السبت، 2 مايو 2015

أحاديث من القلب

بلاغة السكوت (11)
فخرى كرم
«يسكت في محبته» (صف3: 17)
«احسبوا أناة ربنا خلاصاً» (1بط3: 15)
يدهشني جداً سكوت السيد عن توجيه أي لوم أو عتاب أو تحذير ليهوذا الأسخريوطي طوال فترة وجوده ضمن دائرة التلاميذ لمدة ثلاث سنوات، لقد اختاره السيد ضمن التلاميذ وهو يعلم أنه «شيطان» اي «مُقاوِم» و«مُشتكي»، كان في الظاهر يتبع الرب في الطريق مع بقية التلاميذ لكنه في الحقيقة كان مقاوماً لهذا الطريق ومُشتكياً عليه ومعرقلاً للسائرين فيه، فهناك دائماً اسلوبان لمقاومة أي طريق: (1) الأسلوب الظاهر وهو أن تظل خارج هذا الطريق وتقاومه علانية وتنتقده بوضوح، أما (2) الأسلوب الخفي الأشد خطراً فهو أن تنضم ظاهرياً للسائرين في هذا الطريق لكي تظل بينهم بوقاً للشكوى ومصدراً للإنزعاج ومثيراً للخصومات!!
كان الرب يعلم أن يهوذا يأخذ الأموال التي توضع في الصندوق ومع ذلك لم نسمعه يلومه أو يفضح سلوكه أمام التلاميذ، كان الهدف من الأموال التي تُوضع في الصندوق هو أن تسدد احتياجات التلاميذ المادية وبالتالي تجعل اتباعهم للرب أكثر سهولة، وعندما كان يهوذا يأخذ هذه الأموال لم يكن يقصد فقط مجرد السرقة لكنه في الحقيقة كان يقصد أن يجعل حياة التلاميذ أكثر صعوبة ويضع العراقيل أمام متابعة سيرهم مع الرب!!
لقد انتقد الرب بطرس في أكثر من مناسبة ووجَّه له اللوم علانية لكنه أبداً لم يفعل هذا مع يهوذا، لقد واجه السيد كل خيانة يهوذا والسرقات التي كان يرتكبها بسكوت بليغ!! كانت طبيعة بطرس هي طبيعة التلميذ الذي يحب سيده ويرغب في اتباعه، ومثل هذا التلميذ إذا وجَّه إليه سيده اللوم فإنه يتقبله بصدر رحب ويتعلم من أخطائه، ولهذا لم يخشَ السيد من توجيه اللوم لبطرس أكثر من مرة عالماً أنه سيقبله ويستفيد منه، أما يهوذا فلم تكن طبيعته هي طبيعة التلميذ بل طبيعة اللص التي تنفر من النور وتهرب من اللوم، السيد يعلم أن طبيعة السارق والخائن هي الخوف والجُبن والاختباء في الظلام، رأس مال اللص هو أن يظل مختفياً عن الأنظار لا يراه أحد أما إذا شعر بأن هناك من يراه فإنه فوراً يلوذ بالهرب، كان السيد يعلم أن أي لوم سيوجهه ليهوذا سيكون بمثابة النهاية لوجوده بين التلاميذ، السيد يعلم أن يهوذا سيلوذ بالفرار مع أول إشارة تكشف خيانته، ولأن السيد كان يحب يهوذا ويريده أن يبقى أطول فترة ممكنة داخل دائرة النعمة قرر أن يسكت في محبته!! سكت السيد عن اللوم لكي يمنح يهوذا فرصة النعمة كاملة لعله يستغلها ويتوب.
وعندما يسكت الرب في محبته عن توجيه اللوم لنا فهذا يحمِّلنا مسئولية أن نحسب أناته خلاصاً ونستغل الفرصة ونتوب ونتغيَّر، لكن للأسف لم يحسب يهوذا أناة ربنا خلاصاً، لم يحسب أن الرب يسكت في محبته بل اعتقد أن الرب يسكت لأنه يجهل خيانته، لقد اعتقد يهوذا أنه استطاع خداع يسوع والتلاميذ فاستمر في خيانته إلى النهاية، وعندما وجَّه إليه الرب اللوم في بستان جثسيماني كانت هذه هي المرة الأولي ولكنها أيضاً كانت المرة الأخيرة!! كان الوقت قد فات وفرصة النعمة قد إنتهت!!

اعطني يا سيدي أن أحسب أناتك وسكوتك عن أخطائي خلاصاً وفرصة أقتنصها للتوبة والنجاة، ولا تسمح أبداً أن أحسب سكوتك فرصة لاستمراء الخطأ والاستمرار فيه، وللحديث بقية (يتبع)