السبت، 8 فبراير 2020

أحاديث من القلب


موعظة الجبل (37)
بقلم : فخرى كرم

«واغفر لنا ذنوبنا» (مت6: 12)
قلنا أن الإنسان في سعيه الدائم لاشباع احتياجه للتبرير قد يلجأ لوسائل مخادعة للحصول على تبرير مزيف يحاول به أن يشبع جوعه النفسي، مثل «التبرير الذاتي» الذي يبرر فيه الإنسان نفسه أمام ضميره أو«التبرير أمام الأخرين» الذي يحاول فيه أن يظهر للناس بمظهر البار خلافاً لما يبطن، أو بتجاهل حقيقة الدينونة وإنكار وجود الديان، ولكن ها هو السيد يقودنا إلى الطريق السهل والمباشر للحصول على التبرير الحقيقي، وهو أن نتقدم مباشرة إلى الله معترفين باتضاع بذنوبنا وطالبين ببساطة الغفران.
وغني عن البيان أن المقصود بعبارة «اغفر لنا ذنوبنا» ليس أن نرددها بشكل روتيني منتظم خالٍ من الاحساس، لكن المقصود بالحري أن نخصص وقتاً في صلاتنا اليومية للاعترف بذنوبنا وطلب المغفرة من الله، مثل ذلك العشار الذي صعد إلى الهيكل ليصلي ولم يشأ أن يرفع عينيه نحو السماء بل قرع على صدره صارخاً «اللهم ارحمني أنا الخاطئ» (لو 18: 13) فنزل إلى بيته مستمتعاً بالتبرير الإلهي الحقيقي!!
ورغم ان الاعتراف بالخطية وطلب المغفرة هو الطريق الأسهل والأقصر للحصول على التبرير إلا أنه عملياً يبدو صعباً للغاية!! حتى أننا لا نجد اليوم في حياة المؤمنين أي صلوات اعتراف أو طلب للمغفرة، وكلمات مثل «آسف» أو «أنا مخطئ» أصبحت من أثقل الكلمات على ألسنتنا، ومشاعر الندم والخزي التي ظهرت في صلاة العشار لم يعد لها مكاناً في حياتنا وصلواتنا الممتلئة بالكلمات الجوفاء والبر الذاتي!!
ولا غرابة في هذا، ألسنا أولاد آدم؟! آدم الذي عندما أخطأ لم يتخذ الطريق السهل المباشر ويذهب يعترف بخطأه لله بل فضَّل طريق الهروب والإختباء، حتى أن الله هو الذي ذهب ليبحث عنه ويطلب سلامته!! آدم الذي اختار الطرق الصعبة الملتوية عندما حاول تبرير ذاته بإلقاء التهمة على الآخرين، فإتهم حواء بأنها السبب في سقوطه بل وأشار ضمنياً لإتهام الله الذي صنع له حواء!! آدم الذي اختار أن يبذل مجهوداً شاقاً في خياطة أوراق الشجر ليستر «الخارج» ويظهر بمظهر حسناً للأخرين بينما «الداخل» أصبح عارياً ومشوهاً!!
إن آدم حتى اليوم لم يعترف بخطيته!! إن آدم (ممثلاً في أبنائه) مازال حتى اليوم يختبئ من الله ويستتر وراء مظاهر كاذبة ويبرر نفسه بإلقاء اللوم على الأخرين، إن آدم (ظاهراً في نسله) مازال يبذل مجهوداً شاقاً في كل يوم ليبدو للناس بصورة حسنة بينما الموت والخزي يضرب عميقاً في جذوره!!
إن طبيعة آدم أبينا مازلت تسري فينا مسرى الدم وتتحكم في تصرفاتنا وردود أفعالنا تجاه الخطية، عندما نخطئ (وهذا يحدث مرات عديدة في اليوم الواحد) تأخذنا هذه الطبيعة الرديئة في طريق الهروب والإختباء بعيداً عن الله، تجعلنا نبحث عن مبررات نستتر وراءها وأشخاص نعلق عليهم فشلنا، تدفعنا لنلقي اللوم على الظروف والناس والبيئة والشيطان وحتى الله، ولكنها لا تعرف أن تلقي اللوم على نفسها أبداً!!
سيظل أصعب قرار نتخذه عندما نخطئ هو أن نتقدم نحو محضر الله بشعور الذنب والندم، نتقدم لنقف في دائرة النور بكل عرينا وإثمنا، نتقدم نحو الله ولا نهرب منه، ونلقي بأنفسنا على رحمته طالبين منه الغفران والتطهير، سيظل هذا أصعب قرار نتخذه لأنه مضاد لطبيعة آدم التي ورثناها، لكن ها هو السيد يعلمنا أن نتقدم نحو أبينا السماوي في كل يوم بل في كل موقف قائلين «اغفر لنا ذنوبنا»، ها هو السيد يشير لنا على الطريق السهل والمستقيم للتبرير لعلنا نكف عن طرقنا الملتوية المملوءة خداعاً وكذباً!! وللحديث بقية (يتبع)