الأوقات والأزمنة
(15)
بقلم : فخرى كرم
«الذي ينبغي أن السماء تقبله إلى
أزمنة رد كل شيء» (أع3: 21)
خلق الله كل شيء حسناً ووضع كل أمر في نصابه، وسلَّط الإنسان على منظومة
الخليقة في الأرض لكي يرعاها ويحفظها، ولكن بدخول الخطية إلى العالم وسقوط الإنسان
تحت سلطان إبليس أُفسدت هذه المنظومة وأُخضعت للبُطل (رو8: 20) لم يعد هناك شيء في
مكانه، نزل الانسان من مركز السلطان وأصبح عبداً تحركه شهواته وتتحكم فيه غرائزه،
بات ابليس بتسلطه على ارادة الإنسان هو السيد المتحكم في مجريات الأحداث، لم يعد
الله هو السيد المعبود في الأرض بل أصبح ابليس فعلياً هو إله هذا الدهر ورئيس هذا
العالم، اضطربت كل المنظومة وأصبحت كل الخليقة تئن وتتمخض معاً تطلب العتق
والفداء.
تكلم
الروح القدس على فم الرسول بطرس عن «أوقات الفرج» التي تبدأ بشكل فردي في حياة
الإنسان حال إيمانه بالمسيح وتوبته عن الخطية، ولكن الروح يشير أيضاً بشكل نبوي
إلى أزمنة آتية حينما يعمُّ الفرج كل الأرض والخليقة، هذه الأزمنة ستبدأ بمجيء
المسيح ثانية إلى الأرض وتُسمى «أزمنة رد كل شيء» والكلمة المترجمة «رد» تعني
أيضاً «تجديد» وهي نفس الكلمة التي استخدمها الرب عندما أشار إلى هذه الأزمنة
المستقبلية بقوله لتلاميذه «الحق أقول لكم أنكم أنتم الذين تبعتموني، في التجديد،
متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده، تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر كرسياً تدينون
أسباط اسرائيل الاثني عشر» (مت19: 28)
في
هذه الأزمنة الآتية «يرد» الله كل شيء إلى مكانه الصحيح، سيرد الإنسان إلى مكانه
الأول كتاج للخليقة متسلطاً على الأرض، سيرد إبليس إلى مكانه الذي يستحقه عندما
يُلقي به في بحيرة النار والكبريت، سيرد لنفسه العبادة في كل الأرض عندما يجعل كل
ركبة في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض تجثو باسم يسوع لمجد الله الآب، سيرد
للكنيسة مجدها الذي تستحقه بعدما عاشت على الأرض أوقات ضيق واضطهاد (رؤ21: 2) سيرد
للخليقة سلامها وابتهاجها بعدما ينقلها من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله
(رو8: 21) سيجدد الله خليقة الأرض والسماوات ليسكن فيها البر (2بط3: 13، رؤ21: 1) ستمضي
وتنتهي الخليقة الأولى بما فيها من ألم ودموع وموت وسنسمع الجالس على العرش يقول
«ها أنا أصنع كل شيء جديداً» (رؤ21: 5)
لكن
هذا التجديد الشامل الموعود يبدأ في حياتنا الأن ولو بصورة فردية محدودة، نحن
الذين بمقتضى رحمة الله خلَّصنا بغُسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس
(تي3: 5) ان التجديد الذي سيصنعه الروح القدس في الخليقة مستقبلاً يبدأ من الأن
يصنعه في حياة المؤمنين، ينبغي أن ندع روح الله يرد كل شيء إلى مكانه الصحيح في
حياتنا الأن قبل أن ننتظر أن يفعل هذا في الخليقة مستقبلاً، ينبغي أن يكون الله هو
الإله المعبود وحده في حياتنا، ينبغي أن يعود لنا السلطان على حياتنا لنكرس كل
قوانا لمجد الله، ينبغي أن يعود إبليس إلى مكانه الصحيح تحت أقدامنا، ينبغي أن
نتوِّج يسوع رباً وسيداً على كل أمور حياتنا، ينبغي ان نطرح عنا كل ثقل والخطية
المحيطة بنا، ينبغي أن ننقل صورة الله وخيره ورحمته لكل الخليقة المحيطة بنا ولو
في حدودنا الشخصية الضيقة، بالاختصار نقول أن هذا التجديد ينبغي أن يظهر ويزداد
وضوحاً في حياتنا كل يوم قبل أن ننتظر ظهوره بشكل كامل في مجيء ربنا يسوع المسيح
الثاني، آمين.