الخميس، 4 أبريل 2013


الاسم العجيب (67)
فخرى كرم
عندما تجسد ابن الله وأتى إلى أرضنا رأيناه يعيش حياة العبودية لله الآب بشكل كامل ومطلق، لكي يعطينا نموذجاً حياً ومثالاً نحتذي به إن أردنا أن نعيش حياة ترضي الله وتتمم مشيئته، وعرفنا كيف انطبقت على شخصه الكريم صفتان من صفات العبد: فوجدناه يحيا لا ليعمل مشيئته بل مشيئة الآب الذي أرسله، وأيضاً وجدناه يعمل ويخدم مجاناً دون انتظار لمجازاة أو مقابل، واليوم نضيف من صفات العبد أيضاً:
(ثالثاً) العبد الكامل يخدم سيده بدافع المحبة
«إذا اشتريت عبداً عبرانياً فست سنين يخدم وفي السابعة
يخرج حراً مجاناً، ولكن إن قال العبد أحب سيدي وامرأتي
وأولادي لا أخرج حراً...فيخدمه إلى الأبد»(خر21: 2-6)
عندما أعطى الله لموسى أحكام الشريعة على جبل سيناء كانت أول الأحكام هي ما يخص العبد العبراني، فقد كان شائعاً في تلك الأيام أن يعرض الرجل نفسه للبيع عبداً بسبب فقره وحاجته للمال، ولقد وضع الله الأحكام التي تقنن هذه الحالات لكي لا يستغل الإنسان حاجة أخيه وفقره ويسود الظلم في المجتمع، ومن هذه الأحكام نفهم أن العبودية نوعان:
(1) العبودية المؤقتة: وهي الغالبية العظمى في حالات العبودية التي يكون الدافع فيها هو الاحتياج للمال، وأقصى مدة لهذه العبودية هو ست سنوات يخرج بعدها العبد حراً مجاناً، ما لم تحدث ظروف طارئة (منصوص عليها في أحكام الشريعة) قد تعجِّل بخروج العبد حراً قبل انقضاء مدة السنوات الست.
في هذه النوعية من العبودية يكون الدافع الأساسي لخدمة العبد هو تسديده للدين الموجود في عنقه، ليس بالضرورة أن تكون هناك عاطفة محبة تجاه السيد الذي يخدمه، والسيد أيضاً لا يعنيه إن كان العبد يحبه أم لا بل كل ما يعنيه أن ينفذ مشيئته بكل جد واجتهاد، بل كثيراً ما قرأنا في التاريخ عن عبيد قتلوا سادتهم أو تآمروا ضدهم مثل يربعام بن نباط عبد سليمان.
إذاً العبودية المؤقتة ينطبق عليها الصفتان الأولى والثانية من صفات العبد ولا تنطبق عليها الصفة الثالثة، العبد المؤقت يعمل إرادة سيده ويعمل مجاناً دون انتظار لمقابل لكنه ليس بالضرورة يحب سيده، ولذلك نقول أن هذه العبودية لا تقدم لنا صورة لعبودية الرب يسوع لله الآب، فالرب لم يكن عبداً مؤقتاً ولم يعمل قط لتسديد ديناً!!
(2) العبودية الأبدية: في حالة ارتباط العبد بسيده برباط من المحبة والألفة، وإذا وجد من الخير في بيت سيده ما لن يجده إذا خرج حراً، وإذا أعطاه سيده زوجة وأنجب منها أولاداً، وإذا أحب زوجته وأولاده الباقين في بيت سيده ولم يستطع الابتعاد عنهم، عندئذ قد يختار العبد أن يبقى عبداً إلى الأبد في بيت سيده ولا يخرج حراً، ويثقب سيده أذنه في إشارة لكونه لن يستمع لسيد آخر طوال حياته.
هذه العبودية الأبدية هي عبودية اختيارية دافعها هو المحبة فقط، وهي أرقي علاقة يمكن أن تربط بين سيد وعبد، لأن العبد في هذه الحالة يجمع بين المحبة التي هي صفة الأبناء وبين العمل الجاد الشاق الذي هو صفة العبيد، وقد رأينا من هذه النوعية أليعازر الدمشقي مالك بيت إبراهيم والمتسلط على كل ما كان له، كيف كان أميناً لسيده وحريصاً على تتميم مشيئته، ولقد ظهر جلياً في حادثة زواج اسحق من رفقة كيف أن أليعازر أحب إبراهيم سيده محبة شديدة قلما نجدها في قلوب الأبناء تجاه والديهم!!
هذه النوعية من العبودية تعطينا صورة مُصغَّرة باهتة عن عبودية ربنا يسوع المسيح لله الآب، الذي كان دافعها الأول هو محبته الكاملة للآب ورغبته في صنع مشيئته، لقد جمع في شخصه الكريم بين محبة الابن وخدمة العبد، بين الوجود في المقادس كابن وبين العمل الشاق في الحقل كعبد، وقد أعطاه الآب الكنيسة فأحبها وأسلم نفسه لأجلها، ولقد اختار سيدنا أن يأخذ دور العبد للأبد بلا توقف، فهو حتى الآن مازال يتمم مشيئة الآب ويخدمنا و يشفع لأجلنا من مكانه عن يمين العظمة في الأعالي، مازال العبد الكامل يعمل حتى الآن وسيظل يعمل من خلال عبيده الأمناء على الأرض حتى تكمل مشيئة الله في الأرض بصورة تامة ونهائية، وهذا ما سنحاول أن نتأمله في المرات القادمة (يتبع)