الاثنين، 1 أكتوبر 2012


الاسم العجيب (62)
فخرى كرم
بعدما أكمل يسوع مشيئة الله العامة في الثلاثين سنة الأولى من حياته على الأرض نزل عليه الروح في المعمودية ليمسحه لتتميم مشيئة أخرى خاصة، وهو كعبد يهوه الكامل احتمل كل المشقات لتتميم هذه المشيئة أيضاً، حيث أن مُتمِّم المشيئة الخاصة يحتاج إلى مجهود إضافي وقد يتعرض لآلام لا يتعرض لها المؤمن العادي، وقلنا أن أول الأمور التي تحتاج إلى مجهود إضافي هو معرفة تفاصيل هذه المشيئة الخاصة كل يوم، فهذه المشيئة لا تُعلن دفعة واحدة بل بالتدريج، واليوم نضيف من بين آلام تتميم المشيئة الخاصة:
(2) التعرُّض لمقاومة المجتمع
«بذلت ظهري للضاربين وخدَّي للناتفين، وجهي لم أستر عن العار والبصق»(أش 50: 6)
«وإذ وُجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب»(في2: 8)
المشيئة الخاصة تقود صاحبها في أحيان كثيرة إلى أن يسلك مسلكاً غير مُعتاد من المجتمع، وبالتالي فإنه يتعرض لمقاومة واضطهاد الناس لأن المجتمعات البشرية بطبعها تنفر من أي سلوك مختلف عن المألوف والسائد، فأي مجتمع بشري يتبع في الغالب نظرية تُسمى «نظرية القطيع» أي أن كل أفراد هذا المجتمع ينبغي أن يسيروا في داخل إطار واحد يرتضيه الجميع، حيث يتوافق أفراد هذا المجتمع على سلوكيات وأفكار يلتزم بها الكل، سواء كانت هذه الأفكار والسلوكيات  صحيحة أو خاطئة فهي لا تستمد شرعيتها من الحق بل من كونها مؤيَّدة من الأغلبية، وإذا أراد أحد أن يسلك سلوكاً مغايراً فإنه يسبِّب الكثير من الانزعاج والاضطراب في المجتمع وعليه أن يحتمل مقاومة سائر «القطيع» له!!
عندما فتح سيدي أذنه في كل صباح ليستمع كالمتعلمين لمشيئة الله الخاصة وجد أن هذه المشيئة ستقوده للسلوك ضد التيارات السائدة والجارفة في المجتمع اليهودي، تيار الرياء والمظهرية والتدين الأجوف، تيار استغلال الدين في الكبرياء والتعالي على الآخرين، تيار العنف والقسوة في إدانة الضعفاء وسحقهم، في وسط مجتمع الخداع هذا كان مطلوباً من يسوع أن يسلك بالاستقامة والحق، أن يقترب من المنبوذين والمُهمَّشين ويحب العشارين والخطاة، أن يقاوم المتكبرين ويفضح نجاساتهم المستترة، أن يُنزل الأعزاء بالباطل عن كراسيهم الوهمية ويرفع المتضعين، أن يعيش وينادي بالديانة الحقيقية في بساطتها وعمقها، ديانة الرحمة لا الذبيحة!!
 وكنتيجة طبيعية لسلوك يسوع ضد هذه التيارات كان ينبغي أن يواجه المقاومة والاضطهاد، لقد نُبذ من غالبية الشعب حتى قيل عنه بروح النبوة «أكثر من شعر رأسي الذين يبغضونني بلا سبب...لأني من أجلك احتملت العار، غطى الخجل وجهي، صرت أجنبياً عند إخوتي وغريباً عند بني أمي» (مز69) لقد عاش يسوع ثلاثين سنة يتمم مشيئة الله العامة في وسط شعبه فلم يُقاوم بل كانت له نعمة في عيونهم، لكن منذ بدأ تتميم المشيئة الخاصة انقلبت ضده كل قوى المجتمع وصار في عيونهم سبباً للمشاكل والقلاقل!!
وماذا كان رد فعل هذا العبد الكامل عندما ثارت ضده الزوابع والأعاصير؟ عندما وجد أن تتميم مشيئة أبيه يعني الآلام والاضطهاد حتى الموت؟ هل تراجع عن تتميم هذه المشيئة؟ حاشا، لم يرتد إلى الوراء بل بذل ظهره للضاربين وخديه للناتفين، لقد استهان سيدي بالخزي ولم يحجب وجهه عن العار والبصق، في مواجهة الألم «وضع نفسه وأطاع» حتى الموت موت الصليب، في كل يوم كان يضع نفسه إلى وضع أقل مما كانت عليه في اليوم السابق، في كل يوم كان يطيع مشيئة أبيه رغم المقاومة القاسية، لقد قدَّم مثالاً لكل من يريد يقتفي آثاره في تتميم مشيئة الله في الأرض، له كل المجد، وللحديث بقية (يتبع)