سبعة أرواح الله ( 42 )
بقلم : فخرى كرم
قبل أن نختتم اليوم حديثنا عن روح الريح المبارك
لابد أن نتكلم عن بعض الملاحظات والفروق العملية:
دعوة للتسليم ..
عندما يقودك الرب إلى طريق غامض الملامح وتضطر
أن تخطو خطوات في الظلام فاعلم أن الرب يدعوك إلى اختبار الإيمان والتسليم، إنه
اختبار رائع وعجيب ، عجيب لأنه مضاد لطبيعتنا البشرية، فنحن بحسب الطبيعة نحب أن
نسير في الأمان ونمتلك زمام الأمور في أيدينا ونحدد بأنفسنا مستقبلنا ونختار مواضع
أقدامنا، بالطبيعة نحب أن نتجنب المخاطر وأن يكون النور مسلطاً على كل جوانب
الطريق لأننا نخشى المجهول، لو تُركنا لأنفسنا ما اخترنا أبداً الإيمان طريقاً!!
لذلك يلجأ الرب أحيانا لقيادتنا رغما عنا في
طريق غامضة محفوفة بالمخاطر ويكتنفها الظلام والمجهول لكي نضطر إلى تعلم الإيمان
والاتكال على شخصه والتسليم لقيادته، ورغم أن هذا الاختبار يكون عادة مؤلماً
ومصحوباً بالحيرة والخوف إلا أنه السبيل الوحيد للتلامس مع الله والتيقن من وجوده
الفعلي في حياتنا، وبدون هذا الاختبار يظل الله فكراًجميلاً يراود أذهاننا من حين
لآخر لكنه بلا وجود فعلي مصيري في حياتنا، لكن عندما تضطرنا الريح أن نلقي بأنفسنا
في الظلام حينئذ سنكتشف أن الأذرع الأبدية التي طالما سمعنا عنها إنما هي حقيقة
مؤكدة!!
.. وليس للاستسلام !!
هناك فرق شاسع بين التسليم والاستسلام، فهناك
أفراد سلبيون لا يحبون حمل مسئولية الاختيار ويلقون بالمسئولية على الأقدار التي
تتحكم في مصائر البشر، يتركون أنفسهم لكل ريح تحملهم ويريحون أنفسهم من عناء السعي
والاجتهاد ، يظنون أن الحياة الروحية هي مرادف لتغييب الذهن والتواكل، هذا استسلام
وليس تسليما
!!
المؤمن لا يستسلم للظروف بل هو يسعى بكل جد
واجتهاد في الطريق الذي يراه صوابا، ويبذل كل جهده في التفكير وفهم الحقائق ويحمل
مسئولية الاختيار، ولكن عندما - ورغم كل اجتهاده - يجد نفسه يواجه ريحاً أقوى منه
تقوده لطريق لم يختره وبحسب مقاييس فهمه لا يقبله، ورغم كل محاولاته يجد نفسه
مضطراً للسلوك في هذا الطريق ويكتشف أنه أصبح يواجه ظروف تعجز أمامها كل حكمته
وتقصر دونها كل قوته، عندئذ فقط يبدأ التسليم بكامل وعيه وإدراكه للقوة الأعلى
التي قادته لهذا الطريق ويتكل على الحكمة الأعظم من حكمته والذراع الأقوى من ذراعه
لكي تقوده في هذا الطريق المجهول وتصل به إلى الخير الذي لا يراه بعينيه ولا يفهمه
بذهنه لكنه يثق في وجوده لأنه يثق أن الرب صالح ومشيئته دائما هي الخير.
هذا هو التسليم، هو وصول الحكمة الإنسانية إلى
مداها ثم التسليم للحكمة الإلهية في مواجهة ظروف أكبر من الحكمة الإنسانية، أما
الاستسلام فهو عدم استخدام الحكمة الإنسانية إطلاقا وتفضيل الجهل والتواكل
والسلبية وتغييب الذهن، التسليم يصنع قديسين وصلوا في حكمتهم الإنسانية إلى مداها
ثم قادهم الرب إلى الحكمة الإلهية أيضا، أما الاستسلام فيصنع كيانات نكرة لا قيمة
لها سواء في مجال الحكمة الإنسانية أو الإلهية!!
فرصة للارتقاء فوق الطبيعة
كثيرا ما يكون هدف روح الريح هو أن يحمل المؤمن لآفاق
أرحب من حدود القوانين الطبيعية التي تسجن الإنسان بداخلها ، فعندما يتأخر حتى
يموت لعازر فهو في الحقيقة يرفع إيماننا لمستوى الإقامة من الأموات، وعندما يدفعنا
إلى الأتون المحمي سبعة أضعاف فلأنه يرتقي بنا للتعامل مع الإله القادر أن يبطل
قوة النيران، وعندما يتركنا في وسط البحر الهائج يقدم لنا فرصة للسير فوق المياه
!! في كل مرة يغلق الرب علينا تحت ظروف يبدو أنه لا رجاء فيها تكون الفرصة مواتية
للارتقاء بإيماننا لآفاق أرحب وللسير فوق الظروف!!
.. وليس لكسر قوانين الطبيعة !!
لكن ينبغي ألا نظن أن المؤمن هو إنسان يسير
دائماً ضد قوانين الطبيعة، كلا، المؤمن إنسان ملتزم يعرف جيدا القوانين التي وضعها
الله لتحكم حياة البشر وهو أول من يحفظ هذه القوانين ويسير بحسبها، وهو يعلم جيدا
أن كسر هذه القوانين يعرض الإنسان للعقاب الفوري،
لكن ما نقوله هو أنه أحيانا وفي حالات خاصة قد يقود الروح المؤمن للسير فوق ما هو طبيعي لا لكي يكون هذا قانونا فيما بعد بل لكي يعلن أنه إله الطبيعة الذي خلقها ووضع قوانينها وسيظل دائما فوقها، في هذا الوقت يختبر المؤمن السير فوق الطبيعة وبمجرد انتهاء هذا الوقت يعود المؤمن لحفظ قوانين الطبيعة والسلوك بموجبها، نقول هذا لئلا يظن أحد أن الحياة الروحية هي مرادف للفوضى أو مبرر للسلوك بلا قانون أو ضابط (يتبع).