سبعة أرواح الله (55)
بقلم : فخري كرم
قلنا إن الصورة الرمزية للخمر تشير
إلى شخص الروح القدس باعتباره «المعزى»، وقلنا إن أحد معاني «المعزي» هو الشخص
الذي يهديء روعنا ويطمئن مشاعرنا ويمنحنا الراحة والمعونة والتشجيع، تماما كما
يحتاج الطفل المضطرب إلى حضن أبويه لكي يهدأ ويطمئن بل يتغذى ويتعلم أيضا، واليوم
نضيف أن «المعزى » لها معنى آخر، ألا وهو
الشفيع
نفس الكلمة اليونانية المترجمة
«المعزي » في إنجيل يوحنا هي المترجمة «شفيع» في قول الرسول «إن أخطأ أحد فلنا
شفيع عند الآب يسوع المسيح البار» (۱
يو 2 : 1) وهي تعني المحامي الذي يقف بجوار المتهم يدافع عنه ويعضده ويحاول اثبات
براءته.
نفس المعنى تكلم عنه الرسول بولس
في قوله « الروح أيضا يعين ضعفاتنا، لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي ولكن
الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها ... لأنه بحسب مشيئة الله يشفع في
القديسين» (رو 8 : 26 ، 27).
إذاً أحد أعمال الروح القدس هو أنه
شفيع فينا بحسب مشيئة الله، وهذه الشفاعة ضرورية جداً لحياتنا وبدونها لا نستطيع
أن نرضي الله، ولكن للأسف فهذه الشفاعة محاطة بالكثير من الجهل والغموض، نحن نحب
أن نسمع كثيراً عن شفاعة الرب يسوع لكن ما أقل ما نلتفت لشفاعة الروح القدس !!
ولكي نفهم العلاقة بين شفاعة الرب وشفاعة الروح ينبغي أن نفهم أولا
قصد الله الكامل من الفداء
إن قصد الله من فدائنا لا يكمل
بمجرد غفران خطايانا ورفع دينونتها عنا ، والرب يسوع لم يبذل حياته لكي يحمل عنا
قصاص الخطية فحسب بل بالحرى لكي يمنحنا إمكانية الحياة المقدسة، يقول الرسول «أحب
المسيح الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها لكي يقدسها مطهراً إياها بغسل الماء بالكلمة،
لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك بل تكون
مقدسة وبلا عيب» (أف 5 : 25 ـ 27).
إذا فقصد الله الكامل من فدائنا
ليس فقط أن تغفر خطايانا بل بالحرى أن لا نخطىء، أن نكون قديسين وبلا لوم، الخطية
ينبغي أن تكون وضعا استثنائية شاذأ في حياة المؤمن لأن القداسة هي الوضع الطبيعي
المستقر، لذلك يقول يوحنا « أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا ، وإن أخطأ أحد فلنا
شفيع... » أي أن أمر الله المبدئي لنا هو أن لا نخطىء، ولكن إذا أخطأ أحد -
استثنائياً - فلنا شفيع عند الآب هو الرب يسوع المسيح.
شفاعة الروح و شفاعة الرب
الكتاب يعلمنا أن لنا شفيعين: أحدهما في السماء
والآخر على الأرض. الأول يشفع «عنا » أمام عرش الآب والثاني يشفع «فينا » في داخل
أرواحنا، إنهما الرب يسوع والروح القدس.
والحقيقة أننا في احتياج شديد لكلا
الشفاعتين لأن لكل منهما مجالاً يختلف عن الآخر، فشفاعة الرب يسوع شفاعة قضائية
بينما شفاعة الروح عملية حياتية، الرب يسوع يشفع عنا أمام قضاء الله وعدالته أما
الروح فيشفع فينا أمام تحديات الواقع وصعوباته، شفاعة الرب تسعى لرفع القضاء عنا
أما شفاعة الروح فتسعى لتقديس حياتنا.
في ضوء ما قلناه تواً عن قصد الله
الكامل من فدائنا نقول: إننا نحتاج إلى شفاعة الروح داخلنا لكى لا نخطىء ونحتاج
إلى شفاعة الرب عنا إذا أخطأنا !! الروح يعين «ضعفاتنا» أما الرب فيغفر «خطايانا »
!! شفاعة الروح تعني أنه يقوينا ويساعدنا لكي نحيا حياة مقدسة مرضية عند الله، أما
شفاعة الرب يسوع فتعني أنه يقدم أمام الآب ذبيحته الكاملة ودماءه الطاهرة ،
تكفيراً عن حياتنا غير المقدسة، شفاعة الروح تصنع شيئا إيجابية في حياتنا أما
شفاعة الرب فتغفر الشيء السلبي في حياتنا، شفاعة الروح تسعى لكي تأتي برضا الله
على حياتنا أما شفاعة الرب فترفع غضبه عنها !!
الشفيع - والمشتكى !!
هذه التعبيرات الكتابية مأخوذة من ساحات القضاء،
فإذا كان الشفيع هو المحامي فإن المشتكي هو ممثل الادعاء!! المشتكي يسعى لكي يثبت
الاتهام علينا والشفيع يسعى لتبرئة ساحتنا، وعمل إبليس كالمشتكي عمل مزدوج: فهو
يسعى لاسقاطنا في الخطية عملياً ثم يصعد أمام عدالة الله مطالباً بالقصاص منا،
لذلك نحن نحتاج إلى شفاعة مزدوجة أيضا : الروح يسعي لكي لا نسقط عملياً في الخطية
وإذا سقطنا فشفاعة الرب أمام الآب ترفع عنا القصاص، وللحديث بقية.