سبعة أرواح
الله (58)
بقلم :
فخري كرم
قلنا إن الروح المعزى
يشفع فينا في عدة اتجاهات، في اتجاه علاقتنا بالله هو يشفع فينا بأنات لا ينطق بها
لكي يجعلنا نصلي بحسب مشيئة الله، وفي اتجاه حربنا مع إبليس هو يعلمنا كل الحق
الذي به نفضح كل أكاذيب العدو، واليوم نضيف أن الروح يعيننا في اتجاه ثالث ألا وهو
الخدمه
قال رب المجد «ها أنا
أرسلكم كغنم في وسط ذئاب.. فمتى أسلموكم فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون لأنكم
تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به، لأن لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي
يتكلم فيكم» (مت 10 : 16 ـ 20) إن الروح الذي يصلي فينا أمام الله هو نفسه يتكلم
فينا أمام الناس!!
لقد أرسل الرب تلاميذه
برسالة الحياة إلى العالم أجمع، وكان عدم التكافؤ ظاهراً بين التلاميذ وبين
الإرسالية المنوطة بهم، فمعظمهم كان عامياً محدود المعرفة لم يخرج تقريباً من قرى
الجليل الفقيرة إلا إلى أورشليم في المواسم والأعياد ، كيف يستطيع هؤلاء البسطاء
أن يكرزوا للعالم أجمع ويقفوا أمام مجامع وملوك ويحاجوا علماء الشريعة وأصحاب
أفكار ومبادىء؟! إن القصور الذهني كان يمثل عائقاً كبيراً في سبيل إتمام هذه
الإرسالية.
الروح يشفع في القصور
الذهني
في يوم الخمسين وما
تلاه نرى صورة رائعة لشفاعة الروح في القصور الذهني للتلاميذ، ونراه ينطق على
أفواههم بكلمات المنطق والحجة التي كانت دائما تفحم سامعيهم وتؤثر فيهم وتخرس
ألسنتهم !!
عندما ننظر إلى بطرس
وهو يقف ليتكلم أمام الآلاف بكل سلطان وقوة نندهش بشدة إذ نراه يقتبس من النبوات
القديمة، وتزداد دهشتنا عندما نراه يفسر النبوات ويطبقها على الأحداث الجارية كأنه
خبير في دراسة النبوات و تفسيرها رغم كونه عامياً لم نسمعه يناقش الرب مرة في نبوة
أو تفسير !!
والعجيب أن نوعية
سامعيه كانت على النقيض منه، فمعظمهم كانوا يهودا أتقياء من كل أمة تحت السماء،
ومن يتكبد مشقة السفر من أمة بعيدة لكي يسجد في أورشليم لابد أنه من الطبقة
الراقية الغنية المتعلمة، الذين لا يقبلون بسهولة أي فكر ولا يخضعون بسذاجة لأي
منطق.
ومع ذلك نجد كلمات بطرس
حركت قلوبهم ونخستها، وأقنعت أذهانهم بأسلوب لا يقبل المجادلة، كيف حدث هذا ؟!
إنها بلا شك شفاعة الروح القدس ومعونته، فبطرس ليس هو المتكلم ولا المفكر ولا
المفسر بل بالحرى روح أبيه الذي فيه.
... والقصور الروحي !!
قد يكون هناك أشخاص أذكياء بالطبيعة ومتعلمون
وأصحاب فكر ومنطق، ولا تعوزهم القدرة على مقارعة الحجة بالحجة واقناع سامعيهم،
أمثال بولس وأبولس واستفانوس.. هل هؤلاء ليسوا في حاجة لشفاعة الروح هذه ؟ حاشا،
فالقصور الإنساني عن أداء خدمة إلهنا ليس فقط قصوراً ذهنياً بل هناك أيضا قصور
روحي .
إننا روحيا لا نستطيع
أن نستوعب كل أرواح الناس الذين نخدمهم، ولا يوجد خادم - مهما كان ذكياً . يستطيع
أن يدرك أعماق واحتياجات الشعب الذي يخدمه بشكل كامل ودائم، إننا نتعامل مع الظاهر
أما الأعماق فتخفي أشياء كثيرة، كيف إذا نستطيع أن نقدم لهم الحق ومن أي جانب ؟
كيف يمكن أن تكون كلماتنا كتفاح من ذهب في مصوغ من فضة؟ كيف تصل الكلمة المناسبة
إلى المكان المناسب في الوقت المناسب؟ الإجابة تكمن في شفاعة الروح وحدها ، لأن
الروح يعرف احتياجات الناس الحقيقية ويكشف أعماقهم المستورة ويستطيع أن يرسل إلى
تلك الأعماق الكلمة المناسبة، حتى أذكى الخدام وأكثرهم فصاحة يحتاج أن يتكل على
معونة الروح داخله ليعرف ماذا يقول وماذا يتكلم.
وقف بولس مرة أمام فيلكس الوالي لكي يحاج عن تهم نسبها
إليه اليهود ولكننا نندهش إذ نجده يتكلم عن البر والتعفف والدينونة (أع 24 : 25)،
ما علاقة البر والتعفف والدينونة بموضوع المحاكمة ؟! إنها بلا شك قيادة الروح
القدس الذي يعرف الأعماق الحقيقية لفيلكس الوالي، لذلك لا غرابة أن نجد فيلكس
يرتعب!! فالكلمات إذا خرجت من الأفواه فإنها تدغدغ الآذان، وإذا خرجت من الأذهان
فقد تحرك الأفكار، أما إذا خرجت من الروح فإنها تزلزل الأعماق!! يتبع