سبعة أرواح الله (24)
بقلم : فخرى كرم
بعدما رأينا الصورة الرمزية الأولى للروح القدس ألا وهي صورة
الحمامة، وعرفنا أنها كانت مناسبة للتعبير عن روح الوداعة التي اصطبغت بها حياة رب
المجد وخدمته وسط الناس، ننتقل اليوم للحديث عن صورة رمزية ثانية للروح القدس شاء أن
يعلن نفسه بها في مرحلة أخرى من مراحل تعامله مع الإنسان، ألا وهي صورة
النار
رغم أن يوحنا المعمدان هو الذي رأى الروح ينزل على المسيح في هيئة
جسمية مثل حمامة لكنه عندما تنبأ عن طبيعة عمل الروح الذي سيرسله المسيح ليعمل في
وسط كنيسته قال إنه سيكون مقترناً بالنار ( لو 3 : 16 ) وبالفعل عندما حضر يوم
الخمسين وجدنا الروح القدس يعلن عن حضوره في وسط الكنيسة بهيئة جسمية كألسنة
منقسمة من نار استقرت على كل واحد منهم ( أع 2 : 3 ) مما يشير إلى أن السمة
الغالبة لعمل الروح القدس في الكنيسة ستختلف عن السمة الغالبة لعمله في حياة الرب
له المجد، فإذا كانت الحمامة تشير إلى الوداعة فإن النار في الكتاب المقدس تشير
دائما إلى
القداسة
اقترنت النار بقداسة الله في أكثر من موضع، فعندما اشتعلت النار في
العليقة صار الموضع مقدساً (خر 3 : 5 ) وعندما تجلى الرب على جبل سيناء بنار صار
الجبل مقدسا (خر ۲۳:۱۹) ... إلخ.
لكن ما هي القداسة؟ هي «الصلاح المؤثر»!! «الصلاح» وحده هو أن يكون
الشخص مملوءأ من الخير وخالياً من الشر، أما «الصلاح المؤثر» فهو أن يكون امتلاؤه
من الخير وخلوه من الشر مؤثراً في الآخرين حتى أنه يجذب لنفسه الخير ويظهره ويدين
الشر ويفضحه، إذا اقترن الصلاح الشخصي بهذا السلطان الخارجي نسميه « قداسة». .
أن
تكون محبا فهذا صلاح أما أن تكون محبتك ذات سلطان حتى تفضح البغضة الموجودة في
المحيطين بك وتدينها فهذه هي القداسة، أن لا تجد الخطية مكانا لها في قلبك فهذا
صلاح، أما أن لا تجد لها مكاناً في الوسط المحيط بك لأن طهارة قلبك تفضحها أولا
بأول فهذه هي القداسة!!
بين النار والقداسة
إن ما تفعله النار في الأشياء تفعله القداسة في الأشخاص، النار تمتحن
الأشياء التي توضع فيها فتزگی وتنقي المعادن النفيسة وتفضح تفاهة المعادن الرخيصة وتحرق الخشب
والعشب والقش وتحيلها رماداً ، الأشياء لا تبقى كما هي قبل وبعد اجتيازها للنار،
وأنت لا تستطيع أن تبقى كما أنت قبل وبعد تعرضك لقداسة الله، أشياء سوف تتغير
وأخرى ستنتهي وأخرى ستظهر ويزداد لمعانها !!
إذا أراد موسى أن يقترب من البقعة المقدسة فلابد أن يخلع نعليه، لابد
أن يتخلص من الأجزاء الملامسة لهذه الأرض الملعونة، وإذا تواجد إشعياء في محضر
«القدوس » فحالا تظهر الأجزاء النجسة في حياته وتحرقها جمرة من على المذبح، ومن
يريد أن يصعد إلى جبل الرب ويقوم في موضع «قدسه » لابد أن يكون طاهر اليدين ونقى
القلب (مز 24 : 3 ، 4 ) لا يمكنك أن تتعامل مع قداسة الله وأنت تتستر على شر أو
تخفــي إثما في القلـب (مز 66 : 18 ) إن قداسة الله - مثل النار - تمتحن كل شيء
فتجتذب الخير وتظهره وتنقيه وتفضح الشر وتدينه وتعريه.
بين الوداعة والقداسة
نستطيع الآن أن نرى أن روح الوداعة يبدو - ظاهرياً - مغايراً تماما
لروح القداسة، فروح الوداعة يعطى للإنسان الفرصة لكي يظهر ما بداخله ويعبر عن
مكنونات قلبه دون خوف، أما روح القداسة فيدين الشر وهو كامن في الأعماق ولا يمنحه
فرصة للبقاء.
الوداعة لا تقتحم الإنسان بل تشجعه لكي يعبر بحرية عن إرادته، أما
القداسة - إن تواجدت في محضرها - فهي تمتحن إرادتك الخفية وتظهرها إلى النور دون
أن تملك لها دفعاً .
لكن الحقيقة أنه لا تناقض البتة بين اظهارات الروح الواحد، فكل من
أوجه تعامله مع الإنسان هام وحتمي ولا غنى عنه، وهو في حكمته اختار أن يتعامل مع
الإنسان بالوداعة أولا من خلال حياة رب المجد وخدمته لكي يعطى للإنسان الفرصة
ليفهم ويختار بإرادته أن يتوب ويرجع إلى الله، لكن لا يظن أحد أن تعامل الوداعة
يمكن أن يستمر إلى الأبد، فلابد أن يواجه الإنسان يوما قداسة الله وعندئذ لن تكون هناك
فرصة بعد بل قضاء سريع، وللحديث بقية.