الجمعة، 4 مايو 2018

أحاديث من القلب


موعظة الجبل (16) 

بقلم : فخرى كرم

«قد سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تقتل» (مت5: 21)

بعد تأكيد الرب لسامعيه أنه لم يأتِ لينقض الناموس والأنبياء بل ليكملهما، يتقدم ربنا في حديثه ليشرح لنا معنى اكمال الناموس والأنبياء، ويقدم لنا أمثلة من وصايا الناموس التي تحتاج أن تكتمل في الأذهان وبالتالي في الحياة العملية لأبناء الملكوت.
المثال الأول هو الوصية التي تنهي عن القتل، لقد حفظ اليهود هذه الوصية حرفياً وجاهدوا لكي يتمموها، وكانت ضمائرهم تشعر بالراحة لمجرد أنهم لم يمدوا أياديهم لقتل أي إنسان، ولكن ضمائرهم هذه عينها كانت لا تشعر بأي غضاضة في أن يملأ الغضب قلوبهم تجاه اخوتهم في الإنسانية، أقرباء كانوا أم أعداء، بل كان الأتقياء فيهم يحرصون على تأكيد تقواهم بإظهار غضبهم من الشرور المنتشرة في المجتمع والنطق بكلمات الإدانة والتحقير من شأن المخطئين والإسراع بالحكم والقضاء بقسوة عليهم.
والرب يؤكد أن حفظ اليهود لهذه الوصية أمر جيد بلا شك، بل أنه حماية للمجتمع من جرائم كثيرة، لكن هذه الوصية تحتاج الى مزيد من الوعي والإدراك، فحين أوصى الله بهذه الوصية في الناموس لم يكن ينهانا عن القتل كفعل مادي حرفي فقط بل كان ينهانا عن جذور هذا الفعل ودوافعه الرديئة.
الدافع الخفي للقتل هو اعتداد الانسان بذاته ومحبته لها وسعيه لإظهارها وتمجيدها، منذ أن سقط الإنسان في الجنة أصبح بداخل كل واحد منا «إله» يبحث عن المجد والسلطان، لقد ألقى إبليس في قلب الإنسان جذر الخطية ألا وهو الاعتقاد بأنه يستطيع أن يصير مثل الله، ومنذ ميلادنا في هذا العالم أصبحنا نمتلك هذه الذات الرديئة التي تعتقد أنها الأفضل والأعظم، ذات تحب نفسها جداً وتريد أن يخضع الجميع لأفكارها ورغباتها، هذه الذات المنتفخة هي الدافع الخفي وراء القتل.
هذه الذات تغضب جداً من كل مَن لا يخدم أغراضها ولا يلبِّي رغباتها، تحقد على من يخالفها الرأي لأنه باختلافه معها يحطم تقديسها لذاتها واعتدادها برأيها، وهذا الغضب يدفع الذات لمحاولة تشويه صورة الآخر المختلف عنها وإظهاره بصورة السفيه والأحمق، ليس لأنه هكذا فعلاً لكن لأنها تريد أن تقول إنها هي العارفة بالخير والشر ورأيها هو وحده الجدير بالاعتبار!!
اعتداد قايين بذاته وبعمله جعله يغضب من أخيه لمجرد أنه مختلف عنه، لم تحتمل هذه الذات الرديئة أن يكون هناك فرد واحد على الأرض يختلف عنها في معتقده وفعله، لأنه في اختلافه عنها يحطم اعتدادها بذاتها واعتقادها بصحة ما تعمله!! رغم أن هابيل لم يفعل أي شيء يضر بأخيه إلا أن الغضب تمكَّن من قلب قايين حتى قام على هابيل وقتله!! هذا هو أول مثال في تاريخ الإنسان للغضب «الباطل» الذي ينهانا الرب عنه هنا، والذي يستوجب نفس عقوبة القتل لأنه الدافع الحقيقي وراء القتل!!
خلف كل جريمة قتل توجد ذات غاضبة لأنها لم تستطع أن تصل لما تريد!! ذات تجلس على عرش الإله في قلب الإنسان وتريد أن كل الأشخاص والظروف تعمل لخيرها، ذات لا تتورع أن تجرح وتهين كل مَن يعطل مجدها أو يجذب الأضواء بعيداً عنها، ذات تعتقد أن من حقها أن تمد يدها بالقضاء والحكم بالموت على الآخرين لمجرد أنهم مختلفون عنها!! وسيحتاج هذا الحديث لبقية (يتبع)