الأحد، 7 فبراير 2021

أحاديث من القلب

 

موعظة الجبل (48)

بقلم : فخرى كرم

 

«لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضاً»(مت6: 21)

يستمر الرب في حديثه ليخبرنا عن سبب ثالث يدفعنا لعدم اكتناز المال على الأرض وهو:

(3) خطورة اجتذاب القلب بعيداً عن الله

بكلمات بسيطة وموجزة يضع الرب أمامنا حقيقة عميقة وأبدية، وهي أن قلوبنا (محبتنا واهتمامنا وخدمتنا) تتجه بتلقائية ودون معاناة إلى حيث يوجد كنزنا، فالإنسان كل الوقت يخدم ما يعتقد أنه كنزه!! إذا كنا نؤمن حقاً أن قيمتنا وسعادتنا الحقيقية هي في السماء فسوف نعيش أيامنا نحب الله ونخدم مشيئته دون أي تكلف أو اضطرار، أما اذا كنا نعتقد في أعماق قلوبنا أن المال هو مصدر أماننا وضامن سعادتنا فسوف نعيش كل حياتنا نحب المال ونخدمه ونسعى لاكتنازه، وهكذا يكون المال قد اجتذب قلوبنا بعيداً عن الله.

لكل انسان منا سيد يخدمه كل الأيام، هذا السيد هو ما يعتقد الإنسان أن سعادته تكمن عنده، وإذا كان الرب هنا يتكلم عن المال بالتحديد إلا أن نفس الحق يمتد إلى آلهة أخرى كثيرة: البعض يشعرون أن ذواتهم هي كنزهم الحقيقي لذلك تجدهم كل الوقت يخدمون ذواتهم، يسيجون حولها ويهتمون جداً براحتها، ينفقون الوقت والطاقة بسهولة في كل ما يبرز ذواتهم ويمجدها بينما لا يجدون أي وقت أو طاقة لينفقوها في أي عمل لا يمجد ذواتهم، لا يستطيعون أن يمنعوا أنفسهم من الحديث عن ذواتهم كل الوقت، لا يتعبون من الدوران حولها والتسبيح بحمدها، يبتهجون جداً إذا لمحوا نظرة اعجاب في عيون المحيطين ويكتئبون جداً إذا شعروا بعدم تقدير الآخرين لهم!! لا تتعجب إذا رأيت مثل هذه الشخصية فالرب يقرر هنا أن قلب الإنسان (محبته واهتمامه وخدمته) يتجه دائماً وبتلقائية شديدة إلى حيث يعتقد أن كنزه هناك!!

وهناك سادة آخرون يخدمهم الانسان بل ويضحي بحياته لأجلهم، مثل الجنس والشهرة والقوة..، لكن يبقى المال هو أكبر هؤلاء السادة وأكثرهم سطوة، وكل من يخدم هذا السيد يجد نفسه منساقاً إلى كل أنواع الشرور والتعديات لأن الكتاب يقول أن الذين يريدون أن يكونوا أغنياء يسقطون في تجربة وفخ وشهوات كثيرة غبية ومضرة تُغرق الناس في العطب والهلاك، لأن محبة المال أصل لكل الشرور (1تي6: 9، 10)

ولئلا يعتقد أحد أنه يستطيع الجمع بين عبادته لله ومحبته للمال يقول الرب «لا يقدر أحد أن يخدم سيدين...لا تقدرون أن تخدموا الله والمال» (مت6: 24) لكل سيد قوانينه ومتطلباته التي تختلف عن قوانين ومتطلبات السيد الآخر وبالتالي لا يمكن الخضوع لسيدين في نفس الوقت، لا يمكننا السير في طريقين مختلفين في وقت واحد ولا نستطيع الوصول لمكانين مختلفين في نفس اللحظة!! 

عزيزي القارئ، قل لي بماذا تهتم معظم يومك أقول لك مَن هو سيدك الحقيقي، قل لي إلى أين يتجه تفكيرك بتلقائية وسلاسة أقول لك أين هو كنزك الحقيقي!! كثيرون من المؤمنين يشتكون من فقدان شهيتهم للصلاة أو قراءة الكلمة، ويعتقدون أن الحل ربما يأتيهم من استخدام مناهج للدراسات أو جداول للقراءات، لكن الحقيقة المؤلمة التي ينبغي أن نواجهها بصراحة هي أننا فقدنا محبتنا الأولى للرب لأن القلب أُجتذب لأمور أخرى اعتقدنا أنها كنوز توفر لنا السعادة والأمان، لقد استولى علينا سادة سوى الرب إلهنا (أش 26: 13)

ليت الرب يعيدنا الى محبتنا الأولى وتكريسنا الأول لشخصه لأنه وحده مستحق أن يكون مركز محبتنا ومجموع كنوزنا، وللحديث بقية (يتبع)