الأربعاء، 5 ديسمبر 2012



الاسم العجيب (64)
فخرى كرم
تكلمنا عن معاناة ربنا يسوع المسيح التي قاساها باعتباره عبد يهوه الكامل، فلقد اختار سيدنا عند دخوله إلى العالم أن يكرِّس حياته لعمل مشيئة الآب السماوي، وكإنسان كامل الإنسانية سار في درب العبودية الكاملة للآب لكي يفتح لنا طريقاً لطاعة الله يمكننا أن نسير فيه وراءه، ويرسم بحياته البشرية أمامنا نموذجاً للعبودية المقدسة لله يمكننا كبشر إتباعه، ولقد رأيناه يتألم في هذا السبيل من عدة اتجاهات: رأيناه يتعب ليعرف هذه المشيئة كل يوم، ورأيناه يعاني من مقاومة المجتمع له، ورأيناه يقاسي من مقاومة إبليس ومملكته، واليوم نختم هذه الجزئية بقولنا أنه تألم أيضاً
(4) من طبيعة المشيئة المُكلف بتنفيذها
كانت مقاومة البشر والشياطين مؤلمة لربنا المبارك إلا أن الألم الذي شعر به من طبيعة المشيئة الإلهية المُكلف بتنفيذها كان أشد وأقسى بما لا يُقاس!! كانت مشيئة الله أن يكون نائباً وبديلاً عن البشر الخطاة، أن يقف في مكانهم ويحتمل قصاصهم، أن يتحد بهم أمام عدالة الله ويدفع أجرة خطاياهم، أن يجعل نفسه ذبيحة إثم تكفيراً عن عصيانهم، أن يعاني من احتجاب وجه الآب عنه حين توضع عليه جميع آثامهم، أن يقبل في نفسه كل الغضب الإلهي على شر الإنسان وزيغانه، أن يشعر بسيف القضاء الإلهي يخترق أحشاءه ويمزقها كما تفعل السكين الحادة بالذبيحة!!
ومَن يستطيع أن يدرك أبعاد هذه المعاناة؟ من يستطيع أن يشرح لنا معنى الوقوع تحت غضب الله؟! لا أحد، لأنه لا يوجد إنسان اجتاز هذه المعاناة بشكلها الكامل من قبل، فالإنسان لا يستطيع أن يحتمل الوقوع تحت غضب الله لأنه مخيف هو الوقوع بين يدي الله الحي، أي إنسان منا لابد أن ينسحق لو تُرك ليشعر بثقل إثم واحد من آثامه، ولولا نعمة الله التي ترفع عنا سريعاً إحساسنا بالذنب لسحق الألم عظامنا!!
 عندما تعامل الله مع ضمير قايين وشعر بفداحة الجُرم الذي اقترفه رأيناه يصرخ «ذنبي أعظم من أن يُحتمل» وعندما تكلم الله إلى ضمير داود من خلال ناثان النبي وجعله يشعر بدناءة التصرف الذي فعله في قضية أوريا الحثي سقط داود لفترة تحت الإحساس بالذنب، وما أقساه من إحساس!! صار يعوِّم كل يوم سريره بدموعه وبليت عظامه من زفيره اليوم كله، انكسر قلبه وانسحقت روحه، ولولا نعمة الله التي «نقلت» عنه خطيته إلى شخص البديل المبارك لمات داود تحت ثقل شعوره بالذنب!! وعندما استيقظ ضمير يهوذا الإسخريوطي وشعر بحجم الخيانة التي ارتكبها في حق سيده الذي أحسن إليه مضى وخنق نفسه، فالإنسان يُفضِّل الموت على أن يُترك ليقاسي عذاب الضمير!!
وإذا كنا نحن الخطاة بالطبيعة نشعر بهذا الألم فكم يكون شعور مَن كانت طبيعته هي القداسة والطهر؟! إذا كان الإحساس بالإثم ثقيلاً على مَن ألِف الإثم ونُسجت الخطية في نسيج حياته منذ مولده فكم يكون وقع هذا الإحساس على من لم يفعل خطية ولا وُجد في فمه كذباً؟! كيف يشعر مَن لم يعرف خطية عندما يجعله الله خطية أمامه؟! لذلك نجد ربنا المبارك يحتمل كل أنواع الألم ولا يصرخ أو يتوجع من قسوة الإنسان وشر الشيطان ولكن عندما حجب الآب وجهه عنه وجدناه يصرخ بصوت عظيم «إلهي إلهي لماذا تركتني» فهذا هو الألم الذي لا يستطيع احتماله صامتاً!!
كل البشر إذا وقعوا تحت غضب الله لا يستطيعون أن يسألوا «لماذا» لأنهم يعلمون جيداً أنهم مستحقون لهذا الغضب، وداود عندما سقط تحت القصاص لم يسأل «لماذا» بل قال «لأني عارف بمعاصيّ وخطيتي أمامي دائماً» لكن هناك إنسان واحد فقط من حقه أن يسأل في مواجهة غضب الله «لماذا» لأنه الطاهر القدوس الذي لم يفعل قط شيئاً ليس في محله، وهذا السؤال ليس للاستفسار لأن ربنا يعلم جيداً أنه يتألم كنائب عن البشر لكنه للتعبير عن عمق الألم الذي يشعر به في أعماقه، له كل المجد إلى الأبد!! وللحديث بقية (يتبع)    

السبت، 3 نوفمبر 2012



الاسم العجيب (63)
فخرى كرم
عاش ربنا على الأرض كإنسانٍ كامل الإنسانية لا يهتم إلا بأن يعمل مشيئة الآب الذي أرسله ويتمم عمله، عاش الثلاثين سنة الأولى من عمره يضع نفسه «تحت الناموس» يتمم وصاياه وفرائضه، وفي المعمودية مُسح بالروح القدس ليتمم مشيئة خاصة لله على الأرض، وكم اجتهد وتعب لتتميم هذه المشيئة الخاصة!! فرأيناه أولاً يتعب ويجتهد كإنسان كامل لكي يعرف ويقبل هذه المشيئة في كل يوم، وثانياً رأيناه يتعب ويتألم من مقاومة الناس والمجتمع له، واليوم نضيف أنه أيضاً تعب وتألم من
(3) مقاومة الشيطان ومملكته
إذا كان الشيطان يقاوم المؤمنين بشكل عام ويجول دائماً يلتمس مَن يبتلعه إلا أن مقاومته تزداد قسوة وشراسة للمؤمن الذي يسعى لتتميم مشيئة الله في حياته، فالمؤمن الذي يريد أن يصنع مشيئة خاصة لله ينبغي أن يتوقع مقاومة خاصة من الشيطان، لأن المؤمن الذي يستأمنه الله على عمل خاص في الأرض يشكِّل خطراً داهماً على مملكة الشر!!
لذلك كان أول عمل للرب بعدما مُسح بالروح في المعمودية هو أنه ذهب للبرية لكي يُجرَّب من إبليس!! إننا نعرف جيداً أن إبليس يذهب للناس ويجرِّبهم لكننا لأول مرة نجد إنساناً يذهب لإبليس ويعطيه الفرصة كاملة لكي يجرِّبه!! كانت هذه المواجهة دليلاً على أن يسوع قد أتى للأرض لكي يتحدى رئيس هذا العالم وينقض أعماله، فإذا كان الشيطان يجول يصنع الشر ويبتلع النفوس فيسوع كان مزمعاً أن يجول يصنع الخير ويشفي النفوس.
إبليس يشبه رب البيت القوي الذي يحرس بيته متسلحاً، والبيت هنا هو العالم فالكتاب يعلِّمنا أن إبليس هو رئيس هذا العالم، ونفوس الناس الموجودين في العالم هي الأمتعة التي تقع تحت سلطان إبليس، وهو يسهر ويجتهد كل الوقت لكي تظل هذه النفوس تحت سلطانه، ولكي يحرر الرب هذه النفوس كان ينبغي أن يتواجه مع هذا القوي أولاً وينتصر عليه ويربطه ثم يأخذ أمتعته (مت12: 29)
لذلك رأينا مقاومة مملكة الشر للرب يسوع طوال حياته على الأرض، فبعدما انتصر ربنا عليه في الجبل يقول الكتاب أن الشيطان فارقه إلى حين، وعندما نزل ربنا إلى ساحة المعركة وبدأ يحرر النفوس من قبضة هذا العدو القاسي عاد إبليس يقاومه بعدة طرق مختلفة، فأحياناً يستخدم هياج قوى الطبيعة مثل البحر والريح لكي يُغرق سفينة التلاميذ، ومن انتهار الرب للبحر والرياح نفهم أن هناك قوى شيطانية عاقلة كانت وراء هذا الهياج!! وأحياناً أخرى يستخدم نفوس الأشرار والقادة العميان، فمنذ أول عظة له في مجمع الناصرة وجدنا الناس تأخذه لترميه من فوق الجبل!! وطوال خدمته تعرض للمكائد والأحابيل لكي يجدوا فرصة يشتكون عليه، ولقد كشف الرب أن إبليس هو الواقف وراء مجادلاتهم ومعارضتهم عندما قال لهم «أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا» (يو8: 44) ولقد وصلت هذه المقاومة إلى ذروتها في الصليب عندما رفع الرب نظره إلى الأحداث الآتية عليه وقال «رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيّ شيء» (يو14: 30) ووقتها رأينا المقاومة واضحة في مؤامرات قادة اليهود وقسوة عسكر الرومان وتعييرات عامة الشعب، لكن الأشد إيلاماً كان أن الشيطان أحياناً قاوم الرب من خلال أحبائه!! رأيناه ينطق على لسان بطرس ويدخل في قلب يهوذا ويدفع بقية التلاميذ للتخلي عن الرب في أصعب أوقات حياته!!
 من الصعب أن يسير الإنسان كل حياته ضد مقاومة إبليس ومملكته، إبليس هو رئيس سلطان الهواء ومن الصعب أن تسير كل الوقت وأنت تشعر أن الهواء المحيط بك يقاومك!! لكن عبد يهوه الكامل احتمل هذه المقاومة في نفسه حتى أكمل عمله بالتمام، له كل المجد، وللحديث بقية (يتبع) 

الاثنين، 1 أكتوبر 2012


الاسم العجيب (62)
فخرى كرم
بعدما أكمل يسوع مشيئة الله العامة في الثلاثين سنة الأولى من حياته على الأرض نزل عليه الروح في المعمودية ليمسحه لتتميم مشيئة أخرى خاصة، وهو كعبد يهوه الكامل احتمل كل المشقات لتتميم هذه المشيئة أيضاً، حيث أن مُتمِّم المشيئة الخاصة يحتاج إلى مجهود إضافي وقد يتعرض لآلام لا يتعرض لها المؤمن العادي، وقلنا أن أول الأمور التي تحتاج إلى مجهود إضافي هو معرفة تفاصيل هذه المشيئة الخاصة كل يوم، فهذه المشيئة لا تُعلن دفعة واحدة بل بالتدريج، واليوم نضيف من بين آلام تتميم المشيئة الخاصة:
(2) التعرُّض لمقاومة المجتمع
«بذلت ظهري للضاربين وخدَّي للناتفين، وجهي لم أستر عن العار والبصق»(أش 50: 6)
«وإذ وُجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب»(في2: 8)
المشيئة الخاصة تقود صاحبها في أحيان كثيرة إلى أن يسلك مسلكاً غير مُعتاد من المجتمع، وبالتالي فإنه يتعرض لمقاومة واضطهاد الناس لأن المجتمعات البشرية بطبعها تنفر من أي سلوك مختلف عن المألوف والسائد، فأي مجتمع بشري يتبع في الغالب نظرية تُسمى «نظرية القطيع» أي أن كل أفراد هذا المجتمع ينبغي أن يسيروا في داخل إطار واحد يرتضيه الجميع، حيث يتوافق أفراد هذا المجتمع على سلوكيات وأفكار يلتزم بها الكل، سواء كانت هذه الأفكار والسلوكيات  صحيحة أو خاطئة فهي لا تستمد شرعيتها من الحق بل من كونها مؤيَّدة من الأغلبية، وإذا أراد أحد أن يسلك سلوكاً مغايراً فإنه يسبِّب الكثير من الانزعاج والاضطراب في المجتمع وعليه أن يحتمل مقاومة سائر «القطيع» له!!
عندما فتح سيدي أذنه في كل صباح ليستمع كالمتعلمين لمشيئة الله الخاصة وجد أن هذه المشيئة ستقوده للسلوك ضد التيارات السائدة والجارفة في المجتمع اليهودي، تيار الرياء والمظهرية والتدين الأجوف، تيار استغلال الدين في الكبرياء والتعالي على الآخرين، تيار العنف والقسوة في إدانة الضعفاء وسحقهم، في وسط مجتمع الخداع هذا كان مطلوباً من يسوع أن يسلك بالاستقامة والحق، أن يقترب من المنبوذين والمُهمَّشين ويحب العشارين والخطاة، أن يقاوم المتكبرين ويفضح نجاساتهم المستترة، أن يُنزل الأعزاء بالباطل عن كراسيهم الوهمية ويرفع المتضعين، أن يعيش وينادي بالديانة الحقيقية في بساطتها وعمقها، ديانة الرحمة لا الذبيحة!!
 وكنتيجة طبيعية لسلوك يسوع ضد هذه التيارات كان ينبغي أن يواجه المقاومة والاضطهاد، لقد نُبذ من غالبية الشعب حتى قيل عنه بروح النبوة «أكثر من شعر رأسي الذين يبغضونني بلا سبب...لأني من أجلك احتملت العار، غطى الخجل وجهي، صرت أجنبياً عند إخوتي وغريباً عند بني أمي» (مز69) لقد عاش يسوع ثلاثين سنة يتمم مشيئة الله العامة في وسط شعبه فلم يُقاوم بل كانت له نعمة في عيونهم، لكن منذ بدأ تتميم المشيئة الخاصة انقلبت ضده كل قوى المجتمع وصار في عيونهم سبباً للمشاكل والقلاقل!!
وماذا كان رد فعل هذا العبد الكامل عندما ثارت ضده الزوابع والأعاصير؟ عندما وجد أن تتميم مشيئة أبيه يعني الآلام والاضطهاد حتى الموت؟ هل تراجع عن تتميم هذه المشيئة؟ حاشا، لم يرتد إلى الوراء بل بذل ظهره للضاربين وخديه للناتفين، لقد استهان سيدي بالخزي ولم يحجب وجهه عن العار والبصق، في مواجهة الألم «وضع نفسه وأطاع» حتى الموت موت الصليب، في كل يوم كان يضع نفسه إلى وضع أقل مما كانت عليه في اليوم السابق، في كل يوم كان يطيع مشيئة أبيه رغم المقاومة القاسية، لقد قدَّم مثالاً لكل من يريد يقتفي آثاره في تتميم مشيئة الله في الأرض، له كل المجد، وللحديث بقية (يتبع)

الأربعاء، 5 سبتمبر 2012


الاسم العجيب (61)
بقلم : فخرى كرم
قلنا أن سيدنا عاش الثلاثين سنة الأولى من حياته يتمم مشيئة الله العامة الموجودة في كتب العهد القديم، تلك المشيئة كان ينبغي تنفيذها من كل يهودي تقي يريد أن يرضي الله، وتلك المشيئة كانت تُستقى من فم الكتبة ومعلمي الناموس الذين جلسوا على كرسي موسى، وعندما أتمَّ يسوع كل وصايا الله وآخرها المعمودية من يوحنا المعمدان انفتحت السماء وأعلنت أن هذا هو الابن الحبيب الذي استطاع أن يُدخل السرور إلى قلب الآب، وعندها نزل الروح القدس كهيئة حمامة ليمسح يسوع لتتميم مشيئة أخرى لله، مشيئة خاصة بيسوع لم ولن تُطلب من سواه، وقضى سيدنا ثلاث سنوات ونصف يصنع هذه المشيئة الخاصة والتي أتمها أيضاً كاملة غير منقوصة، حتى استطاع أن يقول قبيل الصليب «العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته» (يو17: 4)
وتتميم مشيئة الله الخاصة يتطلب دائماً مجهوداً خاصاً يختلف عن تتميم المشيئة العامة، كما أن متمِّم المشيئة الخاصة يتعرض لنوعية خاصة من المعاناة والآلام لا يتعرض لها المؤمن العادي، ولقد بذل سيدي مجهوداً شاقاً مُضنياً وتحمَّل معاناته صامتاً حتى أتم هذه المشيئة كاملة، وسنحاول أن نستعرض سريعاً بعض أوجه المشقة والمعاناة التي اجتازها عبد يهوه الكامل لعلها تنير سبيلنا وتساعدنا لكي نقتفي خطاه في درب الطاعة وتتميم مشيئة الله في حياة كل واحد منا:
(1) معاناة معرفة المشيئة الخاصة
مشيئة الله العامة موجودة في الكتاب المقدس ويسهل معرفتها لكل واحد يدرس الكتاب بإخلاص، كما يمكن معرفتها من دارسي الكلمة ومعلميها الذين أعطاهم الله موهبة خاصة لشرح الكلمة وتوضيح خفاياها، أما معرفة مشيئة الله الخاصة بشخص ما فيحتاج إلى وجود دائم في محضر الله وأذن مفتوحة تستمع إلى هذه المشيئة وقلب نقي يحفظها ويعملها، لا يمكن أن أستقي مشيئة الله الخاصة بي من فم معلم أو دارس للكتاب، إنها مشيئة خاصة بي ولن تُعلن إلا لي، إنها لا تتناقض مع مشيئة الله العامة لكن لها تفاصيلها الخاصة التي ينبغي أن آخذها من الرب مباشرة.
كما أن المشيئة العامة يمكن معرفتها كلها وبكامل تفاصيلها من الكتاب حتى لو لم نطعها وننفذها، فكم من معلمين يستطيعون أن يشرحوا بإسهاب مشيئة الله المعلنة في الكتاب رغم أن حياتهم العملية لا تخضع لهذه المشيئة مطلقاً!! لذلك طلب الرب من الجموع والتلاميذ أن يأخذوا الشريعة من فم الكتبة والفريسيين لكن لا يتشبهون بحياتهم لأنهم يقولون ولا يفعلون (مت23: 1-3) لكن الأمر مختلف مع مشيئة الله الخاصة، المشيئة الخاصة لا يمكننا أن نعرفها كاملة من البداية، المشيئة الخاصة لا نعرف تفاصيلها إلا بالتدريج، خطوة بعد خطوة، لا يعلن لنا الله إلا خطوة واحدة في الوقت الواحد، إذا كنا أمناء فيما أعلنه الله لنا وأطعناه يعلن لنا الخطوة التالية، إذا لم نكن أمناء فيما طُلب منا يتوقف الله عن أن يعلن لنا المزيد، ونظل طوال حياتنا نتأسف على مشيئة لم تكتمل وعلى تفاصيل لم نعرفها أبداً!!
هذا يعني أن المؤمن الذي يريد أن يعرف وينفذ مشيئة الله الخاصة بحياته ينبغي أن يظل دائماً في حالة الانتباه والإصغاء والخضوع والطاعة، قد تكون هذه معاناة ومشقة لكنها ضرورية لتتميم مشيئة الله الخاصة، وهذا ما كان يفعله سيدي له المجد إذ قال عنه الكتاب أنه كان كل يوم يستيقظ مبكراً ويمضي إلى موضع خلاء ليصلي (مر1: 35) وأوقات كثيرة كان يُمضي الليل بطوله يصلي في الوقت الذي يهجع الشعب كله للنوم (لو6: 12) وقيل عنه بروح النبوة «يُوقظ كل صباح، يوقظ لي أذناً لأسمع كالمتعلمين، السيد الرب فتح لي أذناً وأنا لأم أعاند، إلى الوراء لم أرتد» (أش50: 4، 5) ليتني أقتدي بك في أمانتك وطاعتك التاعبة يا سيدي!! وللحديث بقية (يتبع)

الثلاثاء، 21 أغسطس 2012


الموت مع المسيح (5)
بقلم/ واتشمان ني
«كذلك أنتم أيضاً احسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية
ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا» (رو6: 11)
إن كلمة «احسبوا» هنا في غاية الأهمية، معظمنا يريد أن «يشعر» أن إنساننا العتيق قد مات، نريد أن يكون موت الإنسان العتيق «محسوساً» في كياننا، ولكن لو حاولنا أن نشعر بموت الإنسان العتيق فلن نختبر أبداً موته!! إن الإنسان العتيق لا يموت بالنسبة لإحساسنا أو شعورنا، بل على العكس كلما اعتمدنا على الإحساس كلما «أحسسنا» بوجوده وطالما اتكلنا على الشعور سنظل «نشعر» أنه حي!! إنساننا العتيق لم يُصلب بالنسبة للشعور أو الإحساس بل بالنسبة للإيمان، كيف «نحسب» أنفسنا أمواتاً عن الخطية؟ بالإيمان، إن «الحسبان» هو عمل من أعمال الإيمان، هو تطبيق الإيمان عملياً.
«الحسبان» هو عمل إرادي، إنه حكم الإرادة على الإنسان العتيق، إنه ليس عمل المشاعر أو الإحساس بل إصدار حكم الإرادة وتنفيذه بالإيمان، من الخطأ أن تقول «أنا لا أشعر بأن إنساني العتيق قد مات»، لأن موت الإنسان العتيق لا يتوقف على ما إذا كنت تشعر بهذا أم لا بل على ما إذا كنت تؤمن بهذا أم لا!!
كيف نحسب أنفسنا أمواتاً؟ بأن تؤمن بأن موت الرب يسوع على الصليب كان موتاً لإنسانك العتيق، لقد مات يسوع مع إنساننا العتيق، لقد مات إنسانك العتيق منذ ألفين سنة!! إن موت إنساننا العتيق هو حقيقة واقعة في عيني الله، وينبغي أن نبدأ نرى أنفسنا كما يرانا الله، وكلما بدأنا نحسب هذه الحقيقة في قلوبنا كلما بدأ الله في تنفيذها في أرض الواقع!! ينبغي علينا أن نبدأ نمارس إرادتنا في حسبان أنفسنا أمواتاً عن الخطية، وعندئذ سنبدأ نختبر فعلياً أننا أصبحنا أحراراً من سلطة الخطية.
فعل وموقف
إن الحسبان «فعل» كما أنه «موقف»، الفعل يكون مرة واحدة تجاه أمر محدد أما الموقف فهو اتجاه قلبي ثابت طوال الوقت، هذا يعني أننا نحسب أنفسنا أمواتاً عن الخطية مرة واحدة في حياتنا ثم نحتفظ بهذا الموقف ثابتاً في قلوبنا طوال الوقت، عندما يشرق الله في قلوبنا بإعلان موتنا مع المسيح لابد أن نتجاوب مع هذا الإعلان بالإيمان ونحسب أننا متنا مع المسيح عن الخطية، لكن هذا الفعل الذي تم في يوم محدد ينبغي أن يصير موقفاً قلبياً ثابتاً كل أيام حياتنا، «الفعل» هو البداية و«الموقف» هو الاستمرارية، لابد أن يكون هناك على الأقل مرة واحدة نتخذ فيها قراراً أمام الله أننا سنحسب أنفسنا من هذه الساعة فصاعداً أمواتاً عن الخطية، لكن بعد هذا القرار المحدد لابد أن نحافظ عليه كموقف ثابت كل أيام حياتنا.
للأسف هناك كثيرون لا يفهمون هذا ويعتقدون أنهم باتخاذهم قرار الموت مع المسيح مرة واحدة لن تواجههم فيما بعد صعوبات مع الإنسان العتيق بداخلهم، إنهم يظنون أنه كما يموت الإنسان جسدياً مرة واحدة ولا يعود موجوداً بالجسد مرة أخرى هكذا الأمر مع موت الإنسان العتيق، يعتقدون أن الإنسان العتيق يموت مرة واحدة ولا يعود موجوداً مرة أخرى، ولذلك هناك كثيرون يظنون أن إنسانهم العتيق قد قام من الموت وعاد لينغِّص عليهم حياتهم!! لكن الحقيقة أن معنى الموت في الأمور الروحية يختلف تماماً عنه في الأمور الجسدية، أننا نحتاج أن نحسب أنفسنا في كل يوم بل وكل ساعة أننا أمواتاً عن الخطية، ولو كففنا عن هذا الحسبان ساعة واحدة فسوف نختبر أن إنساننا العتيق مازال حياً ويعمل!! وللحديث بقية (يتبع)  

الاسم العجيب (60)
فخرى كرم
كان ربنا المبارك عبداً لله في كل أيام حياته منذ ميلاده وحتى عودته إلى السماء، ورأينا في المرة السابقة أنه كان عبداً لمشيئة الله العامة طوال الثلاثين سنة الأولى من عمره، في صباه وشبابه المبكِّر كان منحصراً في أن يعرف مشيئة الله المدونة في الناموس ويتممها، ورأيناه في حادثة الهيكل وهو جالس وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم فيما لأبيه، واليوم نريد أن نتأمل قليلاً في حادثة أخرى تظهر لنا ذات الحقيقة:
(2) «اسمح الآن، لأنه هكذا يليق بنا أن نكمِّل كل بر» (مت3: 15)
أرسل الله يوحنا المعمدان برسالة التوبة للشعب لكي يعدهم لمجيء المسيح، وتجسيداً للتوبة القلبية كان التائب يقبل معمودية الماء من يد يوحنا، إشارة لدفن الإنسان القديم بخطاياه في الماء وخروج إنسان جديد لحياة التوبة والصلاح، وبهذا المفهوم كان ربنا يسوع المسيح هو الإنسان الوحيد الذي لا يحق له أن يعتمد لأنه قدوس بلا خطية، ليس عنده خطايا يتوب عنها وينزل بها إلى الماء ليدفنها لأنه عاش حياته كلها يتمم مشيئة الله التي أخذها من فم معلمي الناموس في أيامه.
ومع ذلك رآه يوحنا المعمدان يوماً يتقدم إليه ويطلب منه أن يعمِّده!! ولأن يوحنا كان يعرف الحقيقة لم يسمح له بالمعمودية وقال «أنا محتاج أن أعتمد منك وأنت تأتي إليَّ؟!!» يوحنا نفسه كان يشعر بأنه يحتاج إلى المعمودية، رغم كونه نبياً وأعظم من نبي بل أعظم المولودين من النساء إلا أنه يحتاج إلى التوبة!! في كل يوم يشعر أن هناك أشياء يريد أن يتركها وأعمالاً يتمنى ألا يعود يعملها، أنه مثل كل رجال الله الأتقياء في كل زمان ومكان يريدون أن يتطهروا باستمرار ويزدادوا نقاءً في كل يوم، وفي المقابل يدرك يوحنا أن يسوع ليس من هذا القبيل، أنه لم يفعل قط شيئاً ليس في محله ولا يستطيع أحد أن يبكته على خطية، فلماذا إذاً يريد أن يعتمد؟!!
وهنا أجابه يسوع بالقول الذي يكشف لنا المنهاج الذي عاش به طوال حياته: «اسمح الآن، لأنه يليق بنا أن نكمِّل كل بر»!! إنه لا يطلب المعمودية لأنه يحتاج إليها لكن لأنه يريد أن يكمِّل كل ما يطلبه الله من الإنسان، لقد تمم كل ما قاله الله في الناموس وهاهو يريد الآن أن يتمم آخر ما طلبه الله من الإنسان في العهد القديم، إن ما يحكم تصرفاته ليس احتياجه بل مشيئة أبيه، لأن العبد لا يعمل ما «يحتاج» إليه بل ما يأمر به سيده، وبما أن يسوع كان يعرف أن معمودية يوحنا آتية من السماء أي بأمر من الله فكان لابد أن يطيع هذا الأمر حتى وإن كان لا «يحتاج» إليه!!
إننا عادة لا نفهم هذا المنهاج الذي عاش به ربنا ونختلف تماماً في سلوكنا عن سلوك هذا العبد الكامل، إننا غالباً نفعل ما «نريد» أن نفعله أو على الأقل ما «نحتاج» أن نفعله، وقد نفعل مشيئة الله إذا توافقت مع ما «نريد» أو ما «نحتاج»، لكننا نجد صعوبة بالغة في الخضوع لما «يأمر» به الله إذا كان لا يتوافق مع ما نريد أو ما نحتاج!!
ولهذا السبب كان لابد أن تنفتح له السماء وهو خارج من المعمودية ويرى روح الله نازلاً عليه مثل حمامة ويسمع صوتاً من السموات قائلاً «هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت»!! لماذا نطق الآب بهذا الإعلان في وقت معمودية يسوع بالذات؟! لسببين: (1) لئلا يعتقد الشعب الواقف أن مادام يسوع يعتمد إذاً هو خاطئ مثلهم يحتاج إلى التوبة، حاشا، لذلك كان لابد أن يعلن الآب للجميع أن معمودية هذا الإنسان بالذات ليست للتوبة عن خطية بل لإدخال السرور لقلب الآب!! (2) كان يسوع بهذه المعمودية يكمل آخر وصية لله في العهد القديم وكان لابد أن ينال عندئذ الشهادة السماوية أنه قد أرضى الله وأكمل كل وصاياه العامة تمهيداً لانتقاله بعدئذ للمشيئة الخاصة في بقية أيام حياته، له كل المجد، وللحديث بقية (يتبع)     

الأحد، 8 يوليو 2012


الموت مع المسيح (4)
بقلم/ واتشمان ني
«عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلب معه ليُبطل جسد
الخطية كي لا نعود نُستعبد أيضاً للخطية» (رو6:6)
قبل الإيمان كانت أجسادنا تعمل وفق أوامر إنساننا العتيق، حتى يبدو أن ارتكاب الخطايا أصبح هو وظيفة الجسد الأساسية!! الإنسان العتيق يحب الخطية بجنون، يريد أن يخطئ دائماً، يشتهي الخطأ باستمرار، وجسدنا المادي يطيع الإنسان العتيق ويرتكب الخطايا حتى أصبح اسمه «جسد الخطية»، ولكن الآن بعد تعامل الرب يسوع مع إنساننا العتيق وصلبه معه على الصليب تحرر الجسد من سلطان الخطية وأصبح حراً أن يعمل الصلاح، عندما كان الإنسان العتيق حياً كان يحتل الجسد ويستعبده ويجبره على فعل الخطايا، لكن شكراً لله أن هذا الإنسان العتيق قد مات مع المسيح، رغم أن الخطية مازالت موجودة في أعماقنا وتصارع كل الوقت لكي تعود تسيطر على حياتنا إلا أننا لم نعد عبيد لها، تحاول دائماً الخطية أن ترسل أوامر لأجسادنا لكي ترتكب الخطايا لكنها لا تنجح لأن الروح القدس أصبح هو السائد على الجسد في حياة إنساننا الجديد، وهكذا تكون النتيجة أن الخطية لم تعد قادرة على تحريك أجسادنا لفعل الأفعال الخاطئة، ويكون الهدف من صلب الإنسان العتيق قد تحقق وهو «كي لا نعود نستعبد أيضاً للخطية» أو «كي لا نعود نخدم الخطية كعبيد» بحسب الترجمة الإنجليزية.
لقد رأينا إذاً ثلاثة أمور في هذا النص الكتابي:
(1)  حقيقة: أن إنساننا العتيق قد صُلب معه.
(2)  نتيجة: أن أجسادنا تحررت من سلطان الخطية.
(3)  هدف: أن لا نعود عبيداً للخطية.
      هذه الأمور الثلاثة مرتبطة معاً ولا يمكن فصلها، إدراكنا للحقيقة يؤدي للنتيجة التي تحقق الهدف، لكن كيف يحدث هذا عملياً؟ ما هي الشروط الواجب تنفيذها كي نختبر الموت مع المسيح؟
الإيمـان
لا يوجد شرط سوى الإيمان، بنفس الطريقة التي بها قبلنا موت الرب النيابي عنا نقبل الموت معه، لقد كان الإيمان وحده (وليس الأعمال) هو الطريق لنتشارك في نتيجة موت المسيح الكفاري بديلاً عنا ألا وهي الخلاص من العقاب الأبدي، وبالمثل نقول أنه بالإيمان وحده نتشارك في نتيجة موتنا مع المسيح ألا وهي التحرر من سلطان الخطية، كما أن موت المسيح لأجلك حقيقة فموتك مع المسيح أيضاً حقيقة، وكما أنك لو لم تؤمن بحقيقة موت المسيح لأجلك لن تستطيع الاستفادة من نتيجة هذا الموت ألا وهي الخلاص من العقاب الأبدي كذلك لو لم تؤمن بموتك مع المسيح لن تستطيع الاستفادة من نتيجة هذا الموت وهي الخلاص من سلطان الخطية، كل الذين آمنوا بموت المسيح نيابة عنهم نالوا الخلاص وكل الذين آمنوا بموتهم مع المسيح نالوا الانتصار والتحرير من سلطة الخطية.
الاشتراك في نتائج موت المسيح يتطلب فقط الإيمان، سواء كان موته «عنا» أو موته «معنا»!! الله يطلب منا الإيمان بموت المسيح بدلاً عنا للتكفير عن الخطية وموته مع إنساننا العتيق للتحرر من عبودية الخطية، وللحديث بقية (يتبع)

الاسم العجيب (59)
فخرى كرم
قلنا أن ربنا المبارك اتخذ قراراً بكامل اختياره أن يكون عبداً لله كل أيام حياته على الأرض، فكان لسان حاله عند دخوله للعالم «أن أعمل مشيئتك يا إلهي سُررت»، وإذا كان التاريخ المقدس قد شهد العديد من عبيد الله الذين خدموه في بعض أوقات حياتهم فربنا يظل متفرداً بأنه العبد منذ ولادته!! واليوم نريد أن نتقدم قليلاً لنرى سيدنا وهو:
عبد في صباه وشبابه
أيام الصبا والشباب المبكِّر ترتبط عادة في أذهاننا بالطيش والتهور، والسبب أنه في هذه المرحلة المبكرة من العمر يبدأ الإنسان يكتشف ذاته وقدراته وتفور في داخله الطاقات والرغبات بينما في ذات الوقت تكون معرفته للواقع المحيط به لم تنضج بعد، عادة تكون الطاقة النابعة منه أكبر من إدراكه للصواب والخطأ وما ينبغي وما لا ينبغي، تمتلك الإنسان في هذه المرحلة من العمر رغبة جارفة لإثبات ذاته وترك بصمته في الواقع المحيط به رغم عدم إدراكه الكامل للقواعد والمبادئ التي تحكم هذا الواقع، في تلك الأيام تكون ذات الإنسان ضخمة جداً في عينيه حتى أنها تحجب عنه رؤية الكثير من حقائق الحياة وقوانينها، وتفجُّر الطاقات في تلك المرحلة يجعل الإنسان يعتقد أنه قادر على تغيير واقعه وواقع مجتمعه بينما هو في الحقيقة ليس بقادر!! لذلك تتميز هذه المرحلة عادة بالأفعال الطائشة غير المحسوبة والكثير من الانفعال والتمرد وتخطي الحدود في العلاقة مع المجتمع، وتتميز أيضاً بالأحلام والطموحات الكبيرة بينما الإنجازات في أرض الواقع تكون عادة قليلة أو معدومة، ولذلك تكثر في هذه المرحلة أيضاً الصدمات العاطفية الشديدة التي قد تعصف بالإنسان وتحطمه أو تزيده نضجاًً وإدراكاً لطبيعة الحياة وقوانينها.
 قضى ربنا هذه المرحلة الحرجة من العمر في طاعة وعبودية كاملة للآب!! كان في هذه الأيام المبكرة ينمو ويتقوَّى بالروح ممتلئاً حكمة وكانت نعمة الله عليه، ودائماَ كان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس (لو2: 40، 52) كان ممتلئاً بالروح القدس الذي ملأه بالحكمة التي أعطته نضجاً وقامة في تعامله مع الله والمجتمع المحيط به.
تتميم مشيئة الله العامة
لقد قضى سيدي ثلاثين سنة من صباه وشبابه يصنع مشيئة الله العامة التي تكلمنا عنها سابقاً، المشيئة المدونة في أسفار الناموس والمطلوب تنفيذها من كل يهودي تقي، لم نقرأ طوال الثلاثين سنة الأولى من حياته عن عمل خاص أو مشيئة خاصة مُكلَّف بها من الآب، لكنه مثل أي يهودي مولود تحت الناموس كان يسعى لتتميم وصايا الله وتعاليمه، ولقد دوَّن لنا الوحي حادثتين في تلك المرحلة من حياته الكريمة تكشفان لنا هذا الحق:
(1) «ينبغي أن أكون في ما لأبي» (لو2: 49)
كانت هذه الحادثة وهو في الثانية عشرة من عمره، عندما لم تجده مريم ويوسف مع الرفاق وبحثا عنه ثلاثة أيام مُعذَّبين، ثم وجداه أخيراً في الهيكل جالساً وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم!! كانا يطلبانه وسط الشباب والصبية لأنهما لم يدركا أنه مختلف عن كل هؤلاء، أنه منحصرٌ في وصايا أبيه وتعاليمه، كل ما يشغله في تلك السن المبكرة أن يُرضي الله ويتمم شرائعه، كان يطلب الشريعة من فم المعلمين الجالسين على كرسي موسى (مت23: 2، 3) وكان يسمعهم بكل خضوع ويسألهم فيما يعسر عليه فهمه، لم يكن مطلوباً منه في هذه المرحلة أن يصطدم مع سلوكيات هؤلاء المعلمين، فهذه مشيئة خاصة سيُكلف بها فيما بعد، لكن المطلوب منه في هذا الوقت كان المشيئة العامة، أن يستمع منهم لأقوال الشريعة ويحفظها ويعمل بها مثل أي يهودي تقي يريد أن يسلك في مرضاة إلهه، وللحديث بقية (يتبع)  

الخميس، 31 مايو 2012


العبودية: وصمة العار في جبين الإنسانية، هل انتهت حقاً (الجزء الأول)

تاريخ قاتم ومهنة شائنة (منقول عن موقع عجيب)
قبل أكثر من مائتي سنة، قضى الأكاديمي والناشط البريطاني توماس كلاركسون سبع سنوات على ظهر حصانه قاطعًا 35 ألف ميل في الأراضي البريطانية في حملته ضد تجارة الرقيق. جمع الحكايات من البحارة الذين كانوا يبحرون على ظهر السفن، التي تحمل البشر المختطفين من إفريقيا، وأعد الملصقات الجدارية التي تشرح تفاصيل لحظات الرعب، التي تحدث على ظهر تلك السفن، فصدم المجتمع بالحقيقة الغائبة عن أذهانهم، بعد أن صاروا يتعاملون مع تجارة العبيد كمسلمة تشبه المتاجرة بأي سلعة. ونجح كلاركسون عام 1787 ضمن اثني عشر رجلاً آخر، شّكلوا جمعية لهذا الغرض، في إقناع وليام ولبرفورس النائب في البرلمان البريطاني أن ينقل المعركة إلى البرلمان بعد أن أمدّوه بالشهادات والأدلة اللازمة. إلا أن ولبرفورس مرض مرضًا شديدًا كاد يودي بحياته، فتأخر تحريك القانون 20 سنة أخرى إلى أن صدر في 25 مارس 1807 لينهي القانون تجارة العبودية في الجزر البريطانية، ثم صدر قانون تحرير العبيد من الرق تمامًا عام 1833، وبعدها بعام صدر قانون آخر يحرمه في كل أنحاء الإمبراطورية البريطانية واسعة الأرجاء في حينها، فقد مثلت الإمبراطورية حتى عام 1807 أكبر قوة دولية لتجارة العبيد عبر الأطلنطي من إفريقيا.
وها هي بريطانيا تحاول اليوم أن تنظر إلى الوراء مائتي سنة وتستعيد تلك التفاصيل المحمّلة بالشعور بالذنب وبمحاولة التكفير عنه، مخصصة سنة كاملة بدأت بمارس 2007 كاحتفالية في كل أنحاء البلاد تذكر بظروف ذلك القانون، وتسترجع ملابسات تلك التجارة، التي كانت عارًا على جبين الدول التي انتفعت منها طوال قرنين من الزمن. وقد اختير يوم 23 أغسطس 2007 يومًا للتذكر، لأنه يوافق ذكرى ثورة عبيد سان دومينجو (هاييتي حاليًا) عام 1791 كأول نصر حاسم للعبيد في تاريخ البشرية، الذي أدى إلى أول جمهورية تعلن من السود في العالم.
شهد المجتمع البريطاني حضورًا للسود من أصل إفريقي منذ الحكم الروماني الذي استمر خمسة قرون حتى عام 450 بعد الميلاد، إلا أنه حضور بقى محدودًا جدًا حتى منتصف القرن السابع عشر. ومع اتساع حركة التجارة بشكل عام عبر المحيط الاطلنطي في عهد الملكة اليزابيث الأولى، نشطت تجارة العبيد بشكل منظم ومكثف، وتم جلب المزيد من الأفارقة السود إلى شواطئ هذه البلاد. بعضهم جاء كخدم لملاك المزارع في الهند الغربية، ممن قرروا أن يستقروا مرة أخرى في البلاد مستمتعين بالثروة التي جمعوها، أو خدمًا لمسئولي البعثات الرسمية وقادة البحارة الذين عادوا من مهام أعمالهم خارج البلاد، أما بقية السود فحضروا في الجزر البريطانية كعبيد يتم إعادة شحنهم إلى الأمريكتين ليعملوا في مزارع السكر والقطن والتبغ من دون مقابل. وبمنتصف القرن الثامن عشر كانت هناك نسبة قليلة من السود الأحرار وهم الذين عملوا في بعض المهن اليدوية، التي كان ينظر إليها باحتقار، إذ ارتبط اللون الأسود بمستوى أقل من البشرية يقارب مستوى الحيوانات، وهي الفلسفة، التي اعتنقها حتى من كان متدينًا مسيحيًا، من ربان سفن وتجار، سواء في أمريكا أو أوربا. ووفق بيار اندريه تاجييف، المؤرخ السياسي، انطلقت هذه النظرة العنصرية من الغرب عندما نظر إلى ذوي البشرة السوداء إلى أنهم يفتقدون الذكاء والقدرة على التفكير والتحليل. بل إن بعض المفكرين في القرن التاسع عشر، اعتبر أن السود خلقوا ليكونوا «عبيدًا». ومن هؤلاء، للغرابة، الفيلسوف «إيمانويل كانت»: صاحب مشروع التنوير العقلاني، والفيلسوف الألماني جورج فريدريك هيجل في مقدمة كتابه «فلسفة التاريخ»، كذلك الأمر بالنسبة إلى المفكر الفرنسي فولتير والفيلسوف البريطاني ديفيد هيوم اللذين اعتبرا أن السود غير تامين خلقياً!

أدت هذه النظرة العنصرية إلى بعض الأحداث الطريفة أحيانًا، من ذلك، أن ثريًا إفريقيًا من المتورطين في تجارة العبيد في إفريقيا أرسل عام 1749 ابنه «وليم انساه سيساراكو» إلى أوربا ليتلقى تعليمًا عاليًا، إلا أن كابتن السفينة وضعه في أقفاص العبيد مع مرافقه وعامله كعبد غير مقتنع بأنه يمكن أن يكون أكثر من رقيق، حتى تدخلت السلطات البريطانية، وأفرجت عنه وعاملته كأمير. وقادته شهرته بسبب تلك الحادثة إلى لقاء الملك جورج، وباتت العامة تماهيه ببطل مسرحية شهيرة كانت تمثل على مسارح إنجلترا آنذاك، وتحكي المسرحية قصة أمير إفريقي وقع في فخ العبودية وتم تحريره!
تاريخ قاتم وتورط متعدد الأطراف
تاريخ تجارة الرقيق تاريخ قاتم يشترك فيه أكثر من طرف وأكثر من شعب، وشهدت هذه التجارة تورطًا من تجار عرب وسطاء قام دورهم على «قنص» الأفارقة من رجال ونساء وأطفال وتسليمهم للتجار الأوربيين، إضافة إلى المتاجرة بالأفراد من نساء ورجال وأطفال أيضًا. وباعت تلك التجارة، عالميًا، ما يقارب 24 مليون إفريقي يعتقد أن 10 ملايين منهم فقط نجوا في الرحلات، التي كانت تعبر المحيط الأطلنطي وتستغرق ثلاثة أشهر لتصب في الأمريكتين وجزر الكاريبي - أو ما كان كان يطلق عليه جزر الهند الغربية - حيث نشأت البيئة الحاضنة لمزارع السكر والقطن والتبغ. وتقول التقديرات إن واحدًا من ثلاثة أفارقة كان يموت بعد أن تحط بهم السفن على سواحلها، بسبب سوء الصحة والتعذيب والأمراض التي كانوا يصابون بها.
أثرت الأطراف العديدة من المتاجرة ببني جنسهم من البشر ويمكن القول إن الأرباح الناتجة عن تلك التجارة شكلت - على سبيل المثال - أساس المجتمع المعروف حاليًا في بريطانيا، اقتصاديًا وثقافيًا. لقد شكلت مدن رئيسية في هذا البلد نقاطًا مهمة في تلك التجارة اللاأخلاقية، فلندن، بالإضافة إلى كونها ميناء رئيسيًا في تلك التجارة، كانت أيضا المركز المالي الذي يمول المتورطين فيها ويستثمر الأرباح، التي تجنى من ورائها، ومن بينها مصارف كبرى شهيرة حتى الآن. إلا أن هذه الثروات لم تكتف بنفسها كقوة اقتصادية وترجمت إلى سلطة سياسية، فمالك مزارع السكر الشهير وليم بيكفورد أصبح عمدة العاصمة لندن وأول مليونير عرفته إنجلترا على الإطلاق، بعد أن جنى ثروته من استغلال العبيد كأيدٍ عاملة من دون مقابل في مزارعه. وحتى العام 1766 كان أربعون عضوًا من البرلمان البريطاني متورطين في تلك التجارة الشائنة، كما يقول إيدان ماكيد مدير المنظمة العالمية لمناهضة العبودية، التي تأسست عام 1839 كأول منظمة من نوعها تؤسس في بريطانيا، لهذا الهدف النبيل، ويتلخص في محاربة كل أشكال العبودية في العالم وليس بالمعنى المباشر فقط، ولتكون من أوائل مؤسسات المجتمع المدني في هذا البلد.
شبكة أوربية - إفريقية 

يكتب وليام كلير الباحث في جامعة كيمبرج عن تاريخ بريطانيا في تجارة العبيد عبر إفريقيا الغربية والولايات المتحدة والبرازيل والبحر الكاريبي، ويوضح عبر كتابه «تجارة العبيد في بريطانيا»، أن هذه التجارة كانت تتضمن شبكة أوربية - إفريقية، وكان لكل من الممولين والمنتجين والمستهلكين والقسسة والقادة الأفارقة وأعضاء البرلمان، وحتى أعضاء الملكية البريطانية، دور كبير في هذا المضمار.
كانت هذه السفن تبحر عبر نهر الثيمز تحت حماية البحرية الملكية لتقوم بتفريغ حمولتها من السلاح والكحول والمنسوجات قرب قلعة البرج في غانا. ويربط كلير بين هذه التجارة وتاريخ القلعة الساحلية حيث مقرات بريطانيا الخاصة بتجارة العبيد التى تقع على الساحل الذهبي الإفريقي. إن السجلات والمعلومات، التي تخص هذه القلعة قلما تم الكشف عنها إلى أن بدأ كلير بالبحث وكشف عن سجلات وملاحظات ورسائل تخص هذه التجارة. وتظهر هذه القلعة على الساحل الإفريقي بشكلها البغيض لكل مَن يراها، حيث الأمواج تلاطم جوانبها الثلاثة، ومدافعها التي كانت موجهة إلى البحر . إذ كانت هذه القلعة ترمز إلى قوة بريطانيا المطلقة في تجارة العبيد والسلاح والكحول والمنسوجات. وبالرغم مما تمثله تلك القلعة من مظاهر الموت فإنها كانت مفعمة بالحياة الإكزوتيكية، حيث تحضر النساء والزنوج والماشية والأفاعي والطيور الغريبة والنمور. أما في الطابق السفلي تحت القلعة، فحيث عالم الموت تقبع الزنزانة التي كانت مملوءة بالعبيد الذين ينتظرون دورهم عبر المحيط الأطلسي، ويبقى كثير منهم تحت الأرض إلى أن يأتي دوره عبر «بوابة اللاعودة».
وقد تعرض الأفارقة العبيد إلى شتى أنواع التعذيب والإهانة، التي لا يتصورها عقل، فقد كان بعض أصحاب السفن يرمون بالبحارة في البحر بسبب مرضهم أو شغبهم، ويطالبون شركات التأمين بتعويضهم عن خسارة البضاعة! لقد أمر قائد أحد المراكب السيئة الصيت طاقمها في عام 1718 برمي 133 راكبًا ممن يعانون سوء التغذية والمرض، عنوة إلى البحر، فعلوا ذلك بقسوة قلب، تمامًا كما لو أنهم يتخلصون من بضاعة تالفة!
السود في الأعمال الفنية
ظهر الإنسان الأسود في اللوحات البريطانية كعبد بالغ، أو عبد صغير، ويقال إن إظهار السود في اللوحة قرب امرأة بيضا،ء كان إشارة إلى ثراء العائلة، التي تنتمي إليها المرأة. كذلك فإن لونه كان يستغل للتأكيد على بياض بشرة المرأة المرسومة، من منطلق أن الضد يؤكد نقيضه.
وعندما رسم الفنان الإنجليزي جابرييل ماثياس لوحة بورتريه بالألوان الزيتية لسيساراكو، تميز بتقديمه للأسود كفرد مستقل لا كعبد. هذه اللوحة وغيرها كانت بين مفردات معرض أقيم بهذه المناسبة في متحف ناشيونال بورتريه غاليري في لندن، حيث نطلع أيضًا على عمل حفر لبورتريه إفريقي آخر هو «جوب بن سوليمان»، الباحث الإسلامي الإفريقي الذي أسر بالخطأ أثناء رحلته من جامبيا إلى إنجلترا عام 1734. وهناك بورتريه لشاعرة عبدة سوداء أمريكية هي فيليس ويتلي زارت بريطانيا عام 1773 لنشر قصائدها. وكانت سيدتها وابنتها قد تبنتا موهبتها وعلمتاها القراءة والكتابة، ونشرت أول قصائدها الواعدة بعمر 12 سنة، وحققت فيليس ويتلي شهرة بين أمريكا وإنجلترا جلبت لها حريتها. ومن بين اللوحات التي أعيد تقديمها للجمهور في مختلف متاحف بريطانيا بهذه المناسبة لوحة بورتريه لعطيل المغربي الأسود في مسرحية شكسبير «عطيل»، التي تجري أحداثها في مدينة فينيسيا، والبورتريه للممثل الأسود «إيرا الدريدج» الذي أدى دور عطيل في تلك المسرحية الشهيرة في القرن التاسع عشر.
المجتمع البريطاني يتحرك
تكونت داخل المجتمع البريطاني جماعات ضغط مضادة لتجارة العبودية من بينها جماعة الكويكرز الدينية، إضافة إلى جهود كلاركسون وصحبه، والغريب أن تأثير جولته في أنحاء بريطانيا، لم يأت في أغلبه من التأثر بالوضع المزري للأفارقة العبيد، بل بسبب إثارته لموضوع الأخطار، التي يتعرض لها البحارة البريطانيون من إصابتهم بالأمراض، وأثبت أن 20 بالمائة منهم يتوفون ولا يعودون من تلك الرحلات.
وفي عام 1806 قامت مجموعة من المناهضين لتجارة الرقيق في مدينة مانشستر بجمع آلاف التواقيع من بينها قائمة مكونة من ألفي توقيع من شخصيات معروفة وبلغ طول العريضة سبعة أمتار، مطالبين باستصدار قانون يمنع تلك التجارة اللاأخلاقية. وتم تمرير المشروع بنتيجة مائة صوت مقابل 36 صوتًا معارضًا في يناير 1807، ومنحه الملك جورج الثالث الفعالية عندما صدق عليه في 25 مارس من السنة نفسها. واشتهر النائب ويلبرفورس حتى صار رمزًا لتحرير العبيد، وأقيمت له التماثيل في أكثر من مكان، لكن اشخاصًا آخرين كانوا أهم منه في تلك الحملة، التي شكلت أساس الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم، فهو اقتصر دوره داخل البرلمان، بينما هناك آخرون من أهمهم توماس كلاركسون، الذي وصفه الشاعر صامويل كولريدج بأنه «الآلة الأخلاقية المحركة» للحركة، التي أطلقت من داخل محل للطباعة في لندن عام 1785، حيث اجتمع مجموعة من البريطانيين المتحمسين للفكرة. أيضا هناك الموسيقي «جرانفيل شارب» الذي هاجم الرق لعقود من الزمن وأنقذ كثيراً من السود في إنجلترا من أن يعادوا إلى العبودية في أمريكا. كذلك اشتهر في هذا المجال رجل الدين المسيحي جيمس رامسي الذي عاش وسط تجار الرقيق في الكاريبي، وتعرض لعدائيتهم عندما كتب مؤلفًا صغيرًا يهاجم فيه تلك التجارة البشرية. أما من السود فهناك «أولودا إكويانو» الذي حرر نفسه بماله، وكتب سيرته الذاتية، التي قرأها عشرات الآلاف من القراء في ذلك الوقت وتركت تأثيرًا كبيرًا فيهم. عندما تأسست جمعية إلغاء تجارة العبيد 1738 هيمن عليها الذكور، وكان بعض قادتها ضد انضمام النساء للحملة، من بينهم النائب ويلبرفورس نفسه الذي كان متدينًا واعتقد أن دوافع النساء أبعد من تحرير العبيد! كما أن بعض الناشطات أردن إلغاء العبودية ككل وفورًا، بينما كان رأيه أن البداية تكون بإلغاء التجارة فقط إلى أن يتم الإلغاء النهائي تدريجيًا. وبالرغم من تلك المحاربة، فإن النساء شكلن 10 بالمائة من المتبرعين للحملة، وشكّلن ما نسبته ربع الأعضاء في مناطق مثل مانشستر.
النساء استثنين أيضًا من قيادة الحملة عام 1923، والتي كان هدفها إلغاء العبودية في لإمبراطورية البريطانية ككل، إلا أن نساء مدينة بيرمنجهام التقين عام 1925 وشكلن جمعية نسوية لمساعدة العبيد السود، تلتها بسرعة جمعيات نسوية في مدن بريطانية أخرى قوطعت أحيانًا من قبل الرجال وبينهم ويلبرفورس الذي طالب زملاءه بعدم المحاضرة في تلك الجمعيات. ومن الأسماء النسائية، التي برزت ميري لويد واليزابيث هيريك، التي أصدرت كتيبًا عن هذا الموضوع سرعان ما انتشر في أنحاء البلاد. وفي عام 1930 كانت النساء قد شكّلن قوة لابأس بها على هذا المستوى إذ شاركن في المؤتمر الوطني الخاص، وطالبن بإصدار تعهد بأن تأخذ الحملة على عاتقها العمل على الإنهاء الفوري للعبودية في الإمبراطورية البريطانية، وهددن بسحب دعمهن المالي. وفعلا، وافق المؤتمر على سحب تعبير «الإنهاء التدريجي للعبودية» من شعاراته، ورفع حملة تواقيع للبرلمان في العام التالي تطالب باعتبار كل الأطفال الذين يولدون لعبيد، أفرادًا أحرارًا. إلى أن صدر قانون عام 1833 ألغى العبودية ككل. وعلى أي حال، شكّلت تلك الجمعيات النسوية أساسًا لنضال المرأة على مستوى حقوقهن الشخصية إضافة إلى مشاركتهن في قضايا حقوقية أخرى.

هل انتهت العبودية بعدها؟
يعتقد كثيرون أن العبودية انتهت في العالم بموافقة البرلمان البريطاني على تحريم تجارة العبيد عام 1807، أو بتحريمها داخل الإمبراطورية البريطانية ككل عام 1834. أو أنها انتهت لاحقًا مع إصدار قيصر روسيا قانونًا حرر العبيد في بلاطه في ستينيات القرن التاسع عشر، أو بتحرير العبيد في مزارع القطن في الولايات الجنوبية للولايات المتحدة بمبادرة من الرئيس إبراهام لينكولن. مع الأسف فإن هذا الأمر ليس صحيحا إذا عرّفنا العبودية بأنها: «إجبار إنسان على العمل من غير أجر مدفوع». لقد تم تعويض ملاك العبيد بملايين الجنيهات كرشوة لقبولهم بالقانون، لكنهم لم يحرروا مَن كانوا يملكونهم بسرعة، أو لم يدفعوا لهم أجرًا مقابل عملهم، وانطلقت ثورات في تلك المزارع حركها العبيد الذين حرروا أنفسهم عمليًا.
تصدمنا النتائج إذا علمنا أن العبودية بتجلياتها لا تزال تحوم في العالم، فمنظمة العمل الدولية تقدر أنه يوجد ما لا يقل عن 3.12 مليون إنسان يعيشون تحت شكل من أشكال العبودية في عالمنا اليوم. في جنوب شرق آسيا يعيش الملايين مكبلين بقيود الديون، التي عليهم أن يعملوا بالقوة لأصحابها لتسديدها وبعضهم يعيش في أماكن أشبه بالسجن التابع للدائن. وبسبب حجم تلك الديون، فإنهم لن يتمكنوا من تسديدها طوال حياتهم ويبقون بمنزلة العبيد للدائنين. وفي موريتانيا حيث صدر قانون إلغاء العبودية عام 1980، لايزال آلاف الأفارقة السود عبيدًا عند السكان العرب، وفق صحيفة الاندبندنت البريطانية. أما الشكل الأقرب إلى العبودية في الغرب، فهو الرقيق الأبيض، حيث تجارة الدعارة التي تتعرض فيها آلاف النساء إلى التهريب من أوربا الشرقية وغيرها من دول العالم إلى أوربا الغربية بحجة توفير فرص عمل، وتتعرض النساء إلى الاغتصاب والضرب في حال رفضهن الدعارة وحبسهن في أماكن مغلقة لا يسمح لهن فيها بالخروج. وقدرت المصادر البريطانية أنه تم تهريب أكثر من 4000 امرأة إلى بريطانيا لهذا الهدف في السنوات الأخيرة، الأمر الذي دعا الاتحاد الأوربي إلى استصدار قانون لمنع تهريب البشر والمتاجرة بهم وتنفيذ عقوبات شديدة على مرتكبي تلك الجرائم.
تجارة الرقيق.. أرقام وحقائق 8.2 مليون إفريقي شحنتهم السفن البريطانية على متنها بين الأعوام 1690 حتى 1807. ويعتقد أن ما مجموعه 12 مليون إفريقي اقتلعوا من أماكنهم ضمن حملة الرقيق في العالم. 2704 هو عدد السفن التي أبحرت من لندن بهدف نقل العبيد خلال تجارة الرق عبر الأطلسي. 1785 العام الذي أعلن فيه توماس كلاركسون ورفاقه من داخل مطبعة في لندن حركة اجتماعية لوقف الاتجار بالعبيد. 2000 مواطن من مانشيستر وقعوا عريضة عام 1806 قدمت إلى البرلمان البريطاني عبر وليام ويلبرفورس النائب عن مدينة هال الشمالية تطالب بتحريم تجارة الرقيق. وكانت سبقتها عريضة أولى عام 1787. 1804 استقل سكان هاييتي من العبيد عن الاستعمار الفرنسي يوم 23 أغسطس، وأسسوا أول جمهورية من السود في العالم بعد ثورة العبيد، التي استمرت خمس عشرة سنة. 1834 العام الذي ألغيت فيه العبودية تمامًا من الإمبراطورية البريطانية، بينما أعلنت أمريكا تحرير العبيد عام 1865. 1840 وما بعده من أعوام سمح للفارين من أمريكا بالمحاضرة في أنحاء إنجلترا خصوصًا في مانشيستر.

الاسم العجيب (58)
فخرى كرم
قلنا أن أحد ألقاب ربنا يسوع المسيح كان لقب «عبد» الله الكامل، وقلنا أن العبد هو مَن يعمل دائماً مشيئة سيده وليس مشيئته الخاصة، ابتداء بالمشيئة العامة المطلوبة من كل عبيد الله وصولاً إلى المشيئة الخاصة التي يتفرَّد فيها كل عبد عن سواه، ودعونا الآن نرى كيف انطبقت صفة العبد هذه على ربنا الكريم تمام الانطباق:
عبد منذ ولادته!!
يقول الوحي بروح النبوة على لسان ربنا يسوع المسيح: «بذبيحة وتقدمة لم تُسرَّ، أذني فتحتَ، محرقة وذبيحة خطية لم تطلب، حينئذ قلتُ: هنذا جئتُ، بدرج الكتاب مكتوب عني، أن أفعل مشيئتك يا إلهي سُررت، وشريعتك في وسط أحشائي»(مز40: 7-9) وهذا النص اقتبسه كاتب رسالة العبرانيين من الترجمة السبعينية اليونانية القديمة كالتالي: «لذلك عند دخوله إلى العالم يقول: ذبيحة وقرباناً لم تُرد ولكن هيأت لي جسداً... ثم قلتُ هنذا أجئ في درج الكتاب مكتوب عني لأفعل مشيئتك يا الله»(عب10: 5-7) والمعنى في كل من النص الأصلي والاقتباس يتكامل ليعطينا صورة جميلة للمشورات الأزلية التي كانت بين الآب والابن قبل التجسد ودخول الابن إلى العالم.
في هذه الصورة نرى الآب يعلن للابن عدم رضاه عن ما يقدمه الإنسان من عبادة تنحصر في ذبائح وتقدمات بينما القلب والحياة تدور في فلك إرادة الإنسان وشهواته، الآب يعلن أن أعمال العبادة التي يقدمها الإنسان لا يمكن أن تُدخل السرور إلى قلبه طالما أن أعماق الإنسان وأحشاءه يعتمل فيها دوافع ورغبات مبتعدة تماماً عن مشيئة الله الصالحة، لقد جعل الإنسان العبادة جزءاً منفصلاً من الحياة يقدم فيها بعض الأعمال والممارسات بهدف إرضاء الله  بينما بقية الحياة تسير نحو غاية واحدة هي إرضاء الإنسان!! الآب يعلن للابن أنه يشتاق إلى رؤية إنسان تكون مشيئة الله في وسط أحشائه، تجري في دمه، تتغلغل إلى خلاياه، تدخل إلى عمق أفكاره ونواياه، إنسان لا يفتعل «عبادة» لكنه يعيش ببساطة وتلقائية «عبودية» كاملة لله، إنسان يجد سروره في سرور الله ويجد شبعه في شبع الإله، الآب يعلن انه لا يريد ذبائح حيوانية يقدمها الإنسان بالانفصال عن ذاته لكنه يشتاق أن يقدم الإنسان ذاته وجسده في طاعة كاملة لله وتتميم لمشيئته، الآب لا يُسر بالمحرقات والذبائح بل يُسر بإنسان له أذن مفتوحة للاستماع والطاعة، لأنه هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة والإصغاء أفضل من شحم الكباش (1صم 15: 22)
وفي المقابل نجد الابن المبارك يعلن اعتزامه أن يكون هذا الإنسان المُشبع لقلب الآب، الابن يعلن للآب أنه بكامل رضاه سيقبل الجسد الذي هيأه له الآب وسيدخل إلى العالم حاملاً الطبيعة الإنسانية الكاملة، وسيكون هدفه منذ دخوله إلى العالم هو أن يعمل مشيئة الآب وسيجد في هذا كل سروره، الابن يعلن للآب أنه سيفتح أذنه في كل صباح ليستمع لمشيئة الله ويسعى لتنفيذها على الفور، حتى لو كانت هذه المشيئة تحتوي على ألم أو مهانة فلن يستر وجهه قط عن العار والبصق (أش 50: 5) لأن شريعة الله ليست منفصلة عن ذاته بل هي في وسط أحشائه، يجد شبعه حين يصنعها ويرتوي إذا تممها (يو4: 34) يا لها من محبة فائقة متبادلة بين الآب والابن!!
كل واحد من عبيد الله بدأ عبوديته لله في يوم ما من أيام حياته، يوم سبقته أيام كثيرة لم يكن فيها عبد لله ولم يصنع فيها مشيئة الله، كلنا عشنا سنوات طويلة نصنع مشيئات الجسد والأفكار حتى افتقدتنا نعمة الله (أف2: 3) أما سيدي المبارك فقد اتخذ قراره أن يكون عبداً لله عند دخوله إلى العالم، أي أنه كان عبداً منذ ولادته وحتى موته، لم تكن هناك ساعة واحدة في حياته خارج نطاق مشيئة الآب ولا وجود ليوم واحد صنع فيه مشيئته الخاصة!! وللحديث بقية.

الموت مع المسيح (3)
بقلم: واتشمان ني
«عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلب معه ليُبطل جسد الخطية
كي لا نعود نُستعبد أيضاً للخطية» (رو6: 6)
استخدم الرسول بولس في هذه الآية ثلاثة تعبيرات مختلفة في معرض حديثه عن الحل لمشكلة الخطية في حياة المؤمنين، وهذه التعبيرات هي: «الخطية» و«الإنسان العتيق» و«جسد الخطية»، ولو فهمنا معنى كل تعبير منهم لازدادت الأمور وضوحاً في أذهاننا:
† الخطية: هي الطبيعة الفاسدة الموروثة من آدم والتي تبغض الله وتقاوم مشيئته وتريد دائماً أن تعمل الخطايا والمعاصي.
† الإنسان العتيق: هو كياننا النفسي القديم قبل أن نعرف الرب وننال الخلاص.
† جسد الخطية: هو الجسد المادي في حال عبوديته وتنفيذه لمشيئة الخطية الساكنة فينا.

«الخطية» ليس لها سلطان مباشر على «الجسد» المادي ولا تستطيع أن تجبره على فعل الخطايا، إنها تمارس سلطانها من خلال «الإنسان العتيق»، أي من خلال الأفكار الفاسدة والرغبات الشريرة والمشاعر المنحرفة الموجودة في كياننا النفسي، هذا الكيان النفسي له سلطان مباشر على أعضاء الجسد ويستطيع أن يقودها ويجبرها على أن تكون «آلات إثم للخطية» أي أن «الإنسان العتيق» هو حلقة الوصل بين الخطية الساكنة فينا وبين الجسد المنفذ للأفعال الخاطئة، ونستطيع أن نوضح هذا برسم مُبسط:
    الخطية في الداخل والجسد في الخارج والإنسان العتيق طالما ظل حياً يبقى في المنتصف، الخطية تغري الإنسان العتيق وتثيره من خلال الرغبات والأفكار والمشاعر المظلمة الموجودة فيه، وعندما يتجاوب الإنسان العتيق مع إغراء الخطية يؤثر على الجسد ليجعله يتحرك لفعل الخطايا، الجسد المادي في حد ذاته ليس رديئاً لكنه مجرد الأداة التي تنفذ مشيئة الخطية الساكنة فينا، وفي هذه الحالة يصبح اسمه «جسد الخطية»، ينبغي أن ندرك أن الجسد المادي كيان ضعيف ليس له سلطان على نفسه، إنه خاضع للنفس الداخلية التي تُملي عليه ما يفعله، الجسد لا يستطيع أن يفعل شيئاً من ذاته لكنه فقط يفعل ما يؤمر به سواء كان خطأ أم صواباً!!
عندما مات ربنا يسوع المسيح على الصليب لم يحكم بالموت على الجسد المادي ولا أباد جذر الخطية المغروس فينا ولكنه أمات إنساننا العتيق الموجود بينهما!! وعندما يموت الإنسان العتيق تنقطع حلقة الوصل بين الخطية الساكنة فينا وبين أجسادنا الخارجية وبالتالي نستطيع أن نتوقف عن فعل الخطايا العملية، قد يظل جذر الخطية مغروساً في كياننا لكنه فاقد السلطان والقدرة على تحريك أجسادنا لفعل المعاصي، أو كما يقول الرسول بولس «ليُبطل جسد الخطية» وكلمة «يُبطل» بحسب الأصل اليوناني تعني حرفياً «يصبح عاطلاً عن العمل» لأنه لم يعد يتلقى الأوامر من الإنسان العتيق!! وللحديث بقية (يتبع)

الأربعاء، 9 مايو 2012

لينك به خدمات للأخ : فخرى كرم . و الأب: متى المسكين . و الأسقف: منير حكيم . و الأخ :رأفت وليم .

هذا موقع رائع للأخوة بها عدد كبير من الكتب

وهذا عنوان للينك هام مرفوع عليه برامج و ترانيم و خدمات و كتب روحية مترجمة

 http://www.4shared.com/folder/HyX8MWzi/_online.html

موقع به مجموعة كبيرة من الترانيم القديمة

http://www.4shared.com/folder/IUvhXdz7/_online.html

موقع به عدد كبير من الكتب المسيحية

http://www.4shared.com/folder/j6eKPM-O/__online.html 

موقع على الساوند كلاوود به جميع عظات الأخ : فخرى كرم

https://soundcloud.com/yousef-683158027

الثلاثاء، 1 مايو 2012


الموت مع المسيح (2)
بقلم/ واتشمان ني
الفرق في تعامل الله مع الخطايا العملية والإنسان العتيق
الإنسان العتيق هو كيان فاسد ميت غير قابل للإصلاح أو الشفاء، الله لا يتعامل مع الإنسان العتيق إلا بالموت، الله يريد أن يعطينا كياناًً جديداً، في نفس الوقت يطلب منا الكتاب أن نتطهر من خطايانا ونغتسل منها في دم ربنا يسوع المسيح: «دم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية» (1يو1: 7) «الذي أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه» (رؤ1: 5) الخطايا هنا هي الأفعال الخاطئة التي يعملها الإنسان خارجياً، هذه نحتاج أن نغتسل ونتطهر منها بالدم بينما الكتاب المقدس لم يخبرنا قط بأن الإنسان العتيق يمكنه أن يتطهر أو يغتسل، الخطايا الفعلية يمكن غسلها بدم المسيح أما الإنسان العتيق الساكن فينا فينبغي أن يموت، هذا هو الحق الكتابي.
الله يعمل كل شيء في هذا الزمان من خلال ربنا يسوع المسيح، عندما أراد أن يعاقب الخطية عاقب ربنا يسوع المسيح لأن ربنا اختار أن يقف في موقف الخطاة ويكون نائباً عنهم، وعندما أراد أن يصلب إنساننا العتيق صلب ربنا يسوع المسيح، وبهذا الفعل هو جمع كل الخطاة جنباً إلى جنب مع المسيح على الصليب، إذاً موت ربنا كان له وجهان: الأول هو موت بالنيابة والثاني هو موت بالمشاركة!! هذه كلمات الكتاب الواضحة «إن كان واحد قد مات لأجل الجميع فالجميع إذاً ماتوا» (2كو5: 14)
هذا الحق ينبغي أن ننتبه له ولا نمر عليه مرور الكرام، فالمؤمن الحقيقي الذي نال الخلاص عندما اعترف بخطاياه وآمن بالرب يسوع المسيح ينبغي أن يدرك أن صلب إنسانه العتيق ليس عملاً خاصاً عليه أن يقوم به مستقلاً عن المسيح، لكنه عمل تم بالإتحاد مع موت المسيح على الصليب، عندما مات ربنا يسوع المسيح مات معه إنساننا العتيق ومات فيه، هذا يوضح لنا لماذا يفشل الكثيرون من المؤمنين في حياتهم الروحية: إنهم يبذلون كل قواهم لكي يصلبوا إنسانهم العتيق، ولكنهم يكتشفون دائماً انه مازال حياً، ولذلك يظلوا طوال حياتهم يحاولون بقواهم الخاصة أن يصلبوا الإنسان العتيق بعيداً عن صليب المسيح، هذه المجهودات لن تنجح أبداً لأنه إذا لم يُصلب الإنسان العتيق مع المسيح فلن يُصلب بأي شكل آخر.
إننا لا نموت بقوانا الخاصة بل نموت بالإتحاد مع المسيح، إننا «اعتمدنا لموته» (رو6: 3) «قد صرنا متحدين معه بشبه موته» (رو6: 5) «قد متنا مع المسيح» (رو6: 8) «عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلب معه ليبطل جسد الخطية كي لا نعود نُستعبد أيضاً للخطية» (رو6:6) إننا لا يمكننا أن نصلب أنفسنا ثانية، إن موتنا مع المسيح صار أمراً واقعاً فعلاً، إن موت ربنا يسوع المسيح على الصليب حقيقة واقعة، وموته لأجل خطايانا هو أيضاً حقيقة واقعة، وموتنا نحن معه هو أيضاً حقيقة واقعة!!
لكن ما هي نتائج موتنا مع المسيح؟ ما هو الهدف؟ نتعلم من الشواهد السابقة أن الهدف هو أن يُبطل جسد الخطية، بمعنى أن يصير بلا سلطان ولا تأثير علينا فلا نعود نستعبد بعد للخطية، ولعلنا نزيد الأمر وضوحاً في المرة القادمة (يتبع)

الاسم العجيب (57)
فخرى كرم
تكلمنا عن لقب «العبد» الذي لربنا يسوع المسيح، وقلنا أن العبد يتميز بعدة صفات أولها أنه لا يعمل مشيئته الخاصة بل دائماً يعمل مشيئة سيده، إنه لا يختار ماذا يكون أو ماذا يفعل بل في كل وقت يستقبل فكر سيده وينفذه، وإذا كان التاريخ قد شهد الكثير من عبيد الله الذين استطاعوا تتميم مشيئته على الأرض إلا أن سيدنا يقف متفرداً في هذا المضمار لا يدنو منه أحد، فربنا كان عبداً كاملاً لله لا تشوب عبوديته شائبة أو نقص!! لكن قبل أن نبدأ الحديث عن عبودية ربنا الكاملة لله لابد أن نوضح هنا ما نقصده بالعبودية لله وما نعنيه بتتميم مشيئته على الأرض:
العبودية لله هي جوهر العبادة
عندما يؤمن الإنسان بالله إيماناً حياً فإنه بذلك يختار أن يحيا حياته خاضعاً لسلطان الله متمماً لمشيئته طائعاً لوصاياه، فباختياره لله «سيداً» للحياة هو يختار أن يكون «عبداً» لله، وهذه العبودية لسيادة الله على الحياة هي جوهر كل عبادة يقدمها الإنسان لله، فالعبادة في جوهرها هي العبودية لله أي تنفيذ مشيئته في كل جوانب الحياة (رو12: 1) حتى أنه في لغتنا العربية نجد للعبادة والعبودية نفس الأصل اللغوي!!
لقد حاول الإنسان أن يتنصل من هذه العبودية فجعل العبادة مجموعة من الطقوس التي يمارسها في أوقات محددة وأماكن محددة، كلمات جوفاء يتلوها أو يرتلها من حين لآخر، فأصبحت العبادة تجري بروتينية في اتجاه بينما بقية الحياة تجري في اتجاه آخر مغاير تماماً، في «العبادة» يتلو كلمات عن ربوبية الله وسلطانه بينما يسلك في حياته العملية بموجب شهوات الجسد وسلطانه، أصبح الإنسان فعلياًً عبداً لذاته لأنه طوال الوقت ينفذ رغباته الخاصة.
المؤمن الحقيقي هو الذي يقدم لله عبادة حية حقيقية من خلال خضوعه الدائم لمشيئة الله وتتميم وصاياه، إنه يختار بكامل إرادته أن يحيا عبداً لله يصنع مشيئته تعالى ولا يخضع لشهوات جسده ورغباته الذاتية، وهذا الاختيار قد يبدأ في لحظة محددة هي لحظة الإيمان ولكنه يتجدد في كل يوم من أيام الحياة. لكن ماذا نعني بعمل مشيئة الله؟ 
مشيئة الله العامة والخاصة
عندما نتكلم عن تتميم مشيئة الله ينبغي أن نعلم أن الله له في حياة البشر مشيئة عامة ومشيئة خاصة، المشيئة العامة هي المشيئة المطلوب تنفيذها من كل المؤمنين بلا استثناء، هي المشيئة المذكورة في وصايا وتعاليم الكتاب، وكل المؤمنين الباحثون عن رضا الله يجتهدون أن يحفظوا هذه المشيئة العامة قدر استطاعتهم، ولا يمكن اعتبار الإنسان مؤمناً حقيقياً إلا إذا تولدت بداخله رغبة حقيقية واجتهاد حقيقي لتتميم وصايا الله الموجودة في الكتاب المقدس.
  ولكن هناك مشيئة أخرى خاصة بحياة كل واحد من أبناء الله، كل واحد منا له دور خاص ينبغي أن يقوم به في تتميم مشيئة الله على الأرض، لأننا مخلوقون في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها، هذه المشيئة الخاصة لا يمكن تعميمها على الجميع لأنها خاصة بأصحابها فقط، وتنفيذ هذه المشيئة الخاصة يحتاج إلى أمانة خاصة وتكريس خاص من منفذيها، كما أنها تحتاج إلى إعداد خاص وقدرات خاصة يصنعها الله في حياتهم.
عبد الله الحقيقي هو مَن يبدأ بتنفيذ مشيئة الله العامة الموجودة بين يديه، وكلما زادت أمانته وطاعته يبدأ الله يكشف له المشيئة الخاصة بحياته، وعندئذ يبدأ طريقاً جديداً من الطاعة والتكريس لتنفيذ هذه المشيئة الخاصة، وسنرى كيف كان سيدنا نموذجاً كاملاً لنا في هذا المضمار، وللحدث بقية(يتبع)    

الاثنين، 2 أبريل 2012


الصليب وحده يكفي
بقلم : فخرى كرم
«لأني لم أعزم أن أعرف شيئاً بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً»(1كو2:2)
«أنتم الذين أمام عيونكم قد رُسم يسوع المسيح بينكم مصلوباً»(غل3: 1)
قرَّر الرسول بولس ألا يعرف بين أهل كورنثوس إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً، وهذا يعني أن صليب المسيح يحمل الرسالة المسيحية كاملة، وأن مشهد الصليب يقدم إنجيلاً كاملاً يصلح أن يكون أساساً راسخاً لبناء كنيسة قوية، ولذلك أيضاً نرى الرسول في موضع آخر يهتم بأن يرسم أمام عيون أهل غلاطية مشهد يسوع المسيح مصلوباً، لأن الصليب وحده يكفي لخلق حياة مسيحية كاملة في حياتنا.
  فالصليب يقدم للإنسان الخاطئ أساساً ثابتاً لرفض الخطية والتوبة عنها، فصورة يسوع المُفسَدة على الصليب تقدم برهاناً على بشاعة الخطية ومدى رفض الله لها، عذابات ربنا على الصليب تشرح بوضوح أن الخطية خاطئة جداً وأن أجرتها مُرة للغاية، فمن لا يستطيع أن يرى بشاعة الخطية ويتوب عنها أمام الصليب لن يستطيع أن يرفضها ويتوب عنها في أي مكان آخر!!
والصليب يقدم للإنسان التائب محبة إلهية غافرة لا تعرف الحدود، فالله بيَّن محبته لنا إذ ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا، فإلى هذا المدى أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية، وأين سنجد محبة أعظم من هذه أن يضع أحد نفسه عن أحبائه؟!! إن كل من لا يقبل محبة الله الظاهرة في الصليب ويذوب أمامها لن يستطيع أن يقبلها في أي موضع آخر!!
والصليب يقدم للمؤمن الحديث طريقاً للانتصار على الخطية الساكنة فيه، إذ أنه يرى في موت ربنا على الصليب موتاً لإنسانه العتيق، فيبدأ طريقاً متجدداً في كل يوم لصلب الجسد مع الأهواء والشهوات، وكلما نظر إلى الصليب يرى قضاء الله على كل ما يصدر من الطبيعة القديمة فيتعلم أن يرفضه ويستبدله بعمل الطبيعة الجديدة فيه، إن المؤمن الذي لا يتعلم في مدرسة الصليب كيف يُميت إنسانه العتيق لن يتعلم هذا الدرس في أي مدرسة أخرى!!   
وعندما يتقدم المؤمن في حياة التقوى والنصرة على العدو الداخلي أي الجسد حينئذ يبدأ يشعر بمحاربة العدو الخارجي أي إبليس، وعندئذ سيجد في الصليب أساس النصرة على كل محاربات العدو، فالرب قد جرَّد الرياسات والسلاطين وأشهرهم جهاراً ظافراً بهم في الصليب، فالتبرير الذي صنعه لنا الرب بدمه قد جرَّد إبليس من كل سلطان على حياتنا وأفقده حُجته في الشكاية علينا أمام الآب، وإذا لم يستطع المؤمن أن يستتر في دم الصليب من شكاية العدو ومحاربته فلن يستطيع أن يستتر منها في أي ستر آخر!!
وماذا نقول أيضاً؟! فالصليب هو الذي يقف بيننا وبين العالم الحاضر الشرير، إنه يصلب العالم لنا ويصلبنا نحن للعالم، والصليب هو منهاج الحياة اليومي عندما نحمله كل يوم ونتبع الحبيب، إن صليب ربنا يعطينا نموذجاً لحياة الطاعة اليومية لمشيئة الله، فالصليب كان المدى الذي امتدت إليه طاعة الابن عندما أخذ صورة عبد وأطاع حتى الموت موت الصليب، إن الصليب ليس مجرد تاريخ أو فكرة أو حتى عقيدة بل هو أسلوب حياة ومنهاج يومي يمتد بطول العمر، إن مَن يعرف يسوع المسيح وإياه مصلوباً ويُرسم أمام ناظريه الصليب في كل أيام حياته سيعرف بالتأكيد كيف يعيش حياة مسيحية غالبة ومنتصرة، لأن الصليب وحده يكفي!!

الموت مع المسيح (1)
بقلم/ واتشمان ني
نُشرت في 10 يونيو 1925
«مع المسيح صُلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ»(غل 2: 20)
«عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلب معه ليُبطل جسد الخطية كي لا نعود نُستعبد أيضاً للخطية»(رو6: 6)
عندما مات ربنا يسوع المسيح على الصليب لم يمت فقط «لأجل الخطاة» بل أيضاً «مع الخطاة»!! لقد مات «لأجل الخطاة» لكي يكرِّس لهم طريقاً حياً للقدوم إلى الله وامتلاك الحياة الأبدية، ولكنه أيضاً مات «مع الخطاة» لكي يحرِّرهم من سلطان الخطية في حياتهم اليومية.
لو كانت فاعلية الصليب في مجال الفداء فقط حتى ينال الخطاة الحياة الأبدية والنجاة من الهلاك الأبدي لكان طريق الله للخلاص ليس كاملاً!! لأن الإنسان عندما يؤمن بالرب يسوع المسيح وينال الخلاص الأبدي يظل يعيش في هذا العالم حيث الكثير من التجارب، وحيث مازال الشيطان يقاومه ويحاربه، وحيث الطبيعة العتيقة الساكنة فيه تعمل طوال الوقت، رغم أنه أخذ الخلاص الأبدي إلا أنه يحتاج لأن يتحرَّر كل يوم من سلطان الخطية على حياته اليومية، يحتاج للقوة الروحية لينتصر على الخطية الساكنة فيه.
لذلك كان ينبغي للرب يسوع أن يُكمل في صليبه خلاصنا بجانبيه: الجانب الأول هو أن يموت «لأجلنا» لكي يفدينا من عقوبة الخطية، والجانب الثاني أن يموت «معنا» أي متحداً بطبيعتنا الخاطئة لكي يحررنا من سلطان الخطية!! ولقد أكمل ربنا المبارك هذا العمل المزدوج على الصليب فأنقذنا من عقوبة الخطية التي هي النار الأبدية في جهنم، وأيضاً أعتقنا من ناموس الخطية والموت لكي لا نعود نُستعبد أيضاً للخطية.
 إن الخطية لا تأتي إلينا من الخارج بل من الداخل، لو كانت الخطية تهاجمنا من الخارج ما كان لها كل هذا السلطان علينا، لكن المشكلة أن الخطية ساكنة فينا ولذلك تمتلك سلطاناً قاسياً علينا. التجربة تأتي من الخارج لكن الخطية تسكن في الداخل، ولأن كل إنسان في العالم هو من نسل آدم لذلك فجميع البشر يمتلكون طبيعة آدم، هذه الطبيعة قديمة وفاسدة ونجسة، وهذه الطبيعة هي «أم الخطايا» في الإنسان!!
عندما تهاجمنا التجارب من الخارج تتجاوب معها هذه الطبيعة العتيقة داخلنا وتكون النتيجة هي الخطايا الكثيرة التي نعملها، ولنأخذ لهذا مثلاً: إننا نمتلك الكثير من الكبرياء والاعتداد بالذات في داخلنا حتى وإن نجحنا في إخفائه أحياناً كثيرة، لكن عندما تأتينا الفرصة من الخارج في محك عملي تظهر فجأة كبرياؤنا وتعلن عن وجودها، إن الكبرياء لم تهاجمنا فجأة في لحظة التجربة بل كانت موجودة بداخلنا كل الوقت، إنها فقط أعلنت عن وجودها وخرجت من مكمنها عندما تجاوبت مع التجربة الآتية من الخارج.
إننا غيورون بطبعنا، نحب أنفسنا جداً ولا نريد أن نرى أحداً أفضل منا، هذه هي الطبيعة العتيقة الساكنة فينا، قد لا نُظهرها في تعاملاتنا وننجح طويلاً في إخفائها، ولكن عندما تهاجمنا التجربة فجأة من خلال الظروف الخارجية تظهر الغيرة بكل انفعالاتها وعنفها، إن الغيرة لم تهاجمنا في هذه اللحظة بالذات لكنها كانت كامنة بداخلنا كل الوقت، ولها سلطان على حياتنا كل الوقت، وكل ما فعلته الظروف الخارجية أنها أتاحت لها الفرصة للظهور. (يتبع)