الأحد، 6 سبتمبر 2020

أحاديث من القلب

 

موعظة الجبل (43)

بقلم : فخرى كرم

«ولا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير»(مت6: 13)

في بستان جثسيماني طلب الرب من تلاميذه قائلاً: «اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة، أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف» (مت26: 41) وإذا وضعنا هذه الآية بجوار الآية موضوع تأملنا لوصلنا لاستنتاج حتمي: أن عدم دخولنا للتجربة لا يتحقق فقط بمجرد أن نطلب من الآب السماوي ألا يدخلنا في تجربة، بل ينبغي أن نسهر على حياتنا الروحية ونكون منتبهين ومراقبين للخيوط التي ينسجها العدو حولنا.

ان إرادة الآب السماوي العامة هي ألا ندخل في التجربة، لكن لابد أن تكون هذه هي إرادتنا أيضاً!! لا يمكن أن يحفظنا الله من الدخول في التجربة إذا كنا نحن نحبها ونتجاوب معها ولا نبالي بسلامة حياتنا الروحية!! ما معنى أن نصلي قائلين «لا تدخلنا في تجربة» ثم نضيع أوقاتنا في طرق هذا العالم ودهاليزه الممتلئة بكل فخاخ وأكاذيب العدو؟! ما معنى أن نطلب «احفظنا من الشرير» ونحن لا نغلق أبوابنا أمام الشرير ولا نصرف الوقت الكافي للتعلق بالرب والإحتماء به؟!

يسوع لم يكن يريد أن يدخل تلاميذه في تجربة الخوف والهروب والإنكار المشين الذي حدث ليلة الصليب، لكن هذا كان يستلزم منهم سهراً وانتباهاً وصلاة، ولما لم يقوموا بدورهم سارت الأمور بالشكل السيء الذي سارت به، ولا نستطيع أن نقول أن الآب هو الذي أدخلهم لهذه التجربة لكن هم دخلوها بسبب عدم يقظتهم الروحية وبسبب استسلامهم لضعف الجسد الذي يميل للراحة ويستهين بالخطر!! ولولا أن الرب كان متوقعاً منهم هذا الضعف وسبق فصلى لأجلهم لكي لا يفنى ايمانهم لسارت الأحداث إلى نهايات أسوأ بكثير!!

من يستطيع أن يلوم الرب لأنه لم يحفظ شمشون من التجربة التي أودت بحياته وهو بعد في شرخ الشباب؟ حاشا!! إن إلهنا غير ملوم البتة، لأنه أكثر من مرة أعلن عن إرادته الصالحة في حفظ شمشون من التجارب والفخاخ التي نصبها له العدو، بل وأخرجه منها بانتصارات ومكاسب!! ولكن الرب كان ينتظر من شمشون (وهو النذير المُستخدم من الروح القدس) أن تتوافق إرادته مع إرادة الله ويظهر اهتماماً بخدمته وسهراً على حياته الروحية ورغبة في النجاة من التجارب لكي يستطيع أن يتمم إرادة إله إسرائيل، وبالتالي يهتم بأن يتجنب مواضع الشبهات ويغلق النوافذ التي قد تتسرب منها التجربة، لكن للأسف وجدناه يستهين بكل شيء حتى بعهد انتذاره لله ويسكب وقته وقوته عند أعتاب الشهوة الرديئة!! في هذه الحالة لا نستطيع أن نقول أن دخول شمشون للتجربة كان بإرادة من الله لكن ينطبق عليه كلمات الرسول يعقوب «لا يقل أحد إذا جُرب إني أُجرب من قبل الله... لكن كل واحد يُجرب إذا انجذب وانخدع من شهوته» (يع1: 13)

نفس الأمر نراه يتكرر في خطية داود مع إمرأة أوريا، هل نستطيع أن نتسائل لماذا لم يحفظ الله داود من هذه التجربة؟ أو لماذا أدخله الله إلى هذه التجربة التي عصفت ببقية حياته كلها وأعملت السيف والموت في كل أسرته؟! حاشا، إن الله لم يُدخل داود إلى هذه التجربة بل هو أدخل نفسه فيها باستسلامه لشهوات الجسد الذي جعله يستهين بكل المحظورات و يتعدى كل الحدود، في الوقت الذي كان ينبغي أن يسهر ويصلي رأيناه يصعد للسطح ليتسلى، وفي الوقت الذي كان ينبغي أن يتطلع باشفاق إلى خراف رعيته المسكينة نجده يتطلع بعين الذئب الباحث عن فريسة!! خلاصة القول أننا لا نستطيع أن نصلي قائلين «لا تدخلنا في تجربة» إلا إذا أرفقنا هذه الصلاة بحياة ساهرة ومتيقظة ومتحذرة من كل فخاخ العدو!! وللحديث بقية (يتبع)