الأوقات والأزمنة (9)
بقلم : فخرى كرم
«فمررت بك ورأيتك
وإذا زمنك زمن الحب» (حز16: 8)
في
الاصحاح السادس عشر من نبوة حزقيال يسرد الرب تاريخ شعب اسرائيل وعلاقة الرب بهم
بصورة مجازية درامية غاية في الوضوح والتأثير، وفي هذه الصورة التعبيرية يتضح أن
حياة الأفراد والشعوب تمر بأوقات وأزمنة مختلفة في سماتها وأحداثها.
زمن
الميلاد: بدأ تكوين
شعب اسرائيل في أرض غريبة هي أرض مصر، وفي أجواء من الرفض والاضطهاد نما هذا الشعب
وازداد، ويصوِّر الرب هذه المرحلة بالطفلة الذي تولد محاطة بمشاعر الرفض والبغضة
ممن حولها، لم تشفق عليها عين ولم يرقُّ لها قلب، لم تُقطع سرَّتها ولم تُغسل بماء
للتنظيف، بل بمشاعر الكراهية لنفس هذه المولودة طرحوها على وجه الحقل لتموت!!
لكن
في هذا الوقت الحرج مرَّ الرب مروره الأول على هذا الشعب، عبر الرب بمحبته على هذه
المولودة المكروهة المحكوم عليها بالموت، نظر الرب بإشفاق الي هذه الأمة المطروحة على
وجه حقول مصر مدوسة بالعبودية القاسية وغارقة في دم أبنائها الذين يموتون كل يوم
ظلماً وعدواناً، وأمام هذا المشهد القاسي نطق الرب بكلمة الحياة، قال «بدمك
عيشي»!! عيشي برغم دمائك التي تسيل في كل يوم، عيشي رغم أطفالك الذين يموتون في كل
يوم، عيشي رغم إرادة الموت التي تحيط بك في كل يوم!! وكان لكلمة الحياة هذه كل
السلطان على مشهد الموت المحيط بالشعب، فيقول الكتاب أنهم بحسب ما أذلوهم المصريون
هكذا نموا وامتدوا (خر1: 12) كان زمن العبودية في أرض مصر «زمن ميلاد» للشعب بكلمة
حياة من فم الرب!!
زمن
الحب: لكن بعد
اكتمال أربعمائة عام في أرض مصر عاد الرب يمر مرة ثانية على هذا الشعب، ولكن في
هذه المرة كان الزمان قد تغيّر، لم يعد زمانهم زمن الميلاد بل «زمن الحب»، وزمن
الحب بالنسبة للفتاة هو زمن النضوج للحب والزواج، ان هذه الطفلة التي كانت مدوسة
بدمها قد كبرت ونضجت وصارت صالحة للزواج بفضل كلمة الحياة التي نطق بها الرب على
حياتها، وفي هذا المرور الثاني لم ينطق الرب بكلمة حياة بل بكلمة عهد ارتباط بهذا
الشعب، ومثل الرجل الذي يتقدم للارتباط بفتاة ناضجة تقدم الرب ليرتبط بهذا الشعب
ارتباطاً أبدياً، في مروره الأول على هذا الشعب منحه حياة لكن في مروره الثاني
منحه ذاته واسمه!! عندما أرسل الرب موسى ليُخرج الشعب من أرض مصر أعلن بالآيات
والعجائب أن هذا الشعب ينتمي لـ «يهوه» رب السماء والأرض، ويا له من امتياز عظيم
أن يحمل هذا الشعب البائس اسم وحضور «يهوه»!!
ولقد
جمَّل الرب عروسه بكل أدوات الجمال والعز، غطَّى هذا الشعب في أثناء خروجه من مصر
بكل الهيبة والمخافة، كل الشعوب سمعت بما فعله الرب مع هذا الشعب فذابت قلوبهم،
أطعمهم في جوعهم وحفظهم في خوفهم وانقذهم من أعدائهم، لقد تحوَّل هذا الشعب تحت
راية الرب من شعب مُهان الى شعب عظيم يصلح لمملكة، ولقد ختم الرب رحلتهم في البرية
بإعطائهم الأرض لإنشاء مملكة اسرائيل التي ظهرت للعيان بعد أربعين سنة من خروجهم
من أرض المذلة والعبودية.
ومَن
منا لا يذكر «زمن الحب» الخاص به، الزمن الذي شعرنا فيه باحتياجنا للحب والاحتواء
والحماية فوجدنا الرب يملأ كل هذه الاحتياجات بشخصه الكريم، عندما تقدم الرب لكل
واحد منا ليرتبط معنا برباط أبدي ويعطينا ذاته واسمه؟! ليتنا نذكر دائماً «زمن
الحب» ونصون العهد الذي يربطنا بالرب ولا نخون كما فعل الشعب القديم!! ولكن لهذا
حديث آخر (يتبع)