الثلاثاء، 6 سبتمبر 2016

أحاديث من القلب

الأوقات والأزمنة (12)
بقلم : فخرى كرم
«لذلك يصمت العاقل في ذلك الزمان لأنه زمان رديء» (عا5: 13)

يحدثنا سفر عاموس عن «زمن رديء» عاشه الشعب القديم قبل السبي البابلي، زمان له سماته الخاصة والتي يمكن تحديدها في بعض النقاط:
       (1) ازدياد قسوة وتسلط الطبقة الغنية: قبل السبي عاش الشعب اليهودي بمملكتيه الشمالية والجنوبية فترات من الازدهار الاقتصادي والسياسي والعسكري في فترات حكم عُزيا ملك يهوذا ويربعام الثاني ملك السامرة، ولكن هذا الازدهار كان مقترناً بغياب العدالة الاجتماعية، فازدادت الطبقة الغنية رفاهية وتسلطت بعنف على الطبقات الفقيرة من الشعب، باعوا البار بالفضة والبائس لأجل نعلين، وضعوا تراب الأرض على رؤوس المساكين وصدوا سبيل البائسين، نساء السامرة صرن من الرفاهية سمينات مثل البقرات وبكل قسوة ظلمن المساكين وسحقن البائسين (2: 6، 7، 4: 1)
(2) اعوجاج القضاء وانحيازه للطبقة الغنية: عندما يتعرض المسكين لقسوة الأغنياء لا يصبح أمامه سوى اللجوء للقضاء، وكان القضاة في تلك الأيام يجلسون في أبواب المدن يقضون للشعب، ولكن للأسف هؤلاء الجالسون في الأبواب كانوا يبغضون مَن ينذرهم بالحق ويكرهون المتكلم بالصدق، إذا أتاهم المسكين في مسألة يدوسونه أكثر ويأخذون منه رشوة ليبنوا لأنفسهم بيوتاً من حجارة منحوتة، وأما البائس العاجز عن دفع الرشوة فيضايقونه ويصدُّونه حتى وإن كان باراً يستحق الانصاف (5: 10-12)
(3) ازدياد الممارسات الدينية: أكثر ما يجعل الزمن رديئاً هو ازدياد الممارسات الدينية بصورة شكلية بالتوازي مع الانحطاط الأخلاقي المتفشي في المجتمع، كلما أمعن الأغنياء في ظلم المساكين كلما بالغوا في الممارسات الدينية بشكل ملفت للنظر، وربما كان السبب في هذا هو التغطية على سلوكياتهم الخاطئة المملوءة ظلماً، وما أسوأ استخدام الدين كستار لتغطية انحرافات السلوك!! وما أبلغ كلمات الرب التي أرسلها على فم عاموس «بغضتُ كرهتُ أعيادكم ولست ألتذ باعتكافاتكم، إني إذا قدمتم لي محرقاتكم وتقدماتكم لا أرتضي وذبائح السلامة من مسمناتكم لا ألتفت إليها، أبعد عني ضجة أغانيك ونغمة ربابكم لا أسمع» (5: 21-23)
في زمن مثل هذا يصبح الكلام والانذار بلا قيمة، لأن الضمائر قد ماتت والأذهان فسدت وحتى العبادة صارت مظهرية جوفاء، أصبح المجتمع يحوِّل الحق أفسنتيناً ويلقي البر إلى الأرض (5: 7) ولذلك يختار العاقل في هذا الزمن أن يصمت، فلم يعد هناك مجال للكلام بل للدينونة، ولذلك كان عاموس من الأنبياء المتنبئين بالسبي وطوال السفر كان يؤكد لشعوب يهوذا واسرائيل أن قضاء الرب آتٍ لا محالة، وأن الرخاء المؤقت الذي يعيشونه هو الهدوء الخادع الذي يسبق العاصفة، وأن يوم قضاء الرب سيأتي عليهم ظلاماً لا نوراً وقتاماً لا نور له (5: 16-20)!!
تكرر هذا الزمن الرديء مرة أخرى في وقت وجود الرب يسوع على الأرض، نفس الظلم الاجتماعي والفساد الأخلاقي والاسراف في الممارسات الدينية!! ولذلك صمت سيدي في أثناء محاكمته الأخيرة أمام القضاء المعوَّج لأنه «العاقل» الحقيقي الذي علم أن الكلام لم يعد له فائدة وأن الدينونة لا محالة قادمة!!

ألا تشعر أيها القارئ العزيز أننا نعيش زماناً مشابهاً؟!! ولكن لهذا حديثاً آخر(يتبع)