الأربعاء، 5 ديسمبر 2012



الاسم العجيب (64)
فخرى كرم
تكلمنا عن معاناة ربنا يسوع المسيح التي قاساها باعتباره عبد يهوه الكامل، فلقد اختار سيدنا عند دخوله إلى العالم أن يكرِّس حياته لعمل مشيئة الآب السماوي، وكإنسان كامل الإنسانية سار في درب العبودية الكاملة للآب لكي يفتح لنا طريقاً لطاعة الله يمكننا أن نسير فيه وراءه، ويرسم بحياته البشرية أمامنا نموذجاً للعبودية المقدسة لله يمكننا كبشر إتباعه، ولقد رأيناه يتألم في هذا السبيل من عدة اتجاهات: رأيناه يتعب ليعرف هذه المشيئة كل يوم، ورأيناه يعاني من مقاومة المجتمع له، ورأيناه يقاسي من مقاومة إبليس ومملكته، واليوم نختم هذه الجزئية بقولنا أنه تألم أيضاً
(4) من طبيعة المشيئة المُكلف بتنفيذها
كانت مقاومة البشر والشياطين مؤلمة لربنا المبارك إلا أن الألم الذي شعر به من طبيعة المشيئة الإلهية المُكلف بتنفيذها كان أشد وأقسى بما لا يُقاس!! كانت مشيئة الله أن يكون نائباً وبديلاً عن البشر الخطاة، أن يقف في مكانهم ويحتمل قصاصهم، أن يتحد بهم أمام عدالة الله ويدفع أجرة خطاياهم، أن يجعل نفسه ذبيحة إثم تكفيراً عن عصيانهم، أن يعاني من احتجاب وجه الآب عنه حين توضع عليه جميع آثامهم، أن يقبل في نفسه كل الغضب الإلهي على شر الإنسان وزيغانه، أن يشعر بسيف القضاء الإلهي يخترق أحشاءه ويمزقها كما تفعل السكين الحادة بالذبيحة!!
ومَن يستطيع أن يدرك أبعاد هذه المعاناة؟ من يستطيع أن يشرح لنا معنى الوقوع تحت غضب الله؟! لا أحد، لأنه لا يوجد إنسان اجتاز هذه المعاناة بشكلها الكامل من قبل، فالإنسان لا يستطيع أن يحتمل الوقوع تحت غضب الله لأنه مخيف هو الوقوع بين يدي الله الحي، أي إنسان منا لابد أن ينسحق لو تُرك ليشعر بثقل إثم واحد من آثامه، ولولا نعمة الله التي ترفع عنا سريعاً إحساسنا بالذنب لسحق الألم عظامنا!!
 عندما تعامل الله مع ضمير قايين وشعر بفداحة الجُرم الذي اقترفه رأيناه يصرخ «ذنبي أعظم من أن يُحتمل» وعندما تكلم الله إلى ضمير داود من خلال ناثان النبي وجعله يشعر بدناءة التصرف الذي فعله في قضية أوريا الحثي سقط داود لفترة تحت الإحساس بالذنب، وما أقساه من إحساس!! صار يعوِّم كل يوم سريره بدموعه وبليت عظامه من زفيره اليوم كله، انكسر قلبه وانسحقت روحه، ولولا نعمة الله التي «نقلت» عنه خطيته إلى شخص البديل المبارك لمات داود تحت ثقل شعوره بالذنب!! وعندما استيقظ ضمير يهوذا الإسخريوطي وشعر بحجم الخيانة التي ارتكبها في حق سيده الذي أحسن إليه مضى وخنق نفسه، فالإنسان يُفضِّل الموت على أن يُترك ليقاسي عذاب الضمير!!
وإذا كنا نحن الخطاة بالطبيعة نشعر بهذا الألم فكم يكون شعور مَن كانت طبيعته هي القداسة والطهر؟! إذا كان الإحساس بالإثم ثقيلاً على مَن ألِف الإثم ونُسجت الخطية في نسيج حياته منذ مولده فكم يكون وقع هذا الإحساس على من لم يفعل خطية ولا وُجد في فمه كذباً؟! كيف يشعر مَن لم يعرف خطية عندما يجعله الله خطية أمامه؟! لذلك نجد ربنا المبارك يحتمل كل أنواع الألم ولا يصرخ أو يتوجع من قسوة الإنسان وشر الشيطان ولكن عندما حجب الآب وجهه عنه وجدناه يصرخ بصوت عظيم «إلهي إلهي لماذا تركتني» فهذا هو الألم الذي لا يستطيع احتماله صامتاً!!
كل البشر إذا وقعوا تحت غضب الله لا يستطيعون أن يسألوا «لماذا» لأنهم يعلمون جيداً أنهم مستحقون لهذا الغضب، وداود عندما سقط تحت القصاص لم يسأل «لماذا» بل قال «لأني عارف بمعاصيّ وخطيتي أمامي دائماً» لكن هناك إنسان واحد فقط من حقه أن يسأل في مواجهة غضب الله «لماذا» لأنه الطاهر القدوس الذي لم يفعل قط شيئاً ليس في محله، وهذا السؤال ليس للاستفسار لأن ربنا يعلم جيداً أنه يتألم كنائب عن البشر لكنه للتعبير عن عمق الألم الذي يشعر به في أعماقه، له كل المجد إلى الأبد!! وللحديث بقية (يتبع)