الاثنين، 1 يونيو 2020

أحاديث من القلب


موعظة الجبل (40)
بقلم : فخرى كرم

«ولا تدخلنا في تجربة. لكن نجنا من الشرير» (مت6: 13)

بعد أن علَّمنا سيدنا أن نطلب من الله احتياج أجسادنا من «خبز» واحتياج نفوسنا من «غفران»، ها هو يعلمنا أن نطلب أيضاً احتياج أرواحنا للنجاة من «التجربة» ومن «الشرير». ولكي نفهم أبعاد هذه الطلبة لابد أن نفهم أولاً بعض الحقائق الكتابية الهامة:
ما هي التجربة؟
نفهم من كلمة الله أن التجربة هي الظروف والأحداث التي يرتبها إبليس لكي يدفعنا للسقوط في الخطية والابتعاد عن الله، فلا يوجد منشأ للتجربة إلا إبليس ولا يوجد هدف للتجربة إلا السقوط في الخطية والارتباط بها إلى حد الانفصال عن الله الذي هو الموت الأبدي (يع1: 13-15).
والتجربة هي عمل إبليس الذي لا يتوانى عن عمله نهاراً وليلاً، فهو كالأسد يجول دائماً ملتمساً مَن يبتلعه (1بط5: 8) مع أول صفحات الكتاب رأيناه يتسلل إلى الجنة لينصب فخاً للإنسان الأول وللأسف نجح في اسقاطه في العصيان وابتعد به وبنسله عن الله، وطوال التاريخ يكشف لنا الكتاب عن محاولاته الدؤوبة لتجربة البشر بطرق وأساليب وخدع لا حصر لها، حتى نصل للصفحات الأخيرة في الكتاب لنجد أن إبليس قد نجح للأسف في أن يُضل كل الأمم والشعوب حتى صارت الأرض مستحقة لضربات القضاء الإلهي العادل.
بل وفي ملء الزمان عندما أتى الإنسان الثاني، ربنا يسوع المسيح، وجدناه يذهب إلى البرية بعد المعمودية مباشرة لكي يُجرب من إبليس، وإذا كان آدم الأول قد سقط أمام غواية الحية إلا أن آدم الأخير قد انتصر على التجربة وتمسك بارتباطه بالآب السماوي والخضوع له وتتميم مشيئته (مت4: 1-10)
ويعلمنا الكتاب أن إبليس هو كائن حكيم بطبعه (حز28: 12) ولذلك هو لا يتحرك في تجاربه بعشوائية غير مدروسة، بل هو يحبك ويصوغ التجربة بخبث شديد حتى تناسب كل واحد بحسب شهواته ونقاط ضعفه، ولهذا يشعر الإنسان عادة بالضعف أمام التجربة وبالميل للسقوط فيها، قد يستخدم الحية للإيقاع بحواء ويستخدم حواء لإسقاط آدم، قد يستخدم كثرة المال لإهلاك زكا ويستخدم قلة المال للإيقاع بالمرأة الخاطئة، قد يستخدم ضعف وصغر النفس لتدمير المرأة السامرية ويستخدم الاحساس بالقوة وغرور السلطة للإيقاع بداود!! أحياناً يتكلم بأكاذيب وبهتان وأحياناً يستخدم آيات من الكتاب المقدس!! يمكنه أن يستخدم القوة وأيضاً الضعف، الجمال والقبح، الفقر والغنى، الفرح والحزن، المكسب والخسارة، فلا توجد ظروف لا يستطيع ابليس أن يستغلها للإيقاع بنا في حبائله!!
إن كل واحد منا يتعرض لهذه التجارب في كل يوم دون أن يدري أو يلاحظ!! الظروف والملابسات التي نظنها عشوائية كثيراً ما كانت مدبرة بحكمة تفوق ادراكنا، منذ أن نستيقظ صباحاً هناك من ينسج حولنا خيوطاً غير منظورة للإيقاع بنا، قد يستخدم الأشخاص الذين نقابلهم، والكلمات التي نسمعها، والأفكار التي تطرأ فجأة على أذهاننا، والمشاعر التي تكتنفنا دون مبرر، وكل هذا قد نجتاز فيه دون أن ننتبه حتى نهدأ إلى أنفسنا في نهاية اليوم فنكتشف أننا ابتعدنا كثيراً عن فكر إلهنا ومشيئته، ونبدأ نفهم أن العدو نجح في اقتناصنا بحبائل لم نلاحظها وأبعدنا عن خطة الله ليومنا!! وماذا نستطيع أن نفعل عندئذ سوى أن نصرخ بألم وتضرع: «لا تدخلنا في تجربة»!! وللحديث بقية (يتبع)