الاثنين، 30 مايو 2022

أحاديث من القلب

 

عن الروح القدس ( 8 )

بقلم : فخرى كرم

    يؤثر الروح القدس على النفس بمؤثراته الروحية السامية ، وتعيش النفس تحت هذه المؤثرات فترة زمنية مباركة تحلق فيها في أجواء السماويات ،  حيث تستشعر كل برکات الله في متناول اليد ، وحيث  تسمو فوق کل منطور حتى تصير التضحية بأي شیء أمراً میسوراً .  ولكن ــ  فجأة أو تدريجيا  ــ  تبدأ هذه المؤثرات تخبو وتتسرب من بين أيدينا ،  و تعود النفس الى حدودها الطبيعية مرة اخرى كما لو أنها حطت على ارض الواقع بعد طول تحليق ،  وتبدأ تستشعر كل الضغوط والمقاومات الخارجية والداخلية مرة اخرى ،  وتری أمور الله بعيدة صعبة المنال ، والسير في طريقه مكلفاً مضنياً . وهذا قد يجعلها تشك في أن هذه المؤثرات كانت مجرد أوهام  نفسيه ، وإذا استسلمت للشك  استسلمت للضعف والسقوط ، وفقدت كل شيء جميل وخيم عليها ضباب الضعف وظلمة الشك وليل الشكاية والتذمر.

       والحقيقة هي ان الروح يسحب تأثيراته لعدة أسباب ان فهمناها استطعنا أن نجتاز تلك المرحله الموحشه بنجاح ،  وجعلنا وادى البكاء ينبوعا !! إن الروح يسحب تأثيراته أولا لكي  :

يعطي الفرصة للارادة الحرة

     الله لا يريد إلا الذبيحة المقدمة بكامل الارادة ، والارادة الكاملة هي الارادة التي تتخذ قرارها في أرض الواقع وهي شاعره بكل المؤثرات المختلفة ومدركة للمغريات والواقع ، للمكاسب و الخسائر ، إنها الارادة التي تتخذ قرارها بعد حساب النفقة ، إنها الارادة التي ترى جيدا كل الطرق المتاحة ومع ذلك تختار السير في طريق الله ، إنها إرادة حرة تتخذ قرارها بدون الاندفاع بمؤثر ما  ، حتى لو كان مؤثرا روحيا !!

     عندما تكون النفس تحت سلطان الروح تری أمور الله بصورة ممجدة تدفعها لاتخاذ قرارات سريعة ، لكن هذه القرارات لا يعتد بها لأنها ليست ناشئة عن إرادة حرة بل عن مؤثر روحي طاغ ، ولذلك يسحب الروح تأثيراته ـــ بعدما يكشف للنفس امجاد الله ـــ   ويترك النفس ترى الطرق الأخرى ومغرياتها ، وتشعر بالتضحيات الموجودة في الطريق الكرب ، ويترك عندئذ الفرصة للإرادة لكي تختار طريقها . إنه إله عادل لا يريد أن يؤثر على حريتنا في اتخاذ قرارنا .

      إن الله لا يعتد بالتوبة الناشئة عن سطوة التبكيت الالهي ، لكنه يعتد  بالتوبه الناشئه عن إرادة أدركت شناعة خطيتها و قررت أن ترفض الخطية و تعترف بها و تتركها . لقد قلنا سابقا أن التبكيت الإلهي ضروري لكي تدرك النفس شناعة الخطية و قداسة الله  و لكن السؤال الآن هو : ماذا بعد زوال التبكيت !! هل ستستمر النفس منكسره  أمام الله طالبه الغفران و التطهير ؟ حينئذ يكون التبكيت قد أثمر " نفساً تائبة " . لكن في معظم الأحيان ، عندما يزول التبكيت ، تنهض النفس و تعاود سيرها في الطرق القديمة  ، و هذا يثبت أن التوبة الناشئة عن التبكيت الإلهي لم تكن توبة إرادية بل توبة مؤقتة ، و هذه  توبة لا يعتد بها و كأنها لم تكن !! و لا نقول أن التبكيت قد فشل في مهمته ، حاشا بل نحن الفاشلون في اقتناص فرص  نعمة  الله و التجاوب معها !!

      وما نقوله عن التبكيت نقوله عن كل المؤثرات الأخرى للروح ، كم من نفوس اتخذت قرارها بالتكريس لله في مناخ روحي قوي ، ثم تراجعت عن هذا القرار حين اصبحت في مناخ آخر ، وكم من خدمات ناجحة قدمت تحت تأثير الروح لم يكن لها هدف سوى مجد الله وخير النفوس ، و عندما زالت المؤثرات وجدنا الخادم يهتم بنفسه ومجده وخيره الشخصي ، انظر الى بلعام بن بعور وهو ساقط أمام الله علي مشارف خيام شعب اسرائيل ، كم من نبوات عظيمة خرجت من شفتيه وكم من رؤی رآها وهو مفتوع العينين !! لكن هل تريد أن تعرف بلعام على حقيقته !! انظر اليه بعدما فارقه الله ، ستجده يعلم بالاق أن يلقي معثرة امام بني اسرائیل لکی يأکلوا ما ذبح للأوثان ويزنوا !! ( عدد 22 ــ 24 ، رؤ 2 : 14 ) .

       و هل رأيت شاول بن قيس و هو يتنبأ  في وسط الأنبياء بعدما حل عليه الروح ، حتى صار مثلاً : أشاول أيضا بين الأنبياء ! لا تنخدع بهذه الصورة ان شاول الحقيقي سیظهر بعد زوال موثرات نعمة الله ، وعندئذ سيقول الله لصموئیل " ندمت على اني قد جعلت شاول ملكاً لأنه رجع من ورائي ولم يقم كلامي " ( 1 صم 10 : 11 ، 15 : 11 ) .

    وماذا نقول  عن يهوذا الإسخريوطي الذي عاش ثلاث سنوات كاملة تحت أعظم المؤثرات الروحية قاطبة ، تحت ظل الرب يسوع نفسه وهو يجول يصنع خيرا ويشفي جميع المتسلط عليهم ابليس ؟ لا تنظر اليه وهو يشارك في أعمال الخير والشفاء باسم الرب  ، ان اتجاه الارادة الحقيقي سيظهر بعد زوال هذه المؤثرات ، ونراه قادرا على بيع سيده بثلاثين من الفضة !! و مره أخرى نقول  أن نعمة الله لم تفشل لكننا نحن الفاشلون في التجاوب معها .

وهكذا يسحب الله تأثيراته الروحية لکي يعطى لارادة الإنسان الفرصة لتتخذ قرارها بحرية ، وطوبي للنفس التي تختار الله دائما ، ولا ترضی عنه بديلا .

 

الأحد، 22 مايو 2022

أحاديث من القلب

 

عن الروح القدس (7)

بقلم : فخرى كرم

     تكلمنا اجمالا عن مؤثرات الروح  ، و قلنا ان الروح القدس يخيم على النفس بمؤثرات روحية مثل التبكيت ، المحبة ، القداسة ، الاستنارة، والفهم الروحي ... الخ ، وتعيش النفس تحت تأثير هذه المؤثرات لفترة زمنية طالت او قصرت،  بحسب نوعية المؤثر والهدف منه ومدى تجاوب النفس معه ، ودعونا الآن نستعرض أهداف الله من وراء هذه المؤثرات :

1 ــ اعلان عن حقيقة الله

      كيف يمكن للنفس البشرية ان ترسم بداخلها صورة صحيحة عن الله رغم كونه غير منظور ؟ الجواب : من خلال مؤثرات الروح ،  عندما يؤثر الروح على النفس بنيران التبكيت تتكون بداخل النفس صورة محسوسة عن قداسة الله ، النار الآكله ، صورة لا يستطيع ان يرسمها كل الوعاظ مجتمعين ،  قد تستمع لاشهر الوعاظ وهم يلقون عظاتهم الملتهبه  عن قداسة الله ، وقد تقرأ عن هذا الموضوع كتبا مؤثرة ، ومع ذلك تبقی جاهلاً بحقيقة قداسة الله عاجزا عن الإنكسار أمامها ، وستبقى قداسة الله فكرة عقلية ميتة لا تمنحك مخافة حقيقية ولا تثمر قداسة فعلية ،  حتى يأتي الروح المبارك بتبكيته الناري ويرسم في اعماق قلبك صورة الله القدوس . و نفس القول نقوله عن كل صفات الله، الناس تسمع دائما عن محبة الله ، لكنها تبقى فكرة غير موثرة في الحياة ، لا ترفع فوق الهموم ولا تسند وقت الازمات ، بل قد يستغل ابليس الظروف المضادة ويرسم بداخل النفس صورة مغلوطة عن الله ، ويصوره الهاً مبتعداً قاسيا . حتي يأتي الروح القدس ويخيم على هذه النفس بمؤثرات المحبة الإلهية ، ويلمس القلب بلمسات الرفق والعناية ، عندئذ تجد صورة الله قد اصبحت حية فعالة بداخلك ، تؤثر في كل ظروفك وتمسح كل دموعك .

     لقد استغل ابليس الضعف الموجود في کنائسنا ورسم بداخل النفوس صورة مغلوطة لإلهنا ، لإله مبتعد لا يبالي بالناس! إله يتساهل مع الخطية أو لا يراها بالمرة !! دعونا نطلب من شخص الروح القدس أن ينقش بداخلنا ـــ   بمؤثراته المباركة ـــ صورة إلهنا الحقيقي وينزع من داخلنا كل تخيل مزيف عن الله .

2 ــ   اعلان عن حقيقة الإنسان

     الإنسان لا يعرف حقيقة نفسه !!  ان الانسان يجهل مدى الشر المتغلغل بداخله ، يجهل كمية الغباء و العناد و الضلال والخداع المختبئة بداخل قلبه . و رغم سماعه لحقيقة فساد الانسان الا انه يبقی معتدا بنفسه ، فخورا بجهله ، شاعرا بالمجد في خزيه !! حتى يأتي الروح المبارك ويخيم على هذه النفس بنوره  الذي ينير خفايا القلب ، عندئذ تسقط النفس ــــ لاول مرة ـــ  تحت الإحساس بشناعة الخطية وفساد الطبيعة البشربة ، وعندئذ تستطيع ـــ  لأول مرة أيضا ــ   أن تصرخ طالبة الرحمة والغفران والتطهير.

3 ــ   اعلان عن حقيقة المسيح

     سيبقی شخص المسيح وحياته وصلبه وقيامته أحداثا خالية من التأثر حتى يأتي الروح ويجسد شخص المسيح أمام عيوننا ، ويبدأ في اظهار المجد الموجود في ثنايا هذه الحياة الفريدة ويأخذ مما لهذا السخص القدوس ويعطينا ، ويسلط نوره على مجد لاهوته المستتر تحت أتضاع ناسوته ، ويشرح للنفس كم المحبة المتدفقة من قلبه ، وكم الخير الموجود في يديه ، وكم الغفران والتطهير الممنوح في دمه ، وكم الرفعة والانتصار الموهوب لنا بقيامته ، عندئذ فقط تستطيع النفس أن تحب شخص المسيح وتسجد أمامه قائلة ( ربــــــي والهي )!! 

4 ـ  معونة الهية

   قد تدرك النفس كل هذه الحقائق الروحية لكنها تبقى عاجزة عن التجاوب معها ، قد تشعر النفس ببشاعة الخطية ومدي تعمقها في داخل القلب لكنها تبقی عاجزة عن الانكسار والتوبة ،  ربما بسبب شدة ضعفها او لتسلط العدو عليها ، عندئذ يأتي الروح القدس ليمد يد المعونة لهذه النفس العاجزة ويقودها للانكسار والتوبة .

     وبالمثل قد تعرف النفس محبة الله وتشتهي أن ترضيه لكنها لا تعرف السبيل لذلك بسبب محدودية الذهن الإنساني الذي كثيرا ما يقف حائراً أمام محبة الله لا يعرف كيفية التجاوب معها . وفي هذه الحالة أيضا يأتى الروح ويخيم على الذهن ويعطيه استنارة عن كيفية مرضاة الله والسلوك فيها .

       و هكذا نرى أننا لا نستطيع الاستغناء عن تأثيرات الروح القدس سواء لمعرفة الله او لمعرفة ذواتنا او لمعرفة شخص المسيح والسير في خطاه . لكن هذه المؤثرات ليست دائمة ، وكما أن وجودها له اهداف عظمي هكذا زوالها له اهدافة العظمى ايضا !! ( يتبع )

الثلاثاء، 17 مايو 2022

أحاديث من القلب

 عن الروح القدس (6)

بقلم : فخرى كرم

     دعونا الآن نضع جانبا موضوع حزن الروح الذي تحدثنا عنه ونسأل : ماذا لو كان الروح حراً  نشيطاً في حياتنا ؟ الجواب : عندئذ سنعيش معه في ثلاث دوائر روحية متداخلة ، سنتحدث عنها الآن اجمالا ثم نشرحها تفصيلا فيما بعد :

دائرة مؤثرات الروح

      عندما يكون الروح عاملا في داخل النفس فانه يؤثر عليها بمؤثراته المباركة التي تصور مشيئة الله تجاه هذه النفس . فهو بقوته  الالهية وحكمته يبدأ في صياغة النفس لتكون في الصورة التي يريد الله أن يراها عليها دائما . فتجد النفس واذ بها قد اصبحت ممتلئة اتضاعا و انكساراً ، و استعداداً للتوبة ، وانتصاراً على الخطية .. الخ ، ولكن إلى ان تتجاوب النفس مع هذه المؤثرات فانها ستبقى مجرد مؤثرات وليست صفات !!

     من الضروري أن نعلم أنها مؤثرات الروح وليست امكانيات النفس . فعندما ترى النفس وقد اصبحت منكسرة فجأة فلا تظن أنها صفة ثابتة في هذه النفس ، کلا ، أنه مجرد مؤثر روحی يفرض نفسه بسلطان الروح على هذه النفس . هل هناك فرق ؟  طبعا ،  ، فإن حزن الروح في هذه النفس وسحب تأثيره هذا ، فستجد أن صفة الانكسار تختفي تدريجيا وتعود النفس الى سابق عهدها بالعجرفة والعناد !!

       نفس أخرى تخضع لروح الله فتمتلىء بمحبة فائضة تملأ كل الكيان ، محبة لله وللآخرين ، للاخوة والاصدقاء و الأعداء وحتى للحيوانات والطيور !! لكن عندما يسحب الروح تأثير المحبة هذا ستجد ان المحبة تضمحل ، وتعود النفس الأنانية تظهر من جديد ، لأنها لم تكن محبة ذاتيه أصيله بل خارجية مكتسبه .

    نفس تعيش في نور الروح القدس ، تجدها ممتلئة بالقداسه و بغضة الخطيه  ، لكن عندما يزول هذا المؤثر   ــ لأسباب كثره سنتحدث عنها لاحقاً ــ   تبدأ النفس تضعف و تهتز أمام هجوم الخطيه . بل إن الأدهى هو أنك تكتشف خطايا و ميولا شريره تنبع من أعماق النفس ذاتها ، مما يؤكد أن قداستها لم تكن صفه ثابته بل مؤثرا مؤقتاً .

     لكن هل هذا وضع طبيعي سيستمر طول الحياة ؟  كلا بكل تأكيد ، إن  دائرة مؤثرات الروح ينبغي أن تقودنا للحياة في دائرة روحية أخرى أكثر عمقا وثأثيرا وهی ما نسميها :

 

دائرة ثمار الروح

      عندما يؤثر الروح القدس على النفس بمؤثر معين ، ينبغي أن تتجاوب النفس مع هذا المؤثر وتخضع له ، وتبدأ في اتخاذ قرارات ارادية ثابتة وخطوات عملية حقيقية تجاه هذا المؤثر ، لكي يتحول الى وضع شخصی عملی ، و يثمر صفة ثابتة في النفس ، وهذا ما نسميه " ثمار الروح "

          لنأخذ العبادة مثلا . عندما يؤثر الروح القدس على نفس ما بمحبة الله والرغبة في التواجد بمحضره ، تمتليء النفس عندند بروح التسبيح و العبادة وتحب التواجد في خلوة أمام الله ، ويكون هذا التواجد سهلا لان الروح يجذبناً جذباً تجاه المخدع .لكن المحك الحقيقي يبدأ عندما يختفي هذا الموثر القوی :

       ان كانت النفس قد قررت أن تكون العبادة جزءاً لا يتجزأ من برنامج يومها فانها تظل محتفظة بوقت العبادة حتى ولو لم يصبح الأمر بنفس السهولة وستظل تجاهد لكي تحفظ لله حقه في الوقت ، وتظل تقدم سجوداً وخضوعاً مهما كانت الظروف جافة وشاقة . عندئذ يرضي الله عن هذه النفس التي تجاوبت مع مؤثرات الروح تجاوبا ليس مؤقتا سطحيا بل دائما عميقا ، ويؤيد الروح هذه النفس و يباركها ، وهكذا تكتسب النفس ثمرا ثابتاً دائما حتى في زمن التجارب واختفاء المؤثرات الروحية ، يمكنـك عندئذ أن تسميها " نفسا سـاجده " !!

          لكن اذا بدأت النفس تتهاون في الشركة مع الله لأن المؤثر قد زال ، وتبدأ تستسلم بسهولة للعوامل التي تدفعها إلى خارج المخدع ، فان هذا يبين أن النفس لم تتجاوب مع مؤثرات الروح تجاوبا حقيقياً انما تجاوباً مؤقتاً سطحياً ، وقد فشلت في الإثمار للروح.

        ان الغرض من مؤثرات الروح هو ان تتجاوب النفس معها بالطاعة والارادة فتثمر ثمار الروح ، أی أن مؤثرات الروح هي اعمال الروح في داخل النفس ، اما ثمر الروح فهو تجاوب النفس مع هذه المؤثرات .

 

دائرة مواهب الروح
        أن أفكار الله ومقاصده تكون دائما فوق مستوى الادراك البشري ، السطحي بطبعه . وعندما يريد الروح ان ينقل للنفس فكرة الهية او يفضح خطأً روحياً دفيناً ، ويجد صعوبة في نقل هذا للذهن البشري المحدود ، فإنه يلجأ (أحيانا ) لوسائل فوق طبيعية تصل الى روح الإنسان مباشرة متخطية الذهن المحدود والنفس الضعيفة . والشخص الخاضع للروح القدس یكون مستعداً دائما للتعلم من الروح بكل وسائط النعمة الطبيعية و المتاحة ، وأحيانا بوسائط النعمة فوق الطبيعية أيضا !! وهذه ما نسميها " مواهب الروح " ، ولهذا حديث خاص

الجمعة، 13 مايو 2022

أحاديث من القلب

 

عن الروح القدس ( 5 )

بقلم : فخرى كرم

    تكلمنا عن حزن الروح القدس و اسبابه ونتائجه ، و حقاً نقول أن الحياة التي لا تتمتع بفرح الروح وعمله إنما هي حياة عقيمه مجدبه ومحزنة لقلب الله ، بل اننا نسميها " حياه " على سبيل المجاملة فقط ، لانها و الموت سيان !! والان ما هو العلاج لهذه الحالة ، لنفترض ان هناك أخا قد احزن الروح بجهل و هو يريد أن يستعيد ما مضى ، ماذا نقول له ، نقول له !!

أذكر

    يبذل ابليس جهدا كبيرا لكي يظل الإنسان في دوامة عنيفة و غيبوبة روحية لكي لا تسنح له الفرصة ليراجع حساباته وينظر الي ما فاته و يحسب تجارته هل هي رابحة أم خاسرة . وبعبارات اخرى نقول أن الشيطان يسعى في البداية الى اسقاط المؤمن في الخطأ ثم يكتم انفاسه لكي يمنعه من النهوض ، وذلك بتزايد الضغوط النفسية والاجتماعية والروحية ، وبالكثير من أرواح الخوف والفشل و الضعف .

      وعادة يستسلم الاخ الساقط لتزايد الضغوط المتراكمة فوقه ، ويظل منبطحا ، بل انه يبدأ في التأقلم على هذا الوضع الجديد مكتفياً بذكرياته الروحية الجميلة ، وهو لا يدري انها مؤامرة شريرة تلك التي تهدف الى بقائه بعيدا عن مشيئة الله وتبطل نفعه الروحي وتميته وهو بعد على قيد الحياة .

    ووصية الرب الأولى لهذا الاخ هي "اذكر"  ، قف و التفت الى الوراء وانظر الى ما فاتك ، لماذا تخاف من النظر الى الوراء ؟!  لماذا تحب البقاء في غيبويه ؟! لماذا تستسلم للتدهور المستمر وترضی به وكأنه وضع طبيعي ؟!

       هل تخشى مشاعر الخسارة والندم ؟ كلا ، ان مشاعر الخسارة والندم هي أول خطوة نحو التوبة الصحيحة . افتح قلبك وكن مستعداً للاعتراف بأنك خاسر !! اعترف بشجاعة أنك لم تسلك الطريق الصواب ، كن جريئاً وانظر الى تفاصيل الأيام التي سبقت التدهور الروحي . أن الشخص العاقل لا يخشى من مواجهة فشله بل يواجهة ليصححه .

      من المفيد أن ننسى ما غفره الله لنا وما طهرنا منه ، لكن من المضر جدا ان ننسى ما لم يغفره الله او ما لم نتطهر منه بعد !!

 

 

من أين سقطت

        عندما نسترجع ما فاتنا لابد أن نبحث بتدقيق عن النقطه المحدده التي بدأ عندها السقوط . إن الاعتراف العشوائي بأننا مخطئون لا يفيد بشئ !! لقد اعتدنا في صلواتنا أن نذكر عبارات عامه هلاميه مثل " نحن ضعاف يارب " أو " لقد أخطأنا و عوجنا المستقيم " ... الخ  و كل هذه اعترافات  غير محدده لا تفضح خطأ و لا تعالجه ، و بالتالي فهي لا تحظى بتأييد السماء ، و الدليل هو بقاء الحال على ما هو عليه من ضعف و اعوجاج !!

     ينبغي أن نضع أيدينا على موضع الداء  بالتحديد ، و نعترف به بالتحديد ، و نتوب عنه بالتحديد أيضا !! " يارب ، لقد جرفتني محبة المال "  ، " يارب ، أنا لم أقاوم الشهوه بحزم " ، : لقد خفت من الاضطهاد و لم أعترف باسمك علانية " ...هذه هي الصلوات المحدده التي يمكن للسماء أن تصادق عليها  و تمنحها إجابه .

و تب

    ما هي التوبه ؟ هي أن أعود الخطوات التي مشيتها مبتعدا عن مشيئة الله . إن كل خطوه خطوتها مبتعدا ينبغي أن أخطوها عائدا !!  إن كنت قد خطوت تجاه محبة العالم و ضاع وقتي و جهدي في دروب الهوى و الشهوه ، ينبغي أن أتخذ خطوات عمليه تجاه بغضة العالم و الأشياء التي في العالم ، و لابد أن أعيد الوقت و الجهد الضائعين إلى مكانهما الصحيح في الشركة مع الله .

         ان كنت قد كففت عن خدمة الهی و امسکت فمي عن الشهادة له ، ينبغي أن أطلب القوة والمعونة لكي اعود الى حياة الخدمة والشهادة ... وهكذا .

      البعض يظن أن التوبة هي صلوات ودموع وكفي ، كلا ايها الاحباء ، ان لم تترجم هذه المشاعر الى خطوات عملية عائدة نحو الله فسوف يظل كل شئ في مكانه !! انظر الي الابن الضال ، لقد بدأ  بالتذكر ، تذكر ايام الفرح والشبع في بيت أبيه ، وأدرك أن السقوط بدأ عندما ترك هذا البيت ،  ولقد واجه نفسه بخطئة وكان مستعداً للاعتراف به علناً ، لكن الأمر لم يقتصر على ذلك ، بل انه قام فعلا  و بدأ يسير عائدا في نفس الطريق الذي سار فيه من قبل عاصيا !!

     أخي العزيز ، أطرد ما سمحت له بالدخول الى قلبك ، واسترجع ما سبق واعطيته للعالم ، واسترد ما فقدته باستهانتك و خنوعك  . بدل التراخي اظهر ثباتاً ، و بدل الميوعة أظهر جدية ، وبدل الجبن قرر ان تكون شجاعاً ،  وعوضا عن الاستسلام انهض غالباً . بدل الخيانة دع الله يری فيك أمانة ، وبدل السلوك في الظلمة قرر أن تعيش في النور ، هذه هي التوبة !! ونعمة الله كفيلة بمعونتك ان كانت توبتك صادقة .  أخي ، اذكر من أين سقطت و تب .( يتبع )

الأربعاء، 11 مايو 2022

أحاديث من القلب

 

عن الروح القدس (4 )

بقلم : فخرى كرم

تابع " حزن الروح " (أف 4 :30)

روتينية العبادة

    قلنا سابقا أن الروح هو الذي يستحضر أمام أرواحنا مجد الله ، وهو الذي ينقل النفس إلى آفاق الشركة الحية مع الآب والابن انه هو الذي يجعل محبه الآب حقيقة واقعة نحس بدفئها ، وهو الذي يجعل صليب المسيح قوه حقيقية تطهر الحياة وتصلب الجسد وتميت العالم في نظر المؤمن ، وهكذا تكون شركتنا مع الآب والابن شركه متجددة مثمرة ، تنقل النفس فى كل يوم إلى آفاق جديدة من مجد إلى مجد إلى صورة المسيح عينها .

    لكن إذا حزن الروح بداخلنا فان هذه الحيوية والجدة تتسرب من حياتنا شيئا فشيئا ، وقد يستمر المؤمن في ممارسة حياه العبادة ، إلا أنها تصبح هيكلا جميلا من الخارج بينما هو من الداخل خاو بارد مظلم !! تماما كما حدث مع الهيكل القديم عندما خرج منه يسوع حزينا إذ أصبح مجرد حجارة ينبغي أن تنقض ولا يبقى فيها حجر على حجر !! وكل العبادات والفرائض والأعياد باتت جوفاء لا قيمه لها رغم أنها نفس العبادات التي أوصى بها الله قديما ، لكن الخطأ ليس في العبادات بل في فقدان الروح والمعنى والقيمة !!

    وحزن الروح يكون تدريجيا في معظم الأحوال مما يصعب ملاحظته وسط ضجيج الحياة ، ولا يفيق المرء إلا عندما يجد حياته الروحية وقد أصبحت مجرد ممارسات روتينية لا يجد فيها لذة ولا تضيف جديدا إلى قامته الروحية ، بل قد تصل إلى كونها ثقلا يمل حمله !!

فراغ الكرازة

    بما أن فاقد الشيء لا يعطيه ، فان فاقد الشركة الحية مع الله لا يستطيع أن يقود الآخرين إلى شركه حية مع الله !! إذا كانت محبة الله قد أصبحت بالنسبة لي مجرد حقيقة باردة فكيف أقنع الآخرين بدفء هذه المحبة ؟! فان أصبحت دماء المسيح مجرد حقيقة لاهوتية في ذهني فكيف أجعلها تغدو حقيقة عملية في صميم حياة الآخرين ؟! وإذا كان الخلاص قد أصبح نظرية أؤمن بها رغم خلو حياتي من تأثيرها ، فكيف يمكنني أن أجعل الخلاص قوه مجددة لحياة الآخرين ؟!

    عندما يحزن الروح داخلك فان الخدمة ـ لو استمرت ـ تصبح نشاطا خاليا من الثمر ، أقوال خالية من المفعول، وفى أفضل الأحوال قد تستطيع أن تستثير مشاعر الناس لكنك لن تستطيع تجديدهم ، وقد تجعلهم يحبونك لكنك لن تجعلهم يحبون الله !!

السقوط أمام الأعداء

    لا يستطيع إنسان أن يثبت أمام مثلث الشر ـ إبليس والعالم والجسد ـ إلا بقوة وحكمة الروح القدس ، وان حزن الروح فان المؤمن يجد نفسه ضعيفاً أمام كل روح ردئ ، ومعرضا لكل قوة غاشمة تنبع من داخله أو تأتيه من العالم الخارجي ، والأمور التي كانت تبدو له صغيرة في الماضي أصبحت جبالا يصعب تخطيها ، والخطايا التي ظن أنها باتت غير موجودة تهاجمه بضراوة ، ويصبح نفسا هزيلة يمكن خداعها بسهوله ويغدو سقوطها أكيدا ، وهكذا تصبح الحياة سلسلة من السقوط والقيام وأحيانا من السقوط والسقوط !!                                          

فقدان الدافع للتضحية

     فيما مضى كان هناك دافع قوى للتضحية بالوقت والمال والصحة من أجل الله وخدمته ، أما في زمن حزن الروح  فالمرء يفقد الدافع للبذل ويشعر أنه لا يوجد ما يستحق التضحية ، وتبدأ النفس تبخل بالعطاء إلا إذا كان هناك مقابل منظور ، بل أنها تندم على ما بذلت من وقت ومال واحترام الناس ، ولا تعود تقدم إلا من فضلالتها  بعدما تقدم من أعوازها !!       

الانحراف عن التعليم الصحيح

إذا بلغ حزن الروح إلى انطفاء الروح فعندئذ يبدأ الذهن يحتل مركز القيادة في حياة الإنسان ، وما أخطر أن يخضع الإنسان لقيادة  ذهن غير خاضع للروح القدس !! لأن الذهن البشرى يميل بطبعه إلى الابتعاد عن فكر الله ، وهذا هو منشأ كل التعاليم الغربية  والممارسات الجسدية والهرطقات اللاهوتية التي أصبحت المسيحية في كل عصورها ، إنها نتائج الفكر " البرى " غير المروض وغير الخاضع للروح القدس . 

إن الفكر البشرى يميل إلى وضع قوانين ونظم للحياة والعبادة ولا يفهم كيفية السلوك بالروح ، وهو يرتاح إلى روتينية حياته وينزعج ما يسمى بإرشاد الروح !! حقا أنها نهاية بشعة يتردى إليها الإنسان مبتعدا عن الله ، وقد بدأت فيه حين بحزن الروح داخله ، إن أي ثعلب صغير نتركه داخلنا يستطيع أن يفسد كلها !!