الثلاثاء، 31 مايو 2016

أحاديث من القلب

الأوقات والأزمنة (9)
بقلم : فخرى كرم
«فمررت بك ورأيتك وإذا زمنك زمن الحب» (حز16: 8)
في الاصحاح السادس عشر من نبوة حزقيال يسرد الرب تاريخ شعب اسرائيل وعلاقة الرب بهم بصورة مجازية درامية غاية في الوضوح والتأثير، وفي هذه الصورة التعبيرية يتضح أن حياة الأفراد والشعوب تمر بأوقات وأزمنة مختلفة في سماتها وأحداثها.
زمن الميلاد: بدأ تكوين شعب اسرائيل في أرض غريبة هي أرض مصر، وفي أجواء من الرفض والاضطهاد نما هذا الشعب وازداد، ويصوِّر الرب هذه المرحلة بالطفلة الذي تولد محاطة بمشاعر الرفض والبغضة ممن حولها، لم تشفق عليها عين ولم يرقُّ لها قلب، لم تُقطع سرَّتها ولم تُغسل بماء للتنظيف، بل بمشاعر الكراهية لنفس هذه المولودة طرحوها على وجه الحقل لتموت!!
لكن في هذا الوقت الحرج مرَّ الرب مروره الأول على هذا الشعب، عبر الرب بمحبته على هذه المولودة المكروهة المحكوم عليها بالموت، نظر الرب بإشفاق الي هذه الأمة المطروحة على وجه حقول مصر مدوسة بالعبودية القاسية وغارقة في دم أبنائها الذين يموتون كل يوم ظلماً وعدواناً، وأمام هذا المشهد القاسي نطق الرب بكلمة الحياة، قال «بدمك عيشي»!! عيشي برغم دمائك التي تسيل في كل يوم، عيشي رغم أطفالك الذين يموتون في كل يوم، عيشي رغم إرادة الموت التي تحيط بك في كل يوم!! وكان لكلمة الحياة هذه كل السلطان على مشهد الموت المحيط بالشعب، فيقول الكتاب أنهم بحسب ما أذلوهم المصريون هكذا نموا وامتدوا (خر1: 12) كان زمن العبودية في أرض مصر «زمن ميلاد» للشعب بكلمة حياة من فم الرب!!
زمن الحب: لكن بعد اكتمال أربعمائة عام في أرض مصر عاد الرب يمر مرة ثانية على هذا الشعب، ولكن في هذه المرة كان الزمان قد تغيّر، لم يعد زمانهم زمن الميلاد بل «زمن الحب»، وزمن الحب بالنسبة للفتاة هو زمن النضوج للحب والزواج، ان هذه الطفلة التي كانت مدوسة بدمها قد كبرت ونضجت وصارت صالحة للزواج بفضل كلمة الحياة التي نطق بها الرب على حياتها، وفي هذا المرور الثاني لم ينطق الرب بكلمة حياة بل بكلمة عهد ارتباط بهذا الشعب، ومثل الرجل الذي يتقدم للارتباط بفتاة ناضجة تقدم الرب ليرتبط بهذا الشعب ارتباطاً أبدياً، في مروره الأول على هذا الشعب منحه حياة لكن في مروره الثاني منحه ذاته واسمه!! عندما أرسل الرب موسى ليُخرج الشعب من أرض مصر أعلن بالآيات والعجائب أن هذا الشعب ينتمي لـ «يهوه» رب السماء والأرض، ويا له من امتياز عظيم أن يحمل هذا الشعب البائس اسم وحضور «يهوه»!!
ولقد جمَّل الرب عروسه بكل أدوات الجمال والعز، غطَّى هذا الشعب في أثناء خروجه من مصر بكل الهيبة والمخافة، كل الشعوب سمعت بما فعله الرب مع هذا الشعب فذابت قلوبهم، أطعمهم في جوعهم وحفظهم في خوفهم وانقذهم من أعدائهم، لقد تحوَّل هذا الشعب تحت راية الرب من شعب مُهان الى شعب عظيم يصلح لمملكة، ولقد ختم الرب رحلتهم في البرية بإعطائهم الأرض لإنشاء مملكة اسرائيل التي ظهرت للعيان بعد أربعين سنة من خروجهم من أرض المذلة والعبودية.

ومَن منا لا يذكر «زمن الحب» الخاص به، الزمن الذي شعرنا فيه باحتياجنا للحب والاحتواء والحماية فوجدنا الرب يملأ كل هذه الاحتياجات بشخصه الكريم، عندما تقدم الرب لكل واحد منا ليرتبط معنا برباط أبدي ويعطينا ذاته واسمه؟! ليتنا نذكر دائماً «زمن الحب» ونصون العهد الذي يربطنا بالرب ولا نخون كما فعل الشعب القديم!! ولكن لهذا حديث آخر (يتبع)     

الخميس، 26 مايو 2016

الخضوع بداية النهضة
بقلم : أ . و . توزر

النهضة هي سريان حياة الرب يسوع المسيح في داخل قلب الإنسان ، إن يسوع دائما منتصر ، لا ينهزم أبدا و لا تنكسر قوته إطلاقا ، و إذا كنا في شركة حقيقية معه فلابد أن تسري قوته تلك إلى داخل قلوبنا و حياتنا و خدمتنا و حياته المنتصرة ستملؤنا و تفيض فينا إلى الآخرين ، و هذه هي النهضة في جوهرها .
الخضوع لمشيئته
و لكن إذا أردنا أن نكون في شركة حقيقية مع شخصه المبارك ينبغي أول كل شئ أن نتعلم كيف نخضع مشيئتنا لمشيئته هو . إن الخضوع هو بداية انتعاش حياتنا و نهضتها . قد يكون الخضوع مؤلما و مكلفا ، لكنه الطريق الوحيد للانتصار . ببساطة ينبغي أن يكون شعارنا : " لا أحيا أنا بل المسيح يحيا في " ( غل 2 : 20 ) .
و الرب لا يستطيع أن يحيا فينا بالكامل و يعلن نفسه من خلالنا إلا إذا انكسرت الذات المنتصبة في داخلنا . و إننا نقصد بالذات تلك النفس الصلبة غير القابلة للخضوع ، النفس التي تحابي نفسها ، و تطالب دائما بحقوقها و تسعى لمجدها الشخصي . هذه النفس ينبغي أن ترفع أنظارها إلى مشيئة الله و تعترف بخطأ مسلكها و ترفضه و تسعى في طريق يسوع ، لا تطالب بحقوقها بل بحق الله ولا تسعى لمجدها بل ليكون الرب يسوع هو الكل في الكل ، و هذا هو ما نسميه " الموت عن الذات " .
و لو نظرنا بأمانة إلى حياتنا المسيحية لوجدنا الكثير من الذات بداخل كل منا . الذات التي تحاول دائما أن تحيا الحياة المسيحية بمجهودها الشخصي ، الذات التي تقوم بكل العمل داخل الكنيسة ، الذات التي تملؤنا بالتوتر و القلق و الضجر و السخط ، الذات المتصلبة التي ترفض الخضوع للآخرين ، الذات غير المروضة و التي لا تشعر إلا بنفسها و لا تحترم إلا فكرها .
لا مفر من الانكسار ، فطالما بقيت الذات غير خاضعة بقي الله غير فاعل بحرية في حياتنا ، لأن ثمار الروح التي يريد الله أن يملأنا بها تضاد تماما ثمار الذات الموجودة بداخلنا.
هل سنقول " نعم يا رب " ؟!
إن انكسار الذات و الخضوع لمشيئة الله هو عمل الله و عملنا في آن واحد . الله من جهته يسلط الضوء على المناطق الصلبة في ذواتنا ، ثم يترك لنا حرية التجاوب مع هذا النور . عندئذ يمكننا أن نصلب أعناقنا و نرفض الاعتراف و التوبة و حينئذ يتألم قلبه و يحزن روحه فينا ، و قد نحني الرأس و نقول بكل خضوع : " نعم يا رب ، لتكن مشيئتك " .
إن الانكسار هو خضوع لفكر الله في حياتنا اليومية ، و كلما كان فكر الله يصل إلينا باستمرار فنحن نحتاج أن يكون خضوعنا مستمرا متواصلا و ربما كان هذا مكلفا إذا نظرنا إلى كم التنازلات و التضحيات و الاعترافات التي قد نضطر لتقديمها .
يسوع خضع لأجلنا
و لهذا السبب لا يمكننا أن ننكسر و نخضع إلا عند صليب يسوع . إن خضوع يسوع و قبوله للموت من أجلنا هو الدافع الوحيد القادر أن يجعلنا نخضع نحن أيضا لمشيئة الله في حياتنا . إن الرب يسوع و هو في صورة الله أخلى نفسه و أخذ صورة عبد ووضع نفسه و أطاع حتى الموت موت الصليب ، نعم ، رغم كونه في صورة الله عاش عبدا لله و للناس !!
هل تراه و هو لا يطلب لنفسه حقا ؟ لا بيت و لا ممتلكات ، يترك الناس يشتمونه و لا يشتم عوضا ، و لا ينتقم لنفسه بل يخضع و يذهب إلى الجلجثة ليكفر عن خطايا الإنسان و يحمل في جسده آثامنا على الخشبة .
بروح النبوة قال كاتب المزمور على لسان الرب " أما أنا فدودة لا إنسان " ( مز 22 : 6 ) . و علماء الأحياء يقولون لنا أن هناك فرقا كبيرا بين الحية و الدودة ، فعندما تحاول أن تهاجم الحية و تهدد بضربها تجدها تلتف حول نفسها و تبدأ في الفحيح و تستعد للانقضاض و تقابل الهجوم بهجوم ، إنها صورة حقيقية للذات !! أما الدودة فعلى النقيض من ذلك لا تبدي أي مقاومة للهجوم ، إنها تسمح لك بأن تفعل بها ما تشاء ن تضربها أو تسحقها تحت قدميك إذا شئت ، أليست هذه صورة حقيقية للانكسار ؟!
لقد خضع الرب يسوع بهذه الصورة من أجلنا و لقد فعل هذا لأنه رآنا في هذه الصورة عينها ، ديدان فقدت كل حق لها بالخطية و صارت فريسة لكل قوى الشر تعبث بها كما تشاء و تسحقها بلا رحمة ، لقد صار دودة من أجلنا لكي يرفعنا معه للمجد !! لذلك لا توجد قوة تجعلنا نخضع له إلا رؤيتنا لشخصه و هو يخضع من أجلنا ، فليكن خضوعنا خضوعا مستمرا .
هل حقا نريد نهضة ؟
بقلم : أ . و . توزر
" قد مخضت صهيون بل ولدت بنيها " ( أش 66 : 8 )

النهضة لا تحدث مصادفة ، إذا حدثت نهضة فهي لابد أن تكون نتيجة لمجهود و " مخاض " شخص ما استطاع أن يحرك القوى الروحية المؤثرة التي صنعت هذه النهضة .
في إحدى الفترات عندما كان د. ليمان بيتشر يخدم في مقاطعة ليتشفيلد حدثت نهضة روحية مفاجئة ، و كان انسكاب النعمة مباغتا و غير متوقع ، لم تكن هناك اجتماعات انتعاشية و لا خدمات خاصة مثل تلك التي تسبق النهضات عادة ، لذلك لم يستطع أحد أن يدرك السبب البشري الكامن وراء هذه النهضة .
السبب هناك
بعد فترة ذهب د . بيتشر لزيارة رجل مريض يقطن بعيدا في أطراف تلك المقاطعة ، و أثناء الزيارة سال المريض د . بيتشر عدة أسئلة عن النهضة --- التي تجددت بسببهـا ، و عندما اندهش د . بيتشر من أسئلة الرجل المريض حكى له الرجل هذه القصة :
بينما كان يرقد في فراش المرض شعر بتثقل شديد من أجل النفوس الهالكة و بالأسف الشديد أيضا لأنه يرقد هكذا بلا نفع للنفوس ، و عندئذ قرر أنه يستطيع على الأقل أن يصلي من أجلهم طالما لا يستطيع أن يزورهم أو يتحدث معهم ، و هكذا بدأ يصلي من أجل جاره الأقرب إلى منزله ثم من أجل الجار التالي و التالي حتى وصل إلى نهاية الشارع !! مصليا من أجل كل أسرة و كل فرد على قدر معرفته بهم .
و بعد ذلك تناول شارعا آخر و بدأ يصلي من أجل جميع سكانه بالترتيب . ثم شارعا آخر و هكذا حتى صلى من أجل كل المقاطعة ، و لكن النهضة لم تكن قد حدثت بعد ، لذلك قرر أن يعاود الصلاة مرة ثانية من أجل كل فرد في المقاطعة و بنفس الترتيب السابق !! و قبل أن ينتهي من هذه " الجولة " الثانية كانت النهضة قد اشتعلت في كل المقاطعة ، النهضة التي كان يتوقعها هو بينما لم يكن أحد من شعب الكنيسة أو الخادم يتوقعها .
عندما سمع د . بيتشر هذه القصة قال " لقد علمت الآن من أين بدأت هذه النهضة المباركة ، لقد بدأت من حجرة رجل الله المريض هذا !! " .
يسوع يهتم بالنفوس
إن مخلصنا يهتم جدا بالنفوس ، كان و هو على الأرض بالجسد يعمل بغيرة شديدة لربح النفوس حتى انطبق عليه القول " غيرة بيتك أكلتني " ، كان يستيقظ في الصباح الباكر لكي يصلي من أجل النفوس ، كان أحيانا يسهر طول الليل في الجبل يتمخض من أجل خراف بيت إسرائيل الضالة ، هل رأيته و هي يبكي على أورشليم ؟ هل رأيت قطرات العرق و الدم تنزف من جبينه تحت وطأة المحبة و المسئولية تجاه النفوس ؟ إن يسوع يتوقع من كنيسته أن تشاركه هذا الاهتمام بالنفوس الهالكة .
و الكنيسة ينبغي أن تهتم بالنفوس
الكنيسة هي عروس المسيح ، و العروس ينبغي أن تشارك عريسها اهتمامه و مشاعره ، ينبغي أن يكون لهما قلب واحد و غرض واحد ، لو لم تشارك عروس المسيح عريسها في اهتمامه بالنفوس فمن يا ترى يشاركه هذا الاهتمام ؟!
إذا كانت الكنيسة هي عروس المسيح فينبغي أن تقوم بدور الأم الرءوم لكل أبناء الله ، هل تستطيع أن تتخيل بشاعة الوضع عندما تضع طفلا رضيعا بين ذراعي أم ميتة ؟! يا للبشاعة !! لكن هذا هو نفس الوضع المتكرر يوميا فيما بيننا عندما تنضم نفوس حديثة الإيمان إلى كنائس باردة غير مبالية بالنفوس .
جميع الخدام ذوي الخبرة في الحقل التبشيري يعلمون أن أصعب شئ في النهضة هو تأمين المناخ الروحي الصحي الذي يناسب المؤمنين المتجددين حديثا ، المؤمن الحديث يحتاج إلى رعاية و اهتمام و سهر حتى يستطيع أن ينمو نموا سليما ن لكي تأتي النهضة و تتغير النفوس و تنمو نموا مضطردا ينبغي أن تكون هناك مبدئيا كنيسة حية ممتلئة بالنفوس و حاملة مع المسيح مسئولية ولادة و تنشئة نفوس جديدة في ملكوت الله .
إحدى الزوجات في انجلترا قررت أن تصلي من أجل تجديد زوجها كل يوم لمدة عام ، و في نهاية العام كان الزوج مازال بعيدا عن الله فقررت أن تواصل الصلاة من أجله لمدة ستة أشهر أخرى ، و لكن في نهاية هذه الفترة ظل زوجها كما هو ، فأصابها اليأس و فكرت في أن تتخلى عنه و تكف عن الصلاة من اجله ، لكنها عادت تسأل نفسها كيف يمكن أن تتخلى عن نفسهالكة وضع الله عليها مسئولية الصلاة من أجلها و الاهتمام بها ؟! عندئذ قالت " كلا ، لن أتخلى عن هذه النفس أبدا و سأظل أصلى من أجلها حتى آخر يوم في عمري " و في نفس هذا اليوم عاد زوجها من العمل و صعد فورا إلى الطابق الأعلى و أغلق عليه حجرته ، و في المساء انتظرته زوجته على العشاء لكنه لم ينزل ، فأصابها القلق عليه و صعدت إلى حجرته فوجدته جاثيا على ركبتيه أمام الله باكيا و مسترحما !! إن النفوس لن تشعر بالتبكيت على الخطية حتى نشعر نحن أولا بالتثقل و الاهتمام بهذه النفوس الهالكة .
الصلاة ليست بديلا للطاعة 
أ . و . توزر
هل تلاحظون كيف إزدادت الصلوات لأجل النهضة في الآونة الأخيرة ؟ و هل لاحظتم أيضاً كيف أن الاستجابات قليلة جداً ؟ ! فبالنظر لحجم الصلوات التي تُرفع في هذه الأيام نظن أن أنهار النهضة ينبغي أن تغمر كل الأرض بالبركات ، و لكن للأسف هذا لا يحدث بالحجم الذي نتوقعه ، و نحن لا ينبغي أن نفشل بسبب ضعف الاستجابة بل ينبغي أن نسعى لنكتشف السبب وراء عدم الاستجابة ، و لكل شئ في ملكوت الله سبب و العالم الروحي تحكمه قوانين ثابتة لا تتغير ، و عدم استجابة الله لصلواتنا لابد أن يكون وراءه سبب . و قد يكون هذا السبب عميقاً لا يسهل إكتشافه و لكنه أيضاً لا يستحيل إكتشافه .
صلاة بدون طاعة
أنا أعتقد أن مشكلتنا تكمن في أننا نحاول أن نستخدم الصلاة بديلاً للطاعة ، الكثير من الكنائس التي تصلي طلباً للنهضة تسلك مسكاً لا يتفق مع كلمة الله ، فهذه كنيسة تخضع لضغط المجتمع و تساير التيارات الحديثة التي تحملها بعيداً عن نموذج الكنيسة في العهد الجديد ، و عندما يلاحظ الخدام أن القوة الروحية بدأت تتسرب خارج كنائسهم يبدأون في البحث عن علاج ، كيف يحصلون على القوة الروحية التي يحتاجون إليها أشد إحتياج ؟ كيف يستحضرون أنهار الانتعاش لشعبهم المغشى عليهم ؟!
و الإجابة دائماً حاضرة ، إنها بلا شك " الصلاة " ! فالكتب الروحية تقول إن الحل هو " الصلاة " ، و رجال النهضات يؤكدون أن الحل هو " الصلاة " و يبدأ صدى هذه الكلمة يتردد من كل الجهات ، و تزداد النغمة إرتفاعاً حتى تصبح زئيرا : " الصلاة " !! و هكذا يبدأ الخادم يدعوا شعبه للصلاة ، طوال الليل و النهار يستعطفون الله لكي يرحمهم و يرسل نهضة على شعبه ، و يبدأ طوفان المشاعر و الحماس يرتفع حتى نظن لوهلة أن النهضة باتت على الأبواب ، و لكن الوقت يمر و النهضة لا تأتي ، و تبدأ الرغبة في الصلاة تتناقص ، و حالا تعود الكنيسة إلى الوضع الذي كانت عليه من قبل بالإضافة إلى قدر لا بأس به من التبلد و اللامبالاه !! أين يكمن الخطأ في هذا السيناريو المتكرر؟! إنه في محاولة الصلاة دون طاعة .
هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة
السبب ببساطة هو أن الجميع – الخادم و الشعب – لم يبذلوا أقل طاقة لإطاعة كلمة الله و تصحيح مسارهم ليتفق مع مشيئة الله ، لقد ظنوا أن احتياجهم الوحيد هو الصلاة بينما الحقيقة أنهم في حاجة إلى طاعة الله في جوانب كثيرة من حياتهم ، و الصلاة لن تكون أبداً بديلاً عن الطاعة ، و إلهنا القدوس لا يقبل أية تقدمة من شعبه إلا إذا كانت مغلفه بالطاعة ، لكن أن نصلي لأجل النهضة بينما نحن نهمل بل قل نستهين بوصايا الكتاب فما هذا إلا إضاعة للوقت و جهد بلا طائل .
عندما نقبل المسيح مخلصاً تصبح كل حياتنا ملكاً له ، و تصبح كل حياتنا تحت إلتزام بالطاعة لشخصه ، و يصبح حق المسيح في حياتنا هو الحق الوحيد المستوجب كل طاعة ، و كل حق أو سلطان كان يستوجب طاعتنا من قبل يتراجع و يصبح خاضعا لحق المسيح و سلطانه في الحياة ، إن ارتباطنا بالمسيح يحررنا من طاعتنا لسلطان الخطية و الموت و لكنه في نفس الوقت يضعنا تحت إلتزام بالطاعة لسلطان الله ووصاياه .
هذا الإلتزام بالطاعة لكلمة الله ووصاياه لم يعد ظاهراً في كنائسنا اليوم ، فالناس لا تحب الحديث عن الالتزام و المسئولية ، و الخدام أيضا !! و لذلك يسود الضعف كنائسنا و مهما حاولنا أن نصلي بدون أن نتعلم الطاعة فإن كل صلواتنا ستذهب أدراج الرياح .
أوامر و ليست تحريضات
أنظر إلى الرسائل في العهد الجديد و لاحظ كيف أنها تفرد مساحات كبيرة للوصايا التي تمس السلوك العملي للمؤمنين ، هذه الوصايا عكف المفسرون على تسميتها " تحريضات " و قاموا بتقسيم الرسائل إلى أجراء " تعليمية " و أخرى " تحريضية " و هكذا أراحوا أنفسهم و أراحونا من أي إلتزام للطاعة ، فالأجزاء التعليمية لا تتطلب منا شيئا سوى أن نؤمن بها بأذهاننا ، و الأجزاء التي يسمونها تحريضية تبدو من اسمها أنها غير ملزمة ، فهي تبدوا أقرب إلى النصائح التي قد نأخذ بها أو نهملها ، و هذا خطأ مميت !! فهذه الوصايا ينبغي أن نقبلها كأوامر واجبة الطاعة صادرة من رأس الكنيسة نفسه على لسان الرسل ، إنها ليست " نصائح " أو " تحريضات " بل " أوامر " واجبة التنفيذ لو كنا نريد بركة الله علينا فينبغي أن نبدأ الطاعة ، الصلاة ستكون مؤثرة عندما نكف عن استخدامها كبديل للطاعة ، لا تحاول أن تجعل الله يقبل صلاتك بدلاً من طاعتك فأنت لا تخدع إلا نفسك عندما تحاول أن تفعل ذلك .
التكريس و التقديس
بقلم : صموئيل برنجل

زوجة أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي كانت تحضر بانتظام سلسلة من اجتماعاتنا عن " التقديس " و بدا عليها أنها مهتمة تماما بالأمر ، و في أحد الاجتماعات أتت إلي بعد الخدمة و قالت : " أخ برنجل ، أرجو أن تسميه تكريسا و ليس تقديسا ، أعتقد أنه هكذا سيكون أكثر قبولا " فأجبتها : " لكني لا اقصد التكريس يا أختي ، أنا أقصد التقديس ، و الفرق بين التكريس و التقديس كالفرق بين الأرض و السماء ، بين عمل الإنسان و عمل الله " !!

خطأ هذه السيدة خطأ شائع ، لقد أرادت أن تجرد الحياة الروحية من العنصر ال " فوق طبيعي " و تعتمد فقط على إمكانيات و أعمال الإنسان الطبيعي ، إنها " الموضة " في هذه الأيام أن تكون " مكرسا " و تتكلم كثيرا عن " التكريس " !! سيدات رقيقات يرتدين الحرير و يتحلين بالمجوهرات و يتزين بالفراء ، و رجال متأنقون ذوو أيادي ناعمة متعطرون بالروائح تسمعهم كثيرا اليوم يتحدثون بأصوات خفيضة و كلمات رقيقة عن ضرورة التكريس للرب !! و رغم أني أشك كثيرا في أن مثل هؤلاء يفهمون معنى التكريس الحقيقي للرب إلا أني أريد أن أناقش هذا الأمر الآن ، كل ما أريده هو أن أرفع صوتي بتحذير عال قائلا : " إن التكريس هو عمل الإنسان ، و هو غير كاف لتطهير النفس أو لتمجيد الله أما التقديس فهو عمل الله الذي يطهر النفس و يمجد الله ، و دعونا ننظر إلى إيليا على جبل الكرمل لنرى الفرق بين التكريس و التقديس :
بنى إيليا المذبح على جبل الكرمل ، قطع ذبيحته ووضعها على المذبح ، و تضرع إلى إلهه ، و هذا هو التكريس !!
لكن أنبياء البعل فعلوا هذا أيضا !! لقد بنوا مذبحهم و قطعوا ذبائحهم و قضوا اليوم كله في تضرع بكل حماس و لجاجة للبعل ، بل ـ كما يبدو للعين البشرية ـ كان مالهم من حماس و لجاجة أكثر مما لإيليا !! إذا التكريس عمل إنساني يستطيع حتى أنبياء البعل أن يفعلوا مثله !!
ماذا فعل إيليا أكثر منهم ؟ لا شئ ، إلا أنه سكب عدة جرار من الماء على ذبيحته كتحد عظيم يعبر عن إيمان عظيم ، لقد آمن أن الله سيفعل شيئا ، لقد توقع عمل الله و صلى لأجله ، و لقد استجاب الله لتكريسه و شق السموات و سكب نارا تلتهم ذبيحته و حجارة مذبحه و تلحس المياه المسكوبة ، و هذا هو التقديس .
ما هي القوة التي تمتلكها الحجارة الباردة و الذبيحة الميتة لكي تمجد الله و تحول الأمة العاصية رجوعا ؟ لا قوة بالمرة ، لكن عندما انسكبت النار الإلهية و إلتهمتهم عندئذ فقط سقط الشعب على وجوههم و قالوا : الرب هو الله الرب هو الله ( 1 مل 18 : 39 ) .
ماذا تفعل المواهب الطبيعية و الكلام المنمق في خلاص العالم و تمجيد الله ؟ لا شئ بالمرة ، حتى لو كرسنا كل مواهبنا الطبيعية للرب تبقى الحاجة لحلول روح الله على هذه الذبيحة ، لأن روح الله وحده عندما يسكن في الإنسان يستطيع أن يمجد الله و يخلص العالم .
الله يريد أناسا مقدسين ، بالطبع ينبغي أن يكونوا مكرسين لكي يستطيع الله أن يقدسهم لكن ينبغي أن يفهموا أن تكريسهم وحده لا يكفي ، لذلك بعد أن يقدموا أنفسهم بالكامل لله ينبغي أن يرفعوا أياديهم عن ذبيحتهم و يطلبوا نار الله لتقدسها ، كما وضع إيليا ذبيحته على المذبح ثم رفع يديه عن الأمر تماما و ترك الله يعمل عمله و يشهد عن نفسه !!
ينبغي أن نقدم أنفسنا لله بالكامل ، إرادتنا و أذهاننا و ألسنتنا ، أيادينا و أرجلنا ، سمعتنا في وسط العالم و حتى في وسط المؤمنين ، شكوكنا و مخاوفنا ، ما نحبه و ما لا نحبه ، ميلنا الطبيعي للشكاية و الرثاء للنفس و التذمر ، كل شئ ينبغي أن يوضع أمام الله ثم ننتظر الله و نصرخ عليه بإيمان متضع ـ لكنه واثق ـ حتى يعمدنا بالروح القدس و النار ، لقد وعد أن يفعل هذا ، لكن الإنسان ينبغي أن يتوقع عمل الله و يطلبه و يصلي لأجله ، و إن توانت الاستجابة ينتظرها !!
رجع أحد الجنود إلى بيته بعد أن حضر أحد الاجتماعات ، ركع على ركبتيه و قال : " يا رب ، أنا لن أنهض من هنا حتى تملأني بالروح القدس " !! و لقد رأى الله فيه إنسانا خاضعا لعمله ، إنسانا يريد الله أكثر مما يريد أي شئ آخر ، و لهذا ملأه بالروح القدس هناك و في التو !!
لكن أعرف جنديا آخر وجد أن " الرؤيا تتوانى " أحيانا !! لذلك انتظرها و قضى أوقاتا طويلة لمدة ثلاثة أسابيع يصرخ إلى الله لكي يملأه بالروح القدس ، و لم ييأس بل تمسك بالله بإيمان مثابر ، لم يتركه حتى يباركه ، و لقد رأيت هذا الجندي بعد فترة و تعجبت من روعة نعمة الله فيه ، لقد حل عليه حقا روح الأنبياء !!
قال أحد أصدقائي مرة : " إن السماء كلها مقدمة مجانا للإيمان " !! لكن أين من يستطيع أن ينتظر الله بإيمان ؟! فلنضع أنفسنا أمام إلهنا و نصرخ إليه بلجاجة لكي تنزل ناره من السماء و تلتهم ذبيحة حياتنا ، و عندئذ سنعرف معنى القداسة الحقيقية .

الجمعة، 20 مايو 2016

تسرب القوة
بقلم : أ . و . توزر

رجل الله " جيمس كوفي " قال مرة في أحد كتبه أنه ذهب لحفل شاي قبل ذهابه للخدمة في إحدى الأمسيات ، و رغم أنه لم يكن هناك شئ سيئ أثناء حفل الشاي إلا أنه عندما وصل إلى الاجتماع في هذا المساء كان خائر القوى مثل القوس المرتخية التي لا تستطيع أن تطلق سهام كلمة الله إلى قلوب الناس ، كانت قوته قد تسربت أثناء حفل الشاي !! 
و أعرف أحد الخدام الأفاضل الذي ترك قوته تتسرب منه و هو في طريقه إلى الاجتماع حتى إنه عندما وصل إلى المنبر كان مثل العظمة الجافة !! في طريقه إلى الاجتماع استقل سيارة أجرة لمسافة ثلاثة أميال ، و في الطريق تحدث مع السائق في أشياء كثيرة لا علاقة لها بالاجتماع الذاهب إليه ، لم تكن أحاديث سيئة أو قبيحة لكنها لم تكن في الهدف الصحيح ، أبعدت ذهنه عن الله و النفوس التي سيواجهها بعد قليل ليقودها إلى الله ، و كانت النتيجة أنه بدلا من أن يقف أمام الشعب متسربلا بالقوة وقف أمامهم عاريا منها .
و أنا أتذكر هذا الاجتماع جيدا ، كانت صلاته جيده لكن لم يكن فيها قوة ، كانت مجرد كلمات ، كلمات ، كلمات !! و القراءات الكتابية و العظة كانت ممتازة واحتوت على أفكار عظيمة و حقائق ثمينة ، لكنها أيضا كانت خالية من القوة و التأثير ، و السامعون بدا عليهم التشتت و اللامبالاة و أثقل النعاس رؤوسهم ، و باختصار كان الاجتماع كله " تأدية واجب " !! 
نذكر هنا أن هذا الخادم لم يكن مرتدا ، إنه أخ ممتاز له اختبار حسن ، و ليس غبيا أو جاهلا بل هو من ألمع و أذكى الخدام الذين عرفتهم ، لكنه بدلا من أن يسكن نفسه و قلبه أمام الله أثناء وجوده في السيارة في طريقه إلى الاجتماع حتى تمتلئ نفسه بالإيمان و الرجاء و المحبة التي في قلب الله للنفوس الغالية ، بدلا من هذا أضاع وقته الثمين في أحاديث عقيمة فتسربت القوة من بين يديه و تركته جافا باردا . 
يقول الله " إذا أخرجت الثمين من المرذول فمثل فمي تكون " ( ار 15 : 19 ) هذا الخادم كان ينبغي أن يذهب إلى الخدمة مملوءا بالقوة و يتكلم إلى الشعب كما لو كان فم الله نفسه !! و كلماته كانت ينبغي أن تكون عندئذ حية و فعالة و أمضى من كل سيف ذي حدين ، خارقة إلى مفرق النفس و الروح و المفاصل و المخاخ و مميزة أفكار القلب و نياته ( عب 4 : 12 ) لكنه بدلا من ذلك كان مثل شمشون بعدما قصت دليلة خصلات شعره ، ضعيفا مثل واحد من الناس !! 
و هناك طرق عديدة لتسرب القوة ، أنا أعرف أحد القادة كان يذهب إلى الاجتماع مبكرا جدا في كل ليلة لكنه بدلا من أن يقضي هذا الوقت في الصلاة و الاستعداد للخدمة كان يعزف على آلة " الكمان " الخاصة به ألحانا هادئة !! و رغم تحذيرات و توجيهات المحبة ، استمر في هذا الإهدار للطاقة و الوقت حتى أصابه الفتور و ارتد عن الإيمان !! 
و أعرف أيضا خداما يفقدون قوتهم بسبب " نكتة " !! يريدون أن يجعلوا اجتماعاتهم حيوية و مرحة فيعكفون على سرد القصص المضحكة و إطلاق النكات و القفشات ، و قد تصبح اجتماعاتهم فعلا حيوية لكنها حيوية نفسية مفتعلة و ليست حيوية الروح القدس الحقيقية . و أنا لا أعني بذلك أن رجال الله لا يضحكون أبدا و تمتلئ اجتماعاتهم بالحزن و الألم ، كلا ، فالكثير من رجال الله يستطيعون أن يملأوا خدماتهم بأوقات مرحة و سعيدة و لكن ليس بروح الخفة والهزء ، و يكون هدف هذه الأوقات هو جذب النفوس إلى الله و ليس مجرد قضاء أوقات ضاحكة .
على كل من يريد أن يحرك جو الاجتماع أن يعلم أنه لا بديل عن شخص الروح القدس ، إنه هو الحياة و القوة ، و إذا حضر في اجتماع ما، لابد أن يملأه حيوية و إيجابية و اقتدار .
إن سر القوة يكمن في الصلاة وطلب عمل الروح القدس في اجتماعاتنا ، ينبغي أن نصلي دائما من أجل خدماتنا كما علمنا الرب يسوع قائلا " أدخل إلى مخدعك و أغلق بابك و صل إلى أبيك الذي في الخفاء ، فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية " ( مت 6 : 6 ) أعرف أحد الخدام كان يقضي ساعة منفردا في صلاة سرية قبل الخدمة ، و عندما كان يصعد إلى المنبر ليتكلم كان يتكلم بقوة و سلطان الروح .
الإنسان الذي يريد القوة ينبغي أن يتكلم مع الله قبل أن يتكلم مع النفوس ، ينبغي أن يكون شريكا لله !! ينبغي أن يحفظ الطريق مفتوحا بينه و بين الله في شركة مقدسة سرية ، و الله يرحب بشركة هذا الإنسان و يباركه و يعلن له أسراره و يعلمه كيف يخترق إلى قلوب السامعين ، الله يجعل الظلمة نورا و الطرق المعوجة مستقيمة و العراقيب سهلا أمام هذا الإنسان .
احترس يا أخي من أن تحزن الروح القدس ، و هو سوف يقودك لتعرف الله و تحبه ، عندئذ سيجعلك الله قناة لسريان قوته إلى العالم .