الأربعاء، 30 نوفمبر 2016

أحاديث ن القلب

الأوقات والأزمنة (15)
بقلم : فخرى كرم
«الذي ينبغي أن السماء تقبله إلى أزمنة رد كل شيء» (أع3: 21)

 خلق الله كل شيء حسناً ووضع كل أمر في نصابه، وسلَّط الإنسان على منظومة الخليقة في الأرض لكي يرعاها ويحفظها، ولكن بدخول الخطية إلى العالم وسقوط الإنسان تحت سلطان إبليس أُفسدت هذه المنظومة وأُخضعت للبُطل (رو8: 20) لم يعد هناك شيء في مكانه، نزل الانسان من مركز السلطان وأصبح عبداً تحركه شهواته وتتحكم فيه غرائزه، بات ابليس بتسلطه على ارادة الإنسان هو السيد المتحكم في مجريات الأحداث، لم يعد الله هو السيد المعبود في الأرض بل أصبح ابليس فعلياً هو إله هذا الدهر ورئيس هذا العالم، اضطربت كل المنظومة وأصبحت كل الخليقة تئن وتتمخض معاً تطلب العتق والفداء.
تكلم الروح القدس على فم الرسول بطرس عن «أوقات الفرج» التي تبدأ بشكل فردي في حياة الإنسان حال إيمانه بالمسيح وتوبته عن الخطية، ولكن الروح يشير أيضاً بشكل نبوي إلى أزمنة آتية حينما يعمُّ الفرج كل الأرض والخليقة، هذه الأزمنة ستبدأ بمجيء المسيح ثانية إلى الأرض وتُسمى «أزمنة رد كل شيء» والكلمة المترجمة «رد» تعني أيضاً «تجديد» وهي نفس الكلمة التي استخدمها الرب عندما أشار إلى هذه الأزمنة المستقبلية بقوله لتلاميذه «الحق أقول لكم أنكم أنتم الذين تبعتموني، في التجديد، متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده، تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر كرسياً تدينون أسباط اسرائيل الاثني عشر» (مت19: 28)
في هذه الأزمنة الآتية «يرد» الله كل شيء إلى مكانه الصحيح، سيرد الإنسان إلى مكانه الأول كتاج للخليقة متسلطاً على الأرض، سيرد إبليس إلى مكانه الذي يستحقه عندما يُلقي به في بحيرة النار والكبريت، سيرد لنفسه العبادة في كل الأرض عندما يجعل كل ركبة في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض تجثو باسم يسوع لمجد الله الآب، سيرد للكنيسة مجدها الذي تستحقه بعدما عاشت على الأرض أوقات ضيق واضطهاد (رؤ21: 2) سيرد للخليقة سلامها وابتهاجها بعدما ينقلها من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله (رو8: 21) سيجدد الله خليقة الأرض والسماوات ليسكن فيها البر (2بط3: 13، رؤ21: 1) ستمضي وتنتهي الخليقة الأولى بما فيها من ألم ودموع وموت وسنسمع الجالس على العرش يقول «ها أنا أصنع كل شيء جديداً» (رؤ21: 5)

لكن هذا التجديد الشامل الموعود يبدأ في حياتنا الأن ولو بصورة فردية محدودة، نحن الذين بمقتضى رحمة الله خلَّصنا بغُسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس (تي3: 5) ان التجديد الذي سيصنعه الروح القدس في الخليقة مستقبلاً يبدأ من الأن يصنعه في حياة المؤمنين، ينبغي أن ندع روح الله يرد كل شيء إلى مكانه الصحيح في حياتنا الأن قبل أن ننتظر أن يفعل هذا في الخليقة مستقبلاً، ينبغي أن يكون الله هو الإله المعبود وحده في حياتنا، ينبغي أن يعود لنا السلطان على حياتنا لنكرس كل قوانا لمجد الله، ينبغي أن يعود إبليس إلى مكانه الصحيح تحت أقدامنا، ينبغي أن نتوِّج يسوع رباً وسيداً على كل أمور حياتنا، ينبغي ان نطرح عنا كل ثقل والخطية المحيطة بنا، ينبغي أن ننقل صورة الله وخيره ورحمته لكل الخليقة المحيطة بنا ولو في حدودنا الشخصية الضيقة، بالاختصار نقول أن هذا التجديد ينبغي أن يظهر ويزداد وضوحاً في حياتنا كل يوم قبل أن ننتظر ظهوره بشكل كامل في مجيء ربنا يسوع المسيح الثاني، آمين.

السبت، 5 نوفمبر 2016

أحاديث من القلب

الأوقات والأزمنة (14)
بقلم : فخرى كرم
«فتوبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم لكي تأتي أوقات الفرج من وجه الرب» (أع3: 19)
كان الشعب اليهودي يعيش في أزمنة ضيق من كل الجهات، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وفي كلمات بطرس في الهيكل بعد اقامة مُقعد الباب الجميل يقدم الروح القدس روشتة للخلاص من الضيق ومجيء «أوقات الفرج» وهذه الروشتة ببساطة هي التوبة والرجوع للرب.
مشيئة الله للإنسان منذ بدء الخليقة هي أن يعيش في رحب وبركة، كانت هذه المشيئة مُعلنة في خلق الجنة بكل ما فيها من سعة وشبع، لكن بدخول الخطية إلى قلب الإنسان والانفصال عن الله خرج الإنسان من الجنة إلى عالم الضيق والألم، ولا يظن أحد أن الضيق مصدره الظروف الخارجية المحيطة بالإنسان، كلا، لقد شعر قايين بالضيق الشديد من أخيه وقتله رغم أن ظروفه كانت متيسرة والأرض ممتدة برحب أمامه، ان ضيق الإنسان موجود بداخله وليس خارجه، ومصدر آلامه هو عالمه الداخلي وليس العالم الخارجي!!
عندما خلق الله الإنسان خلقه كائناً محدوداً وليس مطلقاً، له سعة محدودة لا يتسع لأكثر منها، وله قوة محدودة لا يستطيع أن يتجاوزها، وله ذكاء ومعرفة محدودة لا يمكنه الارتقاء فوقها، وله أيام معدودة لا يستطيع أن يعيش بعدها، وطالما عاش الانسان في هذه الحدود المخلوق عليها شعر بالرضا والشبع، أبسط القوت والكسوة يعطيه الاحساس بالملء والشبع، وإذا استخدم قوته المحدودة الاستخدام الأمثل شعر بالرضا والقيمة، وإذا أدرك محدودية معرفته مهما اتسعت استطاع بسهولة أن يسلِّم لمعرفة الله غير المحدودة ويختبر راحة التسليم والإيمان، وإذا فهم احصاء أيامه كم هي زائلة اكتسب قلب حكمة يستطيع أن يتعامل مع متغيرات الأيام بإيجابية وصبر.
لكن إبليس ألقى في قلب الإنسان جوهر الخطية وهو: أن في إمكان الإنسان أن يصير كالله غير محدود، وعندما قبل الإنسان هذا المنطق الخاطئ صارت الجنة بالنسبة له ضيقة جداً!! شعر أن كل شجر الجنة غير كافي لإشباع جوعه وأنه في حاجة ماسة للشجرة الواحدة المنهي عنها!! لقد شعر آدم بالضيق في داخله وليس خارجه، شعر في قلبه بالحرمان رغم آلاف الأشجار المحيطة به!! أصبح الإنسان المحدود يريد أن يضع في جوفه كل الأمور بلا حدود، تماماً مثل الطفل الذي يريد بسذاجة متناهية واصرار لا يلين أن يضع البحر في جردله البلاستيك الصغير!! يريد أن يتمتع بقوة تفوقه قوته الحقيقية ويشعر بالضيق إذا وجد قوته تخونه، يعتقد أنه يعرف الكثير ويضيق جداً عندما يكتشف أنه يجهل أكثر مما يعرف، يريد أن يملأ معدته بأطعمة تفوق احتياجه ويشعر بالضيق عندما يمرض جسده وينهار، يشتاق أن يظل حياً ممتد الأيام ويشعر بضيق شديد إذا وجد الضعف يزحف إليه منذراً بنهاية وشيكة!!
كيف إذاً يتخلص الإنسان من أزمنة الضيق وتأتيه أوقات الرحب والفرج؟ الإجابة هي أن نتوب عن جوهر الخطية هذا ونرجع إلى الرب ونقبل الوضع الذي خلقنا عليه ونسعى لتتميم مشيئته في حياتنا، الله لا يعدنا في الوقت الحاضر بأوقات فرج تتحسن فيه الظروف الخارجية وتنعم فيه شعوبنا بالخصب والرخاء لكنه بالحرى يعدنا بالفرج الداخلي والإحساس بالرضا والشبع العميق إذا قدمنا توبة عن رغباتنا المحمومة وشهوات العالم التي لا تشبع ورجعنا إلى الله وقبلنا مشيئته لحياتنا ببساطة الإيمان والتسليم.
ولكن كلمات الوحي على فم بطرس تحمل أيضاً بُعداً نبوياً عن أوقات الفرج المُصاحبة لمجيء الرب الثاني، ولكننا نفرد لهذا حديثاً آخر (يتبع)     


السبت، 1 أكتوبر 2016

أحاديث من القلب

الأوقات والأزمنة (13)
بقلم : فخرى كرم
«ولكن اعلم هذا أنه في الأيام الأخيرة ستأتي أزمنة صعبة» (2تي3: 1)
إذا كان عاموس النبي تكلم عن «زمن ردئ» يسبق السبي البابلي فالرسول هنا يكلمنا عن «أزمنة صعبة» تسبق مجيء الرب الثاني، ولو تأملنا صفات هذه الأزمنة سنجد أنها تتحقق كلها في أيامنا الحاضرة:
فالناس اليوم أصبحوا يحبون أنفسهم بشكل فج وصريح، لا وجود لقيم مثل الإيثار أو البذل أو التضحية لأجل الآخرين، هذه القيم التي سمعنا عنها قديماً ولكنها فيما يبدو تنقرض أمام مد الأنانية الزاحف على المجتمع، ولأن الجميع يبحثون عن مصلحتهم الذاتية أصبح الجميع بالضرورة محبين للمال، لأن المال هو الوسيلة لتحقيق شهوات الناس واشباع أنانيتهم، وفي السباق المحموم نحو المال يصبح الانسان بالضرورة بلا حنو، فلا مجال لمشاعر الحنو والرفق تجاه المنافسين على لقمة العيش، بل يفقد الناس تدرجياً انسانيتهم ويصبحون شرسين وخائنين ومقتحمين، وإذا لم يحصلوا على ما يرضيهم تجدهم مجدفين يشتمون الناس والظروف التي تعاندهم ويتمردون على والديهم وعلى كل القوانين، وفي المقابل اذا استطاعوا أن يحصلوا على ما يريدون تجدهم يتعظمون على الآخرين ويستكبرون ويتصلفون معتدِّين بأنفسهم، لا يقدمون الشكر لمن ساعدهم بل ينسون الاحسان وينكرون الجميل، الانسان في كل ظروفه وأياً كانت أحواله يحب أن يفعل الشر!!
واحقاقاً للحق ينبغي أن نقول إن هذه الصفات الرديئة موجودة في الإنسان منذ وجوده على الأرض ولكن ما يميز الأيام الأخيرة هو ازدياد هذه الصفات انتشاراً ووضوحاً، في الأزمنة القديمة كانت قلة أعداد البشر بالقياس للموارد الطبيعية تقلِّص فرص الاحتكاك والتنافس، مما كان يعطي مجالاً لإظهار بعض الصفات الحسنة في البشر واخفاء بعض الصفات الرديئة، لكن مع تقدم الأيام وازدياد أعداد البشر مع بقاء الموارد الطبيعية محدودة ازدادت شراسة المنافسة مما جعل هذه الصفات الرديئة في الانسان تبرز وتزداد وضوحاً.
لكن الرسول يختم هذه الفقرة بأبشع صفة ستميز الأيام الأخيرة وتجعلها بالحق «أزمنة صعبة» ألا وهي «لهم صورة التقوى ولكنهم منكرون قوتها»!! تماماً كما قال عاموس عن الزمن الرديء أن فيه تزداد الممارسات الدينية جنباً إلى جنب مع ازدياد الممارسات الشريرة هكذا الأمر في أيامنا الأخيرة تلك، يفاجئنا الرسول بقوله ان «صورة التقوى» ستغلف كل الأخلاق الرديئة التي ستظهر في البشر، سيحب الناس أنفسهم ولكنهم سيحاولون أن يجعلوا محبتهم لأنفسهم أمراً روحياً مؤيداً من الله! سيحبون المال ويقولون للناس ان مشيئة الله أن يكونوا أغنياء! سيبغضون الآخرين ويصورون هذه البغضة كأنها غيرة على الإيمان ودفاع عن الحق! سيتعظمون ويستكبرون ويتسلطون على الشعب تحت زعم أنهم مؤيدون بمواهب روحية فائقة! سيقتحمون حياة البسطاء بلا حنو وبلا نزاهة مستندين على تفسيرات باطلة للكلمة المقدسة!!!
ولئلا يعتقد أحد أن هذه الصفات الرديئة ستميز «الناس» في العالم وليس في داخل الكنائس لابد أن نقرأ رسالة الرب لملاك كنيسة لاودكية والتي تصور الكنيسة في الأيام الأخيرة، سنجد أن نفس هذا الداء منتشر في داخل الكنيسة، مع وجود كل الشقاء والبؤس والفقر والعمى والعُري نجد لسان حال ملاك الكنيسة «أنا غني وقد استغنيت ولا حاجة لي إلى شيء»!! كل الانحدار الأخلاقي مع غطاء من الكبرياء الروحي الذميم!!

ما أصعب هذه الأيام الأخيرة!! ما أصعب أن تهرب من المعاناة في العالم الشرير إلى داخل الكنائس فتجد نفس المعاناة مع غطاء من التقوى المزيفة!! ليت إلهنا يرحمنا ويقصِّر تلك الأيام، وللحديث بقية (يتبع)

الثلاثاء، 6 سبتمبر 2016

أحاديث من القلب

الأوقات والأزمنة (12)
بقلم : فخرى كرم
«لذلك يصمت العاقل في ذلك الزمان لأنه زمان رديء» (عا5: 13)

يحدثنا سفر عاموس عن «زمن رديء» عاشه الشعب القديم قبل السبي البابلي، زمان له سماته الخاصة والتي يمكن تحديدها في بعض النقاط:
       (1) ازدياد قسوة وتسلط الطبقة الغنية: قبل السبي عاش الشعب اليهودي بمملكتيه الشمالية والجنوبية فترات من الازدهار الاقتصادي والسياسي والعسكري في فترات حكم عُزيا ملك يهوذا ويربعام الثاني ملك السامرة، ولكن هذا الازدهار كان مقترناً بغياب العدالة الاجتماعية، فازدادت الطبقة الغنية رفاهية وتسلطت بعنف على الطبقات الفقيرة من الشعب، باعوا البار بالفضة والبائس لأجل نعلين، وضعوا تراب الأرض على رؤوس المساكين وصدوا سبيل البائسين، نساء السامرة صرن من الرفاهية سمينات مثل البقرات وبكل قسوة ظلمن المساكين وسحقن البائسين (2: 6، 7، 4: 1)
(2) اعوجاج القضاء وانحيازه للطبقة الغنية: عندما يتعرض المسكين لقسوة الأغنياء لا يصبح أمامه سوى اللجوء للقضاء، وكان القضاة في تلك الأيام يجلسون في أبواب المدن يقضون للشعب، ولكن للأسف هؤلاء الجالسون في الأبواب كانوا يبغضون مَن ينذرهم بالحق ويكرهون المتكلم بالصدق، إذا أتاهم المسكين في مسألة يدوسونه أكثر ويأخذون منه رشوة ليبنوا لأنفسهم بيوتاً من حجارة منحوتة، وأما البائس العاجز عن دفع الرشوة فيضايقونه ويصدُّونه حتى وإن كان باراً يستحق الانصاف (5: 10-12)
(3) ازدياد الممارسات الدينية: أكثر ما يجعل الزمن رديئاً هو ازدياد الممارسات الدينية بصورة شكلية بالتوازي مع الانحطاط الأخلاقي المتفشي في المجتمع، كلما أمعن الأغنياء في ظلم المساكين كلما بالغوا في الممارسات الدينية بشكل ملفت للنظر، وربما كان السبب في هذا هو التغطية على سلوكياتهم الخاطئة المملوءة ظلماً، وما أسوأ استخدام الدين كستار لتغطية انحرافات السلوك!! وما أبلغ كلمات الرب التي أرسلها على فم عاموس «بغضتُ كرهتُ أعيادكم ولست ألتذ باعتكافاتكم، إني إذا قدمتم لي محرقاتكم وتقدماتكم لا أرتضي وذبائح السلامة من مسمناتكم لا ألتفت إليها، أبعد عني ضجة أغانيك ونغمة ربابكم لا أسمع» (5: 21-23)
في زمن مثل هذا يصبح الكلام والانذار بلا قيمة، لأن الضمائر قد ماتت والأذهان فسدت وحتى العبادة صارت مظهرية جوفاء، أصبح المجتمع يحوِّل الحق أفسنتيناً ويلقي البر إلى الأرض (5: 7) ولذلك يختار العاقل في هذا الزمن أن يصمت، فلم يعد هناك مجال للكلام بل للدينونة، ولذلك كان عاموس من الأنبياء المتنبئين بالسبي وطوال السفر كان يؤكد لشعوب يهوذا واسرائيل أن قضاء الرب آتٍ لا محالة، وأن الرخاء المؤقت الذي يعيشونه هو الهدوء الخادع الذي يسبق العاصفة، وأن يوم قضاء الرب سيأتي عليهم ظلاماً لا نوراً وقتاماً لا نور له (5: 16-20)!!
تكرر هذا الزمن الرديء مرة أخرى في وقت وجود الرب يسوع على الأرض، نفس الظلم الاجتماعي والفساد الأخلاقي والاسراف في الممارسات الدينية!! ولذلك صمت سيدي في أثناء محاكمته الأخيرة أمام القضاء المعوَّج لأنه «العاقل» الحقيقي الذي علم أن الكلام لم يعد له فائدة وأن الدينونة لا محالة قادمة!!

ألا تشعر أيها القارئ العزيز أننا نعيش زماناً مشابهاً؟!! ولكن لهذا حديثاً آخر(يتبع)

السبت، 30 يوليو 2016

أحاديث من القلب

الأوقات والأزمنة (11)
بقلم : فخرى كرم
«أهو وقت ٌلأخذ الفضة» ؟! (2مل 5: 26)
كلمات أليشع رجل الله لجيحزي تكشف لنا أهمية تمييز الوقت الذي نعيش فيه، لم يكن خطأ الغلام يكمن في طبيعة الأشياء التي أخذها بل في توقيتها، الفضة والثياب أمور مشروعة ونعمان قدَّمها عن طيب خاطر، وجيحزي متيقن في ضميره أن سيده يستحق أكثر منها بكثير، ولكن يبقى أن توقيت أخذها كان خطأ!!
 هذا يدفعنا لمراجعة طبيعة الزمن الذي عاشه أليشع، كانت الصبغة العامة التي تصبغ خدمة أليشع هي صبغة النعمة المتفاضلة، النعمة التي تعطي كل شيء بسخاء ولا تعيِّر، النعمة التي تفيض على الكل بغنى وبلا مقابل، أليشع الذي يعني اسمه «الرب يخلِّص» هو أقرب رجال العهد القديم في خدمته لخدمة الرب يسوع نفسه، وحتى المعجزات التي جرت على يديه كانت الأكثر شبهاً بمعجزات الرب يسوع.
بعد خدمة إيليا النارية أتت خدمة أليشع كنهر مياه منعشة، وبعد روح الغضب والقضاء التي تجسدت في إيليا كان ينبغي أن يجسد أليشع روح المحبة والرحمة، كان مطلوباً من إيليا أن يهدم أوضاعاً دينية فاسدة بينما كان المطلوب من أليشع أن يبني أوضاعاً جديدة صالحة، ولأن البناء يحتاج إلى مجهود مضاعف أكثر من الهدم لذلك طلب أليشع نصيب اثنين من روح إيليا.
عندما أتى نعمان إلى أليشع كان هدف الرب أن يعلن لهذا الإنسان عن إله النعمة الذي يُحسن حتى للأعداء، الإله الشافي والقادر وحده أن يعيد لحمه الميت إلى لحم صبي صغير، أنه إله القيامة والحياة، وهو يعمل هذا بنعمة خالصة ومجانية بلا مقابل، ولذلك رفض أليشع أن يأخذ أي شيء من هدايا نعمان رغم أن الشفاء الذي أخذه نعمان لا يُقدَّر بثمن، لكن جيحزي فشل في أن يميز هذا الزمان وطبيعة خدمة أليشع، ولما حسبها بمنطق الأخذ والعطاء وجد أنه من الطبيعي أن يركض خلف نعمان ويأخذ منه شيئاً، ولم يكن يعلم أنه بفعلته هذه سيفسد صورة النعمة المجانية التي أرادها الله أن تصل لنعمان وللشعب الأرامي.
عندما عاد جيحزي ليقف أمام سيده لم يعاتبه أليشع على كذبه ولا على رغبته في الامتلاك بل عاتبه على عدم تمييزه للوقت والخدمة التي يقوم بها، فالخطية ليست فقط السعي وراء أشياء خاطئة ولكنها قد تكون أيضاً السعي وراء أشياء بريئة ولكن في التوقيت الخطأ!!
ولهذا رتَّب الله موقفاً آخر لكي يعلن عن نعمته تجاه الأراميين بعد موقف نعمان، عندما أرسل ملك أرام خيلاً ومركبات وجيشاً ثقيلاً إلى دوثان ليلقوا القبض على أليشع ليلاً، فطلب أليشع أن يضربهم الرب بالعمى ثم اقتادهم إلى السامرة وعندما أعاد الرب إليهم البصر وجدوا أنفسهم محاصرين وسط السامرة حيث يسهل جداً القضاء عليهم، ووجدوا ملك اسرائيل يطلب الإذن من أليشع أن يبدأ الضرب، ولكن لدهشة الجميع رفض أليشع أن يقع بأعدائه أي ضرر بل طلب أن يصنعوا لهم وليمة عظيمة، وبعدما أكلوا وشربوا أطلقهم بسلام إلى سيدهم!! كانت هذه هي الفرصة الثانية التي أعدها الله ليرسل برسالة النعمة لملك أرام، وإن كانت صورة النعمة لم تصل كاملة لملك أرام في شفاء نعمان بسبب خطأ جيحزي فقد وصلت هذه المرة كاملة غير منقوصة، وكانت النتيجة كما يقول الكتاب أن جيوش أرام لم تعد تدخل اسرائيل (2مل 6: 8-23)

ما أجمل أن يكون هناك رجل لله يميز الأوقات والأزمنة!! لكن في المقابل ما أخطر ألا نميز الوقت والزمن الذي نعيش فيه، فقد نخطئ كثيراً ونحصد نتائج وخيمة ومريرة، وللحديث بقية (يتبع)

الثلاثاء، 5 يوليو 2016

أحاديث من القلب

الأوقات والأزمنة (10)
بقلم : فخرى كرم
في (حزقيال 16) قسَّم الرب تاريخ الشعب القديم إلى عدة مراحل زمنية متتابعة، رأينا منهم «زمن الميلاد» تحت وطأة الاضطهاد في أرض مصر، الاضطهاد الذي كان يقصد فناء الشعب لولا أن الرب أمر بحياتهم رغم الاضطهاد (ع 1-7) ثم بعد أربعمائة سنة في مصر أخذ الرب شعبه في «زمن الحب» حين أخرجهم بذراع رفيعة وأدخلهم أرضاً تفيض لبناً وعسلاً وكساهم من هيبته فتعظمت المملكة جداً وسط كل ممالك الأرض، وكانت قمة هذه المرحلة في عصر داود وسليمان عندما أراح الرب المملكة من كل جهة (ع8-14)                                    
  لكن للأسف يأتي بعد هذا زمن ثالث هو «زمن الكبرياء والخيانة» (ع15-34) عندما بدأ الشعب يشعر بالزهو والكبرياء بسبب المجد الذي منحه الرب اياه وبسبب الاسم العظيم الذي صار لهم، والعجيب أن كل ما كانوا يفتخرون به كان عطية مجانية من إلههم لا يستحقونها!! وبدأوا يتعاملون مع الشعوب المحيطة بهم ويفتحون أبوابهم لكل آلهة الأمم وشرائعهم وأساليب حياتهم النجسة، دخلهم الإعجاب بالحضارات والثقافات المحيطة بهم وفتحوا قلوبهم وأذهانهم لها، داسوا شرائع ونواميس إلههم وأرادوا أن ينسوا احسانه معهم ويكسروا نيره عن أعناقهم، وأحبوا أن يصطبغوا بصبغة الشعوب الأخرى.
والرب يشرح لنا أن النسيان هو سبب الخيانة، عندما يخاطبهم قائلاً «وفي كل رجاساتك وزناكِ لم تذكري أيام صباكِ إذ كنتِ عريانة وعارية وكنتِ مدوسة بدمك» الانسان يميل دائماً أن ينسى الإحسان، وهذا النسيان متعمد ومقصود وبكامل ارادة الانسان!! لأن الانسان لا يريد أن يشعر بالمديونية للرب، لا يحب أن يعيش وفي عنقه دين ينبغي أن يوفيه، يريد أن يتحرر من أي التزام أدبي أو أخلاقي، ورغم ان الإنسان لا ينسى الإساءة أبداً إلا أنه ينسى الإحسان سريعاً جداً!! ولعل داود كان يشعر بهذه الحقيقة عندما خاطب نفسه قائلاً «باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته» (مز103: 2) ليت الرب يحفظنا من هذا الداء الموجود في قلب كل انسان، داء نسيان إحسانات الرب والتفاخر بما لا نملكه ولا نستحقه!!
ولذلك كان ينبغي ان يجتاز الشعب فترة زمنية رابعة في تاريخه نستطيع أن نسميها «زمن العقاب»!! (ع 35-59) فلابد للخيانة من عقاب ودائماً يتبع الكسر الكبرياء، وكان عقاب الرب هو أن يُعيد الشعب إلى حالتهم الأولى التي كانوا عليها قبل احسان الرب لهم، أعادهم إلى وضع السبي والعبودية لكن ليس في أرض مصر هذه المرة بل في أرض بابل وأشور، خلع عنهم كل المجد الذي سبق وكساهم به، استرد كل العظمة التي سبق وأعطاها لهم، وهذا من صميم الحق والعدل، فمادام الاحسان لم يلقَ التقدير اللائق فمن حق المُحسن أن يسحب إحسانه!!
لكن ما يعزينا هو أن تاريخ الشعب لا ينتهي عند هذه المرحلة، بل هناك مرحلة خامسة وأخيرة تختم تاريخ معاملات الله مع شعبه، ألا وهي «زمن الغفران» (ع60-63) لا يمكن أن يفشل احسان الله، ومحبته لا تسقط أبداً!! ولذلك يعطي الله لحزقيال نبوة عن زمن آتٍ عندما يغفر الله لشعبه ويقيم لهم عهداً أبدياً لكي يعلموا أنه هو الرب الههم الذي هباته ودعوته هي بلا ندامة، وفي هذا الزمن سيذكر الشعب احسان الرب ولن يعود ينساه، وسيذكرون خيانتهم ويسلكون أمام الرب باتضاع والتزام.

من المفيد أن نرى هذه المراحل في تاريخ الشعب القديم ونتعلم منها لأنها كثيراً ما تتكرر في حياتنا كأفراد وجماعات، وللحديث بقية (يتبع)   

الثلاثاء، 31 مايو 2016

أحاديث من القلب

الأوقات والأزمنة (9)
بقلم : فخرى كرم
«فمررت بك ورأيتك وإذا زمنك زمن الحب» (حز16: 8)
في الاصحاح السادس عشر من نبوة حزقيال يسرد الرب تاريخ شعب اسرائيل وعلاقة الرب بهم بصورة مجازية درامية غاية في الوضوح والتأثير، وفي هذه الصورة التعبيرية يتضح أن حياة الأفراد والشعوب تمر بأوقات وأزمنة مختلفة في سماتها وأحداثها.
زمن الميلاد: بدأ تكوين شعب اسرائيل في أرض غريبة هي أرض مصر، وفي أجواء من الرفض والاضطهاد نما هذا الشعب وازداد، ويصوِّر الرب هذه المرحلة بالطفلة الذي تولد محاطة بمشاعر الرفض والبغضة ممن حولها، لم تشفق عليها عين ولم يرقُّ لها قلب، لم تُقطع سرَّتها ولم تُغسل بماء للتنظيف، بل بمشاعر الكراهية لنفس هذه المولودة طرحوها على وجه الحقل لتموت!!
لكن في هذا الوقت الحرج مرَّ الرب مروره الأول على هذا الشعب، عبر الرب بمحبته على هذه المولودة المكروهة المحكوم عليها بالموت، نظر الرب بإشفاق الي هذه الأمة المطروحة على وجه حقول مصر مدوسة بالعبودية القاسية وغارقة في دم أبنائها الذين يموتون كل يوم ظلماً وعدواناً، وأمام هذا المشهد القاسي نطق الرب بكلمة الحياة، قال «بدمك عيشي»!! عيشي برغم دمائك التي تسيل في كل يوم، عيشي رغم أطفالك الذين يموتون في كل يوم، عيشي رغم إرادة الموت التي تحيط بك في كل يوم!! وكان لكلمة الحياة هذه كل السلطان على مشهد الموت المحيط بالشعب، فيقول الكتاب أنهم بحسب ما أذلوهم المصريون هكذا نموا وامتدوا (خر1: 12) كان زمن العبودية في أرض مصر «زمن ميلاد» للشعب بكلمة حياة من فم الرب!!
زمن الحب: لكن بعد اكتمال أربعمائة عام في أرض مصر عاد الرب يمر مرة ثانية على هذا الشعب، ولكن في هذه المرة كان الزمان قد تغيّر، لم يعد زمانهم زمن الميلاد بل «زمن الحب»، وزمن الحب بالنسبة للفتاة هو زمن النضوج للحب والزواج، ان هذه الطفلة التي كانت مدوسة بدمها قد كبرت ونضجت وصارت صالحة للزواج بفضل كلمة الحياة التي نطق بها الرب على حياتها، وفي هذا المرور الثاني لم ينطق الرب بكلمة حياة بل بكلمة عهد ارتباط بهذا الشعب، ومثل الرجل الذي يتقدم للارتباط بفتاة ناضجة تقدم الرب ليرتبط بهذا الشعب ارتباطاً أبدياً، في مروره الأول على هذا الشعب منحه حياة لكن في مروره الثاني منحه ذاته واسمه!! عندما أرسل الرب موسى ليُخرج الشعب من أرض مصر أعلن بالآيات والعجائب أن هذا الشعب ينتمي لـ «يهوه» رب السماء والأرض، ويا له من امتياز عظيم أن يحمل هذا الشعب البائس اسم وحضور «يهوه»!!
ولقد جمَّل الرب عروسه بكل أدوات الجمال والعز، غطَّى هذا الشعب في أثناء خروجه من مصر بكل الهيبة والمخافة، كل الشعوب سمعت بما فعله الرب مع هذا الشعب فذابت قلوبهم، أطعمهم في جوعهم وحفظهم في خوفهم وانقذهم من أعدائهم، لقد تحوَّل هذا الشعب تحت راية الرب من شعب مُهان الى شعب عظيم يصلح لمملكة، ولقد ختم الرب رحلتهم في البرية بإعطائهم الأرض لإنشاء مملكة اسرائيل التي ظهرت للعيان بعد أربعين سنة من خروجهم من أرض المذلة والعبودية.

ومَن منا لا يذكر «زمن الحب» الخاص به، الزمن الذي شعرنا فيه باحتياجنا للحب والاحتواء والحماية فوجدنا الرب يملأ كل هذه الاحتياجات بشخصه الكريم، عندما تقدم الرب لكل واحد منا ليرتبط معنا برباط أبدي ويعطينا ذاته واسمه؟! ليتنا نذكر دائماً «زمن الحب» ونصون العهد الذي يربطنا بالرب ولا نخون كما فعل الشعب القديم!! ولكن لهذا حديث آخر (يتبع)     

الخميس، 26 مايو 2016

الخضوع بداية النهضة
بقلم : أ . و . توزر

النهضة هي سريان حياة الرب يسوع المسيح في داخل قلب الإنسان ، إن يسوع دائما منتصر ، لا ينهزم أبدا و لا تنكسر قوته إطلاقا ، و إذا كنا في شركة حقيقية معه فلابد أن تسري قوته تلك إلى داخل قلوبنا و حياتنا و خدمتنا و حياته المنتصرة ستملؤنا و تفيض فينا إلى الآخرين ، و هذه هي النهضة في جوهرها .
الخضوع لمشيئته
و لكن إذا أردنا أن نكون في شركة حقيقية مع شخصه المبارك ينبغي أول كل شئ أن نتعلم كيف نخضع مشيئتنا لمشيئته هو . إن الخضوع هو بداية انتعاش حياتنا و نهضتها . قد يكون الخضوع مؤلما و مكلفا ، لكنه الطريق الوحيد للانتصار . ببساطة ينبغي أن يكون شعارنا : " لا أحيا أنا بل المسيح يحيا في " ( غل 2 : 20 ) .
و الرب لا يستطيع أن يحيا فينا بالكامل و يعلن نفسه من خلالنا إلا إذا انكسرت الذات المنتصبة في داخلنا . و إننا نقصد بالذات تلك النفس الصلبة غير القابلة للخضوع ، النفس التي تحابي نفسها ، و تطالب دائما بحقوقها و تسعى لمجدها الشخصي . هذه النفس ينبغي أن ترفع أنظارها إلى مشيئة الله و تعترف بخطأ مسلكها و ترفضه و تسعى في طريق يسوع ، لا تطالب بحقوقها بل بحق الله ولا تسعى لمجدها بل ليكون الرب يسوع هو الكل في الكل ، و هذا هو ما نسميه " الموت عن الذات " .
و لو نظرنا بأمانة إلى حياتنا المسيحية لوجدنا الكثير من الذات بداخل كل منا . الذات التي تحاول دائما أن تحيا الحياة المسيحية بمجهودها الشخصي ، الذات التي تقوم بكل العمل داخل الكنيسة ، الذات التي تملؤنا بالتوتر و القلق و الضجر و السخط ، الذات المتصلبة التي ترفض الخضوع للآخرين ، الذات غير المروضة و التي لا تشعر إلا بنفسها و لا تحترم إلا فكرها .
لا مفر من الانكسار ، فطالما بقيت الذات غير خاضعة بقي الله غير فاعل بحرية في حياتنا ، لأن ثمار الروح التي يريد الله أن يملأنا بها تضاد تماما ثمار الذات الموجودة بداخلنا.
هل سنقول " نعم يا رب " ؟!
إن انكسار الذات و الخضوع لمشيئة الله هو عمل الله و عملنا في آن واحد . الله من جهته يسلط الضوء على المناطق الصلبة في ذواتنا ، ثم يترك لنا حرية التجاوب مع هذا النور . عندئذ يمكننا أن نصلب أعناقنا و نرفض الاعتراف و التوبة و حينئذ يتألم قلبه و يحزن روحه فينا ، و قد نحني الرأس و نقول بكل خضوع : " نعم يا رب ، لتكن مشيئتك " .
إن الانكسار هو خضوع لفكر الله في حياتنا اليومية ، و كلما كان فكر الله يصل إلينا باستمرار فنحن نحتاج أن يكون خضوعنا مستمرا متواصلا و ربما كان هذا مكلفا إذا نظرنا إلى كم التنازلات و التضحيات و الاعترافات التي قد نضطر لتقديمها .
يسوع خضع لأجلنا
و لهذا السبب لا يمكننا أن ننكسر و نخضع إلا عند صليب يسوع . إن خضوع يسوع و قبوله للموت من أجلنا هو الدافع الوحيد القادر أن يجعلنا نخضع نحن أيضا لمشيئة الله في حياتنا . إن الرب يسوع و هو في صورة الله أخلى نفسه و أخذ صورة عبد ووضع نفسه و أطاع حتى الموت موت الصليب ، نعم ، رغم كونه في صورة الله عاش عبدا لله و للناس !!
هل تراه و هو لا يطلب لنفسه حقا ؟ لا بيت و لا ممتلكات ، يترك الناس يشتمونه و لا يشتم عوضا ، و لا ينتقم لنفسه بل يخضع و يذهب إلى الجلجثة ليكفر عن خطايا الإنسان و يحمل في جسده آثامنا على الخشبة .
بروح النبوة قال كاتب المزمور على لسان الرب " أما أنا فدودة لا إنسان " ( مز 22 : 6 ) . و علماء الأحياء يقولون لنا أن هناك فرقا كبيرا بين الحية و الدودة ، فعندما تحاول أن تهاجم الحية و تهدد بضربها تجدها تلتف حول نفسها و تبدأ في الفحيح و تستعد للانقضاض و تقابل الهجوم بهجوم ، إنها صورة حقيقية للذات !! أما الدودة فعلى النقيض من ذلك لا تبدي أي مقاومة للهجوم ، إنها تسمح لك بأن تفعل بها ما تشاء ن تضربها أو تسحقها تحت قدميك إذا شئت ، أليست هذه صورة حقيقية للانكسار ؟!
لقد خضع الرب يسوع بهذه الصورة من أجلنا و لقد فعل هذا لأنه رآنا في هذه الصورة عينها ، ديدان فقدت كل حق لها بالخطية و صارت فريسة لكل قوى الشر تعبث بها كما تشاء و تسحقها بلا رحمة ، لقد صار دودة من أجلنا لكي يرفعنا معه للمجد !! لذلك لا توجد قوة تجعلنا نخضع له إلا رؤيتنا لشخصه و هو يخضع من أجلنا ، فليكن خضوعنا خضوعا مستمرا .
هل حقا نريد نهضة ؟
بقلم : أ . و . توزر
" قد مخضت صهيون بل ولدت بنيها " ( أش 66 : 8 )

النهضة لا تحدث مصادفة ، إذا حدثت نهضة فهي لابد أن تكون نتيجة لمجهود و " مخاض " شخص ما استطاع أن يحرك القوى الروحية المؤثرة التي صنعت هذه النهضة .
في إحدى الفترات عندما كان د. ليمان بيتشر يخدم في مقاطعة ليتشفيلد حدثت نهضة روحية مفاجئة ، و كان انسكاب النعمة مباغتا و غير متوقع ، لم تكن هناك اجتماعات انتعاشية و لا خدمات خاصة مثل تلك التي تسبق النهضات عادة ، لذلك لم يستطع أحد أن يدرك السبب البشري الكامن وراء هذه النهضة .
السبب هناك
بعد فترة ذهب د . بيتشر لزيارة رجل مريض يقطن بعيدا في أطراف تلك المقاطعة ، و أثناء الزيارة سال المريض د . بيتشر عدة أسئلة عن النهضة --- التي تجددت بسببهـا ، و عندما اندهش د . بيتشر من أسئلة الرجل المريض حكى له الرجل هذه القصة :
بينما كان يرقد في فراش المرض شعر بتثقل شديد من أجل النفوس الهالكة و بالأسف الشديد أيضا لأنه يرقد هكذا بلا نفع للنفوس ، و عندئذ قرر أنه يستطيع على الأقل أن يصلي من أجلهم طالما لا يستطيع أن يزورهم أو يتحدث معهم ، و هكذا بدأ يصلي من أجل جاره الأقرب إلى منزله ثم من أجل الجار التالي و التالي حتى وصل إلى نهاية الشارع !! مصليا من أجل كل أسرة و كل فرد على قدر معرفته بهم .
و بعد ذلك تناول شارعا آخر و بدأ يصلي من أجل جميع سكانه بالترتيب . ثم شارعا آخر و هكذا حتى صلى من أجل كل المقاطعة ، و لكن النهضة لم تكن قد حدثت بعد ، لذلك قرر أن يعاود الصلاة مرة ثانية من أجل كل فرد في المقاطعة و بنفس الترتيب السابق !! و قبل أن ينتهي من هذه " الجولة " الثانية كانت النهضة قد اشتعلت في كل المقاطعة ، النهضة التي كان يتوقعها هو بينما لم يكن أحد من شعب الكنيسة أو الخادم يتوقعها .
عندما سمع د . بيتشر هذه القصة قال " لقد علمت الآن من أين بدأت هذه النهضة المباركة ، لقد بدأت من حجرة رجل الله المريض هذا !! " .
يسوع يهتم بالنفوس
إن مخلصنا يهتم جدا بالنفوس ، كان و هو على الأرض بالجسد يعمل بغيرة شديدة لربح النفوس حتى انطبق عليه القول " غيرة بيتك أكلتني " ، كان يستيقظ في الصباح الباكر لكي يصلي من أجل النفوس ، كان أحيانا يسهر طول الليل في الجبل يتمخض من أجل خراف بيت إسرائيل الضالة ، هل رأيته و هي يبكي على أورشليم ؟ هل رأيت قطرات العرق و الدم تنزف من جبينه تحت وطأة المحبة و المسئولية تجاه النفوس ؟ إن يسوع يتوقع من كنيسته أن تشاركه هذا الاهتمام بالنفوس الهالكة .
و الكنيسة ينبغي أن تهتم بالنفوس
الكنيسة هي عروس المسيح ، و العروس ينبغي أن تشارك عريسها اهتمامه و مشاعره ، ينبغي أن يكون لهما قلب واحد و غرض واحد ، لو لم تشارك عروس المسيح عريسها في اهتمامه بالنفوس فمن يا ترى يشاركه هذا الاهتمام ؟!
إذا كانت الكنيسة هي عروس المسيح فينبغي أن تقوم بدور الأم الرءوم لكل أبناء الله ، هل تستطيع أن تتخيل بشاعة الوضع عندما تضع طفلا رضيعا بين ذراعي أم ميتة ؟! يا للبشاعة !! لكن هذا هو نفس الوضع المتكرر يوميا فيما بيننا عندما تنضم نفوس حديثة الإيمان إلى كنائس باردة غير مبالية بالنفوس .
جميع الخدام ذوي الخبرة في الحقل التبشيري يعلمون أن أصعب شئ في النهضة هو تأمين المناخ الروحي الصحي الذي يناسب المؤمنين المتجددين حديثا ، المؤمن الحديث يحتاج إلى رعاية و اهتمام و سهر حتى يستطيع أن ينمو نموا سليما ن لكي تأتي النهضة و تتغير النفوس و تنمو نموا مضطردا ينبغي أن تكون هناك مبدئيا كنيسة حية ممتلئة بالنفوس و حاملة مع المسيح مسئولية ولادة و تنشئة نفوس جديدة في ملكوت الله .
إحدى الزوجات في انجلترا قررت أن تصلي من أجل تجديد زوجها كل يوم لمدة عام ، و في نهاية العام كان الزوج مازال بعيدا عن الله فقررت أن تواصل الصلاة من أجله لمدة ستة أشهر أخرى ، و لكن في نهاية هذه الفترة ظل زوجها كما هو ، فأصابها اليأس و فكرت في أن تتخلى عنه و تكف عن الصلاة من اجله ، لكنها عادت تسأل نفسها كيف يمكن أن تتخلى عن نفسهالكة وضع الله عليها مسئولية الصلاة من أجلها و الاهتمام بها ؟! عندئذ قالت " كلا ، لن أتخلى عن هذه النفس أبدا و سأظل أصلى من أجلها حتى آخر يوم في عمري " و في نفس هذا اليوم عاد زوجها من العمل و صعد فورا إلى الطابق الأعلى و أغلق عليه حجرته ، و في المساء انتظرته زوجته على العشاء لكنه لم ينزل ، فأصابها القلق عليه و صعدت إلى حجرته فوجدته جاثيا على ركبتيه أمام الله باكيا و مسترحما !! إن النفوس لن تشعر بالتبكيت على الخطية حتى نشعر نحن أولا بالتثقل و الاهتمام بهذه النفوس الهالكة .
الصلاة ليست بديلا للطاعة 
أ . و . توزر
هل تلاحظون كيف إزدادت الصلوات لأجل النهضة في الآونة الأخيرة ؟ و هل لاحظتم أيضاً كيف أن الاستجابات قليلة جداً ؟ ! فبالنظر لحجم الصلوات التي تُرفع في هذه الأيام نظن أن أنهار النهضة ينبغي أن تغمر كل الأرض بالبركات ، و لكن للأسف هذا لا يحدث بالحجم الذي نتوقعه ، و نحن لا ينبغي أن نفشل بسبب ضعف الاستجابة بل ينبغي أن نسعى لنكتشف السبب وراء عدم الاستجابة ، و لكل شئ في ملكوت الله سبب و العالم الروحي تحكمه قوانين ثابتة لا تتغير ، و عدم استجابة الله لصلواتنا لابد أن يكون وراءه سبب . و قد يكون هذا السبب عميقاً لا يسهل إكتشافه و لكنه أيضاً لا يستحيل إكتشافه .
صلاة بدون طاعة
أنا أعتقد أن مشكلتنا تكمن في أننا نحاول أن نستخدم الصلاة بديلاً للطاعة ، الكثير من الكنائس التي تصلي طلباً للنهضة تسلك مسكاً لا يتفق مع كلمة الله ، فهذه كنيسة تخضع لضغط المجتمع و تساير التيارات الحديثة التي تحملها بعيداً عن نموذج الكنيسة في العهد الجديد ، و عندما يلاحظ الخدام أن القوة الروحية بدأت تتسرب خارج كنائسهم يبدأون في البحث عن علاج ، كيف يحصلون على القوة الروحية التي يحتاجون إليها أشد إحتياج ؟ كيف يستحضرون أنهار الانتعاش لشعبهم المغشى عليهم ؟!
و الإجابة دائماً حاضرة ، إنها بلا شك " الصلاة " ! فالكتب الروحية تقول إن الحل هو " الصلاة " ، و رجال النهضات يؤكدون أن الحل هو " الصلاة " و يبدأ صدى هذه الكلمة يتردد من كل الجهات ، و تزداد النغمة إرتفاعاً حتى تصبح زئيرا : " الصلاة " !! و هكذا يبدأ الخادم يدعوا شعبه للصلاة ، طوال الليل و النهار يستعطفون الله لكي يرحمهم و يرسل نهضة على شعبه ، و يبدأ طوفان المشاعر و الحماس يرتفع حتى نظن لوهلة أن النهضة باتت على الأبواب ، و لكن الوقت يمر و النهضة لا تأتي ، و تبدأ الرغبة في الصلاة تتناقص ، و حالا تعود الكنيسة إلى الوضع الذي كانت عليه من قبل بالإضافة إلى قدر لا بأس به من التبلد و اللامبالاه !! أين يكمن الخطأ في هذا السيناريو المتكرر؟! إنه في محاولة الصلاة دون طاعة .
هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة
السبب ببساطة هو أن الجميع – الخادم و الشعب – لم يبذلوا أقل طاقة لإطاعة كلمة الله و تصحيح مسارهم ليتفق مع مشيئة الله ، لقد ظنوا أن احتياجهم الوحيد هو الصلاة بينما الحقيقة أنهم في حاجة إلى طاعة الله في جوانب كثيرة من حياتهم ، و الصلاة لن تكون أبداً بديلاً عن الطاعة ، و إلهنا القدوس لا يقبل أية تقدمة من شعبه إلا إذا كانت مغلفه بالطاعة ، لكن أن نصلي لأجل النهضة بينما نحن نهمل بل قل نستهين بوصايا الكتاب فما هذا إلا إضاعة للوقت و جهد بلا طائل .
عندما نقبل المسيح مخلصاً تصبح كل حياتنا ملكاً له ، و تصبح كل حياتنا تحت إلتزام بالطاعة لشخصه ، و يصبح حق المسيح في حياتنا هو الحق الوحيد المستوجب كل طاعة ، و كل حق أو سلطان كان يستوجب طاعتنا من قبل يتراجع و يصبح خاضعا لحق المسيح و سلطانه في الحياة ، إن ارتباطنا بالمسيح يحررنا من طاعتنا لسلطان الخطية و الموت و لكنه في نفس الوقت يضعنا تحت إلتزام بالطاعة لسلطان الله ووصاياه .
هذا الإلتزام بالطاعة لكلمة الله ووصاياه لم يعد ظاهراً في كنائسنا اليوم ، فالناس لا تحب الحديث عن الالتزام و المسئولية ، و الخدام أيضا !! و لذلك يسود الضعف كنائسنا و مهما حاولنا أن نصلي بدون أن نتعلم الطاعة فإن كل صلواتنا ستذهب أدراج الرياح .
أوامر و ليست تحريضات
أنظر إلى الرسائل في العهد الجديد و لاحظ كيف أنها تفرد مساحات كبيرة للوصايا التي تمس السلوك العملي للمؤمنين ، هذه الوصايا عكف المفسرون على تسميتها " تحريضات " و قاموا بتقسيم الرسائل إلى أجراء " تعليمية " و أخرى " تحريضية " و هكذا أراحوا أنفسهم و أراحونا من أي إلتزام للطاعة ، فالأجزاء التعليمية لا تتطلب منا شيئا سوى أن نؤمن بها بأذهاننا ، و الأجزاء التي يسمونها تحريضية تبدو من اسمها أنها غير ملزمة ، فهي تبدوا أقرب إلى النصائح التي قد نأخذ بها أو نهملها ، و هذا خطأ مميت !! فهذه الوصايا ينبغي أن نقبلها كأوامر واجبة الطاعة صادرة من رأس الكنيسة نفسه على لسان الرسل ، إنها ليست " نصائح " أو " تحريضات " بل " أوامر " واجبة التنفيذ لو كنا نريد بركة الله علينا فينبغي أن نبدأ الطاعة ، الصلاة ستكون مؤثرة عندما نكف عن استخدامها كبديل للطاعة ، لا تحاول أن تجعل الله يقبل صلاتك بدلاً من طاعتك فأنت لا تخدع إلا نفسك عندما تحاول أن تفعل ذلك .
التكريس و التقديس
بقلم : صموئيل برنجل

زوجة أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي كانت تحضر بانتظام سلسلة من اجتماعاتنا عن " التقديس " و بدا عليها أنها مهتمة تماما بالأمر ، و في أحد الاجتماعات أتت إلي بعد الخدمة و قالت : " أخ برنجل ، أرجو أن تسميه تكريسا و ليس تقديسا ، أعتقد أنه هكذا سيكون أكثر قبولا " فأجبتها : " لكني لا اقصد التكريس يا أختي ، أنا أقصد التقديس ، و الفرق بين التكريس و التقديس كالفرق بين الأرض و السماء ، بين عمل الإنسان و عمل الله " !!

خطأ هذه السيدة خطأ شائع ، لقد أرادت أن تجرد الحياة الروحية من العنصر ال " فوق طبيعي " و تعتمد فقط على إمكانيات و أعمال الإنسان الطبيعي ، إنها " الموضة " في هذه الأيام أن تكون " مكرسا " و تتكلم كثيرا عن " التكريس " !! سيدات رقيقات يرتدين الحرير و يتحلين بالمجوهرات و يتزين بالفراء ، و رجال متأنقون ذوو أيادي ناعمة متعطرون بالروائح تسمعهم كثيرا اليوم يتحدثون بأصوات خفيضة و كلمات رقيقة عن ضرورة التكريس للرب !! و رغم أني أشك كثيرا في أن مثل هؤلاء يفهمون معنى التكريس الحقيقي للرب إلا أني أريد أن أناقش هذا الأمر الآن ، كل ما أريده هو أن أرفع صوتي بتحذير عال قائلا : " إن التكريس هو عمل الإنسان ، و هو غير كاف لتطهير النفس أو لتمجيد الله أما التقديس فهو عمل الله الذي يطهر النفس و يمجد الله ، و دعونا ننظر إلى إيليا على جبل الكرمل لنرى الفرق بين التكريس و التقديس :
بنى إيليا المذبح على جبل الكرمل ، قطع ذبيحته ووضعها على المذبح ، و تضرع إلى إلهه ، و هذا هو التكريس !!
لكن أنبياء البعل فعلوا هذا أيضا !! لقد بنوا مذبحهم و قطعوا ذبائحهم و قضوا اليوم كله في تضرع بكل حماس و لجاجة للبعل ، بل ـ كما يبدو للعين البشرية ـ كان مالهم من حماس و لجاجة أكثر مما لإيليا !! إذا التكريس عمل إنساني يستطيع حتى أنبياء البعل أن يفعلوا مثله !!
ماذا فعل إيليا أكثر منهم ؟ لا شئ ، إلا أنه سكب عدة جرار من الماء على ذبيحته كتحد عظيم يعبر عن إيمان عظيم ، لقد آمن أن الله سيفعل شيئا ، لقد توقع عمل الله و صلى لأجله ، و لقد استجاب الله لتكريسه و شق السموات و سكب نارا تلتهم ذبيحته و حجارة مذبحه و تلحس المياه المسكوبة ، و هذا هو التقديس .
ما هي القوة التي تمتلكها الحجارة الباردة و الذبيحة الميتة لكي تمجد الله و تحول الأمة العاصية رجوعا ؟ لا قوة بالمرة ، لكن عندما انسكبت النار الإلهية و إلتهمتهم عندئذ فقط سقط الشعب على وجوههم و قالوا : الرب هو الله الرب هو الله ( 1 مل 18 : 39 ) .
ماذا تفعل المواهب الطبيعية و الكلام المنمق في خلاص العالم و تمجيد الله ؟ لا شئ بالمرة ، حتى لو كرسنا كل مواهبنا الطبيعية للرب تبقى الحاجة لحلول روح الله على هذه الذبيحة ، لأن روح الله وحده عندما يسكن في الإنسان يستطيع أن يمجد الله و يخلص العالم .
الله يريد أناسا مقدسين ، بالطبع ينبغي أن يكونوا مكرسين لكي يستطيع الله أن يقدسهم لكن ينبغي أن يفهموا أن تكريسهم وحده لا يكفي ، لذلك بعد أن يقدموا أنفسهم بالكامل لله ينبغي أن يرفعوا أياديهم عن ذبيحتهم و يطلبوا نار الله لتقدسها ، كما وضع إيليا ذبيحته على المذبح ثم رفع يديه عن الأمر تماما و ترك الله يعمل عمله و يشهد عن نفسه !!
ينبغي أن نقدم أنفسنا لله بالكامل ، إرادتنا و أذهاننا و ألسنتنا ، أيادينا و أرجلنا ، سمعتنا في وسط العالم و حتى في وسط المؤمنين ، شكوكنا و مخاوفنا ، ما نحبه و ما لا نحبه ، ميلنا الطبيعي للشكاية و الرثاء للنفس و التذمر ، كل شئ ينبغي أن يوضع أمام الله ثم ننتظر الله و نصرخ عليه بإيمان متضع ـ لكنه واثق ـ حتى يعمدنا بالروح القدس و النار ، لقد وعد أن يفعل هذا ، لكن الإنسان ينبغي أن يتوقع عمل الله و يطلبه و يصلي لأجله ، و إن توانت الاستجابة ينتظرها !!
رجع أحد الجنود إلى بيته بعد أن حضر أحد الاجتماعات ، ركع على ركبتيه و قال : " يا رب ، أنا لن أنهض من هنا حتى تملأني بالروح القدس " !! و لقد رأى الله فيه إنسانا خاضعا لعمله ، إنسانا يريد الله أكثر مما يريد أي شئ آخر ، و لهذا ملأه بالروح القدس هناك و في التو !!
لكن أعرف جنديا آخر وجد أن " الرؤيا تتوانى " أحيانا !! لذلك انتظرها و قضى أوقاتا طويلة لمدة ثلاثة أسابيع يصرخ إلى الله لكي يملأه بالروح القدس ، و لم ييأس بل تمسك بالله بإيمان مثابر ، لم يتركه حتى يباركه ، و لقد رأيت هذا الجندي بعد فترة و تعجبت من روعة نعمة الله فيه ، لقد حل عليه حقا روح الأنبياء !!
قال أحد أصدقائي مرة : " إن السماء كلها مقدمة مجانا للإيمان " !! لكن أين من يستطيع أن ينتظر الله بإيمان ؟! فلنضع أنفسنا أمام إلهنا و نصرخ إليه بلجاجة لكي تنزل ناره من السماء و تلتهم ذبيحة حياتنا ، و عندئذ سنعرف معنى القداسة الحقيقية .

الجمعة، 20 مايو 2016

تسرب القوة
بقلم : أ . و . توزر

رجل الله " جيمس كوفي " قال مرة في أحد كتبه أنه ذهب لحفل شاي قبل ذهابه للخدمة في إحدى الأمسيات ، و رغم أنه لم يكن هناك شئ سيئ أثناء حفل الشاي إلا أنه عندما وصل إلى الاجتماع في هذا المساء كان خائر القوى مثل القوس المرتخية التي لا تستطيع أن تطلق سهام كلمة الله إلى قلوب الناس ، كانت قوته قد تسربت أثناء حفل الشاي !! 
و أعرف أحد الخدام الأفاضل الذي ترك قوته تتسرب منه و هو في طريقه إلى الاجتماع حتى إنه عندما وصل إلى المنبر كان مثل العظمة الجافة !! في طريقه إلى الاجتماع استقل سيارة أجرة لمسافة ثلاثة أميال ، و في الطريق تحدث مع السائق في أشياء كثيرة لا علاقة لها بالاجتماع الذاهب إليه ، لم تكن أحاديث سيئة أو قبيحة لكنها لم تكن في الهدف الصحيح ، أبعدت ذهنه عن الله و النفوس التي سيواجهها بعد قليل ليقودها إلى الله ، و كانت النتيجة أنه بدلا من أن يقف أمام الشعب متسربلا بالقوة وقف أمامهم عاريا منها .
و أنا أتذكر هذا الاجتماع جيدا ، كانت صلاته جيده لكن لم يكن فيها قوة ، كانت مجرد كلمات ، كلمات ، كلمات !! و القراءات الكتابية و العظة كانت ممتازة واحتوت على أفكار عظيمة و حقائق ثمينة ، لكنها أيضا كانت خالية من القوة و التأثير ، و السامعون بدا عليهم التشتت و اللامبالاة و أثقل النعاس رؤوسهم ، و باختصار كان الاجتماع كله " تأدية واجب " !! 
نذكر هنا أن هذا الخادم لم يكن مرتدا ، إنه أخ ممتاز له اختبار حسن ، و ليس غبيا أو جاهلا بل هو من ألمع و أذكى الخدام الذين عرفتهم ، لكنه بدلا من أن يسكن نفسه و قلبه أمام الله أثناء وجوده في السيارة في طريقه إلى الاجتماع حتى تمتلئ نفسه بالإيمان و الرجاء و المحبة التي في قلب الله للنفوس الغالية ، بدلا من هذا أضاع وقته الثمين في أحاديث عقيمة فتسربت القوة من بين يديه و تركته جافا باردا . 
يقول الله " إذا أخرجت الثمين من المرذول فمثل فمي تكون " ( ار 15 : 19 ) هذا الخادم كان ينبغي أن يذهب إلى الخدمة مملوءا بالقوة و يتكلم إلى الشعب كما لو كان فم الله نفسه !! و كلماته كانت ينبغي أن تكون عندئذ حية و فعالة و أمضى من كل سيف ذي حدين ، خارقة إلى مفرق النفس و الروح و المفاصل و المخاخ و مميزة أفكار القلب و نياته ( عب 4 : 12 ) لكنه بدلا من ذلك كان مثل شمشون بعدما قصت دليلة خصلات شعره ، ضعيفا مثل واحد من الناس !! 
و هناك طرق عديدة لتسرب القوة ، أنا أعرف أحد القادة كان يذهب إلى الاجتماع مبكرا جدا في كل ليلة لكنه بدلا من أن يقضي هذا الوقت في الصلاة و الاستعداد للخدمة كان يعزف على آلة " الكمان " الخاصة به ألحانا هادئة !! و رغم تحذيرات و توجيهات المحبة ، استمر في هذا الإهدار للطاقة و الوقت حتى أصابه الفتور و ارتد عن الإيمان !! 
و أعرف أيضا خداما يفقدون قوتهم بسبب " نكتة " !! يريدون أن يجعلوا اجتماعاتهم حيوية و مرحة فيعكفون على سرد القصص المضحكة و إطلاق النكات و القفشات ، و قد تصبح اجتماعاتهم فعلا حيوية لكنها حيوية نفسية مفتعلة و ليست حيوية الروح القدس الحقيقية . و أنا لا أعني بذلك أن رجال الله لا يضحكون أبدا و تمتلئ اجتماعاتهم بالحزن و الألم ، كلا ، فالكثير من رجال الله يستطيعون أن يملأوا خدماتهم بأوقات مرحة و سعيدة و لكن ليس بروح الخفة والهزء ، و يكون هدف هذه الأوقات هو جذب النفوس إلى الله و ليس مجرد قضاء أوقات ضاحكة .
على كل من يريد أن يحرك جو الاجتماع أن يعلم أنه لا بديل عن شخص الروح القدس ، إنه هو الحياة و القوة ، و إذا حضر في اجتماع ما، لابد أن يملأه حيوية و إيجابية و اقتدار .
إن سر القوة يكمن في الصلاة وطلب عمل الروح القدس في اجتماعاتنا ، ينبغي أن نصلي دائما من أجل خدماتنا كما علمنا الرب يسوع قائلا " أدخل إلى مخدعك و أغلق بابك و صل إلى أبيك الذي في الخفاء ، فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية " ( مت 6 : 6 ) أعرف أحد الخدام كان يقضي ساعة منفردا في صلاة سرية قبل الخدمة ، و عندما كان يصعد إلى المنبر ليتكلم كان يتكلم بقوة و سلطان الروح .
الإنسان الذي يريد القوة ينبغي أن يتكلم مع الله قبل أن يتكلم مع النفوس ، ينبغي أن يكون شريكا لله !! ينبغي أن يحفظ الطريق مفتوحا بينه و بين الله في شركة مقدسة سرية ، و الله يرحب بشركة هذا الإنسان و يباركه و يعلن له أسراره و يعلمه كيف يخترق إلى قلوب السامعين ، الله يجعل الظلمة نورا و الطرق المعوجة مستقيمة و العراقيب سهلا أمام هذا الإنسان .
احترس يا أخي من أن تحزن الروح القدس ، و هو سوف يقودك لتعرف الله و تحبه ، عندئذ سيجعلك الله قناة لسريان قوته إلى العالم .

الخميس، 28 أبريل 2016

أحاديث من القلب

الأوقات والأزمنة (8)
فخرى كرم
الكتاب يعلِّمنا أن الوقت الواحد يحمل عدة أوجه ومعانٍ بحسب تعدد الأشخاص والجماعات، فالوقت الواحد لا يحمل نفس المعنى لكل الموجودين فيه، فنفس الوقت الذي يحمل للبعض راحة وسلام قد يحمل لآخرين شدة وضيق، ووقت الحصاد لشخص ما قد يكون بداية الزرع لشخص آخر، وساعة اشراقة الفجر لجماعة ما قد تكون لجماعة أخرى ساعة دخول ليل بهيم!! وكلما كان الإنسان قادراً على تمييز الوقت بالنسبة لنفسه وبالنسبة للآخرين كلما كان قادراً على التصرف السليم خلال هذا الوقت.
كانت ساعة الصليب تحمل عدة أوجه ومعانٍ بتعدد الموجودين فيها، ولأن يسوع كان يعرف ما يعنيه هذا الوقت بالنسبة لنفسه وبالنسبة للمحيطين به استطاع أن يتصرف مع الجميع بشكل سليم، كانت ساعات الصليب تعني بالنسبة للشعب شيئاً يختلف تماماً عما تعنيه نفس الساعات بالنسبة للتلاميذ، وكانت نفس الساعات تعني ليسوع شيئاً ثالثاً يختلف كلياً عن الجميع!!
«ولكن هذه ساعتكم وسلطان الظلمة» (لو22: 53)
كانت ساعة الصليب بالنسبة للشعب ورؤسائه فرصة أعطاها الله لهم لتقديم اجابتهم على رسالة يسوع ودعوته، كانت بالنسبة لهم وقت زرع للمستقبل، لو قدموا توبة وإيمان كان المستقبل سيحمل لهم أوقات فرج من عند الرب، لكن للأسف رأينا الشعب يتحالف مع قوى الظلام ويعلن رفضه التام ليسوع ورسالته، وبزرعهم للشر والخبث والكذب والعنف والقتل في تلك الساعة حصدوا ويحصد أولادهم حتى اليوم من نفس جنس ما زرعوا!!
«هوذا تأتي ساعة وقد أتت الآن تتفرقون فيها كل واحد
إلى خاصته وتتركونني وحدي» (يو16: 32)
وكانت ساعة الصليب بالنسبة للتلاميذ «ساعة الحقيقة» التي تُعلن حقيقة ما في داخل التلاميذ من ضعف محبتهم للرب وشدة محبتهم لخاصتهم وتشبثهم الشديد بالحياة الحاضرة، كانت ساعة غربلة وامتحان لحقيقة ما تكوَّن في داخلهم بعد ثلاث سنوات في معيَّة الرب وشركته، ولأن الرب كان يعرف طبيعة هذا الوقت بالنسبة لتلاميذه سبق وأخبرهم بأن الشيطان طلبهم للغربلة، وطلب منهم أن يسهروا ويصلوا لئلا يدخلوا في تجربة، بل سبق وصلى هو لأجلهم لكي لا يفنى إيمانهم!!
«قد أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسان» (يو12: 23)
لكن المفاجأة هي أن نفس ساعة الصليب كانت بالنسبة ليسوع «ساعة للتمجيد»!! كانت بالنسبة لشخصه الكريم وقتاً للحصاد وليس للزرع، لقد اختار في كل حياته أن يعمل مشيئة أبيه ويتمم عمله، اختار أن ينكر نفسه ويحمل صليبه كل أيامه، كان مثل حبة الحنطة التي قبلت أن تسقط في الأرض وتموت لكي لا تبقى وحدها بل تأتي بثمر كثير، وها قد أتى وقت الحصاد بتتويج هذه الرحلة وختامها بتقديم نفسه للصليب، كان ربنا يرى في الصليب ختام رحلة ناجحة من الطاعة آن لها أن تُكرم وتتوّج، كان يرى أن الآب سيتمجد عند اكتمال مشيئته في الصليب وسيمجد الأبن بالقيامة من الأموات، كان يعلم ان ساعة الصليب هي بوابة دخوله للمجد بعدما مجَّد الآب في حياته وموته، ولذلك استطاع أن يمتلك سلاماً في هذه الساعات الرهيبة ومنح نفس السلام لتلاميذه!! ليتنا نقتدي بسيدنا في تمييزه للأوقات والأزمنة لنعرف ان نتصرف بثبات في كل أوقات حياتنا، وللحديث بقية (يتبع)


الثلاثاء، 5 أبريل 2016

أحاديث من القلب

الأوقات والأزمنة (7)
فخرى كرم
«كنت معكم كل يوم في الهيكل لم تمدوا عليَّ
الأيادي ولكن هذه ساعتكم وسلطان الظلمة»(لو22: 53)
كان يسوع يعرف أن لكل شيء في حياته وقت، وأن لكل عمل ساعة محددة في مشيئة الآب، ومعرفته هذه جعلته يعمل كل أموره «للوقت» بحسب التعبير الشائع في الأناجيل، أي في الوقت المناسب والمتوافق مع توقيت الآب، ومعرفته هذه جعلته يمسك بزمام الأمور ويتحكم في الأحداث ويتصرف بالفعل وليس رد الفعل!!
عدم معرفتنا بالأوقات والأزمنة يجعلنا غير قادرين على توقع الأحداث وبالتالي غير قادرين على التحكم في ردود أفعالنا، مما يجعلنا دائماً في حالة «مفاجأة» وانزعاج مما يحدث حولنا، وهذه الحالة تفقدنا القدرة على التحكم في مجريات الأحداث بل نصير محمولين بها إلى حيث لا نريد، وفي هذه الأوقات نحن نتصرف برد الفعل وليس بالفعل!!
 والدليل الأكبر على هذه الحقيقة هو اجتياز ربنا لأحداث الصليب، إن أي إنسان عادي يتعرض لنفس ما تعرض له يسوع من غدر وخيانة وظلم في الساعات القليلة التي تسبق الصليب لابد أن يفقد اتزانه النفسي ويصاب بالانهيار العصبي والذهني، لابد أن تصدر منه تصرفات غير محسوبة وردود أفعال طائشة، لكن ما أعجب ما رأينا من الرب في تلك الساعات، رأيناه رابط الجأش يتحكم في مجرى الأحداث، يتصرف بثقة وثبات جعلت أعداءه يسقطون أمامه، رأيناه مرفوع الرأس في مواجهة حسد وخبث رؤساء الكهنة وظلم وقسوة الملوك وعربدة العسكر والعبيد، رأيناه يغمس اللقمة ويقدمها بحب للتلميذ الذي يسلِّمه، ورأيناه يلتفت وينظر برحمة شديدة للتلميذ الذي ينكره، رأيناه يحتوي كل أعدائه بغفرانه وهم يعلقونه على الصليب، لم يصدر منه تصرف واحد غير محسوب، لم تخرج من فمه كلمة واحدة طائشة، في كل أحداث الصليب كان يسوع فاعلاً وليس مفعولاً به، كان يضع نفسه من تلقاء ذاته ولم يستطع أحد أن يأخذها منه عنوة!!
 ما هو سر ثبات الرب في وسط أحداث الصليب الرهيبة؟ السر هو معرفة الرب بالأوقات والأزمنة!! لقد عرف يسوع أن الآب قد أعطاه وقتاً للتعليم والخدمة وسط الشعب، وفي هذا الوقت لم يستطع أحد أن يلقي عليه الأيدي، رغم أنه كان يعلِّم في مجامعهم كل يوم ورغم أن عداوتهم له كان متوفرة كل يوم لكن «ساعته» لم تكن قد أتت بعد، ولكن لما أتت ساعة الصليب عرف يسوع أن الآب قد حدد «ساعة» يعطي فيها للإنسان حرية التصرف والرد على محبة الآب التي ظهرت في يسوع المسيح، بعد ثلاث سنوات قدم فيها يسوع للإنسان كل المحبة والرعاية والخدمة كان لابد أن يُعطى الإنسان «ساعة» يعبِّر فيها عن رد فعله تجاه يسوع، أن يعطوه أجرة خدمته لهم (زك11: 12) وكانت هذه الأجرة هي «الصليب»!!
كانت هذه الساعة في الأساس «ساعتهم» أي ساعة الإنسان، ولكن لأن الإنسان أسلم نفسه للشيطان أصبحت أيضاً ساعة لسلطان الظلمة، ومعرفة يسوع لهذه الساعة جعلته يستعد جيداً لها وبالتالي استطاع أن يواجهها بثبات، معرفته بأن هذه الساعة هي في صميم مشيئة الآب جعلته يقبلها برضا وخضوع، لم يُفاجأ يسوع بالأحداث التي تجري حوله بل كان يتوقعها لذلك استطاع أن يجتازها بسلام بل ويتمم مشيئة الآب فيها!!

ليت الرب يفتح عيوننا على طبيعة الأوقات والأزمنة التي نجتازها في حياتنا الخاصة وفي بلادنا لكي نستطيع أن نجتازها بثبات بدون اضطراب ونتمم مشيئة الله فيها، وللحديث بقية (يتبع)

الأربعاء، 2 مارس 2016

أحاديث من القلب

الأوقات والأزمنة (6)
فخرى كرم
«صنع الكل حسناً في وقته» (جا3: 11)
يفرد حكيم الأجيال جزءاً كبيراً من سفر الجامعة للحديث عن قيمة الوقت وأهمية الزمن، وعن ضرورة تمييزنا للأوقات والأزمنة، وكيف أن الله وضع لكل شيء زماناً ولكل أمر تحت السماء وقتاً، وإذا صنعنا كل أعمالنا في وقتها الصحيح سنختبر كيف أن الكل حسن في وقته.
قد يكون العمل في حد ذاته صحيحاً لكن إذا حاولنا أن نعمله في غير وقته لن نحصد النتائج المرجوة، لا يكفي أن يكون العمل صحيحاً بل ينبغي أن يكون توقيته أيضاً صحيحاً، وكم من أعمال مشروعة عملناها ولم نشعر بأنها حسنة لأننا لم نعملها في وقتها الذي عيّنه الله!!
 ما يؤكد هذه الحقيقة هو أن ربنا له المجد عاشها في حياته على الأرض، كان يفعل كل شيء «للوقت»، بمعنى أنه كان يفعل كل أعماله في وقتها الصحيح بحسب رأي الآب، لم يكن يفعل أي شيء في أي وقت بل كل ما يرى الآب يفعل فهذا يفعله أيضاً، كانت كل أعماله متوافقة في توقيتها مع ما يعمله الآب.
«لم تأتِ ساعتي بعد» (يو2: 4)
في أول معجزة صنعها يسوع في عرس قانا الجليل نرى هذا الحق جلياً، عندما فرغ الخمر من العرس وقالت المطوَّبة مريم ليسوع «ليس عندهم خمر» أجابها يسوع «مالي ولك يا امرأة، لم تأتِ ساعتي بعد»!! فيسوع لا يتحرك للعمل مدفوعاً بالظروف الخارجية ولا بطلب أحبائه بل فقط بمشيئة الآب، وما يحدد توقيت العمل بالنسبة له ليس هو الاحتياج الموجود ومدى إلحاحه بل فقط توقيت الآب، وقد يكون توقيت الآب ليس بعيداً جداً بل بعد دقائق معدودة ولكنه في النهاية التوقيت الصحيح!!
نحن دائماً نقيس الأمور بتوقيتنا الخاص ونريد كل شيء بسرعة ولذلك كثيراً ما نعتقد أن الله يتأخر في الاستجابة، لكن الحقيقة التي ينبغي أن نؤمن بها هي أن الله لا يتأخر أبداً بل هو يفعل كل شيء في توقيته الصحيح، لكن المشكلة هي أننا دائماً متعجلون جداً!!
«ان وقتي لم يحضر بعد» (يو7: 6)
في عيد المظال الأخير في حياة ربنا على الأرض طلب منه اخوته أن يصعد معهم إلى أورشليم لكي يُظهر نفسه لتلاميذه هناك، ولكن الرب أجابهم بأن يصعدوا هم للعيد لأن وقتهم في كل حين حاضر أما وقته هو فلم يحضر بعد!! الإنسان العادي يشعر أن وقته ملكه، يستطيع أن يفعل به ما يشاء، يستطيع أن يفعل أي شيء في أي وقت، أما انسان الله فيدرك أن وقته ملك لله، لا يستطيع أن يتصرف فيه إلا بحسب مشيئة الله!! يستطيع اخوة الرب أن يصعدوا إلى العيد في أي وقت يشاؤون أما يسوع فلا يصعد إلا في توقيت الآب، حتى ولو كان توقيت الآب بعد توقيتهم بساعات قليلة!!
كان عرس قانا الجليل في بداية خدمة ربنا العلانية على الأرض وكان صعوده إلى عيد المظال في نهاية هذه الخدمة المباركة، من البداية إلى النهاية ظل سيدنا أميناً لتوقيت الآب ومشيئته، لم تفلح ضغوط الأعداء ولا طلبات الأصدقاء أن تجعله يسير حسب توقيتات البشر، لقد عرف سيدنا قيمة أن يفعل كل شيء في توقيته الصحيح، ففعل كل شيء حسناً في وقته!!

 ليتك تعلمنا يا سيدي أن نقتدي بك في خضوعك لتوقيت الآب ومشيئته!! وللحديث بقية (يتبع)

الأربعاء، 3 فبراير 2016

أحاديث من القلب

الأوقات والأزمنة (5)

فخرى كرم

«كُن مُراضياً لخصمك سريعاً ما دمت معه في الطريق» (مت5: 25)
عندما يقول الرب «سريعاً» فهو يلفت انتباهنا لأهمية الوقت وخطورة الزمن، كان الرب يتكلم في هذا الجزء من موعظة الجبل عن الخطأ في حق الأخوة، وكيف أن الله لن يقبل ذبيحتنا قبل أن نصطلح معهم، فلا يمكننا أن نستتر وراء علاقة ظاهرية مع الله لنُخفي علاقات مكسورة مع البشر، وهذا الصُلح مع الآخرين ينبغي أن يكون سريعاً بدون تسويف، حتى أن الرب يقول أن الذبيحة من الممكن أن تُؤجل بينما الصُلح لا يمكن أن يُؤجل!!
ويواصل الرب كلامه ليشرح لنا سبب الاسراع في طلب الصلح مع الأخ الذي أخطأت في حقه، والسبب هو أن هناك وقتاً لطلب الغفران ينبغي ألا يضيع من بين أيدينا، لأنه إذا انتهى هذا الوقت تنتهي معه فرصة الغفران، وبانتهاء وقت الغفران يبدأ وقت آخر هو وقت القضاء والتأديب!! وغني عن البيان أننا نتكلم هنا عن الغفران الزمني وليس الغفران الأبدي الذي حصلنا عليه بدم المسيح.
إن لكل شيء تحت السماء وقت، ويُخطئ كثيراً مَن يظن أن الوقت يمر بعشوائية أو أن الأيام كلها تتشابه، ويُخطئ كثيراً مَن يعتقد أن ما ينبغي أن يفعله اليوم يمكنه أن يفعله غداً أو بعد غد، لقد حدَّد الله وقتاً لكل شيء تحت السماء، وهذه الأوقات تتغيَّر وتتبدل بسلطان الله المطلق، وبحسب كلمات الرب فان الخطأ في حق الأخوة قد يمر بثلاثة مراحل مختلفة، ولكل مرحلة مداها الزمني والقوى الروحية المسئولة عنها.
المرحلة الأولى هي مرحلة طلب الغفران، وفي هذه المرحلة نحن نتعامل مع الأخوة الذين أخطأنا في حقهم، ويتعامل معنا روح الله بالتبكيت والحث على الاتضاع وطلب الغفران، ولكن لو مضت هذه المرحلة دون أن أصطلح مع أخي تبدأ عندئذ مرحلة أخرى هي مرحلة القضاء الإلهي، ومرحلة القضاء هذه تختلف تماماً عن المرحلة السابقة، في هذه المرحلة أتقابل مع قضاء الله وعدله وليس مع أناته وغفرانه، وإذا أصدر الله قضاءه عليَّ يسلمني إلى مرحلة أخرى هي مرحلة الوقوع تحت التأديب، وفي هذه المرحلة نحن لا نتعامل مع الأخوة ولا مع الله القاضي بل مع ما يسميه الرب «الشرطي» أي القوات الروحية المسئولة عن تنفيذ قضاء الله في العالم، وهذه المرحلة لا يمكن الهروب منها إلا بعد أن يتم عدل الله وحقه حتى الفلس الأخير!!
ان الرب هنا يكرر نفس حقيقة «سنة الرب المقبولة» و«يوم الإنتقام لإلهنا» ولكن على صعيد العلاقة الفردية مع الأخوة، فكما أن هناك زمن للنعمة يعقبه وقت للدينونة هكذا الأمر بشكل مصغَّر في علاقتنا بعضنا مع بعض، هناك وقت يطالبنا الرب فيه بأن نحب بعضنا بعضاً ونتواضع بعضنا لبعض، ولكن اذا لم  نسلك هكذا فلابد أن نحصد ثماراً مُرَّة!!

يؤسفنا أن نقول أن كثيرين من الأخوة يعانون من التأديب بسبب ضياع الفرص والاستهانة بمرور الوقت، أخطأوا ولم يسرعوا بطلب الغفران من أخوتهم وظنوا أن الرب لا يراقب ولا يقضي، وبدلاً من أن يشبعوا كل يوم بالاستيقاظ على شبه الرب تفزعهم هيئة «الشرطي» المتجهم ليلاً ونهاراً!! ليت الرب يعطينا ادراكاً لقيمة الوقت وخطورة مرور الزمن، وليته يملأنا محبة وتواضعاً لجميع الأخوة، وللحديث بقية (يتبع)