الاثنين، 6 أغسطس 2018

أحاديث من القلب


موعظة الجبل (19)
بقلم : فخرى كرم
«سمعتم انه قيل للقدماء لا تزنِ...» (مت5: 27-32)
مازال ربنا يواصل حديثه عن كيفية فهم العمق الحقيقي لوصايا الناموس والوصول لتطبيقها الكامل عملياً، وكما نزل بوصية «لا تقتل» إلى جذورها العميقة فنهانا عن البغضة والاستهانة بالغير، ها هو يصل بوصية «لا تزنِ» إلى عمقها الحقيقي فينهانا عن الشهوة.
لقد ظن الانسان أن الله ينهى عن فعل الزنى فقط، فترك للشهوة الردية العنان لترتع في فكره ونظره وقلبه وظن أنه في مأمن طالما لم يرتكب الزنى عملياً، بل أوجد منفذاً شرعياً من خلال الطلاق لكسر رباط الزواج والارتباط بأخريات، فاذا تمكنت الشهوة من القلب تجاه امرأة أخرى بخلاف الزوجة فانه يقدم للزوجة كتاب طلاق ويذهب ليتزوج بالأخرى، وهو يشعر أنه بذلك لم يكسر الوصية!!
لكن الرب يفاجئ سامعيه أن غاية الوصية هو النهي عن الشهوة الردية التي لا تشبع ولا تكتفي بالزوجة ولا تقيم وزناً لقصد الله من وراء الزواج وتكوين الأسرة، لقد خلق الله في البدء آدم ثم بنى من أحد أضلاعه حواء، وهكذا صنع الله أول أسرة في تاريخ البشر من رجل واحد وامرأة واحدة، وكان قصد الله أن يختبر الرجل والمرأة في نطاق الأسرة معاني المحبة والاتحاد والمشاركة في ولادة الأبناء وتربيتهم، هذه هي المعاني السامية التي قصدها الله من وراء الغريزة الجنسية المغروسة في أجسادنا، وهي المعاني التي ينسفها تماماً وقوع الطلاق أو الانفصال بين الزوجين (مت19: 4-8)
إن كل خليقة الله صالحة إذا استخدمناها في نطاقها الصحيح، وهذا الحق ينطبق تماماً على الغريزة الجنسية، فهي متى أُستخدمت بشكل صحيح في نطاق الأسرة تصبح مادة بناء واشباع وتقدم، أما إذا خرجت الغريزة الجنسية عن السيطرة وتحولت إلى شهوة لا تفرغ تطلب لنفسها إشباعاً متجدداً، تصبح عندئذ أكبر تهديد يواجه استقرار الأسرة، عندئذ يصبح اشباع الغزيرة هو الهدف في حد ذاته وليس تكوين الأسرة واستقرارها، وهذا هو الزنى في عمقه وجذوره!!
فإذا سمح الرجل لقلبه وعينه ان تشتهي امرأة أخرى بخلاف زوجته فهو في نظر الله قد ارتكب الزنى، وإذا أراد أن يُكسب فعلته هذه شرعية فأعطى لزوجته كتاب طلاق ليتزوج بأخرى فهو يزني ويدفع مُطلقته للزنى (مت5: 32، مت19: 9) فالزنى في نظر يسوع هو كل ما يهدم مخطط الله تجاه الأسرة المكوَّنة من رجل واحد وامرأة واحدة، وهذا هو فكر الله من البدء، وإن كان قد سمح بالطلاق في العهد القديم فلأنه كان لا يزال يعطي مساحة لقساوة قلب الإنسان وبطء فهمه لمقاصد الله وعدم اكتراثه بتتميمها، أما في العهد الجديد فأبناء الملكوت ينبغي أن يعرفوا فكر الله الأصيل ويتعلَّموا كيف يتحكمون في غرائزهم ويستخدمونها بما يتمم مشيئة الله على الأرض!!
  ولأن ربنا يعلم أن هذه الغريزة متأصلة في جسد الإنسان استخدم تعبيرات قوية تحثنا على عدم التهاون مع الميول الخاطئة لهذه الشهوة، مثل اقتلاع العين وقطع اليد!! وهذه بلا شك تعبيرات مجازية لأن ربنا نفسه يعلِّمنا أن مصدر الزنى هو قلب الإنسان وليس أعضاء جسده (مر7: 21-23) لكن ربنا يريدنا أن نحكم بحسم وبشدة على أي تحرك غريب للشهوة بداخلنا كما لو أننا نتخذ قراراً باقتلاع العين أو قطع اليد!! وللحديث بقية (يتبع)