سبعة أرواح
الله (61)
بقلم :
فخري كرم
الروح المعزى يعين
ضعفنا في حربنا مع العدو الأخطر الكامن في أعماقنا ، والذي يسميه الكتاب عدة أسماء
للدلالة على صفاته المتعددة ، فهو «الإنسان العتيق» و «الناموس» الكامن في أعضائنا
و «الحية» المتلونة المخادعة ، كما أنه «الجسد» ، ولكن بمفهوم مختلف تماما عن
الجسد المادي ، واليوم نتحدث عن أسوأ أسماء أو صفات هذا الكيان ألا وهو :
ضد الروح (غل 5 : ۱۷)
إذا كان إبليس هو «ضد الله» لأنه يحاول أن يكون
إلهاً لهذا الدهر ورئيساً للعالم بدلاً من الله الإله الحقيقي وحده والمالك الشرعي
للعالم ، وإذا كان العالم الآن يتهيأ لاستقبال «ضد المسيح» الذي سيكون إنسانا
ممتلئاً شراً وكذباً ومؤيداً بكل سلطان إبليس ليضل العالم كله ويقوده للضيقة
العظيمة ، فإن أعماقنا تحتوى على «ضد الروح» الذي دائما يشتهي ضد الروح ويسعى ضد
الروح ويصارع ضد الروح !! يقول الرسول : «لأن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد
الجسد، وهذان يقاوم أحدهما الآخر حتى تفعلون ما لا تريدون » (غل 5: ۱۷)
وغني عن البيان أن
الرسول يقصد بكلمة «الجسد » هنا جسد الخطية وليس الجسد المادي ، وقد شرحنا هذا
باستفاضة في المرة الماضية ، كما أن كلمة «الروح» في الآية السابقة تعني - بحسب
الأصل - الروح القدس وليس الروح الإنسانية كما قد يعتقد البعض ، فهذا الكيان
الساقط لا يحارب أرواحنا بقدر ما يحارب سلطان الروح القدس على حياتنا، أنه يريد أن
يكون القائد الوحيد لحياتنا والمتسلط الأوحد على رغباتنا ، لذلك فهو ينزعج للغاية
عندما يبدأ المؤمن يخضع لمشيئة الروح فلا يتمم شهوة الجسد ، وعندئذ تنشب معركة
داخل المؤمن بين هذا الكيان وبين الروح المبارك ، معركة على مناطق النفوذ والسلطة
داخل النفس الإنسانية ، معركة قد لا يدري المؤمن نفسه أبعادها وأعماقها ، لكنه
بالتأكيد يشعر بأحداثها ويساهم في حسمها ويحصد نتائجها !!
إرادة مضادة
إذا كان الروح يريد أن
يقود حياتنا إلى شركة عميقة مع الله فإرادة الإنسان العتيق داخلنا هي التجنب
والابتعاد عن حياة الله (أف 4 : ۱۸) إذا حاول الروح أن
يجتذبك إلى مخدع الصلاة تجد قوة أخرى داخلك تجذبك بعنف للخروج من المخدع والجلوس
أمام التليفزيون أو إضاعة وقتك بأي شكل آخر !! وإذا أراد
الروح المبارك أن يشرح لنا فكر إلهنا ويغرسه في أعماقنا نجد هذا الكيان الأثيم لا
يقبل ولا يفهم ولا يريد أن يفهم ما لله ويعتبره جهالة (1 كو ۲: 14) (رو ۱۱:۳)، إنه يفهم جيدأ القصص الفارغة والنكت البذيئة ويتتبع بشغف أخبار
الساسة والفنانين والمال والاقتصاد ويهتم حتى بالفلك والأبراج ولكنه أمام أمور
الله يصاب بالعته والبلادة والجمود !! وإذا كان الروح يعلمنا كيف نحب الآخرين
ونصنع سلاما بينهم فالحية الساكنة فينا تسعى لبث السم في كل من حولها وتسعى بأرجل
سريعة إلى سفك الدم ونشر المرارة في وسط الجماعة (عب ۱۲ : ۱۵).
من منا لم يشعر بهذا
الصراع الداخلي المحتدم ؟ من منا لم يعان من وجود كيانين مختلفين في أعماقه ؟
كيانان على طرفي النقيض في كل شيء ، إنسانان يتصارعان على إرادتنا في كل تفاصيل
الحياة ، أحدهما هو الإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور والآخر هو الإنسان
الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق (أف 4 : 24) الإنسان العتيق يتقوى
بإبليس والعالم الشرير المحيط بنا والإنسان الجديد يتقوى بالروح المبارك الساكن
فينا، من يحسم هذا الصراع يا ترى ؟
الإرادة الانسانية
لا يظن أحد أن الصراع
بين الإنسان العتيق والروح القدوس يحسمه أيهما أقوى، حاشا ، فروح الله دائما أقوى
وأعظم من أن يوضع في مقارنة مع طبيعتنا المائتة الترابية، لكن من يحسم الصراع
داخلنا هي إرادتنا نحن !! في أي اتجاه ستختار إرادتنا أن تسير ، مع أي قوة ستتعاطف
!! لقد خلق الله الإنسان حرا في اختياره ، دائما يضع أمامه الحياة والموت ويترك
لإرادته حرية الاختيار بينهما ( تث 30 : 19) الله لا يطلب منا أن ننتصر على
الإنسان العتيق الذي بداخلنا لأنه أقوى منا ولأن هذه هي مهمة الروح المبارك ، لكنه
يطلب منا أن ننحاز للروح ونخضع له في صراعه مع هذا الكيان الأثيم ، الروح يمكنه أن
يعين ضعفنا لكن لا يمكنه أن يفرض إرادته علينا !! وللحديث بقية .