الأربعاء، 2 أكتوبر 2019

أحاديث من القلب


موعظة الجبل (33)
بقلم : فخرى كرم

«خبزنا كفافنا أعطنا اليوم» (مت6: 11)

يعلمنا الرب هنا أننا بعد أن نصرف وقتاً كافياً في الصلاة لأجل ثلاثة مجالات تختص بالآب وهي تقديس اسمه ومجيء ملكوته وتتميم مشيئته، ينبغي أن نفسح وقتاً كافياً للصلاة لأجل ثلاثة مجالات أخرى تختص باحتياجاتنا الشخصية، المادية منها والروحية، فكما يُسر الآب بأن نشترك معه في أموره الخاصة هكذا يُسر أيضا بأن يشترك معنا في أمورنا الخاصة، وكما يسعد الأب إذا وجد ابنه يصنع مرضاته هكذا يسعد بأن يسدد لهذا الابن كل احتياجاته!! الصلاة علاقة ذات اتجاهين، كما ترفع المؤمن ليشارك الله أموره ذات البُعد الأبدي هكذا تأتي بالله لكي يشترك مع المؤمن في صميم احتياجاته ذات البعد الشخصي!! وهذه الاحتياجات الثلاثة هي: الاحتياجات المادية اللازمة لبقاء الجسد حياً، والاحتياج النفسي للشعور بالتبرير والغفران، والاحتياج الروحي للنجاة من الشيطان وتجاربه.
«خبزنا»: غني عن البيان أن المقصود هنا ليس هو «الخبز» بحصر اللفظ بل كل ما يلزم أجسادنا لكي تظل حية وقادرة على العمل والإثمار، وهذا يشمل الطعام والشراب واللباس والمسكن والصحة...الى آخره!!
«كفافنا»: الرب بهذه الكلمة أرسى مبدأً هاماً ينبغي أن نتبعه فيما يخص احتياجاتنا المادية، ألا وهو وجوب «القناعة» والاكتفاء بالكفاف في كل شيء، و«الكفاف» هو القدر الذي يكفينا لأداء العمل المطلوب منا، الطعام الذي يمنح الجسد القدرة لأداء وظائفه، والملبس الكافي لإعطائنا المظهر المقبول من الناس، والمسكن الكافي للمعيشة ومنح الخصوصية اللازمة للحياة...الى آخره. لو عاش المؤمنون بهذا المبدأ لشعروا بالرضا والاكتفاء وتحرروا من غالبية الضغوط والمشاكل التي يعانون منها اليوم، لو تعلم المؤمنون أن يشكروا في كل شيء ويكونوا مكتفين بما عندهم لحفظ سلام الله الذي يفوق كل عقل قلوبهم وأفكارهم في المسيح يسوع. ولكي نفهم هذه الطلبة نحتاج أن نتعلم التمييز بين عدة أمور:
أولاً ينبغي أن نميّز بين ما «نحتاج» وما «نشتهي»: «الاحتياج» هو الشيء الضروري اللازم لكي نقوم بالتزاماتنا وبدونه لا نستطيع أن نتمم المطلوب منا، أما «الشهوة» فهي ما يريده الانسان ويسعى إليه حتى لو كان غير ضروري ويمكننا الحياة بدونه، الرب هنا يعلمنا أن نطلب لأجل «الاحتياج» المادي الضروري للحياة، ولقد وعدنا أن يملأ كل «احتياجنا» بحسب غناه في المجد (في4: 19) لكنه لم يعدنا قط بأنه سيعطينا كل ما نشتهي حتى وإن كان غير ضروري وغير مفيد!!
ثانياً نحتاج للتمييز بين «الطلب» و«الاستجابة»: لقد علمنا الرب أن نطلب «الاحتياج» الضروري ولا نهتم أو ننشغل بأكثر من ذلك، لكن هذا لا يعني أن الله دائماً يجيب طلبتنا بحسب ما نطلب بل أحياناً كثيرة يعطينا أكثر جداً مما نطلب أو نفتكر، بل يعطينا بغنى للتمتع، وعندئذ ينبغي ألا نستكبر أو نلقي رجاءنا على غير يقينية الغنى بل يظل رجاؤنا وافتخارنا بالله الحي، ونتعلم أن نستخدم هذا الغنى في صنع الصلاح ونكون أسخياء في العطاء كرماء في التوزيع، مدخرين لأنفسنا أساساً حسناً للمستقبل لكي نمسك بالحياة الأبدية (1تي6: 17-19) وللحديث بقية (يتبع)