سبعة أرواح الله (31)
بقلم : فخرى كرم
قلنا إن عمل روح النار في يوم الخمسين كان أولا إظهار الصلاح الكامن
في قلوب التلاميذ وتزكيته، واليوم نضيف أن الجانب الثاني لعمل الروح كان هو :
فضح الاثم وإدانته
رغم احتفاظ الأمة اليهودية بشكلها الخارجي كأمة متدينة تعبد الله
الواحد وتختلف في ذلك عن الأمم الوثنية الموغلة في الشر والنجاسة والمتعبدة لأصنام
جامدة، إلا أن الحق كما يراه الله كان أن قلب هذه الأمة يموج بكل نجاسات الأمم
الأخرى وشرها، والفرق الوحيد هو أن الأمم الوثنية لا تجد غضاضة في المجاهرة بالشر
لذلك فهي تمارسه علانية، أما الأمة اليهودية فهى تحاول الاحتفاظ بمظهرها المتدين
لذلك فهي تمارس الشر في الخفاء !! وقبل أن يخرج الشر من القلب تغلفه بأوراق براقة،
وكلما شعرت بنتانة العظام العفنة المدفونة في القلب لجأت إلى تبييض الجدران
الخارجية وتزيينها !! وكلما ازداد الإثم في داخل الصحفة والكأس اللتان يقدمونهما
لاطعام الشعب سعوا لتنقية خارجهما وتلميعه!! وكلما نمت النجاسة في داخل القلب
أصروا على تقديس وتعظيم أهداب ثيابهم!!
كان الإثم في وسط الأمم يمارس علانية وكانت الهة الخشب والحجر تعبد
في هياكل ضخمة واضحة للعيان، أما الأمة اليهودية فكانت تعبد نفس تلك الآلهة النجسة
لكن في مخادع النفس الداخلية (حز( 8 :
12 !!
ولم يكن تمسكهم بالمظهر الحسن بدافع حبهم للنقاء أو
رغبتهم في القداسة بل بدافع الاحتفاظ بنعرة التفوق على الآخرين والإحساس بالتميز
الذي اكتسبوه في البداية عندما كان إله المجد يسكن في وسطهم، وبعد أن زال المجد
وفارقهم الحضور الإلهي أبي القلب المتكبر الرديء إلا أن يظل يتعالى على الآخرين
ويظل يفتخر بأنه أفضل منهم حتى بعد أن صار هذا الافتخار باطلا وفارغاً بلا مضمون.
غياب روح النار
كيف يمكن أن يعيش المجتمع بهذا الشكل من الخداع والرياء؟ وكيف يمكن
أن تختبيء النجاسة خلف هذه المظاهر المقدسة؟ كيف أمكن لهذا الشعب أن يجمع بين
الإثم والاعتكاف ؟! إن غياب روح النار هو الذي يعطي هذه الإمكانية!!
إن روح النار هو المسئول عن فضح
الإثم وتعريته وإدانته، وفي حالة غياب هذا الروح المبارك يمكن للإثم أن يستتر في
القلب لسنوات عديدة دون أن يراه أحد، بل يمكن أن يرسم لنفسه صورة خارجية جميلة
تستأسر بإعجاب الناس وتقديسهم!! بل أحيانا قد يصل الأمر إلى حد أن صاحب القلب
الأثيم قد يفقد إحساسه بإثمه ويصدق كذبه وينخدع بخداعه ويظن في نفسه القداسة
فعلا!!
.. وعندما يحضر روح النار !!
لكن عندما يحضر روح النار يصير
اختباء الإثم مستحيلا، فإزاء البر الحقيقي الذي أظهره الروح في الكنيسة ظهر أيضأ
الخواء والشر الكامن في قلب الشعب اليهودي، وأمام بساطة ووداعة التلاميذ انفجر
بركان كبرياء وقسوة اليهود ، وفي مواجهة المحبة التي ملأت جنبات الكنيسة تدفقت
أنهار البغضة والحسد من قلوب الكهنة ورؤساء الشعب، وفي مقابل صدق واستقامة
التلاميذ رأينا الكهنة ينتهجون منهج الكذب والإلتواء، لم يعد في إمكانهم الاحتفاظ
بمظهر التقوى والورع بل رأيناهم ينحدرون في سلوكهم إلى سلوك المجرمين وقطاع الطرق
(أع 23 : 15 ) !!
الحنطة والزوان
وهكذا بينما كان روح النار يضم كل يوم القديسين إلى جسد المسيح (أع 2
: 47 ) كان من الناحية الأخرى يفضح الخواء والشر المستتر في الأمة اليهودية، كان
روح الحصاد يجمع الحنطة إلى المخازن وأيضا يجمع الزوان تمهيدا لحرقه، وبينما ربطت
المحبة الأخوية بين جموع المؤمنين بالمسيح كانت البغضة والحسد والخوف على المصالح
المادية تجمع اليهود معا ضد أتباع المسيح، وكان هذا التجمع إيذانا باقتراب القضاء
السريع.
وبالفعل لم تمض سنوات كثيرة حتى
أرسل الرب نيران تلتهم كومة الزوان الكبيرة، انهار الهيكل ولم يبق فيه حجر على حجر
لم ينقض، واحترقت المدن وتهدمت المنازل وبنيها فيها ، وبينما كان تيطس الروماني هو
الأداة المنفذة لهذا القضاء كان روح النار هو الحاصد الحقيقي، له كل المجد!!
وللحديث بقية.