سبعة أرواح الله ( 22 )
بقلم : فخرى كرم
قلنا إن الوداعة تعطى للإنسان حقوقه كاملة، وتكلمنا عن الحقوق الخاصة
التي تحق لفئات معينة من الناس، واليوم نبدأ الحديث عن الحقوق العامة التي تحق لكل
الناس: الكبير والصغير، الغني والفقير، الرجل والمرأة، فالحقوق العامة هي الحقوق
التي يحصل عليها الإنسان لمجرد كونه إنسانة، وأول هذه الحقوق العامة هو:
حق الاختيار
خلق الله الإنسان ذا إرادة حرة، وحرية الإرادة تمنح الإنسان امتيازاً
وتضع عليه التزاماً، أما الامتياز فهو حقه في الاختيار الحر لطريقه في الحياة
وطبيعة مسلكه فيها ، فالإنسان الحر لا يجب أن تجبره على شيء ما وإلا تكون قد حطمت
أهم مميزاته كإنسان عاقل ونزلت به إلى مستوى البهائم التي تساق ، الإنسان الحر يجب
أن تعرض أمامه الاختيارات المتاحة وتظهر له عواقب كل منها ثم تتركه يختار ما يشاء،
سواء كان اختياره هذا هو الصواب من وجهة نظرك أم الخطأ، فهذا هو حقه الأصيل في
حرية الاختيار، وأما الالتزام فهو التزامه بحصاد كل ما زرعه وقبول نتائج اختياره
أيا كانت.
والله يحب أن يعطى للإنسان حقه كاملا في الاختيار، لا يفرض عليه أمرأ
حتى وإن كان صوابا ولا يجبره على عمل مهما كان حقا، ورغم أنه القادر على كل شيء
والحق المطلق المستحق للطاعة إلا أنه يتعامل مع الإنسان بالوداعة، يضع أمامه
الاختيارات ويتركه يختار طريقه بحرية، اسمعه وهو يقول لشعبه القديم «أشهد عليكم
اليوم السماء والأرض، قد جعلت قدامك الحياة والموت، البركة واللعنة، فاختر الحياة
لكي تحيا أنت ونسلك»(تث 30 : 19 )
الاستبداد
وعكس الوداعة في هذا المجال هو الاستبداد ، أي إرغام الإنسان على
قبول فكر أو سلوك طريق ضد إرادته ورغم مشيئته، والاستبداد كثير ومتنوع و منتشر
حولنا في كل مكان بينما الوداعة جوهرة نادرة الوجود ، والاستبداد قد يكون نفسياً
أو اجتماعياً أو سياسياً أو فكرياً، فكل إنسان يمتلك سلطة ما - نفسية أو اجتماعية
أو سياسية أو فكرية - يميل إلى استخدام سلطته في إجبار تابعيه على اعتناق فكره ومسايرة
إرادته وتتميم مشيئته، فالسلطة من شأنها أن تصيب الإنسان بالغرور حتى إنه يمتلىء
تماما بذاته ويكتفى جداً بفكره ويعتقد أنه وحده يعرف الصواب لذلك لا تجد لديه أذن
تسمع فكر الآخرين أو تحترم وجهة نظرهم، إذا تكلم تجده ينتظر من سامعيه الخضوع
والمصادقة على فكره ، وإذا لاحظ أن أحدهم لا يريد أن يستمع إليه أو يصادق على
أقواله اشتعل بداخله الغضب والرفض ضد هذا الإنسان!! كم هو عجيب أن الإنسان يسلب
أخاه الإنسان حقه في الاختيار رغم تفاهة المعرفة الإنسانية و محدوديتها ونسبيتها
بينما يظل الله يحفظ للإنسان حرية اختياره رغم كمال معرفته - تبارك اسمه -
وامتلاكه للحق المطلق.
تعلموا مني.. لأني وديع !!
لم يشهد التاريخ كله معلماً
امتلأ بروح الوداعة مثل شخص الرب يسوع له المجد، فرغم امتلاكه للحق الكامل إلا أنه
لم يفرض فكره قط على الآخرين، بل أعطى دائما لسامعيه حقهم الكامل في أن يسمعوه أو
ينصرفوا عنه (يو 6 : 66 ، 67 ) . وهذا هو معنى نيره الهين وحمله الخفيف، فهو
المعلم الوحيد الذي لا يعلمك إلا إذا أردت أنت أن تتعلم، ولا يتكلم إلا إذا أردت
أن تسمع، إنه لا يقتحمك ولا يفرض فكره عليك، إذا أردت ألا تستمع إليه لن يغضب منك
ويقاومك بل سيعطيك حقك الكامل في اختيار الفكر الذي تستمع إليه حتى وإن كان فكراً
مضاداً له!! لا يمكنك أبدا أن تجد واحداً من تلاميذه في كل العصور اعتنق فكره عن
خوف أو اضطرار، كل من تتلمذ عند قدميه واعتنق فكره فعل هذا بمحض اختياره الحر، هل
رأيت قط معلماً مثل هذا ؟! إنه المعلم الوحيد الذي قال هذه العبارة العجيبة.:
من له أذنان للسمع فليسمع
لقد كرر الرب هذه العبارة كثيرة في تعاليمه وبعد كل رسالة من رسائله
إلى الكنائس في سفر الرؤيا ، ماذا يقصد الرب بأذن للسمع؟ إنه يقصد الاستعداد
الداخلى للاستماع لفكر الله والرغبة في التعلم، وهذه الأذن ليست عند كل الناس،
فكثيرون فقدوا الاستعداد الداخلى للتعلم والإصغاء لفكر الله بسبب امتلائهم
بأفكارهم الخاصة واكتفائهم بحالتهم الراهنة حتى لم تعد عندهم مساحة لاستقبال فكر
جديد ، لمثل هؤلاء لا يوجه الرب تعاليمه بل هو يتكلم لفئة أخرى مازالت تشعر بعدم
الاكتفاء وتريد أن تستمع لفكر الله وتخضع له، أي أنه - له المجد - لا يفرض فكره
على الجميع بل يقدمه فقط لمن اختاروا بمحض إرادتهم أن يستمعوا إليه، إنه حقا
المعلم الوحيد الوديع ومتواضع القلب، وللحديث بقية