس ولا يمكن أن ترجع عقارب الساعة للوراء!! وللحديث بقية (يتبع) 

الاثنين، 7 ديسمبر 2015

أحاديث من القلب

الأوقات والأزمنة (3)
فخرى كرم
«روح السيد الرب عليَّ لأن الرب مسحني... لأنادي بسنة
 مقبولة للرب وبيوم انتقام لإلهنا» (أش61: 1، 2)
احدى النبوات الرائعة التي تنبأ بها اشعياء عن ربنا المعبود من قبل مجيئه للأرض بمئات السنين، يتنبأ فيها عن أن الروح القدس سيمسح يسوع للخدمة وسط شعبه، وهذه الخدمة ستنقسم إلى مرحلتين زمنيتين، المرحلة الأولى يُرمز إليها بـ «سنة» أي أنها مرحلة زمنية طويلة وممتدة وتشمل أقسام وفصول مختلفة، انها «سنة الرب المقبولة» وهي تشير إلى زمن النعمة الذي بدأ بالمجيء الأول لربنا إلى العالم، وهذه المرحلة تتميز بأن الله «يقبل» فيها الإنسان مهما كانت حالته منحطة ومزرية، في هذه المرحلة يتنبأ اشعياء أن الرب سيبشِّر المساكين ويعصب منكسري القلوب وينادي للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالإطلاق.
أما المرحلة الثانية فيُرمز لها بـ «يوم» أي أنها مرحلة قصيرة وليست ممتدة، انها «يوم انتقام لإلهنا» وهي تشير إلى وقت الدينونة الذي سيبدأ بالمجيء الثاني لربنا المبارك، انه الوقت الذي سينتقم فيه الرب من الأشرار الذين أساءوا إلى شعبه وأذاقوهم مرارة الحزن والعبودية، ولأن الرب ليس فقط مُنعم ومُخلِّص لكنه أيضاً محب للعدل ويبغض المختلس بالظلم فلابد أن يكون هناك وقت للانتقام من الشر، والغريب أن نفس الشخص الممسوح ليكرز بسنة النعمة هو نفسه الممسوح لتتميم يوم الإنتقام، انه ربنا يسوع المسيح له كل المجد، ولأن اشعياء يرى الأحداث بمنظور نبوي نجده يتكلم عن هاتين المرحلتين كما لو أنهما متقاربتين رغم أن الفرق بينهما زمنياً مئات السنين!!
ومرت السنين وأتى ربنا في مجيئه الأول وعاش وسط شعبه المُذل والمُهان، وعندما أكمل الثلاثين من عمره ذهب للمعمودية من يوحنا لكي يُكمل كل بر، وهناك انسكب عليه روح السيد الرب ومسحه للخدمة، وكانت هذه هي بداءة تتميم نبوة اشعياء في شقها الأول، مرحلة زمن النعمة الذي يفتح الله فيها أحضانه للإنسان المُعذَّب ليجد الراحة والسلام، وعندما جاء ربنا إلى الناصرة حيث كان قد تربَّى ودخل المجمع وقم ليقرأ دُفع إليه سفر اشعياء النبي، وبقيادة إلهية فتح السفر فوجد الموضع الذي كان مكتوباً فيه هذه النبوة العظيمة، وقرأ ربنا بحكمة شديدة أقوال النبوة حتى «سنة الرب المقبولة» ولم يُكمل الجملة المكتوب فيها «يوم انتقام لإلهنا»، ثم طوى السفر وسلمه إلى الخادم وجلس.
كان ربنا يعرف معنى الأوقات والأزمنة ويعرف كيف يميِّز بينها، كان يعرف أنه في مجيئه الأول سيكرز بسنة الرب المقبولة فقط، وسيسلِّم للكنيسة مهمة هذه الكرازة بعد صعوده للسماء، وأن هذه «السنة» ستمتد لفترات طويلة وستمر بمراحل كثيرة لكل مرحلة سماتها المختلفة، ولذلك لم يقرأ «يوم انتقام لإلهنا» لأن هذا الانتقام مؤجل حتى موعد مجيئه الثاني إلى الأرض، عندما يرجع ليس كالمخلص المُنعم بل كديان الأرض كلها!!

اننا مازلنا في مرحلة «سنة الرب المقبولة» وإن كنا نقترب بشدة من نهايتها الوشيكة، ليتنا نعرف كيف نميز زمن افتقادنا ونتعلق بنعمة الرب التي مازلت تفتح أحضانها للإنسان، قبل فوات الوقت وضياع الفرص وتغيُّر الزمان، حين لا يبقى أمام الإنسان سوى مواجهة انتقام الله المخيف!! وللحديث بقية (يتبع)

الثلاثاء، 1 ديسمبر 2015

عظات مختارة للأخ : فخرى كرم . روابط مباشرة .

الرابط التالى مرفوع عليه 14 عظة صوتية مختارة للأخ : فخرى كرم . بروابط مباشرة .
https://archive.org/details/yousefsaad2003_gmail_201511



الرابط التالى مرفوع عليه  44 عظة صوتية مختارة للأخ : فخرى كرم . بروابط مباشرة .
https://archive.org/details/yousefsaad2003_gmail_20151130






الثلاثاء، 3 نوفمبر 2015

أحاديث من القلب

الأوقات والأزمنة (2)
فخرى كرم
«لأنكِ لم تعرفي زمان افتقادك» (لو19: 44)
كلمات ربنا الحزينة التي قالها وهو على مشارف أورشليم تستحق أن نقف أمامها ونتعلم منها، تلك الكلمات التي امتزجت بدموعه الطاهرة تكشف لنا أن الله كان قد حدّد للأمة اليهودية «زمن افتقاد» لعلها تستغله وتقتنص الفرصة وترجع إليه بتوبة وإيمان، وهذا الزمان محدد ببداية ونهاية، كانت بدايته مع بداية خدمة يوحنا المعمدان الذي دعا الشعب والقادة للتوبة وتغيير المسار، وكانت نهايته في يوم دخول ربنا الأخير إلى أورشليم، زمان طويل وكافٍ لا يقل عن ثلاث سنوات وبضعة أشهر.
في زمان الإفتقاد هذا أعطى الله للشعب كل ما يحتاجه للتوبة والرجوع، وتكلم معهم بكل الأساليب والطرق، أرسل يوحنا المعمدان صوتاً صارخاً في البرية لكي يعدوا طريقاً للرب في القفر، صوت يوحنا كان صوتاً عالياً ومزعجاً ومخيفاً لعل الغافلون ينتبهون والنائمون يستيقظون، استخدم يوحنا كلمات حادة وصارمة وكاشفة لخطايا الشعب وابتعاده عن شريعة إلهه، رسم لهم طريق التوبة بوضوح ورسم لهم طقس المعمودية لإشهار هذه التوبة، كانت رسالته مؤيدة بالروح القدس الذي ملأه وهو بعد جنيناً في بطن أمه ليعدَّه لهذه الخدمة، ولقد حرَّكت خدمته الضمائر وأشعلت القلوب ومهَّدت الطريق لعودة الشعب إلى إلهه.
  ثم أتى ربنا المبارك بخدمته بعد خدمة يوحنا ليكملِّها ويضيف إليها، دعا الشعب للتوبة لأن ملكوت الله اقترب منهم، أعلن ربنا للشعب أن الله هو أبوهم المحب الذي يرثي لهم ويريد أن يخلِّصهم من شرورهم وآثامهم، أظهر محبة الآب من خلال أعمال الخير والشفاء التي كان يجول يصنعها في كل مكان، رفض مشورة تلاميذه أن يوقع الدينونة بمدينة السامريين الذين رفضوا استقباله وقال لهم أنهم لا يعلمون من أي روح هم، فابن الانسان لم يأتِ ليدين بل ليخلّص، فكما قلنا أن لكل زمان الأرواح المسئولة عنه، والروح السائد في زمن الإفتقاد كان روح الخلاص وليس روح الدينونة.
ومن كلمات الرب الباكية على مشارف أورشليم نتعلم أيضاً أن ربنا حاول كثيراً في زمن الإفتقاد أن يجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، كان المجتمع اليهودي منقسم إلى متدينين وخطاة، والمتدينون لا يقبلون الخطاة ولا يأكلون معهم، فنجد ربنا يجلس ويأكل مع العشارين والخطاة ويجلس ويأكل في بيت سمعان الفريسي، حاول أن يجمع حول شخصه النقيضين، تكلم عن الغفران للآخرين وقبول توبتهم، حكى لهم مثلاً عن الأب الذي له ابنان واشتاق أن يسترد ابنه الضال ويجلِّسه على مائدة واحدة مع أخيه الأكبر، ولكن الابن الأكبر رفض للأسف أن يشارك أخاه مائدته أو يشارك أباه فرحته!!

وها قد مرت الأيام ودنا وقت النهاية لزمان الإفتقاد، ماذا يعوز الإنسان أكثر لكي يتوب؟ ماذا بعد خدمة يوحنا النارية وخدمة ربنا كلي المحبة؟! ماذا ينقصهم بعدما رُسم أمامهم الآب الذي يفتح أحضانه لقبولهم وخلاصهم؟! كان الجواب الحزين الذي سكب الدموع من عيون ربنا هو «ولم تريدوا» (مت 23: 37)!! لقد رفضت الأمة اليهودية أن تقنص الفرصة في زمان الإفتقاد، أغمضت عيونها وصمَّت آذانها وأغلقت قلبها ورفضت التوبة، قطعوا رأس يوحنا بالسيف وهاهم يتآمرون لتسليم ربنا للأمم ليقتلوه، وماذا يتبقى بعدما نرفض زمان الإفتقاد؟! ليس سوى قبول الدينونة المخيفة: «فإنه ستأتي أيام ويحيط بك أعداؤك بمترسة ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة، ويهدمونك وبنيك فيك ولا يتركون فيك حجراً على حجر لأنك لم تعرفي زمان افتقادك»!! وللحديث بقية (يتبع)

السبت، 3 أكتوبر 2015

أحاديث من القلب

الأوقات والأزمنة (1)
فخرى كرم
«هو يغيّر الأوقات والأزمنة، يعزل ملوكاً وينصّب ملوكاً» (دا2: 21)
يعلِّمنا الكتاب المقدس أن الله يقسِّم تاريخ الأفراد والشعوب إلى أوقات وأزمنة محددة ومميَّزة، فمشيئة الله في حياة الأفراد والشعوب تمر في طريق تنفيذها بعدة مراحل متعاقبة، كل مرحلة تتميز بطبيعة وسمات تختلف عن سواها من المراحل، وكل مرحلة لها أهداف تختلف عن المراحل السابقة واللاحقة، وكل مرحلة تنتهي متى حققت أهدافها لتسلم الأمور لمرحلة تالية، وكل مرحلة يكون مسئولاً عن تنفيذها قوى سماوية وأرضية تختلف عن القوى المسئولة عن تنفيذ المراحل الأخرى، فسفر دانيال يعلمنا أن الله له الحكمة والجبروت وأنه وحده له السلطان أن يغيِّر الأوقات والأزمنة، وهو يغيِّر هذه الأوقات والأزمنة بواسطة أنه يعزل ملوكاً وينصِّب ملوكاً، وهؤلاء الملوك ليسو فقط ملوك الأرض بل الملوك الموجودون في السماء أيضاً، أي القوات الروحية الملائكية والشيطانية (دا10: 12-21)!!
«ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه» (أع1: 7)
ليس لأحد من البشر القدرة ولا السلطان أن يعرف بدايات ونهايات هذه الأوقات والأزمنة، فتحديد بدايات ونهايات وأهداف هذه المراحل الزمنية هو في سلطان الآب فقط، ونتعلم هذا من إجابة الرب على سؤال التلاميذ بخصوص نهاية زمان «العبودية» بالنسبة للشعب اليهودي وبداية زمان آخر هو زمان «رد المُلك لإسرائيل» (أع1: 6) ووقتها أجابهم الرب بأنهم غير مسئولين عن معرفة بدايات ونهايات الأزمنة لكنهم مسئولون فقط عن تنفيذ المطلوب منهم في المرحلة الحاضرة وهو أن يكونوا له شهود في أورشليم واليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض!!
«يا مراؤون تعرفون أن تميِّزوا وجه الأرض والسماء وأما هذا الزمان فكيف لا تميزونه؟!» (لو 12: 56)
الرب لا يطالبنا بأن نعرف متى يبدأ زمان ما أو متى ينتهي لكنه في نفس الوقت يطالبنا بأن نميِّز الزمان الذي نحن فيه ونتجاوب معه، فالإنسان الذي يهتم بأن يعرف ويميز وجه الأرض والسماء ينبغي ان يهتم بمعرفة وجه الزمان الذي يعيش فيه، قال ربنا هذا الكلام لجيل يميّز أن غده سيكون مطيراً إذا رأى سُحب تطلع من المغارب (الحدود الغربية لأرض فلسطين هي البحر المتوسط) ويتوقع طقساً حاراً إذا وجد الريح تهب من الجنوب (الحدود الجنوبية لأرض فلسطين هي الصحراء العربية) بينما هذا الجيل المرائي لم يستطع أن يلاحظ سُحب النعمة المحمَّلة بالبركات التي غطت سماء إسرائيل في وقت خدمة ربنا يسوع المسيح، الذي كان يجول «يُمطر» خيراً وشفاءً لكل نفس تحتاج إليه!! وهذا الجيل الملتوي لم يعرف أن يميز الريح الساخنة الآتية من الصحراء الجرداء الموجودة في نفوس الكهنة والقادة المقاومين لخدمة ربنا المبارك، تلك الرياح التي كانت تنذر بأيام شديدة الحرارة ستحرق الأخضر واليابس في أرض إسرائيل!!

كيف يصل الغباء بالإنسان حتى أنه لا يميّز معاملات الله معه ولا يتجاوب معها، كيف نظن أننا نفهم في أحوال الطقس وقوانين الطبيعة ودهاليز السياسة وطبائع البشر..ألخ  بينما نحن لا نفهم ما يقوله الله لنا مرات كثيرة وبطرق متعددة؟! الإنسان الذي لا يميز مشيئة الله في زمانه لن يستطيع أن يتجاوب معها بالشكل الصحيح ولن ينفذها في وقتها المناسب، وبالتالي ستمر أيامه بلا جدوى وتضيع الفرص الثمينة من يديه وتنتهي حياته دون تحقيق الغرض منها!! ليتنا نتعلم يا إخوتي أن نميز زماننا قبل فوات الفرصة!! (يتبع)   

الأربعاء، 2 سبتمبر 2015

أحاديث من القلب

 بلاغة السكوت (15)

فخرى كرم

«ولما فتح الختم السابع حدث سكوت في السماء نحو نصف ساعة» (رؤ8: 1)
بعدما تكلمنا عن عدة حالات من السكوت البليغ في أرض الإنسان دعونا نختم هذه السلسلة بحالة سكوت أخيرة سيكون مكانها هذه المرة في السماء، عند فتح الختم السابع والأخير وقبل انسكاب ويلات الأبواق السبعة على الأرض، وهذا التوقيت في السماء يتزامن مع بداية الضيقة العظيمة بتوقيت الأرض.
السماء كان فيها عدة أصوات آن لها أن تسكت!! ولعل أول هذه الأصوات هو صوت المشتكي الذي كان يشتكي على اخوتنا نهاراً وليلاً بلا توقف، صوت مزعج احتمله الله بصبر لسنوات طويلة وبطول أناة عظيمة، صوت قبيح دأب على تشويه صورة أبناء الله أمام عرش أبيهم، صوت كان يستعدي عليهم غضب الله وسخطه، في هذه اللحظة سيسكت هذا الصوت مرة وإلى الأبد، وفي هذا السكوت قمة البلاغة لأنه يعلن فشل شكاية العدو وانهزامه أمام اكتمال خطة الله في فداء وتبرير أبنائه، وهذا السكوت يُعلن أيضاً أن المشتكي لم يعد له مكان في السماء وسيُطرح إلى الأرض، وهذا الطرح سيتزامن مع ويلات الأبواق السبعة التي ستسبب للأرض ضيقة عظيمة لم يكن مثلها منذ بدء الخليقة ولن يكون.
والسماء كان فيها صوت آخر آن له أيضاً أن يسكت، أنه صوت القديسين والشهداء الذين تألموا من الشر الموجود على الأرض ويصرخون أمام العرش طلباً للقصاص، لقد تأنى الرب كثيراً عليهم حتى تكتمل فرص النعمة التي يمنحها للأرض، ولكن مع بداية الأبواق السبعة يعلن الله أنه سيستجيب لكل صلوات ودموع وصراخ عبيده المتألمين منذ بداية الخليقة، وسيكون في غضبه المنسكب على الأرض شفاء لكل جراحهم وأنينهم، وعند رؤيتهم لعدالة الله وعقابه ستسكت أصواتهم المطالبة بالقصاص مرة وإلى الأبد!!
لكن للأسف فإن أجمل الأصوات في السماء سيسكت أيضاً!! إنه صوت الشفيع العظيم الذي لم يكف لحظة عن شفاعته فينا وفي الأرض وحتى في الأشرار، أمام شكاية العدو الدائمة كانت هناك أيضاً شفاعة دائمة، ان الأرض والسماء الموجودة حالياً محفوظة بتلك الكلمة المتشفعة، ان ربنا المبارك هو الحامل لكل الأشياء بكلمة شفاعته المقتدرة، وأمام كل محاولة للمشتكي أن يقتل ويُهلك كانت هذه الشفاعة تعطي نجاة وفرص جديدة للحياة، وأمام كل أمر بقطع الشجرة غير المثمرة كان صوت المتشفع يمنحها سنة أخرى مقبولة!!

ولكن في هذه اللحظة سيسكت هذا الصوت الجميل في السماء، سكوت بليغ يعلن كمال شفاعته ونجاح مقاصده، سيسكت بعدما نجحت شفاعته في خلاص شعبه ورفعهم للمجد وبعدما رفضت الأرض آخر فرص نعمته الممنوحة لها، سيسكت صوت شفيعنا المبارك بعدما أتم عمله بنجاح باهر وأصبح من حقه أن يستريح ويبدأ احتفاله بزفافه إلى عروسه المزينة التي اشتراها بدمه وجمعها من كل قبيلة وأمة وشعب ولسان، سيسكت أجمل الأصوات التي سمعتها السماء على الإطلاق لكن لكي يبدأ بعدها بقليل صوت الفرح والإبتهاج والتهليل الأبدي الذي لن ينتهي إلى الأبد!! إنها نصف ساعة من السكوت في السماء لكنه سكوت بليغ تقشعر من معانيه الأبدان!! (تمت)   

الاثنين، 3 أغسطس 2015

أحاديث من القلب

بلاغة السكوت (14)
فخرى كرم
«لكي يستد كل فم أمامه ويصير كل العالم تحت قصاص من الله»

(رو3: 19)
«فقال له: يا صاحب، كيف دخلت إلى هنا وليس عليك لباس
 العرس؟! فسكت» (مت22: 12)

لعلها حالة السكوت البليغ الوحيدة في الكتاب المقدس التي لا أتمناها لنفسي ولا لقارئي العزيز!! عندما يسأل الله عن سبب عدم قبول الإنسان للنعمة المجانية فلا يجد الإنسان إجابة ولا يستطيع أن يرد ولا بكلمة واحدة!!
الإنسان بطبعه فصيح جداً في دفاعه عن نفسه ويستثمر كل طاقاته اللغوية والبلاغية والشعورية لتبرئة نفسه واكتساب رضا الناس وتعاطفهم، نحن نعرف جيداً كيف نقلب الحقائق ونلفق الأكاذيب ونخترع التفاصيل حتى نتنصل من المسئولية ونبرَّر أنفسنا من الذنب ونهرب من العقاب، حتى أن الكذب أصبح الصناعة الوحيدة التي نجيدها ونبرع فيها، نكذب على الكل: على القريب والبعيد، على العدو والصديق، بل أحياناً نكذب على أنفسنا!! نحن نفرح حين نشعر أننا كنا بارعين في الكذب على الآخرين لدرجة أننا أقنعناهم ببراءتنا واكتسبنا تعاطفهم، بل في بعض الأحيان نحن نبرع في الكذب والتمثيل لدرجة أننا نصدق أنفسنا ونتبرر في أعين ذواتنا!!
لكن ما لا يعرفه الإنسان أنه ستأتي لحظة لن يستطيع فيها أن يستخدم مهارته في المراوغة والتبرير، هناك سؤال لن يستطيع له إجابة وهناك إتهام لن يستطيع منه هروباً، وإذا أمكنه خداع الناس كلها فستأتي ساعة يقف فيها أمام مَن لا يمكن خداعه، وإذا عاش عمره كله يخادع ضميره ويقنع نفسه ببره الزائف فستأتي لحظة لن يستطيع أن يفعل هذا، ووقتها سيضطر الإنسان آسفاً -ربما لأول مرة -أن يسكت!! إنه سكوت العجز عن المراوغة والفشل في التبرير، سكوت الذهول عندما تنجلي الحقيقة في نور الإله الحق، سكوت الرعب عندما يرى أعماقه ودوافعه وأفكاره التي أخفاها عن الجميع عريانة ومكشوفة لعيني ذلك الذي معه أمرنا!!
أرسل الله الناموس للإنسان لكي يرشده إلى الطريق الصحيح للتمتع برضا الله وبركته، لكن الإنسان فشل في إلتزام هذا الطريق وحاد عنه، ولو حاكم الله الناس بحسب الناموس فلابد أن يستد كل فم أمامه ويصير كل العالم تحت قصاص من الله!! لكن في ملء الزمان تدخلت النعمة في هذا المشهد البائس وظهر بر الله بدون الناموس مشهوداً له من الناموس والأنبياء، بر الله بالإيمان بيسوع المسيح، لقد قدم الله لنا عطية أن نصير متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح، وأصبح من حق الإنسان الخاطئ أن يخلع ثياب نجاسته ويرتدي ثياب بر المسيح مجاناً، وعندئذ يصبح من حقه أن يدخل إلى الأقداس ويقف أمام الله ويحظى بكل القبول والرضا والحياة الأبدية، يالها من نعمة مجانية عظيمة!! لكن ما رأيكم فيما يستحقه الإنسان إذا رفض هذه النعمة ولم يقبل بر الله المُقدم له؟! وإذا كان الإنسان قد برَّر كسره للناموس بصعوبة الوصايا وقسوتها فبماذا يبرِّر رفضه للنعمة في لطفها ومجانيتها؟!


ولقد حكى لنا الرب هذه الحقائق ببساطة في مَثَل الملك الذي صنع عرساً لإبنه وقال لعبيده أن يذهبوا إلى مفارق الطرق ويدعوا كل من يجدوه إلى العرس، وأن يخلعوا عن المدعوين ثيابهم القذرة ويعطونهم مجاناً ثياب عرس تليق بالوجود في حضرة الملك، ولكننا نندهش عندما نجد إنساناً يقرر أن يرفض هذه الدعوة السخية ويحاول أن يدخل إلى حضرة الملك بثيابه القذرة رافضاً ثياب بر المسيح المقدمة له مجاناً!! لقد وجّه له الملك بكل وداعة السؤال الذي لا يمكن لإنسان أن يجيب عنه «يا صاحب، كيف دخلت إلى هنا وليس عليك ثياب العرس»؟! وعندئذ سكت لأنه لا يمكن أن يجد الإنسان كلمات يبرر بها رفضه لنعمة الله المجانية، وللأسف إنه السكوت الأخير الذي يعلن أن فرصة التواصل مع الله قد إنتهت إلى الأبد، وإن الإنسان ماضٍ إلى أرض السكوت الأبدي!! وللحديث بقية (يتبع)

الأربعاء، 1 يوليو 2015

أحاديث من القلب

بلاغة السكوت (13)
فخرى كرم
«جيد أن ينتظر الإنسان ويتوقع بسكوت خلاص الرب، جيد للرجل أن يحمل النير
في صباه، يجلس وحده ويسكت لأنه قد وضعه عليه» (مراثي3: 26-28)
أحياناً يكون السكوت عن الشكوى هو علامة نضج لشخصية الخادم، فكثيراً ما كانت ظروف وطبيعة الخدمة التي يضعها الرب على كاهلنا مؤلمة وصعبة، ولو استسلم الخادم للشكوى والتذمر ومقارنة نفسه بالآخرين فلن يستطيع القيام بخدمته، بل تكون الشكوى في هذه الحالة علامة على عدم نضج الخادم وعدم قدرته على تحمل المسئولية.
أكثر رجال الله تحملاً للألم بسبب خدمته كان أرميا بلا منازع، كانت حياته كلها سلسلة متصلة من الآلام، دعاه الرب للخدمة وهو بعد صبي صغير لا يزيد عن العشرين سنة، وبينما كان جميع أقرانه يستقبلون الحياة بصدر رحب وأذرع مفتوحة كان هو ينحني بكتفيه تحت نير ثقيل، نير الرسالة التي وضعها عليه الرب والتي ستضعه في مواجهة صادمة مع كل فئات المجتمع اليهودي آنذاك، كانت الرسالة التي في فمه رسالة قضاء ودينونة لكل فئات الشعب، وكانت نبواته تنذر بالخراب والسبي الوشيك، أبغضه إخوته بنو أمه وتآمروا عليه (أر12: 6) أبغضه الكهنة زملاء مهنته وطالبوا بعزله من الخدمة وعقابه (أر 20، 26) أبغضه الملوك وقادة الجيش ونكَّلوا به مرات عديدة (أر37: 15) حتى أن الفئة الوحيدة التي عاملته باحترام كانت فئة البابليين الغزاة!!
وقد واجه أرميا كل هذه الظروف المضادة بالسكوت البليغ!! كان رجلاً في تحمُّله للمسئولية، كان في كل مراحل خدمته ينتظر بصبر ويتوقع بسكوت خلاص الرب، كان قابلاً للجلوس دائماً وحده بلا شريك أو معين، أمره الرب ألا يتزوج ولا يكون له بنين أو بنات (أر16: 1) قضى حياته منبوذاً من شعبه ومات غريباً في أرض مصر على غير إرادته!!
ولو أضفنا إلى كل هذه المعاناة طبيعة أرميا النفسية لوجدنا هذه الآلام تتضاعف عدة مرات!! فطبيعة أرميا النفسية التي نفهمها من الوحي المقدس كانت طبيعة شديدة الحساسية مليئة بفيض من المشاعر الرقيقة تجاه كل افراد شعبه، كان انساناً مرهف الحس كثير البكاء، كان شخصيته أقرب للشاعر الأديب منها للمقاتل الصنديد، ولو نظرنا لسفر المراثي في لغته الأصلية لوجدناه مكتوباً بصيغة شعرية غاية في الروعة والجمال، مما يدفعنا للتساؤل: ما علاقة هذا الشاعر الرقيق بكل هذه الحروب والآلام؟!
 والإصحاح الثالث في سفر المراثي هو قصيدة شعرية كتبها أرميا عن معاناته هو الشخصية، لقد رثى في كل كتاباته جميع فئات الشعب ولكنه في هذا الإصحاح الفريد يرثي نفسه!! يسترجع في نهاية حياته التي قاربت على الثمانين ما تألم به منذ صباه، وفي هذه المرثاة الجميلة يكشف لنا أرميا عن سر سكوته طوال حياته، كيف لم يملأ الدنيا ضجيجاً وشكوى من الظلم الذي يتعرض له، وكان السر هو أنه أحب الرب ووثق في أمانته الكثيرة، قَبِل النير من يده وأراد أن يتمم مشيئته للنهاية، كان يردد دائماً في قلبه أنه من إحسانات الرب أننا لم نفن لأن مراحمه لا تزول، في كل صباح كان ينتظر مراحم جديدة لأنه يؤمن أن السيد لا يرفض إلى الأبد وأنه ولو أحزن يعود يرحم حسب كثرة رحمته!!

ليتك يا سيدي تصنع في حياتي رجلاً ناضجاً يحمل النير بصمت ويتوقع بسكوت خلاصك القريب، وللحديث بقية (يتبع)

السبت، 6 يونيو 2015

أحاديث من القلب

بلاغة السكوت (12)
فخرى كرم
«الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون» (خر14: 14)
«بالرجوع والسكون تخلصون، بالهدوء والطمأنينة تكون قوتكم» (أش30: 15)
في بعض حروبنا الروحية يكون السكوت أحد الأسلحة المؤثرة في إحراز الانتصار!!
خاض موسى وهارون معركة طويلة لخلاص الشعب الإسرائيلي من تحت حكم فرعون مصر وخروجهم لأرض الموعد، ولقد شهدت هذه المعركة مراحل كثيرة ولكل مرحلة أسلحتها المستخدمة، فقد كانت هناك مرحلة الإعلان المنطوق عن إله العبرانيين الذي يأمر بإطلاق سراح الإسرائيليين ليخرجوا ويعبدوه في أرض جديدة، وفي هذه المرحلة كانت الضربات والعجائب التي أجراها الرب بأرض مصر هي السلاح المستخدم لإثبات صدق الإعلان الذي في فم موسى وهارون، وكان الهدف من هذه المرحلة أن يستجيب فرعون لأمر الرب ويخضع ويطلق الشعب، لكن الانتصار لم يُحسم في هذه المرحلة لأن فرعون اختار أن يعصى أمر الرب ويتمرد على سلطانه.
 وهنا انتقلت الحرب إلى مرحلة أخرى وهي مرحلة التأديب والترويض لكبرياء فرعون وقادته وجنوده، فإذا كانت الضربات التسعة الأولى هدفها تأكيد الإعلان الذي في فم موسى إلا أن الضربة العاشرة شهدت نقلة نوعية حيث كانت تهدف إلى تأديب فرعون على ما فعله ببني إسرائيل في عبوديته القاسية، الضربات التسعة أظهرت سلطان الرب على الطبيعة المحيطة بفرعون أما الضربة العاشرة فأظهرت سلطان الرب على بيت فرعون وحياته وحياة أسرته، الضربات التسعة كانت قابلة للرفع إذا تجاوب فرعون معها لكن الضربة العاشرة كانت قاصمة غير قابلة للرفع!!
وبعد أن سمح فرعون تحت تأثير الضربة العاشرة بخروج الشعب، وبعد أن اعتقد موسى وشعبه أن الحرب قد انتهت، فوجئ الجميع أن الحرب مازالت في أوجها!! وجد الشعب نفسه محصوراً بين البحر من ناحية وجيش فرعون من الناحية الأخرى، لقد سمح الرب لفرعون أن يتمرد مرة أخرى على سلطان الله وإرادته ويراهن في هذه المرة على قوته العسكرية في مواجهة قوات رب الجنود، كان الرب يريد أن ينقل الحرب مع فرعون إلى مرحلة أخيرة هي مرحلة العقاب الشامل والنهائي، مرحلة يعرف فيها فرعون معنى الغرق في أعماق البحر مثلما فعل بأبناء الإسرائيليين، فالعقاب يكون غالباً من نفس جنس العمل!!
في كل هذه المراحل كان الدور الوحيد المطلوب من الشعب لإحراز الانتصار هو «الصمت»!! كان دور الرب أن يقاتل عنهم وكان دورهم أن يصمتوا!! الصمت الإيجابي الذي يعطي للرب فرصته الكاملة لإظهار قوته وبره في مواجهة قسوة وشر فرعون، الصمت المعبِّر عن التواضع والاعتراف بأن الحرب أكبر منهم ومن قدرتهم على الفهم، الصمت المملوء بالإيمان بكفاية الرب على حسم المعركة لصالحهم، ولا شك أن صمتهم كان سيجعل الحرب أكثر سهولة على موسى وهرون، صمتهم كان سيمنح موسى صفاء الذهن وسكون النفس الذي يجعله أكثر قدرة على التركيز والاستماع للرب ومعرفة مشيئته.

لكن يبدو أن السكوت أمراً في منتهى الصعوبة على الإنسان!! لقد أبى الشعب إلا أن يملأ الدنيا ضجيجاً وشكوى، وفي كل مراحل الحرب كان على موسى أن يواجه بمفرده شر فرعون من ناحية وتذمر الشعب من الناحية الأخرى، لقد أحاطوا ذهن موسى بأسئلة لا إجابات لها ووضعوا في طريقه عراقيل لا يملك لها حلاً، بعدم صمتهم وضعوا على كاهله حملاً ثقيلاً تنوء تحته الجبال، وللحديث بقية (يتبع)   

السبت، 2 مايو 2015

أحاديث من القلب

بلاغة السكوت (11)
فخرى كرم
«يسكت في محبته» (صف3: 17)
«احسبوا أناة ربنا خلاصاً» (1بط3: 15)
يدهشني جداً سكوت السيد عن توجيه أي لوم أو عتاب أو تحذير ليهوذا الأسخريوطي طوال فترة وجوده ضمن دائرة التلاميذ لمدة ثلاث سنوات، لقد اختاره السيد ضمن التلاميذ وهو يعلم أنه «شيطان» اي «مُقاوِم» و«مُشتكي»، كان في الظاهر يتبع الرب في الطريق مع بقية التلاميذ لكنه في الحقيقة كان مقاوماً لهذا الطريق ومُشتكياً عليه ومعرقلاً للسائرين فيه، فهناك دائماً اسلوبان لمقاومة أي طريق: (1) الأسلوب الظاهر وهو أن تظل خارج هذا الطريق وتقاومه علانية وتنتقده بوضوح، أما (2) الأسلوب الخفي الأشد خطراً فهو أن تنضم ظاهرياً للسائرين في هذا الطريق لكي تظل بينهم بوقاً للشكوى ومصدراً للإنزعاج ومثيراً للخصومات!!
كان الرب يعلم أن يهوذا يأخذ الأموال التي توضع في الصندوق ومع ذلك لم نسمعه يلومه أو يفضح سلوكه أمام التلاميذ، كان الهدف من الأموال التي تُوضع في الصندوق هو أن تسدد احتياجات التلاميذ المادية وبالتالي تجعل اتباعهم للرب أكثر سهولة، وعندما كان يهوذا يأخذ هذه الأموال لم يكن يقصد فقط مجرد السرقة لكنه في الحقيقة كان يقصد أن يجعل حياة التلاميذ أكثر صعوبة ويضع العراقيل أمام متابعة سيرهم مع الرب!!
لقد انتقد الرب بطرس في أكثر من مناسبة ووجَّه له اللوم علانية لكنه أبداً لم يفعل هذا مع يهوذا، لقد واجه السيد كل خيانة يهوذا والسرقات التي كان يرتكبها بسكوت بليغ!! كانت طبيعة بطرس هي طبيعة التلميذ الذي يحب سيده ويرغب في اتباعه، ومثل هذا التلميذ إذا وجَّه إليه سيده اللوم فإنه يتقبله بصدر رحب ويتعلم من أخطائه، ولهذا لم يخشَ السيد من توجيه اللوم لبطرس أكثر من مرة عالماً أنه سيقبله ويستفيد منه، أما يهوذا فلم تكن طبيعته هي طبيعة التلميذ بل طبيعة اللص التي تنفر من النور وتهرب من اللوم، السيد يعلم أن طبيعة السارق والخائن هي الخوف والجُبن والاختباء في الظلام، رأس مال اللص هو أن يظل مختفياً عن الأنظار لا يراه أحد أما إذا شعر بأن هناك من يراه فإنه فوراً يلوذ بالهرب، كان السيد يعلم أن أي لوم سيوجهه ليهوذا سيكون بمثابة النهاية لوجوده بين التلاميذ، السيد يعلم أن يهوذا سيلوذ بالفرار مع أول إشارة تكشف خيانته، ولأن السيد كان يحب يهوذا ويريده أن يبقى أطول فترة ممكنة داخل دائرة النعمة قرر أن يسكت في محبته!! سكت السيد عن اللوم لكي يمنح يهوذا فرصة النعمة كاملة لعله يستغلها ويتوب.
وعندما يسكت الرب في محبته عن توجيه اللوم لنا فهذا يحمِّلنا مسئولية أن نحسب أناته خلاصاً ونستغل الفرصة ونتوب ونتغيَّر، لكن للأسف لم يحسب يهوذا أناة ربنا خلاصاً، لم يحسب أن الرب يسكت في محبته بل اعتقد أن الرب يسكت لأنه يجهل خيانته، لقد اعتقد يهوذا أنه استطاع خداع يسوع والتلاميذ فاستمر في خيانته إلى النهاية، وعندما وجَّه إليه الرب اللوم في بستان جثسيماني كانت هذه هي المرة الأولي ولكنها أيضاً كانت المرة الأخيرة!! كان الوقت قد فات وفرصة النعمة قد إنتهت!!

اعطني يا سيدي أن أحسب أناتك وسكوتك عن أخطائي خلاصاً وفرصة أقتنصها للتوبة والنجاة، ولا تسمح أبداً أن أحسب سكوتك فرصة لاستمراء الخطأ والاستمرار فيه، وللحديث بقية (يتبع) 

الأحد، 5 أبريل 2015

أحاديث من القلب

بلاغة السكوت (10)
فخرى كرم
«يسكت في محبته» (صف3: 17)
أحياناً يكون السكوت هو أبلغ تعبير عن المحبة!! عندما نسكت عن تذكير الآخرين بخطاياهم وتكرار لومهم على سقطات الماضي فنحن نعلن محبتنا لهم ونساعدهم على نسيان الماضي والنهوض من ضعفاته!!
للأسف نحن نميل بطبعنا إلى كثرة الكلام عن أخطاء وسلبيات الآخرين، أرجلنا سريعة إلى سفك الدم، نظن أنه بكثرة ذكر خطايا الآخرين نبرِّر أنفسنا!! وإن أخطأ إلينا أحدهم لا نكفُّ عن لومه وتقريعه وتذكيره دائماً بخطئه، وكثيراً ما كان سم الأصلال تحت ألسنتنا ونحن نتحدث عن ضعفات الآخرين ونقائصهم، كثيراً ما جرحنا الآخرين جروحاً غائرة بكلمات كان بإمكاننا أن نسكت عنها، وكثيراً ما منعنا نهوض البعض من ضعفهم لأننا دائماً نتكلم عنهم بسلبية ونذكِّرهم بفشلهم السابق.
ما هو الحل لكثرة كلامنا السلبي هذا؟! إنها المحبة ولا شيء آخر!! المحبة التي تعرف أن تستر كثرة من خطايا، المحبة التي إن وجدت أن الكلام لن يكون مفيداً للآخرين لا تنطق به، المحبة التي تتمنى للخاطئ أن يعود وللضعيف أن يقوى وللفاشل أن ينجح، المحبة التي تعرف متى توبِّخ المخطئ على خطئه ومتى تسكت عن التوبيخ لكي تعطيه فرصة أن يخرج من ماضيه ويبدأ بداية جديدة، فكثرة التوبيخ قد تربط المخطئ بماضيه وتقيِّده وتمنعه من النهوض.
عندما عاد الابن الضال بعدما أنفق أموال أبيه بعيش مسرف وجدنا الأب يركض ويقع على عنقه ويقبِّله دون أن يوجه إليه أية كلمة!! لقد سكت الأب عن كلام كثير كان يمكن أن يقال، ما أكثر كلمات اللوم والتوبيخ التي يمكن أن تقال في موقف مثل هذا، ما أكثر الأسئلة المحرجة التي يمكن أن يوجهها الأب لابنه عن أين كان ومع مَن عاش وكيف خسر أمواله، وكل هذه الكلمات كان يمكن ادراجها تحت بند التأديب الأبوي وحق الأب في أن يعرف كل شيء عن ابنه وعن أمواله، لن يلوم أحد الأب إن نطق بكلمات شديدة وجارحة في هذا الموقف، لكن الأب الصالح قرَّر أن يسكت تماماً ولا يوجِّه لابنه كلمة واحدة، إنه سكوت المحبة الأكثر بلاغة من أية كلمات، لقد لاحظ الأب بنظرة محبته أن ابنه منهك ومتألم ولا يحتمل أي ألم إضافي فقرر أن يسكت لكي لا يزيد ألمه، ولقد لاحظ ثانياً أن ابنه قد أدرك خطأه وندم عليه فقرر أن يسكت عن لوم لن يضيف جديداً، ولاحظ ثالثاً أن ابنه العائد يتمنى أن يبدأ بداية جديدة ينسى فيها ماضيه الشائن فقرر أن يسكت لكي يساعده على النسيان!!

انكار بطرس في ليلة الصليب كان خطأ جسيم بلا شك، وما أكثر الكلمات التي يمكن أن تقال له بعد هذا السقوط المدوي، حتى أننا في أيامنا هذه لا نكف في أحاديثنا عن ذكر هذه الحادثة وتفنيدها من كل الجوانب، ولا نملُّ إطلاقاً في كل مواعظنا من التذكير بسقطة بطرس الشهيرة وبكائه المر، ومن حسن الحظ أن بطرس لم يقع بين أيدينا نحن في أيامنا الأخيرة هذه وإلا ما استطاع قط أن ينهض من سقطته!! لقد وقع بطرس بين يدي الرب الصالح الذي لم يذكر الكتاب أنه وجَّه إلى بطرس أية كلمة لوم أو عتاب على سقطته، بل لم يذكرها أمامه فيما بعد!! وكان هذا هو أكبر دافع لبطرس لكي ينسى فشله وينهض من سقطته ويعود إلى خدمته ويصير رسول المسيح وخادم كنيسة أورشليم الأمين، هل سألنا أنفسنا لماذا لم يذكر بطرس سقطته هذه في أيٍ من أحاديثه في سفر العمال أو رسائله الرعوية بعد ذلك؟! كيف استطاع أن ينفك من أسر الماضي ويسير للأمام ولا يعود يذكر سقوطه المؤلم؟! لقد نسي الماضي لأن الرب لم يذكره أمامه ولو بكلمة واحدة!! لقد سكت الرب في محبته لبطرس عن ذكر ضعفه وسقوطه فاستطاع بطرس أن ينساهما ويبدأ من جديد!!  وللحديث بقية (يتبع)      

الأحد، 1 فبراير 2015

أحاديث من القلب

بلاغة السكوت (9)
فخرى كرم
«صمتُّ، لا أفتح فمي، لأنك أنت فعلتَ» (مز39: 9)
هناك دائماً وقت لسكب شكوانا أمام الله، في هذا الوقت يمكننا أن نقول ما نريد ونعرض وجهة نظرنا ونطالب بما نراه حقاً وعدلاً، في هذا الوقت تنسكب مشاعرنا أمام إلهنا وتنزرف دموعنا وقد يتعالى أنيننا وصراخنا، والكتاب المقدس يزخر بالكثير من هذه الأوقات في حياة رجال الله، بل أن الكثير من هذه الأوقات غيَّرت مجرى التاريخ وأحدثت انقلابا في الأحداث، ويكفينا مثالاً صلاة ربنا المعبود في بستان جثسيماني قبيل الصليب عندما قدَّم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرعات للقادر أن يخلِّصه من الموت، عندما صار عرقه ينزل كقطرات دمٍ من شدة الصراع النفسي والروحي والجسدي الذي كان يجتازه، إن مثل هذه الأوقات رغم صعوبتها ستظل علامات فارقة في تاريخ البشرية جمعاء.
لكن هذا الوقت له حدود بعدها يقرر الله أن يصنع مشيئته الصالحة الكاملة المرضية في حياتنا، بعدما استمع بكل محبته لما في قلوبنا تبقى الكلمة الأخيرة لشخصه لا سواه، وحينئذ تمتد يده لتُجري أحكامها وقضاءها في ظروفنا وأحداثنا، وهنا لابد أن يبدأ وقت آخر في حياتنا، وقت الصمت المقدس!! الصمت البليغ الذي يعلن أننا نقبل حكم الله وقضاءه في حياتنا، وأننا نثق تماماً في حكمته وعدالته مهما كانت وجهة نظرنا في الأمور، نحن نشكر الله لأنه يعطينا وقتاً نعبِّر فيه عن مشاعرنا وأفكارنا لكن هذا لا يعني أن نتمسك بمشاعرنا وأفكارنا هذه حتى بعدما يُجري الله أحكاماً قد تختلف عما تريده مشاعرنا وأفكارنا!! هناك فرق كبير بين التعبير عن وجهة نظرنا أمام الله وبين أن نظل نتمسك بوجهة النظر هذه حتى بعدما يقرر الله شيئاً آخر، هناك فرق كبير بين أن نعبِّر عن مشاعرنا وبين أن نتشبث بها ونعتبر أنها الصواب المطلق، إن كل أفكارنا ومشاعرنا محدودة وقاصرة جداً بطبعها الإنساني ولا يمكن أن ترتقي لترى الأمور في كمالها كما يراها الله، ورغم هذا القصور فان الله يحترم أفكارنا ومشاعرنا ويسمح لنا أن نعبِّر عنها ويستمع لها بصبر وأناة ولكنه في النهاية لابد أن يحكم بما يراه هو وليس بما نراه نحن، وفي هذا الوقت لابد أن نتعلم كيف نسكت ونقبل ما فعله الله ليس عن إحساس بالقهر بل عن ثقة أن ما فعله هو الحق المطلق والعدالة الكاملة!! وهذا هو المعنى الثالث لصمت الرب في وقت محاكمته:
† ثالثاً: السكوت يعبِّر عن خضوع الابن لمشيئة الآب: بعدما سكب ربنا مشاعره الإنسانية أمام الآب في جثسيماني وصارع كثيراً في مدى إمكانية أن تعبر عنه هذه الكأس لكيلا يشربها، شعر في روحه أن وقت الصراع قد انتهى، وأن الآب قد أصدر حكماً بأن تكتمل أحداث الصليب وان يُسلَّم ربنا في أيدي الخطاة إلى الموت، هنا وجدنا ربنا المعبود ينهض من صلاته ويتقدم بثبات لكي يتناول ويشرب الكأس من يد أبيه بكل رضا وسرور، لقد انتهى وقت الكلام وجاء وقت السكوت الذي يعلن ثقة الابن في عدالة وحكمة الآب السماوي، لم يحاول الابن المبارك أن يتنصل من الصليب بعدما تأكد أن الآب هو الذي حكم له بالصليب، لقد صمت ولم يفتح فاه لأن الآب قد فعل، لقد اعتبر ربنا أن أي كلمة سيقولها دفاعاً عن نفسه في وقت المحاكمة ستكون محاولة للهروب من مشيئة أبيه، وهو الأمر الذي لا يريده بالمرة، ولذلك قرر أن يسكت كالنعجة الصامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه!!    


ليتنا نتعلم التمييز بين وقت الكلام وسكب الشكوى وبين وقت السكوت احتراماً لقضاء الله واحكامه!! وللحديث بقية (يتبع)

الأحد، 4 يناير 2015

أحاديث من القلب

بلاغة السكوت (8)
فخرى كرم
«فقال لهم يسوع: ولا أنا أقول لكم بأي سلطان أفعل هذا» (لو20: 8)
ليس بالضرورة أن يكون السكوت هو عدم النطق بأي كلام على الإطلاق لكنه أحياناً يكون عدم النطق بالكلام الذي يريد الآخرون أن يسمعوه!! في الموقف الذي أمامنا كان يسوع في الهيكل يعلِّم الشعب ويبشِّر فوقف رؤساء الكهنة والكتبة مع الشيوخ وسألوه قائلين «بأي سلطان تفعل هذا؟ أو مَن هو الذي أعطاك هذا السلطان؟» وبدلاً من أن يجيبهم الرب سألهم سؤالاً يحتاج إلى إجابة بكلمة واحدة «معمودية يوحنا من السماء كانت أم من الناس»؟ وعندما أجابوه بأنهم لا يعلمون من أين كانت معمودية يوحنا قرَّر يسوع أن يسكت ولا يجيبهم عن سؤالهم بل ويُزيد حيرتهم وجهلهم!!
ولكي نفهم بلاغة سكوت الرب في هذا الموقف لابد أن نرجع إلى إرسالية يوحنا ومعموديته، لقد أرسل الله يوحنا برسالة التوبة للشعب، ولم يؤيد الله يوحنا بأي سلطان ملموس مثل الآيات والمعجزات لأن رسالته تستمد سلطانها من الشريعة والناموس، فهو لم يأتي بأية تعاليم جديدة بل كان يدعو الشعب للعودة لتعاليم وسلوكيات الناموس، وحتى طقس المعمودية الذي مارسه لم يكن جديداً بالمرة بل هو مستمد من حادثة شفاء نعمان السرياني عندما أمره إليشع أن يغطس في نهر الأردن سبعة مرات فعاد لحمه كلحم صبي صغير، أراد يوحنا أن يستخدم نفس الممارسة لكي يطبع في ذهن الشعب أن خطاياهم تشبه البرص القاتل الذي ينبغي أن يتخلصوا منه بالتوبة لكي تسترد الأمة عافيتها وتعود لقوة ونقاء صباها وشبابها المبكِّر!!
السلطان الوحيد الذي صاحب إرسالية يوحنا كان سلطان تبكيت الروح القدس على نفوس الشعب، إذ يقول الكتاب «أن جميع الشعب إذ سمعوا والعشارين برَّروا الله معتمدين بمعمودية يوحنا» (لو7: 29) لكن للأسف رغم هذا السلطان المؤثر ورغم الرسالة التي تستمد تأييدها من جوهر الناموس ولا تحتاج لأي تأييد خارجي إلا أن الكتاب يخبرنا «أما الفريسيون والناموسيون فرفضوا مشورة الله من جهة أنفسهم غير معتمدين منه» (لو7: 30) كبرياء هذه الفئات من الشعب واعتدادهم ببرهم الذاتي جعلهم لا يخضعون لمعمودية يوحنا لأنها تحتِّم عليهم الاعتراف بأنهم خطاة يحتاجون للتطهير، ورغم أنهم لم يستطيعوا أن يتهموا يوحنا بأية تهمة ولم يتجاسروا أن يقولوا أن معموديته ليست من السماء إلا أنهم أيضاً لم يخضعوا لها!!
كانت خدمة يوحنا ومعموديته تمهيداً وإعداداً لخدمة يسوع وإرساليته، وكانت إرسالية يسوع مؤيدة بالآيات والعجائب لأنها تحتوي على تعاليم جديدة لا تستمد سلطانها من الناموس بل ترتفع فوقه بمراحل، ولكن رغم كل التأييد المعجزي لإرسالية الرب لم يخضع رؤساء الشعب لإرساليته، لأن رؤساء الشعب لم يقبلوا إرسالية يوحنا فكان لابد بالضرورة ألا يقبلوا إرسالية الرب المؤسَّسة على إرسالية يوحنا والمبنية عليها، رفض مشورة الله رغم وضوحها وتأثيرها يجعل الإنسان غير مؤهل لفهم أية مشورات جديدة، وعندما قرّر الرب أن يسكت ولا يجيب عن سؤال رؤساء الشعب كان يؤكد على الحقيقة التي تكلمنا عنها المرة السابقة ألا وهي: لا كلام جديد مع مَن رفض الكلام الأول، ولا فهم جديد لمشورات الله لمن رفض مشورة الله الأولى من جهة نفسه!!
كم هو مخيف ان تسكت السماء ولا تجيب على حيرة قلب الإنسان، كم هو مخيف أن يترك الله الإنسان يتخبط في جهله وظلمته لأنه رفض مشورة الله الأولى من جهة نفسه!! لا تسمح يا سيدي أن يأتي يوم أرفض فيه مشورتك من جهة نفسي، ولا تسمح أبداً أن يأتي يوم ترفض فيه أن تتكلم معي!! وللحديث بقية (يتبع)