الأربعاء، 30 نوفمبر 2016

أحاديث ن القلب

الأوقات والأزمنة (15)
بقلم : فخرى كرم
«الذي ينبغي أن السماء تقبله إلى أزمنة رد كل شيء» (أع3: 21)

 خلق الله كل شيء حسناً ووضع كل أمر في نصابه، وسلَّط الإنسان على منظومة الخليقة في الأرض لكي يرعاها ويحفظها، ولكن بدخول الخطية إلى العالم وسقوط الإنسان تحت سلطان إبليس أُفسدت هذه المنظومة وأُخضعت للبُطل (رو8: 20) لم يعد هناك شيء في مكانه، نزل الانسان من مركز السلطان وأصبح عبداً تحركه شهواته وتتحكم فيه غرائزه، بات ابليس بتسلطه على ارادة الإنسان هو السيد المتحكم في مجريات الأحداث، لم يعد الله هو السيد المعبود في الأرض بل أصبح ابليس فعلياً هو إله هذا الدهر ورئيس هذا العالم، اضطربت كل المنظومة وأصبحت كل الخليقة تئن وتتمخض معاً تطلب العتق والفداء.
تكلم الروح القدس على فم الرسول بطرس عن «أوقات الفرج» التي تبدأ بشكل فردي في حياة الإنسان حال إيمانه بالمسيح وتوبته عن الخطية، ولكن الروح يشير أيضاً بشكل نبوي إلى أزمنة آتية حينما يعمُّ الفرج كل الأرض والخليقة، هذه الأزمنة ستبدأ بمجيء المسيح ثانية إلى الأرض وتُسمى «أزمنة رد كل شيء» والكلمة المترجمة «رد» تعني أيضاً «تجديد» وهي نفس الكلمة التي استخدمها الرب عندما أشار إلى هذه الأزمنة المستقبلية بقوله لتلاميذه «الحق أقول لكم أنكم أنتم الذين تبعتموني، في التجديد، متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده، تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر كرسياً تدينون أسباط اسرائيل الاثني عشر» (مت19: 28)
في هذه الأزمنة الآتية «يرد» الله كل شيء إلى مكانه الصحيح، سيرد الإنسان إلى مكانه الأول كتاج للخليقة متسلطاً على الأرض، سيرد إبليس إلى مكانه الذي يستحقه عندما يُلقي به في بحيرة النار والكبريت، سيرد لنفسه العبادة في كل الأرض عندما يجعل كل ركبة في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض تجثو باسم يسوع لمجد الله الآب، سيرد للكنيسة مجدها الذي تستحقه بعدما عاشت على الأرض أوقات ضيق واضطهاد (رؤ21: 2) سيرد للخليقة سلامها وابتهاجها بعدما ينقلها من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله (رو8: 21) سيجدد الله خليقة الأرض والسماوات ليسكن فيها البر (2بط3: 13، رؤ21: 1) ستمضي وتنتهي الخليقة الأولى بما فيها من ألم ودموع وموت وسنسمع الجالس على العرش يقول «ها أنا أصنع كل شيء جديداً» (رؤ21: 5)

لكن هذا التجديد الشامل الموعود يبدأ في حياتنا الأن ولو بصورة فردية محدودة، نحن الذين بمقتضى رحمة الله خلَّصنا بغُسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس (تي3: 5) ان التجديد الذي سيصنعه الروح القدس في الخليقة مستقبلاً يبدأ من الأن يصنعه في حياة المؤمنين، ينبغي أن ندع روح الله يرد كل شيء إلى مكانه الصحيح في حياتنا الأن قبل أن ننتظر أن يفعل هذا في الخليقة مستقبلاً، ينبغي أن يكون الله هو الإله المعبود وحده في حياتنا، ينبغي أن يعود لنا السلطان على حياتنا لنكرس كل قوانا لمجد الله، ينبغي أن يعود إبليس إلى مكانه الصحيح تحت أقدامنا، ينبغي أن نتوِّج يسوع رباً وسيداً على كل أمور حياتنا، ينبغي ان نطرح عنا كل ثقل والخطية المحيطة بنا، ينبغي أن ننقل صورة الله وخيره ورحمته لكل الخليقة المحيطة بنا ولو في حدودنا الشخصية الضيقة، بالاختصار نقول أن هذا التجديد ينبغي أن يظهر ويزداد وضوحاً في حياتنا كل يوم قبل أن ننتظر ظهوره بشكل كامل في مجيء ربنا يسوع المسيح الثاني، آمين.

السبت، 5 نوفمبر 2016

أحاديث من القلب

الأوقات والأزمنة (14)
بقلم : فخرى كرم
«فتوبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم لكي تأتي أوقات الفرج من وجه الرب» (أع3: 19)
كان الشعب اليهودي يعيش في أزمنة ضيق من كل الجهات، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وفي كلمات بطرس في الهيكل بعد اقامة مُقعد الباب الجميل يقدم الروح القدس روشتة للخلاص من الضيق ومجيء «أوقات الفرج» وهذه الروشتة ببساطة هي التوبة والرجوع للرب.
مشيئة الله للإنسان منذ بدء الخليقة هي أن يعيش في رحب وبركة، كانت هذه المشيئة مُعلنة في خلق الجنة بكل ما فيها من سعة وشبع، لكن بدخول الخطية إلى قلب الإنسان والانفصال عن الله خرج الإنسان من الجنة إلى عالم الضيق والألم، ولا يظن أحد أن الضيق مصدره الظروف الخارجية المحيطة بالإنسان، كلا، لقد شعر قايين بالضيق الشديد من أخيه وقتله رغم أن ظروفه كانت متيسرة والأرض ممتدة برحب أمامه، ان ضيق الإنسان موجود بداخله وليس خارجه، ومصدر آلامه هو عالمه الداخلي وليس العالم الخارجي!!
عندما خلق الله الإنسان خلقه كائناً محدوداً وليس مطلقاً، له سعة محدودة لا يتسع لأكثر منها، وله قوة محدودة لا يستطيع أن يتجاوزها، وله ذكاء ومعرفة محدودة لا يمكنه الارتقاء فوقها، وله أيام معدودة لا يستطيع أن يعيش بعدها، وطالما عاش الانسان في هذه الحدود المخلوق عليها شعر بالرضا والشبع، أبسط القوت والكسوة يعطيه الاحساس بالملء والشبع، وإذا استخدم قوته المحدودة الاستخدام الأمثل شعر بالرضا والقيمة، وإذا أدرك محدودية معرفته مهما اتسعت استطاع بسهولة أن يسلِّم لمعرفة الله غير المحدودة ويختبر راحة التسليم والإيمان، وإذا فهم احصاء أيامه كم هي زائلة اكتسب قلب حكمة يستطيع أن يتعامل مع متغيرات الأيام بإيجابية وصبر.
لكن إبليس ألقى في قلب الإنسان جوهر الخطية وهو: أن في إمكان الإنسان أن يصير كالله غير محدود، وعندما قبل الإنسان هذا المنطق الخاطئ صارت الجنة بالنسبة له ضيقة جداً!! شعر أن كل شجر الجنة غير كافي لإشباع جوعه وأنه في حاجة ماسة للشجرة الواحدة المنهي عنها!! لقد شعر آدم بالضيق في داخله وليس خارجه، شعر في قلبه بالحرمان رغم آلاف الأشجار المحيطة به!! أصبح الإنسان المحدود يريد أن يضع في جوفه كل الأمور بلا حدود، تماماً مثل الطفل الذي يريد بسذاجة متناهية واصرار لا يلين أن يضع البحر في جردله البلاستيك الصغير!! يريد أن يتمتع بقوة تفوقه قوته الحقيقية ويشعر بالضيق إذا وجد قوته تخونه، يعتقد أنه يعرف الكثير ويضيق جداً عندما يكتشف أنه يجهل أكثر مما يعرف، يريد أن يملأ معدته بأطعمة تفوق احتياجه ويشعر بالضيق عندما يمرض جسده وينهار، يشتاق أن يظل حياً ممتد الأيام ويشعر بضيق شديد إذا وجد الضعف يزحف إليه منذراً بنهاية وشيكة!!
كيف إذاً يتخلص الإنسان من أزمنة الضيق وتأتيه أوقات الرحب والفرج؟ الإجابة هي أن نتوب عن جوهر الخطية هذا ونرجع إلى الرب ونقبل الوضع الذي خلقنا عليه ونسعى لتتميم مشيئته في حياتنا، الله لا يعدنا في الوقت الحاضر بأوقات فرج تتحسن فيه الظروف الخارجية وتنعم فيه شعوبنا بالخصب والرخاء لكنه بالحرى يعدنا بالفرج الداخلي والإحساس بالرضا والشبع العميق إذا قدمنا توبة عن رغباتنا المحمومة وشهوات العالم التي لا تشبع ورجعنا إلى الله وقبلنا مشيئته لحياتنا ببساطة الإيمان والتسليم.
ولكن كلمات الوحي على فم بطرس تحمل أيضاً بُعداً نبوياً عن أوقات الفرج المُصاحبة لمجيء الرب الثاني، ولكننا نفرد لهذا حديثاً آخر (يتبع)