السبت، 6 يونيو 2015

أحاديث من القلب

بلاغة السكوت (12)
فخرى كرم
«الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون» (خر14: 14)
«بالرجوع والسكون تخلصون، بالهدوء والطمأنينة تكون قوتكم» (أش30: 15)
في بعض حروبنا الروحية يكون السكوت أحد الأسلحة المؤثرة في إحراز الانتصار!!
خاض موسى وهارون معركة طويلة لخلاص الشعب الإسرائيلي من تحت حكم فرعون مصر وخروجهم لأرض الموعد، ولقد شهدت هذه المعركة مراحل كثيرة ولكل مرحلة أسلحتها المستخدمة، فقد كانت هناك مرحلة الإعلان المنطوق عن إله العبرانيين الذي يأمر بإطلاق سراح الإسرائيليين ليخرجوا ويعبدوه في أرض جديدة، وفي هذه المرحلة كانت الضربات والعجائب التي أجراها الرب بأرض مصر هي السلاح المستخدم لإثبات صدق الإعلان الذي في فم موسى وهارون، وكان الهدف من هذه المرحلة أن يستجيب فرعون لأمر الرب ويخضع ويطلق الشعب، لكن الانتصار لم يُحسم في هذه المرحلة لأن فرعون اختار أن يعصى أمر الرب ويتمرد على سلطانه.
 وهنا انتقلت الحرب إلى مرحلة أخرى وهي مرحلة التأديب والترويض لكبرياء فرعون وقادته وجنوده، فإذا كانت الضربات التسعة الأولى هدفها تأكيد الإعلان الذي في فم موسى إلا أن الضربة العاشرة شهدت نقلة نوعية حيث كانت تهدف إلى تأديب فرعون على ما فعله ببني إسرائيل في عبوديته القاسية، الضربات التسعة أظهرت سلطان الرب على الطبيعة المحيطة بفرعون أما الضربة العاشرة فأظهرت سلطان الرب على بيت فرعون وحياته وحياة أسرته، الضربات التسعة كانت قابلة للرفع إذا تجاوب فرعون معها لكن الضربة العاشرة كانت قاصمة غير قابلة للرفع!!
وبعد أن سمح فرعون تحت تأثير الضربة العاشرة بخروج الشعب، وبعد أن اعتقد موسى وشعبه أن الحرب قد انتهت، فوجئ الجميع أن الحرب مازالت في أوجها!! وجد الشعب نفسه محصوراً بين البحر من ناحية وجيش فرعون من الناحية الأخرى، لقد سمح الرب لفرعون أن يتمرد مرة أخرى على سلطان الله وإرادته ويراهن في هذه المرة على قوته العسكرية في مواجهة قوات رب الجنود، كان الرب يريد أن ينقل الحرب مع فرعون إلى مرحلة أخيرة هي مرحلة العقاب الشامل والنهائي، مرحلة يعرف فيها فرعون معنى الغرق في أعماق البحر مثلما فعل بأبناء الإسرائيليين، فالعقاب يكون غالباً من نفس جنس العمل!!
في كل هذه المراحل كان الدور الوحيد المطلوب من الشعب لإحراز الانتصار هو «الصمت»!! كان دور الرب أن يقاتل عنهم وكان دورهم أن يصمتوا!! الصمت الإيجابي الذي يعطي للرب فرصته الكاملة لإظهار قوته وبره في مواجهة قسوة وشر فرعون، الصمت المعبِّر عن التواضع والاعتراف بأن الحرب أكبر منهم ومن قدرتهم على الفهم، الصمت المملوء بالإيمان بكفاية الرب على حسم المعركة لصالحهم، ولا شك أن صمتهم كان سيجعل الحرب أكثر سهولة على موسى وهرون، صمتهم كان سيمنح موسى صفاء الذهن وسكون النفس الذي يجعله أكثر قدرة على التركيز والاستماع للرب ومعرفة مشيئته.

لكن يبدو أن السكوت أمراً في منتهى الصعوبة على الإنسان!! لقد أبى الشعب إلا أن يملأ الدنيا ضجيجاً وشكوى، وفي كل مراحل الحرب كان على موسى أن يواجه بمفرده شر فرعون من ناحية وتذمر الشعب من الناحية الأخرى، لقد أحاطوا ذهن موسى بأسئلة لا إجابات لها ووضعوا في طريقه عراقيل لا يملك لها حلاً، بعدم صمتهم وضعوا على كاهله حملاً ثقيلاً تنوء تحته الجبال، وللحديث بقية (يتبع)