موعظة
الجبل (22)
بقلم
: فخرى كرم
«لي النقمة
أنا أجازي يقول الرب» (رو12: 19)
لا يمكننا فهم تعاليم العهد الجديد عموماً وموعظة الجبل خاصة إلا في
ضوء حق إلهي راسخ في كل الكتاب المقدس بعهديه ألا وهو عدالة الله وسلطانه القضائي
(تث32: 34-42) الكتاب يعلمنا أن الله هو القاضي العادل الذي يسود على كل المسكونة
(مز11: 4-7) كل طرقه مستقيمة وطوال الوقت هو يُجري عدلاً وحقاً (مز99: 4) وقضاء الله
دائماً يشمل الانتقام من الشر ومجازاة الخير (تث32: 35)
إن اهتز
إيماننا بوجود هذا القاضي العادل اهتزت الأرض تحت أرجلنا، وفقدنا ثباتنا في مواجهة
الشرور التي تحيط بنا كل الوقت، وتصبح عندئذ كلمات موعظة الجبل غير منطقية وغير قابلة
للتطبيق العملي (حاشا) فكيف يمكننا فهم قول ربنا «لا تقاوموا الشر» إلا في ضوء ادراكنا
لوجود إله يقاوم وينتقم من الشر؟! كيف يمكنني ألا أنتقم ممن لطمني إلا في ضوء ثقتي
في أن الله العادل سينتقم من هذه اللطمة؟! وكيف أحب وأصلي لأجل المسيء إليّ إلا في
ضوء فهمي أن الله في علاه قد رأى الإساءة وكتب في سفر قضائه قصاصها العادل؟!!
إن الختوم
والأبواق والجامات التي نقرأ عنها في سفر الرؤيا ما هي إلا أحكام الله العادلة التي
تنتقم من شر الإنسان وفساده على الأرض، هذه الأحكام مكتوبة في سفر مختوم لا يستطيع
أحد في السماء ولا على الأرض ولا تحت الأرض أن يفتحه ولا أن ينظر إليه بسبب شدة وقسوة
الأحكام المكتوبة فيه، وحده الرب يسوع (الأسد الخارج من سبط يهوذا) سيأخذ هذا السفر
ويفك ختومه ويأمر بسكب القضاء المكتوب فيه على الأرض (رؤ5-18) لأن الآب قد أعطى كل
الدينونة للأبن (يو5: 22) وأقام يوماً هو مزمع أن يدين فيه كل المسكونة بالعدل بربنا
يسوع المسيح (أع17: 31)
نتعلم
من كلمة الله أن كل أعمال الأشرار تُدون في أسفار، وهذه الأسفار ستُفتح أمام العرش
الأبيض العظيم وسيعطي الناس حساباً عن كل أعمالهم الشريرة التي صنعوها على الأرض (رؤ20:
11-15) وهذه الأسفار لا تحتوي على الأعمال فقط بل تشمل كل كلمة بطالة نطقوا بها (مت12:
36) بل تشمل أفكارهم الخفية وسرائرهم التي لم يعلم بها أحد سوى الله (رو2: 16)
على
أساس هذا الحق الكتابي الراسخ يمكننا أن نفهم كلمات موعظة الجبل فهماً صحيحاً، فعندما
يطالبنا الرب بألا ننتقم من الشر فهو يطالب أبناء ملكوته ألا يأخذوا صفة القاضي ولا
يجلسوا على كرسي القضاء لأن القاضي العادل جالس بالفعل على كرسيه!! ونحن لا يمكننا
أن نكون خصوم وقضاة في نفس الوقت!! لو كنا نؤمن أن القاضي العادل جالس على عرشه فينبغي
أن نحيل أمرنا إليه ولا نمد أيدينا لننتقم من الشر، تماماً كما كان سيدنا يفعل معطياً
لنا مثالاً وقدوة، الذي إذ تألم لم يكن يهدد بل كان يسلم لمن يقضي بعدل (1بط2: 23)
لو كان
قاضينا العادل يتأنى في قضائه لأنه لا يُسر بموت الشرير بل برجوعه عن طرقه فيحيا (حز18:
23) ولو كان أبونا السماوي يؤجل القصاص ليمنح المخطئ كل فرص التوبة فلابد أن نقتدي
به ونكون كاملين مثله، فلابد إذاً ألا ننتقم لأنفسنا بل نتأنى ونصلي لأجل خلاص المسيئين
إلينا، ونُحسن إليهم بقدر طاقتنا موفرين لهم كل فرص التوبة والنجاة!! وللحديث بقية
(يتبع)