الثلاثاء، 21 يونيو 2022

أحاديث من القلب

 

عن الروح القدس ( 12 )

بقلم فخري كرم

    تحدثنا من قبل عن مؤثرات الروح و ثمار الروح و الآن نتحدث قليلا عن مواهب الروح ، تلك القدرات الروحية الخاصه التي يمنحها الروح للكنيسه من أجل إظهار مجد الله للعالم و بنيان جسد المسيح ، و هي تنقسم من حيث الأهميه إلى مواهب رئيسية أساسيه و أخرى ثانوية تكميليه :

المواهب الرئيسية الأساسية

          الرسل والأنبياء والمعلمون والمبشرون والرعاة يمثلون الأساس والأعمدة في بنيان الكنيسة ( أف 2 :2 ، 4 : 11 ـ 12 ، غل 2 : 9 ) فهم يحملون مسئولية تكميل القديسين وعمل الخدمة وبنيان جسد المسيح ، وبدون توفر هذه المواهب لا يمكن أن تكون هناك الكنيسة صحيحة قوية متكاملة قادرة على الشهادة لله .

          وهذه المواهب الرئيسية ليست مجرد عطايا مجانية مثل المواهب الثانوية ، بل هي تحتاج إلى تدريب طويل وإعداد شاق وتشكيل قد يستمر سنوات طويلة . قبل أن ينال رجل الله لقب " رسول " أو " نبي " أو " معلم " أو " راع " ولعل هذا السبب وراء ندرة هذه المواهب على امتداد التاريخ ، فإذا نظرنا إلى حياة موسى وصموئيل وداود وإيليا .. وجدنا أن كلا منهم كان فريدا في عصره ولم يظهر إلا بعد فترات مجدبة مملوءة ظلمة وارتدادا .

·( الرسول ) هو الشخص المكلف بنقل رسالة متكاملة من الله للناس . إن خدمته " شاملة " لا تقتصر على التعليم أو الرعاية أو الوعظ فقط بل ينبغي أن يحمل رسالة متكاملة مؤيدة بسلوكة وكلامه وحتى بدمائه . 

·( النبــى ) : هو شخص يحمل رسالة محددة لشعب محدد في ظروف محددة . أنه لا يحمل رسالة متكاملة الجوانب مثل الرسول لكنه ينحصر في جانب معين حتى يتممه ، مثل اشعياء وخدمته قبل السبي ، وارميا النبي الذي انحصر في أحزان الشعب المرتد حتى سمي " النبي الباكي " وذكريا نبي الرجاء للأمة الخاطئه ، ويونان النبي المكلف يحمل رسالة الدينونة لشعب نينوى ... الخ .

·( المعلــم ) : هو الشخص المكلف بشرح حق الله وإعلان فكره وإرادته من جهة شعبه ، حتى يستطيع الشعب أن يعيش بحسب حق الله . أن خدمته لا ترتبط بالظروف المتغيرة لشعب الله مثل النبي ، لكنه يرتبط بالأفكار الثابتة والإرادة الإلهية غير المتغيرة ، وهو أساسا يتعامل مع " الذهن " .

·( المبشر أو الواعظ ) : هو الشخص المكلف بمخاطبة الإحساس وأيقاظ الضمير والتأثير على الإرادة كي تتخذ قرارها في اتجاه الله . قد لا يحتوى كلامه على " تعاليم " متكاملة لكنه ينبغي أن يحتوى على تأثير وتبكيت الروح القدس ( انظر أع 2 ، 17 : 22 ـ 31 ) .

·( الراعـــى ) : هو الشخص المكلف بالعناية بشعب الرب أفرادا ، وهذا بعكس الرسول أو النبى الذي يتعامل مع الشعب كمجموع . انه مكلف بنقل التعليم لكل فرد بأسلوب أبوي مترفق بحسب الحاجة والقامه الروحية أو كما قال الرب له المجد " العلوفة في حينها " انه شخص ذو قلب كبير يعرف كيف يحتوى الضعف والقصور الذي في شعب الرب ، يعرف كيف يحمل الضعيف ويجبر الكسير ويعصب الجريح ويسترد المطرود ، وإذا كان المعلم مكلفا بنقل حق الله في عمومه فالراعي هو المكلف بنقل نفس الحق إلى كل نفس بالصورة والجرعة التي تناسب احتياج كل فرد وفى توقيت المناسب .

          لعل هذا التعريف المختصر يظهر لنا مدى الخسارة التي تصيب الكنيسة إذا نقصت أحدى هذه المواهب الرئيسية ، ولعله أيضا يفسر لنا سبب الضعف والتشتت الموجود في كنيسة اليوم .

المواهب الثانوية التكميلية  

          كلام الحكمة ، وكلام العلم ، والإيمان ، والشفاء ، والقوات ، والنبوة ، وتمييز الأرواح، والألسنة ، وترجمة الألسنة . هذه قدرات روحية خارقة للطبيعة يأخذها المؤمنون مجانا بالنعمة ولا تحتاج إلى سابق إعداد أو  تدريب ، لذلك فهى  ليست دليلاً على بلوغ قامة روحية عالية ، فالتلاميذ صنعوا القوات باسم الرب قبل أن ينالوا ملء الروح في يوم الخمسين ، وكنيسة كورنثوس لم تكن ناقصة في موهبة ما لكنهم كانوا جسديين أطفالا في المسيح ( 1 كو 3 : 1 ) . بل إن غير المؤمنين قد ينالون هذه المواهب لغرض ما في قلب الله !! انظر ( ع 23 ، 24 ، مت 7 : 22 ) ( يتبع ) .

 

الاثنين، 13 يونيو 2022

أحاديث من القلب

 

 الروح القدس ( 11 )

بقلم فخري كرم

ثمار الروح هي تلك الصفات الثابته التي تكتسبها النفس نتيجة لخضوعها لمعاملات الروح القدس معها . إن الحصول عليها ليس هينا ، و الطريق إليها ليس سهلا . لكنها ثمينه جدا في نظر الله ، و نفعها يدوم إلى الأبد . وهاك بعض الأمثله لثمار الروح :

      الحواس المدربـــة

      يقول الكتاب : " وأما الطعام القوى فللبالغين الذين بسبب التمرن قد صارت لهم الحواس مدربة على التميز بين الخير والشر " ( عب 4 : 14 ) باستمرار الخضوع لإرشاد الروح القدس وتبكيتة وتأديبة تكتسب النفس حساسية خاصة تجاه الخير والشر ، وتستطيع أن تميز أمور الله من بعيد ، كما رأى إيليا المطر الغزير وهو بعد سحابة قدر كف صاعدة من البحـــر ( 1 مل 18 : 44 ) كما أنها تستشعر مكايد العدو وهى مازالت أفكارا في ذهن شرير ، تماما كما كان يفعل اليشع  رجل الله ( 2 مل 6 : 12 ) .

          لو كان عندنا قادة لهم تلك الحواس المدربة لنجت الكنيسة من مكائد إبليس الكثيرة التي سقطت فيها فانقسمت وتشتت مجهوداتها وتفككت أوصالها وباتت في ضعف مقيم .

الطـــاعة

          إن الطاعة شئ لا نستطيع إن  نأخذه بل ينبغي أن نتعلمة ، لذلك يقول الكتاب عن الرب له المجد : " مع كونه أبنا تعلم الطاعة به " ( عب 5 : 8 ) أن يسوع كانسان كامل البشرية قد تعلم الطاعة باستمرار الخضوع لإرادة الآب ، فأطاع حتى الموت موت الصليب . وعندما ننظر إليه في بستان جثسيمانى نرى نفسا متألمة جدا وحزينة جدا لكنها أيضا طــائعة  جدا !! وثمر الطاعة في هذه النفس كان أقوى من مشاعر الألم والحزن ، لذلك تغلب على هذه المشاعر ونطق بقوله المشهور " ليكن لا ما أريد أنا بل ما تريد أنت " .  

الرعــــاية

          أن القلب الحليم طويل الأناة الذي يعرف كيف يرعى شعب الله ويطعمهم ويقودهم بحسب مشيئة الله وبحسب احتياج كل فرد ، هذا القلب لا نناله إلا بتدريبات مؤلمة كثيرة ، إن قلب الراعي الذي يرفع الألم عن شعب الرب هو قلب قد اعتصره الالم مرارا عديدة !!

          هل  رأيت موسى عندما خرج يفتقد شعب الرب المستعبد ؟ كان له قلب محب ، ولكنه ضيق سريع الغضب والبطش ، لم يحتمل إساءة المصري فقتله !! ولم يحتمل غضب فرعون فترك الشعب وهرب إلى البرية !! إن القلب الطبيعي مهما كانت محبته كبيرة لكن طاقة الاحتمال تكون محدودة ، وتحت وطأة الظروف والمخاوف يترك مسئولية المحبة ويهرب .

          لكن هناك في برية مديان حيث الأخطار والطبيعة القاسية تعلم موسى كيف يحتمل ضعف الغنم وشرودها وكيف يدافع عنها ويحميها ، وكيف يضع نفسه فاصلا بين الغنم والذئاب ، فيأخذ كل الخطر لنفسه ويعطى الغنم الأمان ، يحمل كل المشقة على كاهله ويوفر للغنم الراحة ، ويجوع ويعطش وتنال غنمه الشبع والارتواء !!

          عندئذ فقط نال موسى ثمرا ثمينا اسمه " قلب الراعي " أصبح حليما جدا وصالحا لقيادة شعب الله خروجا من مصر وعبورا في البرية ووصولا لمشارف أرض كنعان . وكان في وسطهم راعيا يحمل ا لحملان ويقود المرضعات ويحتمل كل شئ من اجلهم ، يحمل خطاياهم أمام الله في مشقة وألم لكي يمنحهم غفرانا ونجاة .

          من أين لنا برعاة من هذا القبيل ؟!!

محبة فرح سلام ...

      في ( غل 5 : 22 ، 23 ) يقدم لنا الرسول بولس مجموعة من ثمار الروح ، وهى في الواقع ليست حصرا لثمار الروح لأنه لا يوجد من يستطيع حصر جميع الثمار التي نستطيع أن نكتسبها من معاملات الروح معنا ، لكنها بالحرى تمثل " المناخ العام " الذى تنبت في ظله ثمار الروح وتنضج .

          قال الرسول يعقوب " ثمر البر يزرع في سلام " ( يع 3 : 18 ) أي أن السلام ليس ثمرا للروح فحسب بل هو أيضا المناخ الملائم لنمو كل ثمار البر . والرب له المجد قال عن الذين يسمعون الكلمة ويحفظونها في قلب جيد صالح أنهم " يثمرون بالصبر " أي إن الصبر هو المناخ الملائم ، والصبر يسمية الرسول بولس " طول أناة " .

          ليتنا نجتهد لكي تثمر معاملات الروح ثمرا شهيا لإشباع قلب الله وتمجيد أسمه ( يتبع ) .

الثلاثاء، 7 يونيو 2022

أحاديث من القلب

 

 الروح القدس ( 10 )

بقلم فخري كرم

يؤثر الروح القدس على نفس الإنسان بمؤثراته الإلهية  في أوقات كثيرة متفرقة ، وإذا تجاهل الإنسان هذه المؤثرات أو أساء استخدامها فإنها تزول وتترك الإنسان كما كان . أما إذا تجاوب معها ايجابيا وسكب نفسه عليها فإنها تثمر في حياته ثمرا دائما نسميه " ثمر الروح " وسنحاول الآن أن نتكلم عن كيفية التجاوب مع مؤثرات الروح وفى العدد القادم بأذن الله سنلقى بعض الضوء على ثمار الروح .

إن التجاوب مع مؤثرات الروح يبدأ عندما :

نشعر بأهميتهــا

إذا شعرنا بأهمية شيئا ما فإننا نبذل جهدنا للاحتفاظ به ولا نتركه يضيع منا ، أما الشيء الرخيص فيمكننا أن نفقده بسهوله !! هكذا الأمر مع مؤثرات الروح ، البعض لا يقدرها حق قدرها لأنه لم يتعب فى الحصول عليها أو لأن هناك أشياء أخرى في حياته أكثر أهميه تستقطب اهتمامه وحبه ، وهذا البعض هو الذى يخسر معاملات الله معه وتنتهي كلها إلى لا شيء .

أما البعض الآخر من المؤمنين فهو الذي يشعر بمدى أهمية هذه المؤثرات ، ويدرك أنها أهم شيء في حياته بل إنها الشيء الوحيد الذي له قيمه حقيقية فى الحياة ، هؤلاء يتشبثون بمعاملات الله معهم تشبثهم بالحياة نفسها !! ومهما كانت المقاومات والصعوبات التي تعترض طريقهم تراهم يسكبون حياتهم وإمكانياتهم وأوقاتهم على هذه المؤثرات حتى ترتوي وتثمر فيهم ثمرا أبديا لمجد الله .

أهل العالم يسكبون حياتهم على طموحاتهم و مشاريعهم التجارية لأنهم يشعرون بأهميتها بالنسبة لهم ، رغم كونها سرابا يذوب سريعا !! فلماذا لا يسكب المؤمنون حياتهم على معاملات الله و خطته لحياتهم رغم كونها باقية للأبد ؟ ! لا شك أنهم لا يشعرون بأهميتها ، و هذه جهالة مدمره !!

 دعونا ننظر لهذا القول المعبر : " خبأت كلامك في قلبي لكي لا أخطيء إليك " [ مز 119 : 11 ] 0 هل ترى ما تحمله كلمة " خبأت " ؟ إن الإنسان لا يخبيء إلا الشيء الثمين الذي يخشى ضياعه ، لم تكن كلمة الله بالنسبة للمرنم أفكارا جميله أو وعودا مشجعه أو مواعظ رنانة  بل كنز حياته الثمين !! لكن هناك ما هو أكثر من الشعور بأهمية معاملات الله ، إننا يجب أن :

نحبـــــها

    قال الرب له المجد " حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضا " { مت 6: 21} و القلب هو مركز عواطف الإنسان و محبته 0 إذا شعرنا بأن معاملات الله هي كنزنا فلابد أن نحبها بكل عواطفنا ، ألم يقل المرنم " خبأت كلامك في قلبي " ؟ لقد وضع كلمة الله في وسط عواطفه و أحاسيسه ، وجد مسرته في ناموس الرب و في ناموسه يلهج نهارا و ليلا !َ! نعم ، لقد أحب كلمة الله بكل ما فيها من تعليم و توبيخ و تأديب و تقويم ، يحبها حتى عندما تدينه و تحكم عليه !!

هل تلاحظ الفرق بيننا و بين كاتب المزمور ؟ إننا جميعا نشعر بمؤثرات كلمة الله من حين إلى آخر ، و نتذكر جيدا المرات التي اخترقت الكلمة مشاعرنا و ألهبت ضمائرنا ، لكن السؤال هو : " أين هذه المؤثرات الآن ؟ من منا خبأ الكلمة في قلبه ؟ من منا أحب هذه الكلمة و رعاها حتى أثمرت ؟ " هذا هو الفرق بين رجال الله العظام و بين المؤمنين الذين لا يبرحون أماكنهم و لا يتقدمون للأمام أبدا !!

عندما  نهتم بمؤثرات الروح و نحبها ينبغي عندئذ أن :

     نسير في اتجاهها

مؤثرات الروح تدفعنا دائما في اتجاه مشيئة الله ، و ينبغي أن تتجاوب الإرادة و تبدأ في اتخاذ نفس الاتجاه ، فلو لم تسر إرادتنا في نفس إتجاه إرادة الله فلن نصل إلى أي شيء ، فالإنسان لا يستطيع أن يسير في اتجاهين في وقت واحد ، و لو حاول ذلك فلن يسير في أي منهما !!

     هذا ما حدث مع بطرس عندما عاد لصيد السمك ، كانت إرادة الله بالنسبة له هي أن يصير صيادا للناس لكنه في لحظة ضعف حاول أن يعود إلى صيد السمك ، ففشل في الاثنين !! لقد دفع التلاميذ لمعاودة صيد السمك بدلا من تثبيتهم في دعوة الرب ، وهذا فشل في ربح النفوس ، و لم يصطد سمكة واحدة و هذا فشل في صيد السمك !! كانت هناك بقايا في اتجاهاته القديمة مازالت تعمل في قلبه ،لكن هذه البقايا انتزعها الرب على شاطيء بحيرة طبرية ، و  بعد أن وضع بطرس كل قلبه في إتجاه واحد ، هو إتجاه صيد الناس و رعاية الغنم ، عندئذ استطاع أن يؤدي مهمته بنجاح.

قد لا يكون الطريق الذي يدفعنا إليه الله طريقا سهلا ، و قد تواجهنا صعوبات جمة ، لكن هذه المحكات الحقيقة للإرادة ، و لو تراجعنا في منتصف الطريق فهذا دليل على أن الإرادة ليست كاملة تجاه الله و أنها لم تكن في توافق تام مع إرادة الله ، أما إذا اجتزنا الصعوبات و العراقيل فإن إرادتنا تتنقى بمرور الوقت و تصير صافية مثل الذهب ، و عندئذ سنحصد في وقته إن كنا لا نكل  ( يتبع ) .

الخميس، 2 يونيو 2022

أحاديث من القلب

 عن الروح القدس ( 9 )

بقلم فخري كرم

    قد يسحب الروح القدس مؤثراته لكي يعطي الفرصه للإرادة الحره لكي تتخذ قرارها بدون ضغط من أي مؤثر خارجي حتى و لو كان روحيا !! أو بعباره أخرى نقول أن الروح ينير أمامنا الطريق التي ينبغي أن نسلك فيها لكنه لن يجبرنا على السير فيها .

      لكن أحيانا يسحب الروح القدس مؤثراته من أجل : 

فضح الخطية وادانتها

قد يتخطى الله ضعفنا لفترة زمنية معينة ويتعامل معنا في نعمته التي تبدو أنها تغض الطرف أحيانا عن الخطية ، لكنها في الحقيقة تريد أن ترفع الخاطئ فوق خطيته بالمعروف والإحسان وليس بالتأديب والعقاب . لكن إذا أستمر الإنسان الخطية وظن أن استمرار حضور الروح ومعاملاته يعنى أن الله يتجاهل الخطية ولا يدينها ، عندئذ ينبغي أن يسحب الروح مؤثراته لكي يفضح الخطية المستترة تحت عباءة النعمة الفضفاضة ويدينها ، فالمحبة تستر كثرة من الخطايا متى تبنا عنها ، لكنها لا تتستر على خطية واحدة لم نتب عنها !! 

انظر مثلا إلى شمشون ، لقد عاش فترة طويلة تحت تأثير قدرة الله ، وأثناء تلك الفترة نستطيع أن نرى ضعفات متكررة وميلاً قلبياً غير مستقيم نحو الخطية والشهوة . لكننا نندهش عندما نجد الله يتخطى هذا الضعف بدون إدانة ، ليس لأنه لا يراه بل لأنه يريد أن يرفع النفس فوق الضعف بمزيد من النعمة !! ولهذا تزيد دهشتنا عندما نجد الله يحول فترات الضعف والزيغان إلى أوقات النصرة والاقتدار !! هل يتجاهل الله الخطية ؟ ألا يبالى بزيغان القلب ؟ حاشا وكلا ، إن الله يبغض الخطية دائما لكنه يستخدم النعمة قبل النقمة ، إنه يريد أن ينتبه شمشون ويخجل من احسانات الله حتى وهو في وسط  الحمأة ، وفعلا ، كان شمشون في كل مرة ينتفض وينتبه لنفسه ويقوم ويخرج من وسط الشباك المنصوبة للإيقاع به . 

لكن عندما تزايد الميل للخطية والتجاوب معها حتى وصل إلى انتهاك المنطقة المقدسة التي تمثل حضور الله بالنسبة له كنذير ، وفى ساعة سوداء مظلمة اختار حضن دليلة واستهان بقدوس إسرائيل ، عندئذ فارقه الله !! لأن استمرار حضور الله بعد هذه اللحظة سيتحول إلى تستر على الخطية وتشجيع على مواصلة الاستهانة بالمقدسات ، وعندما انتفض شمشون هذه المرة كان الوقت قد فات !! لقد أصبح الوقت الآن وقتا لفضح الخطية وادانتها وليس وقتا للنعمة المتفاضلة . وكان لابد شمشون الذي رأى أحسان الله مرارا كثيرة أن يرى قداسته التي تبغض للخطية وتدينها بعنف ، فكما أن الله مقتدر فى نعمته حتى أنه يتخطي الإنسان كثيرا ، هكذا أيضا هو مقتدر في نقمته أنه يستوفى الفلس الأخير إذا لم نتب !! 

وأيضا قد يسحب الروح مؤثراته لكي : 

يحفظنا متضعيـــن

أحيانا ، وبعد وجودنا لفترة طويلة في زمن نعمة ، نشعر أن هذا هو وضعنا الطبيعي المستحق ، وأنه بقوتنا استطعنا أن نعيش في هذه النعمة ، وسرعان ما ننسى أصلنا والظلمة التي أتينا منها ، ويفقد القلب شيئاً فشيئاً رقته وترفقه بالضعفاء ويرتفع رويداً رويداً ويصبح دياناً للإخوة ، ناقداً للخدام ، مرتفعاً عن مشاركة الآخرين آلامهم ، والأدهى أن هذا القلب المرتفع يبدأ يظهر في العلاقة مع الله ، فنتفقد الصلاة روح الانكسار التي كانت تميزها في بداية عهد النعمة ، وتفتر روح اللجاجة وتنعدم . 

عندئذ يسحب الروح مؤثراته لكي يذكّر المؤمن بماضية ويحفظه متضعا لين القلب ، شاعرا بكل أخ ضعيف متعثر ، وقريباً من كل ضال يبحث عن طريقه . وهكذا ما كرره الله كثيراً مع شعب إسرائيل ، في كل مرة كانوا ينتفخون بأنفسهم وينسون ماضيهم كانوا ينكسرون ، وعندما يسلكون باتضاع مع إلههم ينتصرون . والواقع أن القلب المتضع هو الذى يدفع صاحبه لطلب : 

التقدم نحو الأفضل

قد يتعجب المؤمن ويجاهد حتى يصل إلى مستوى معين في الحياة الروحية ثم يكتفي به ويركن إلى الراحة والتغني بأمجاد الماضي ، حينئذ يبدأ الروح القدس يهز العش ويسحب بعض مؤثراته لكي يدفع المؤمن مرة أخرى إلى حياة الصوم والصلاة والتضرع وطلب المزيد من التقدم نحو الأفضل . 

وهكذا نكون قد تكلمنا باستفاضة عن مؤثرات الروح  - له المجد  - وشرحنا ماهيتها وأهداف وجودها وأسباب زوالها ، وليعطنا إلهنا النعمة حتى نتعلم كيف نتجاوب مع معاملاته ونقتنص فرص نعمته آمين ( يتبع ) .