الثلاثاء، 1 يناير 2013


رئيس السلام
فخرى كرم
«يُدعى اسمه .. رئيس السلام، لنمو رياسته وللسلام لا نهاية»(أش9: 6، 7)
«المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة» (مت2: 14)
في أيام صعبة أتى يسوع إلى العالم، في أيام تفتقر للراحة والسلام وتمتلئ بالحزن والانزعاج، أوضاع سياسية مضطربة وأحوال اقتصادية متدهورة، دماء بريئة تسيل هنا وهناك بدون رحمة أو تبرير، فئات من الساسة يحكمون قبضتهم على مقدرات الدولة ويهمِّشون الآخرين، طبقات من المتاجرين بالدين يعملون لحساب أنفسهم ولا يبالون بالمساكين، يحيكون المؤامرات في كل يوم للإيقاع بالأبرياء، يضعون أحمالاً ثقيلة على أكتاف الناس ولا يريدون أن يحركونها بأصابعهم، ظلام عقلي يطبق على أذهان الناس ويجعلهم أسرى لقيود فكرية وعقائدية لا تُسمن ولا تُغني من جوع، انقسامات حادة بين طبقات المجتمع تفتُّ في عضد الأمة وتزداد اتساعاً في كل يوم، وما أشبه اليوم بالبارحة!!
في تلك الأيام الصعبة أتى يسوع ليصنع سلاماً على الأرض!! أتى ليُبشر المساكين ويشفي منكسري القلوب وينادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر ويرسل المنسحقين في الحرية، أتى لينشر ثقافة المحبة والرحمة بين طبقات المجتمع المختلفة، أراد أن يعلِّم الناس كيف يغفرون ويسامحون بعضهم بعضاً، نشر نوره في العقول المظلمة ليحررها من القيود الفكرية التي هي أقسى من سلاسل الحديد، نادى للناس بأبوة الله ومحبته للخطاة نافياً عن قلوبهم الخوف منه وداعياً للارتماء في أحضان رحمته، فتح للمساكين أبواب الرجاء ونوافذ الأمل في مستقبل أفضل في ملكوت السماوات حين يملك الله على قلوبهم وأرواحهم بالسلام، وفي نهاية حياته قدم نفسه ثمناً لتحقيق هذا السلام!!
لقد أتى يسوع للعالم ليكون هو رئيس السلام، إن السلام الذي صنعه على الأرض لا يتحقق إلا تحت رياسته، وعلى كل من يريد أن ينعم بالسلام أن يقبل يسوع رباً ورئيساً لحياته، لقد صنع المصالحة بين الله والإنسان بدم صليبه، لقد مزَّق جسده ليجعلنا مع بعضنا جسداً واحداً وسفك دمه ليجعلنا مع الله روحاً واحداً، لقد اشترى لنا السلام مع الله والآخرين بذبيحة نفسه، لذلك لا وجود للسلام إلا تحت رياسته.
ورياسته هذه تنمو باستمرار وباضطراد، في كل يوم لابد أن تزداد رياسة الرب على حياتنا اتساعاً وعمقاً، وكلما نمت الرياسة كلما نما معها السلام، إن حجم السلام الذي تنعم به في حياتك يساوي تماماً حجم سيادة يسوع على حياتك، كل مساحة في ذهنك دخلها يسوع بنوره هي مساحة ممتلئة بالسلام، وكل منطقة في مشاعرك وُضعت تحت سلطان يسوع هي منطقة ممتلئة بالسلام، وكل مجال في حياتك قررت أن تطيع فيه يسوع هو مجال ممتلئ بالسلام، أما إذا كنت تعاني من انزعاج واضطراب في أية مساحة من حياتك فلابد أن يسوع لا يسود في تلك المساحة!!
يعلمنا الكتاب أنه لا نهاية لنمو رياسة الرب وسلامه، ستظل رياسة الرب تنمو حتى تملأ الأرض كلها وعندئذ سيسود السلام في كل أرجاء المسكونة، ووقتها ستتحقق أنشودة الملائكة ويكون المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام ويتمتع الناس برضا الله ومسرته، عندما تمتلئ الأرض من معرفة مجد الرب كما تغطي المياه البحر، لقد بدأت هذه الأنشودة منذ ميلاد يسوع لكنها مازالت تنمو في كل يوم نحو التحقيق الكامل!!
نحن نعيش الآن في بلادنا أياماً تفتقر للسلام، لذلك نحن في أشد الاحتياج أن نعود إلى رئيس السلام، نحتاج أن تنمو رياسة الرب على حياتنا بقدر ما تنمو المشاكل والتحديات حولنا، نحتاج أن ينمو في أعماقنا سلام الله الذي يفوق كل عقل ممتلكاً مساحات جديدة فينا وحافظاً قلوبنا وأفكارنا في المسيح يسوع، وكل عام وأنتم بخير.