الأربعاء، 1 يناير 2020

أحاديث من القلب


موعظة الجبل (36)
بقلم : فخرى كرم

«واغفر لنا ذنوبنا» (مت6: 12)
قلنا أن الإنسان في سعيه الدائم لاشباع جوعه النفسي للشعور بالتبرير قد يلجأ لاشباع نفسه بـ «البر الذاتي» الناشئ من خداعه لضميره، وهو بر مزيف لا قيمة له أمام الله، ولكنه أيضاً قد يلجأ لأنواع أخرى مزيفة من التـبرير:
(2) التبرير في عيون الآخرين (مت6: 5): في هذه الحالة يسعى الإنسان لاكتساب تبرير الناس له لكي يريح ضميره ويشعر بالرضا عن نفسه، يجتهد جداً ليكون باراً في عيون الآخرين ويشعر بالشبع إذا نجح في نوال مديحهم واعجابهم، نفسه تبحث عن نظرة اعجاب من المحيطين به كما يبحث الجسد الجائع عن الخبز، في كل أعماله وكلماته يريد أن يلفت النظر إلى فضائله ونجاحاته، إذا تحدث الناس عنه باعجاب شعر بالامتلاء والفخر وإذا تجاهلوه وأبدوا اعجابهم بآخر شعر بالانكسار والخواء!!
ولأن الناس لا ترى إلا الظاهر فهو يهتم بأن يكون في الظاهر بلا لوم بغض النظر عن حقيقة ما يبطن، لا تعنيه الحقيقة التي يراها الله في قلبه بقدر ما تعنيه المظاهر التي يراها الناس في ظاهره، وعن هؤلاء تكلم السيد قائلاً أنهم يهتمون بتنقية «خارج» الكأس والصحفة بينما هما من «داخل» مملوآن اختطافاً ودعارة، ويحرصون على تبييض قبورهم من الخارج وإن ظلت من الداخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة (مت22: 25-28) وقال السيد أيضاً عنهم أنهم يستوفون أجرهم بمجرد حصولهم على تبرير الناس، وعندما تأتي الساعة ويقفون أمام الديان العادل سيكتشفون لحسرتهم زيف التبرير الذي أشبعوا به أنفسهم، وأنه لا أجر لهم ولا بر أمام الله لأنهم لم يهتموا قط بالتبرير الحقيقي الذي يمنحه ويقبله الله!!
 (3) التبرير بانكار وجود الدينونة (مز14: 1-3): أحياناً يلجأ الانسان لحيلة خبيثة لكي يريح نفسه من تبكيت الضمير، وهي أن ينكر وجود دينونة لأعماله سواء بانكاره لوجود الله أصلاً أو باعتقاده بوجود إله لا يدين الخطية!! وهذه الحيلة قديمة قدم الإنسان نفسه منذ أن قالت الحية لحواء «لن تموتا» والتي تعني «لن يكون هناك دينونة لكسر الوصية»!! عندئذ شعرت حواء براحة مزيفة في ضميرها دفعتها لتأكل من الشجرة وأن تعطي رجلها ليأكل معها، ولكن للأسف استيقظ ضميرهما فجأة على حقيقة مفزعة ألا وهي أن هناك عواقب مريرة لكسر الوصية، وهي العواقب التي مازلنا نعاني منها حتى اليوم!!
وعلى مدار التاريخ استخدم كثيرون هذه الكذبة لاعطاء ضمائرهم راحة مزيفة واستمتاع مؤقت بالخطية، كثيراً ما قال الجاهل في قلبه «ليس إله» لكي يفسد بأفعاله، وانتشرت هذه الكذبة المميتة حتى زاغ الجميع وفسدوا ولم يعد هناك من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد!! وفي أيامنا هذه نلاحظ انتشار أمواج الإلحاد بين الشباب مما يدفعنا للتساؤل: لماذا يقبل الشباب ويتحمس لفكرة عدم وجود إله رغم عدم منطقية هذه الفكرة واستحالتها؟ والإجابة للأسف هي نفسها على مدار التاريخ: لكي يفسدوا بأفعالهم دون ازعاج من ضمائرهم!!
ومشكلة هؤلاء أن ضمائرهم ستستيقظ يوماً على حقيقة أن هناك إله يشرف من السماء على بني البشر ويستحضر كل أعمالهم للدينونة، على كل خفي، إن كان خيراً أو شراً (جا12: 14) والمأساة أن يأتي هذا الاستيقاظ متأخراً بعد فوات الوقت المقبول وضياع فرص التوبة!! ليت الرب يرحمنا من محاولة اشباع نفوسنا بتبرير مزيف وخداع ضمائرنا بأكاذيب مميتة!! وللحديث بقية (يتبع)