الثلاثاء، 21 أغسطس 2012


الموت مع المسيح (5)
بقلم/ واتشمان ني
«كذلك أنتم أيضاً احسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية
ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا» (رو6: 11)
إن كلمة «احسبوا» هنا في غاية الأهمية، معظمنا يريد أن «يشعر» أن إنساننا العتيق قد مات، نريد أن يكون موت الإنسان العتيق «محسوساً» في كياننا، ولكن لو حاولنا أن نشعر بموت الإنسان العتيق فلن نختبر أبداً موته!! إن الإنسان العتيق لا يموت بالنسبة لإحساسنا أو شعورنا، بل على العكس كلما اعتمدنا على الإحساس كلما «أحسسنا» بوجوده وطالما اتكلنا على الشعور سنظل «نشعر» أنه حي!! إنساننا العتيق لم يُصلب بالنسبة للشعور أو الإحساس بل بالنسبة للإيمان، كيف «نحسب» أنفسنا أمواتاً عن الخطية؟ بالإيمان، إن «الحسبان» هو عمل من أعمال الإيمان، هو تطبيق الإيمان عملياً.
«الحسبان» هو عمل إرادي، إنه حكم الإرادة على الإنسان العتيق، إنه ليس عمل المشاعر أو الإحساس بل إصدار حكم الإرادة وتنفيذه بالإيمان، من الخطأ أن تقول «أنا لا أشعر بأن إنساني العتيق قد مات»، لأن موت الإنسان العتيق لا يتوقف على ما إذا كنت تشعر بهذا أم لا بل على ما إذا كنت تؤمن بهذا أم لا!!
كيف نحسب أنفسنا أمواتاً؟ بأن تؤمن بأن موت الرب يسوع على الصليب كان موتاً لإنسانك العتيق، لقد مات يسوع مع إنساننا العتيق، لقد مات إنسانك العتيق منذ ألفين سنة!! إن موت إنساننا العتيق هو حقيقة واقعة في عيني الله، وينبغي أن نبدأ نرى أنفسنا كما يرانا الله، وكلما بدأنا نحسب هذه الحقيقة في قلوبنا كلما بدأ الله في تنفيذها في أرض الواقع!! ينبغي علينا أن نبدأ نمارس إرادتنا في حسبان أنفسنا أمواتاً عن الخطية، وعندئذ سنبدأ نختبر فعلياً أننا أصبحنا أحراراً من سلطة الخطية.
فعل وموقف
إن الحسبان «فعل» كما أنه «موقف»، الفعل يكون مرة واحدة تجاه أمر محدد أما الموقف فهو اتجاه قلبي ثابت طوال الوقت، هذا يعني أننا نحسب أنفسنا أمواتاً عن الخطية مرة واحدة في حياتنا ثم نحتفظ بهذا الموقف ثابتاً في قلوبنا طوال الوقت، عندما يشرق الله في قلوبنا بإعلان موتنا مع المسيح لابد أن نتجاوب مع هذا الإعلان بالإيمان ونحسب أننا متنا مع المسيح عن الخطية، لكن هذا الفعل الذي تم في يوم محدد ينبغي أن يصير موقفاً قلبياً ثابتاً كل أيام حياتنا، «الفعل» هو البداية و«الموقف» هو الاستمرارية، لابد أن يكون هناك على الأقل مرة واحدة نتخذ فيها قراراً أمام الله أننا سنحسب أنفسنا من هذه الساعة فصاعداً أمواتاً عن الخطية، لكن بعد هذا القرار المحدد لابد أن نحافظ عليه كموقف ثابت كل أيام حياتنا.
للأسف هناك كثيرون لا يفهمون هذا ويعتقدون أنهم باتخاذهم قرار الموت مع المسيح مرة واحدة لن تواجههم فيما بعد صعوبات مع الإنسان العتيق بداخلهم، إنهم يظنون أنه كما يموت الإنسان جسدياً مرة واحدة ولا يعود موجوداً بالجسد مرة أخرى هكذا الأمر مع موت الإنسان العتيق، يعتقدون أن الإنسان العتيق يموت مرة واحدة ولا يعود موجوداً مرة أخرى، ولذلك هناك كثيرون يظنون أن إنسانهم العتيق قد قام من الموت وعاد لينغِّص عليهم حياتهم!! لكن الحقيقة أن معنى الموت في الأمور الروحية يختلف تماماً عنه في الأمور الجسدية، أننا نحتاج أن نحسب أنفسنا في كل يوم بل وكل ساعة أننا أمواتاً عن الخطية، ولو كففنا عن هذا الحسبان ساعة واحدة فسوف نختبر أن إنساننا العتيق مازال حياً ويعمل!! وللحديث بقية (يتبع)  

الاسم العجيب (60)
فخرى كرم
كان ربنا المبارك عبداً لله في كل أيام حياته منذ ميلاده وحتى عودته إلى السماء، ورأينا في المرة السابقة أنه كان عبداً لمشيئة الله العامة طوال الثلاثين سنة الأولى من عمره، في صباه وشبابه المبكِّر كان منحصراً في أن يعرف مشيئة الله المدونة في الناموس ويتممها، ورأيناه في حادثة الهيكل وهو جالس وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم فيما لأبيه، واليوم نريد أن نتأمل قليلاً في حادثة أخرى تظهر لنا ذات الحقيقة:
(2) «اسمح الآن، لأنه هكذا يليق بنا أن نكمِّل كل بر» (مت3: 15)
أرسل الله يوحنا المعمدان برسالة التوبة للشعب لكي يعدهم لمجيء المسيح، وتجسيداً للتوبة القلبية كان التائب يقبل معمودية الماء من يد يوحنا، إشارة لدفن الإنسان القديم بخطاياه في الماء وخروج إنسان جديد لحياة التوبة والصلاح، وبهذا المفهوم كان ربنا يسوع المسيح هو الإنسان الوحيد الذي لا يحق له أن يعتمد لأنه قدوس بلا خطية، ليس عنده خطايا يتوب عنها وينزل بها إلى الماء ليدفنها لأنه عاش حياته كلها يتمم مشيئة الله التي أخذها من فم معلمي الناموس في أيامه.
ومع ذلك رآه يوحنا المعمدان يوماً يتقدم إليه ويطلب منه أن يعمِّده!! ولأن يوحنا كان يعرف الحقيقة لم يسمح له بالمعمودية وقال «أنا محتاج أن أعتمد منك وأنت تأتي إليَّ؟!!» يوحنا نفسه كان يشعر بأنه يحتاج إلى المعمودية، رغم كونه نبياً وأعظم من نبي بل أعظم المولودين من النساء إلا أنه يحتاج إلى التوبة!! في كل يوم يشعر أن هناك أشياء يريد أن يتركها وأعمالاً يتمنى ألا يعود يعملها، أنه مثل كل رجال الله الأتقياء في كل زمان ومكان يريدون أن يتطهروا باستمرار ويزدادوا نقاءً في كل يوم، وفي المقابل يدرك يوحنا أن يسوع ليس من هذا القبيل، أنه لم يفعل قط شيئاً ليس في محله ولا يستطيع أحد أن يبكته على خطية، فلماذا إذاً يريد أن يعتمد؟!!
وهنا أجابه يسوع بالقول الذي يكشف لنا المنهاج الذي عاش به طوال حياته: «اسمح الآن، لأنه يليق بنا أن نكمِّل كل بر»!! إنه لا يطلب المعمودية لأنه يحتاج إليها لكن لأنه يريد أن يكمِّل كل ما يطلبه الله من الإنسان، لقد تمم كل ما قاله الله في الناموس وهاهو يريد الآن أن يتمم آخر ما طلبه الله من الإنسان في العهد القديم، إن ما يحكم تصرفاته ليس احتياجه بل مشيئة أبيه، لأن العبد لا يعمل ما «يحتاج» إليه بل ما يأمر به سيده، وبما أن يسوع كان يعرف أن معمودية يوحنا آتية من السماء أي بأمر من الله فكان لابد أن يطيع هذا الأمر حتى وإن كان لا «يحتاج» إليه!!
إننا عادة لا نفهم هذا المنهاج الذي عاش به ربنا ونختلف تماماً في سلوكنا عن سلوك هذا العبد الكامل، إننا غالباً نفعل ما «نريد» أن نفعله أو على الأقل ما «نحتاج» أن نفعله، وقد نفعل مشيئة الله إذا توافقت مع ما «نريد» أو ما «نحتاج»، لكننا نجد صعوبة بالغة في الخضوع لما «يأمر» به الله إذا كان لا يتوافق مع ما نريد أو ما نحتاج!!
ولهذا السبب كان لابد أن تنفتح له السماء وهو خارج من المعمودية ويرى روح الله نازلاً عليه مثل حمامة ويسمع صوتاً من السموات قائلاً «هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت»!! لماذا نطق الآب بهذا الإعلان في وقت معمودية يسوع بالذات؟! لسببين: (1) لئلا يعتقد الشعب الواقف أن مادام يسوع يعتمد إذاً هو خاطئ مثلهم يحتاج إلى التوبة، حاشا، لذلك كان لابد أن يعلن الآب للجميع أن معمودية هذا الإنسان بالذات ليست للتوبة عن خطية بل لإدخال السرور لقلب الآب!! (2) كان يسوع بهذه المعمودية يكمل آخر وصية لله في العهد القديم وكان لابد أن ينال عندئذ الشهادة السماوية أنه قد أرضى الله وأكمل كل وصاياه العامة تمهيداً لانتقاله بعدئذ للمشيئة الخاصة في بقية أيام حياته، له كل المجد، وللحديث بقية (يتبع)