الاسم العجيب
(57)
فخرى كرم
تكلمنا عن لقب
«العبد» الذي لربنا يسوع المسيح، وقلنا أن العبد يتميز بعدة صفات أولها أنه لا
يعمل مشيئته الخاصة بل دائماً يعمل مشيئة سيده، إنه لا يختار ماذا يكون أو ماذا
يفعل بل في كل وقت يستقبل فكر سيده وينفذه، وإذا كان التاريخ قد شهد الكثير من
عبيد الله الذين استطاعوا تتميم مشيئته على الأرض إلا أن سيدنا يقف متفرداً في هذا
المضمار لا يدنو منه أحد، فربنا كان عبداً كاملاً لله لا تشوب عبوديته شائبة أو
نقص!! لكن قبل أن نبدأ الحديث عن عبودية ربنا الكاملة لله لابد أن نوضح هنا ما
نقصده بالعبودية لله وما نعنيه بتتميم مشيئته على الأرض:
العبودية لله هي جوهر العبادة
عندما يؤمن
الإنسان بالله إيماناً حياً فإنه بذلك يختار أن يحيا حياته خاضعاً لسلطان الله
متمماً لمشيئته طائعاً لوصاياه، فباختياره لله «سيداً» للحياة هو يختار أن يكون
«عبداً» لله، وهذه العبودية لسيادة الله على الحياة هي جوهر كل عبادة يقدمها
الإنسان لله، فالعبادة في جوهرها هي العبودية لله أي تنفيذ مشيئته في كل جوانب
الحياة (رو12: 1) حتى أنه في لغتنا العربية نجد للعبادة والعبودية نفس الأصل
اللغوي!!
لقد حاول
الإنسان أن يتنصل من هذه العبودية فجعل العبادة مجموعة من الطقوس التي يمارسها في
أوقات محددة وأماكن محددة، كلمات جوفاء يتلوها أو يرتلها من حين لآخر، فأصبحت
العبادة تجري بروتينية في اتجاه بينما بقية الحياة تجري في اتجاه آخر مغاير
تماماً، في «العبادة» يتلو كلمات عن ربوبية الله وسلطانه بينما يسلك في حياته
العملية بموجب شهوات الجسد وسلطانه، أصبح الإنسان فعلياًً عبداً لذاته لأنه طوال
الوقت ينفذ رغباته الخاصة.
المؤمن الحقيقي
هو الذي يقدم لله عبادة حية حقيقية من خلال خضوعه الدائم لمشيئة الله وتتميم
وصاياه، إنه يختار بكامل إرادته أن يحيا عبداً لله يصنع مشيئته تعالى ولا يخضع
لشهوات جسده ورغباته الذاتية، وهذا الاختيار قد يبدأ في لحظة محددة هي لحظة
الإيمان ولكنه يتجدد في كل يوم من أيام الحياة. لكن ماذا نعني بعمل مشيئة
الله؟
مشيئة الله العامة والخاصة
عندما نتكلم عن
تتميم مشيئة الله ينبغي أن نعلم أن الله له في حياة البشر مشيئة عامة ومشيئة خاصة،
المشيئة العامة هي المشيئة المطلوب تنفيذها من كل المؤمنين بلا استثناء، هي المشيئة
المذكورة في وصايا وتعاليم الكتاب، وكل المؤمنين الباحثون عن رضا الله يجتهدون أن
يحفظوا هذه المشيئة العامة قدر استطاعتهم، ولا يمكن اعتبار الإنسان مؤمناً حقيقياً
إلا إذا تولدت بداخله رغبة حقيقية واجتهاد حقيقي لتتميم وصايا الله الموجودة في
الكتاب المقدس.
ولكن
هناك مشيئة أخرى خاصة بحياة كل واحد من أبناء الله، كل واحد منا له دور خاص ينبغي
أن يقوم به في تتميم مشيئة الله على الأرض، لأننا مخلوقون في المسيح يسوع لأعمال
صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها، هذه المشيئة الخاصة لا يمكن تعميمها على
الجميع لأنها خاصة بأصحابها فقط، وتنفيذ هذه المشيئة الخاصة يحتاج إلى أمانة خاصة وتكريس
خاص من منفذيها، كما أنها تحتاج إلى إعداد خاص وقدرات خاصة يصنعها الله في حياتهم.
عبد الله
الحقيقي هو مَن يبدأ بتنفيذ مشيئة الله العامة الموجودة بين يديه، وكلما زادت
أمانته وطاعته يبدأ الله يكشف له المشيئة الخاصة بحياته، وعندئذ يبدأ طريقاً
جديداً من الطاعة والتكريس لتنفيذ هذه المشيئة الخاصة، وسنرى كيف كان سيدنا
نموذجاً كاملاً لنا في هذا المضمار، وللحدث بقية(يتبع)