الثلاثاء، 5 يوليو 2016

أحاديث من القلب

الأوقات والأزمنة (10)
بقلم : فخرى كرم
في (حزقيال 16) قسَّم الرب تاريخ الشعب القديم إلى عدة مراحل زمنية متتابعة، رأينا منهم «زمن الميلاد» تحت وطأة الاضطهاد في أرض مصر، الاضطهاد الذي كان يقصد فناء الشعب لولا أن الرب أمر بحياتهم رغم الاضطهاد (ع 1-7) ثم بعد أربعمائة سنة في مصر أخذ الرب شعبه في «زمن الحب» حين أخرجهم بذراع رفيعة وأدخلهم أرضاً تفيض لبناً وعسلاً وكساهم من هيبته فتعظمت المملكة جداً وسط كل ممالك الأرض، وكانت قمة هذه المرحلة في عصر داود وسليمان عندما أراح الرب المملكة من كل جهة (ع8-14)                                    
  لكن للأسف يأتي بعد هذا زمن ثالث هو «زمن الكبرياء والخيانة» (ع15-34) عندما بدأ الشعب يشعر بالزهو والكبرياء بسبب المجد الذي منحه الرب اياه وبسبب الاسم العظيم الذي صار لهم، والعجيب أن كل ما كانوا يفتخرون به كان عطية مجانية من إلههم لا يستحقونها!! وبدأوا يتعاملون مع الشعوب المحيطة بهم ويفتحون أبوابهم لكل آلهة الأمم وشرائعهم وأساليب حياتهم النجسة، دخلهم الإعجاب بالحضارات والثقافات المحيطة بهم وفتحوا قلوبهم وأذهانهم لها، داسوا شرائع ونواميس إلههم وأرادوا أن ينسوا احسانه معهم ويكسروا نيره عن أعناقهم، وأحبوا أن يصطبغوا بصبغة الشعوب الأخرى.
والرب يشرح لنا أن النسيان هو سبب الخيانة، عندما يخاطبهم قائلاً «وفي كل رجاساتك وزناكِ لم تذكري أيام صباكِ إذ كنتِ عريانة وعارية وكنتِ مدوسة بدمك» الانسان يميل دائماً أن ينسى الإحسان، وهذا النسيان متعمد ومقصود وبكامل ارادة الانسان!! لأن الانسان لا يريد أن يشعر بالمديونية للرب، لا يحب أن يعيش وفي عنقه دين ينبغي أن يوفيه، يريد أن يتحرر من أي التزام أدبي أو أخلاقي، ورغم ان الإنسان لا ينسى الإساءة أبداً إلا أنه ينسى الإحسان سريعاً جداً!! ولعل داود كان يشعر بهذه الحقيقة عندما خاطب نفسه قائلاً «باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته» (مز103: 2) ليت الرب يحفظنا من هذا الداء الموجود في قلب كل انسان، داء نسيان إحسانات الرب والتفاخر بما لا نملكه ولا نستحقه!!
ولذلك كان ينبغي ان يجتاز الشعب فترة زمنية رابعة في تاريخه نستطيع أن نسميها «زمن العقاب»!! (ع 35-59) فلابد للخيانة من عقاب ودائماً يتبع الكسر الكبرياء، وكان عقاب الرب هو أن يُعيد الشعب إلى حالتهم الأولى التي كانوا عليها قبل احسان الرب لهم، أعادهم إلى وضع السبي والعبودية لكن ليس في أرض مصر هذه المرة بل في أرض بابل وأشور، خلع عنهم كل المجد الذي سبق وكساهم به، استرد كل العظمة التي سبق وأعطاها لهم، وهذا من صميم الحق والعدل، فمادام الاحسان لم يلقَ التقدير اللائق فمن حق المُحسن أن يسحب إحسانه!!
لكن ما يعزينا هو أن تاريخ الشعب لا ينتهي عند هذه المرحلة، بل هناك مرحلة خامسة وأخيرة تختم تاريخ معاملات الله مع شعبه، ألا وهي «زمن الغفران» (ع60-63) لا يمكن أن يفشل احسان الله، ومحبته لا تسقط أبداً!! ولذلك يعطي الله لحزقيال نبوة عن زمن آتٍ عندما يغفر الله لشعبه ويقيم لهم عهداً أبدياً لكي يعلموا أنه هو الرب الههم الذي هباته ودعوته هي بلا ندامة، وفي هذا الزمن سيذكر الشعب احسان الرب ولن يعود ينساه، وسيذكرون خيانتهم ويسلكون أمام الرب باتضاع والتزام.

من المفيد أن نرى هذه المراحل في تاريخ الشعب القديم ونتعلم منها لأنها كثيراً ما تتكرر في حياتنا كأفراد وجماعات، وللحديث بقية (يتبع)   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق