السبت، 2 فبراير 2013


الاسم العجيب (65)
فخرى كرم
مازلنا بصدد لقب «العبد» الذي اتخذه ربنا يسوع المسيح عند تجسده ودخوله إلى العالم، وقلنا أن أول صفات العبد هي أنه لا يفعل مشيئته الخاصة بل مشيئة سيده، ورأينا كيف تحققت هذه الصفة في حياة ربنا تمام التحقيق، فرأيناه في كل أيامه يفعل مشيئة الآب الذي أرسله ويتمم عمله، سواء كانت المشيئة العامة الموجودة في الناموس أو المشيئة الخاصة به كمخلِّص العالم، واستعرضنا باختصار المعاناة البالغة التي تكبدها ربنا لكي يتمم هذه المشيئة الخاصة، له كل المجد!!
واليوم نريد أن نضيف إلى صفات العبد أيضاً:
(ثانياً) العبد يعطي كل ما عنده مجاناً!!
«لأنكم قد اُشتريتم بثمنٍ، فمجدوا الله في
أجسادكم وأرواحكم التي هي لله»(1كو6: 20)
هناك فرق بين سلوك الأجير وسلوك العبد، الأجير يعطي من قوته وإمكانياته بما يساوي الأجر الذي سيحصل عليه، وهو دائماً يحاول أن يُقلل ما يقدمه ويُزيد ما يحصل عليه، ولو استطاع أن يحصل على الكثير دون أن يقدم إلا القليل لاعتبر هذا قمة النجاح!! أما سلوك العبد فيختلف تماماً، العبد يقدم «كل» قوته وإمكانياته بدون انتظار لمقابل لأنه يعتبر نفسه مُلكاً لسيده هو وكل ما يملك، لقد اشتراه سيده وبالتالي فهو بكل إمكانياته يعمل كل الوقت لحساب سيده!!
الأجير يحصل على أجرته بعد أن يتمم العمل المطلوب منه، أما العبد فيعمل ليسدد الثمن الذي دُفع فيه مُسبقاً، الأجير يعمل وعينه على المجازاة القادمة أما العبد فيعمل وعينه على القيمة التي دفعها سيده ليشتريه، الأجير يعمل لأجل نفسه أما العبد فيعمل لأجل سيده، شبع الأجير بحصوله على أجرته أما شبع العبد فبحصوله على رضا سيده!!
والإنسان بطبعه يميل لمسلك الأجير أكثر من مسلك العبد، لو لاحظنا أنفسنا سنجد أن منطق الأجير يسكن في أعماق طبيعتنا البشرية ويتحكم في كل تصرفاتنا، أننا نقدم المجهود والطاقة في المجال الذي نتوقع منه المجازاة، وحجم المجهود الذي نقدمه يتناسب دائماً مع حجم المجازاة التي نتوقع الحصول عليها، ولو شعرنا أن المجازاة لن تُرضي طموحاتنا سنجد أننا نقلل من حجم المجهود الذي نبذله، سواء كان هذا المجال عملاً أو علاقات إنسانية أو حتى خدمة دينية!! إن منطق الربح والخسارة يتحكم في كل سلوكياتنا حتى دون أن ندري، لو لم نتأكد أن هناك ربحاً ما سيعود علينا من وراء العمل المطلوب منا فلن نجد في داخلنا الطاقة الكافية للقيام بهذا العمل، سواء كان هذا الربح مادياً أو معنوياً، إننا نقدم الحب بمقدار ما سيعود علينا من حب، ونقدم الاهتمام بمقدار ما سيعود علينا من اهتمام، ونقدم مجهودنا بمقدار ما نتوقع من مجازاة، ونحن عادة لا نقدم «كل» ما عندنا بل نميل دائماً للاحتفاظ لأنفسنا بأفضل ما لدينا ونقدم للآخرين ما فضل عنا!!
إننا بالطبيعة غرباء عن منطق العبد ولا نستطيع أن نفهمه بسهولة، إننا لا نستطيع أن نفهم كيف نعيش لحساب شخص آخر ولا كيف نكرِّس كل قوانا لرضا شخص آخر، إننا لا نفهم كيف نعمل باجتهاد دون انتظار لمقابل، ولا كيف نبذل «الكل» دون أن نرجو مجازاة، إننا نحتاج نعمة من الله لكي نفهم أننا لا نعمل لأجل أجرة قادمة بل لنوفي ديناً باهظاً دُفع لأجلنا سابقاً، لقد اُشترينا بثمن ولابد أن نمجِّد الله في أجسادنا وأرواحنا التي صارت ملكاً لله وليست ملكاً لنا فيما بعد!! وسنحاول أن نرى في المرات القادمة كيف عاش ربنا المبارك بمنطق العبد في أيام تجسده، وكيف كان عبداً كاملاً في مسلكه وليس أجيراً، له كل المجد (يتبع)