الأحد، 10 مارس 2013



الاسم العجيب (66)
فخرى كرم
قلنا أن أول صفات العبد هي أنه لا يعمل مشيئته الخاصة بل مشيئة سيده، ورأينا كيف انطبقت هذه الصفة تمام الانطباق على حياة ربنا له المجد، الذي عاش يعمل مشيئة الآب الذي أرسله ويتمم عمله، وكان شعاره دائماً «لا يكن ما أريد أنا بل ما تريد أنت» وقلنا أيضاً أن ثاني صفات العبد أنه يقدم كل ما لديه مجاناً لأنه لا يعمل بالأجرة بل يعمل لأنه مُشترى بثمن، ونريد الآن أن نرى كيف تحققت هذه الصفة في حياة ربنا يسوع المسيح:
قدَّم كل حياته..بلا مقابل!!
«لأجلهم أُقدس أنا ذاتي ليكونوا هم أيضاً مقدسين في الحق» (يو17: 19)
عندما أتى ربنا إلى الأرض وجدناه يقدم كل حياته لتتميم مشيئة الآب الذي أرسله، لم يبخل بشيء ولم يحتفظ لنفسه بشيء، كل ساعات يومه منذ الصباح الباكر كانت لخدمة الناس وتسديد احتياجاتهم المادية والروحية، كل طاقته كانت تُنفق في التجوال وصُنع الخير وشفاء جميع المتسلط عليهم إبليس، كل مشاعره كانت تتدفق لحساب النفوس المسكينة التي وضعها الآب بين يديه، حتى قال لهم يوماً «ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه» لقد وضع نفسه وكرَّس ذاته لأجلنا لنكون نحن أيضاً مقدسين في الحق.
 لم نراه يوماً يؤثر راحته أو يطلب شيئاً لنفسه، لم نراه يضع مالاً في جيبه أو يختزن متاعاً لمستقبله، عاش بالكفاف وعلَّم تلاميذه أن يطلبوا الكفاف في صلاتهم، ولعل أبلغ تعبير عن حياته المبذولة هو كسر الخبز الذي صنعه أمام تلاميذه في الليلة الأخيرة معهم، لقد كسر الخبز وأعطاهم ليأكلوه ثم قال لهم أن هذا هو جسده المكسور لأجلهم، وأعطاهم الكأس لكي يشربوا منها كلهم قائلاً أن هذا هو دمه المسفوك لأجلهم، لقد مزَّق جسده وسفك دمه وأعطانا لكي نشبع ونرتوي، ماذا تبقَّى له إذاً؟ لا شيء، لقد قدم لنا كل ما يملك: جسده ودمه!!
ودعونا الآن نسأل: ماذا كان المقابل لكل هذا العطاء؟ والإجابة هي«لا شيء»!! فالإنسان يعرف أن يأخذ لكنه لا يعرف أو لا يستطيع أن يقدم المقابل، فأمام كل محبة ربنا للإنسان لم يأخذ إلا الغدر والخيانة، لقد قدَّم حياته للناس فقدموا له الموت!! لقد رفع شأنهم وأعاد لهم الكرامة فاحتقروه وبصقوا في وجهه!! اقترب منهم واتخذهم أحباء فهربوا منه وأنكروا أنهم يعرفوه!! أراد أن يكتب أسماءهم في سفر الحياة فوضعوا اسمه ليُحصى بين الأثمة!!
«إن حسن في أعينكم فأعطوني أجرتي وإلا فامتنعوا، فوزنوا أجرتي
ثلاثين من الفضة، فقال لي الرب ألقها إلى الفخاري»(زك11: 12، 13)
في هذه النبوة نجد الله يسبق ويخبرنا قبل مئات السنين بما سيحدث في ملء الزمان، يخبرنا عن الراعي الصالح الذي طلب منه الآب أن يرعى غنمه الذليلة التي أذلَّها رعاة الشعب الكذبة، ويخبرنا أن هذا الراعي سيرعى الشعب بالنعمة وروابط المحبة، ويخبرنا أن بعد هذه الخدمة ستكون الأجرة مبلغاً زهيداً هو ثلاثين من الفضة، وأن حتى هذه الأجرة لن يضعها في جيبه بل سيذهب ليعطيها للفخاري في بيت الرب، أي أن هذه الرعاية الكاملة والمحبة الباذلة كانت بلا ثمن، لقد عاش يخدم الشعب بلا مقابل، وهذا بالتحديد هو سلوك العبد الكامل الذي لا يعمل لأجل أجرة بل فقط لأجل رضا سيده، لقد كانت أجرة يسوع الوحيدة هي أن مسرَّة الآب بيده تنجح!!
مَن مِن البشر يستطيع أن يقدم كل ما لديه مجاناً؟! مَن منا يستطيع أن يظل يعطي دونما مقابل؟! مَن يستطيع أن يستمر يحب حين لا يحصد في المقابل إلا الغدر والخيانة؟! والإجابة هي بالتأكيد «لا أحد»، لأن الإنسان في طبيعته «أجير» وليس «عبد»، ليتنا نقترب من سيدنا ونتعلم منه كيف نعيش صفات العبد في حياتنا وخدمتنا!! وللحديث بقية (يتبع)