الخميس، 31 مايو 2012


العبودية: وصمة العار في جبين الإنسانية، هل انتهت حقاً (الجزء الأول)

تاريخ قاتم ومهنة شائنة (منقول عن موقع عجيب)
قبل أكثر من مائتي سنة، قضى الأكاديمي والناشط البريطاني توماس كلاركسون سبع سنوات على ظهر حصانه قاطعًا 35 ألف ميل في الأراضي البريطانية في حملته ضد تجارة الرقيق. جمع الحكايات من البحارة الذين كانوا يبحرون على ظهر السفن، التي تحمل البشر المختطفين من إفريقيا، وأعد الملصقات الجدارية التي تشرح تفاصيل لحظات الرعب، التي تحدث على ظهر تلك السفن، فصدم المجتمع بالحقيقة الغائبة عن أذهانهم، بعد أن صاروا يتعاملون مع تجارة العبيد كمسلمة تشبه المتاجرة بأي سلعة. ونجح كلاركسون عام 1787 ضمن اثني عشر رجلاً آخر، شّكلوا جمعية لهذا الغرض، في إقناع وليام ولبرفورس النائب في البرلمان البريطاني أن ينقل المعركة إلى البرلمان بعد أن أمدّوه بالشهادات والأدلة اللازمة. إلا أن ولبرفورس مرض مرضًا شديدًا كاد يودي بحياته، فتأخر تحريك القانون 20 سنة أخرى إلى أن صدر في 25 مارس 1807 لينهي القانون تجارة العبودية في الجزر البريطانية، ثم صدر قانون تحرير العبيد من الرق تمامًا عام 1833، وبعدها بعام صدر قانون آخر يحرمه في كل أنحاء الإمبراطورية البريطانية واسعة الأرجاء في حينها، فقد مثلت الإمبراطورية حتى عام 1807 أكبر قوة دولية لتجارة العبيد عبر الأطلنطي من إفريقيا.
وها هي بريطانيا تحاول اليوم أن تنظر إلى الوراء مائتي سنة وتستعيد تلك التفاصيل المحمّلة بالشعور بالذنب وبمحاولة التكفير عنه، مخصصة سنة كاملة بدأت بمارس 2007 كاحتفالية في كل أنحاء البلاد تذكر بظروف ذلك القانون، وتسترجع ملابسات تلك التجارة، التي كانت عارًا على جبين الدول التي انتفعت منها طوال قرنين من الزمن. وقد اختير يوم 23 أغسطس 2007 يومًا للتذكر، لأنه يوافق ذكرى ثورة عبيد سان دومينجو (هاييتي حاليًا) عام 1791 كأول نصر حاسم للعبيد في تاريخ البشرية، الذي أدى إلى أول جمهورية تعلن من السود في العالم.
شهد المجتمع البريطاني حضورًا للسود من أصل إفريقي منذ الحكم الروماني الذي استمر خمسة قرون حتى عام 450 بعد الميلاد، إلا أنه حضور بقى محدودًا جدًا حتى منتصف القرن السابع عشر. ومع اتساع حركة التجارة بشكل عام عبر المحيط الاطلنطي في عهد الملكة اليزابيث الأولى، نشطت تجارة العبيد بشكل منظم ومكثف، وتم جلب المزيد من الأفارقة السود إلى شواطئ هذه البلاد. بعضهم جاء كخدم لملاك المزارع في الهند الغربية، ممن قرروا أن يستقروا مرة أخرى في البلاد مستمتعين بالثروة التي جمعوها، أو خدمًا لمسئولي البعثات الرسمية وقادة البحارة الذين عادوا من مهام أعمالهم خارج البلاد، أما بقية السود فحضروا في الجزر البريطانية كعبيد يتم إعادة شحنهم إلى الأمريكتين ليعملوا في مزارع السكر والقطن والتبغ من دون مقابل. وبمنتصف القرن الثامن عشر كانت هناك نسبة قليلة من السود الأحرار وهم الذين عملوا في بعض المهن اليدوية، التي كان ينظر إليها باحتقار، إذ ارتبط اللون الأسود بمستوى أقل من البشرية يقارب مستوى الحيوانات، وهي الفلسفة، التي اعتنقها حتى من كان متدينًا مسيحيًا، من ربان سفن وتجار، سواء في أمريكا أو أوربا. ووفق بيار اندريه تاجييف، المؤرخ السياسي، انطلقت هذه النظرة العنصرية من الغرب عندما نظر إلى ذوي البشرة السوداء إلى أنهم يفتقدون الذكاء والقدرة على التفكير والتحليل. بل إن بعض المفكرين في القرن التاسع عشر، اعتبر أن السود خلقوا ليكونوا «عبيدًا». ومن هؤلاء، للغرابة، الفيلسوف «إيمانويل كانت»: صاحب مشروع التنوير العقلاني، والفيلسوف الألماني جورج فريدريك هيجل في مقدمة كتابه «فلسفة التاريخ»، كذلك الأمر بالنسبة إلى المفكر الفرنسي فولتير والفيلسوف البريطاني ديفيد هيوم اللذين اعتبرا أن السود غير تامين خلقياً!

أدت هذه النظرة العنصرية إلى بعض الأحداث الطريفة أحيانًا، من ذلك، أن ثريًا إفريقيًا من المتورطين في تجارة العبيد في إفريقيا أرسل عام 1749 ابنه «وليم انساه سيساراكو» إلى أوربا ليتلقى تعليمًا عاليًا، إلا أن كابتن السفينة وضعه في أقفاص العبيد مع مرافقه وعامله كعبد غير مقتنع بأنه يمكن أن يكون أكثر من رقيق، حتى تدخلت السلطات البريطانية، وأفرجت عنه وعاملته كأمير. وقادته شهرته بسبب تلك الحادثة إلى لقاء الملك جورج، وباتت العامة تماهيه ببطل مسرحية شهيرة كانت تمثل على مسارح إنجلترا آنذاك، وتحكي المسرحية قصة أمير إفريقي وقع في فخ العبودية وتم تحريره!
تاريخ قاتم وتورط متعدد الأطراف
تاريخ تجارة الرقيق تاريخ قاتم يشترك فيه أكثر من طرف وأكثر من شعب، وشهدت هذه التجارة تورطًا من تجار عرب وسطاء قام دورهم على «قنص» الأفارقة من رجال ونساء وأطفال وتسليمهم للتجار الأوربيين، إضافة إلى المتاجرة بالأفراد من نساء ورجال وأطفال أيضًا. وباعت تلك التجارة، عالميًا، ما يقارب 24 مليون إفريقي يعتقد أن 10 ملايين منهم فقط نجوا في الرحلات، التي كانت تعبر المحيط الأطلنطي وتستغرق ثلاثة أشهر لتصب في الأمريكتين وجزر الكاريبي - أو ما كان كان يطلق عليه جزر الهند الغربية - حيث نشأت البيئة الحاضنة لمزارع السكر والقطن والتبغ. وتقول التقديرات إن واحدًا من ثلاثة أفارقة كان يموت بعد أن تحط بهم السفن على سواحلها، بسبب سوء الصحة والتعذيب والأمراض التي كانوا يصابون بها.
أثرت الأطراف العديدة من المتاجرة ببني جنسهم من البشر ويمكن القول إن الأرباح الناتجة عن تلك التجارة شكلت - على سبيل المثال - أساس المجتمع المعروف حاليًا في بريطانيا، اقتصاديًا وثقافيًا. لقد شكلت مدن رئيسية في هذا البلد نقاطًا مهمة في تلك التجارة اللاأخلاقية، فلندن، بالإضافة إلى كونها ميناء رئيسيًا في تلك التجارة، كانت أيضا المركز المالي الذي يمول المتورطين فيها ويستثمر الأرباح، التي تجنى من ورائها، ومن بينها مصارف كبرى شهيرة حتى الآن. إلا أن هذه الثروات لم تكتف بنفسها كقوة اقتصادية وترجمت إلى سلطة سياسية، فمالك مزارع السكر الشهير وليم بيكفورد أصبح عمدة العاصمة لندن وأول مليونير عرفته إنجلترا على الإطلاق، بعد أن جنى ثروته من استغلال العبيد كأيدٍ عاملة من دون مقابل في مزارعه. وحتى العام 1766 كان أربعون عضوًا من البرلمان البريطاني متورطين في تلك التجارة الشائنة، كما يقول إيدان ماكيد مدير المنظمة العالمية لمناهضة العبودية، التي تأسست عام 1839 كأول منظمة من نوعها تؤسس في بريطانيا، لهذا الهدف النبيل، ويتلخص في محاربة كل أشكال العبودية في العالم وليس بالمعنى المباشر فقط، ولتكون من أوائل مؤسسات المجتمع المدني في هذا البلد.
شبكة أوربية - إفريقية 

يكتب وليام كلير الباحث في جامعة كيمبرج عن تاريخ بريطانيا في تجارة العبيد عبر إفريقيا الغربية والولايات المتحدة والبرازيل والبحر الكاريبي، ويوضح عبر كتابه «تجارة العبيد في بريطانيا»، أن هذه التجارة كانت تتضمن شبكة أوربية - إفريقية، وكان لكل من الممولين والمنتجين والمستهلكين والقسسة والقادة الأفارقة وأعضاء البرلمان، وحتى أعضاء الملكية البريطانية، دور كبير في هذا المضمار.
كانت هذه السفن تبحر عبر نهر الثيمز تحت حماية البحرية الملكية لتقوم بتفريغ حمولتها من السلاح والكحول والمنسوجات قرب قلعة البرج في غانا. ويربط كلير بين هذه التجارة وتاريخ القلعة الساحلية حيث مقرات بريطانيا الخاصة بتجارة العبيد التى تقع على الساحل الذهبي الإفريقي. إن السجلات والمعلومات، التي تخص هذه القلعة قلما تم الكشف عنها إلى أن بدأ كلير بالبحث وكشف عن سجلات وملاحظات ورسائل تخص هذه التجارة. وتظهر هذه القلعة على الساحل الإفريقي بشكلها البغيض لكل مَن يراها، حيث الأمواج تلاطم جوانبها الثلاثة، ومدافعها التي كانت موجهة إلى البحر . إذ كانت هذه القلعة ترمز إلى قوة بريطانيا المطلقة في تجارة العبيد والسلاح والكحول والمنسوجات. وبالرغم مما تمثله تلك القلعة من مظاهر الموت فإنها كانت مفعمة بالحياة الإكزوتيكية، حيث تحضر النساء والزنوج والماشية والأفاعي والطيور الغريبة والنمور. أما في الطابق السفلي تحت القلعة، فحيث عالم الموت تقبع الزنزانة التي كانت مملوءة بالعبيد الذين ينتظرون دورهم عبر المحيط الأطلسي، ويبقى كثير منهم تحت الأرض إلى أن يأتي دوره عبر «بوابة اللاعودة».
وقد تعرض الأفارقة العبيد إلى شتى أنواع التعذيب والإهانة، التي لا يتصورها عقل، فقد كان بعض أصحاب السفن يرمون بالبحارة في البحر بسبب مرضهم أو شغبهم، ويطالبون شركات التأمين بتعويضهم عن خسارة البضاعة! لقد أمر قائد أحد المراكب السيئة الصيت طاقمها في عام 1718 برمي 133 راكبًا ممن يعانون سوء التغذية والمرض، عنوة إلى البحر، فعلوا ذلك بقسوة قلب، تمامًا كما لو أنهم يتخلصون من بضاعة تالفة!
السود في الأعمال الفنية
ظهر الإنسان الأسود في اللوحات البريطانية كعبد بالغ، أو عبد صغير، ويقال إن إظهار السود في اللوحة قرب امرأة بيضا،ء كان إشارة إلى ثراء العائلة، التي تنتمي إليها المرأة. كذلك فإن لونه كان يستغل للتأكيد على بياض بشرة المرأة المرسومة، من منطلق أن الضد يؤكد نقيضه.
وعندما رسم الفنان الإنجليزي جابرييل ماثياس لوحة بورتريه بالألوان الزيتية لسيساراكو، تميز بتقديمه للأسود كفرد مستقل لا كعبد. هذه اللوحة وغيرها كانت بين مفردات معرض أقيم بهذه المناسبة في متحف ناشيونال بورتريه غاليري في لندن، حيث نطلع أيضًا على عمل حفر لبورتريه إفريقي آخر هو «جوب بن سوليمان»، الباحث الإسلامي الإفريقي الذي أسر بالخطأ أثناء رحلته من جامبيا إلى إنجلترا عام 1734. وهناك بورتريه لشاعرة عبدة سوداء أمريكية هي فيليس ويتلي زارت بريطانيا عام 1773 لنشر قصائدها. وكانت سيدتها وابنتها قد تبنتا موهبتها وعلمتاها القراءة والكتابة، ونشرت أول قصائدها الواعدة بعمر 12 سنة، وحققت فيليس ويتلي شهرة بين أمريكا وإنجلترا جلبت لها حريتها. ومن بين اللوحات التي أعيد تقديمها للجمهور في مختلف متاحف بريطانيا بهذه المناسبة لوحة بورتريه لعطيل المغربي الأسود في مسرحية شكسبير «عطيل»، التي تجري أحداثها في مدينة فينيسيا، والبورتريه للممثل الأسود «إيرا الدريدج» الذي أدى دور عطيل في تلك المسرحية الشهيرة في القرن التاسع عشر.
المجتمع البريطاني يتحرك
تكونت داخل المجتمع البريطاني جماعات ضغط مضادة لتجارة العبودية من بينها جماعة الكويكرز الدينية، إضافة إلى جهود كلاركسون وصحبه، والغريب أن تأثير جولته في أنحاء بريطانيا، لم يأت في أغلبه من التأثر بالوضع المزري للأفارقة العبيد، بل بسبب إثارته لموضوع الأخطار، التي يتعرض لها البحارة البريطانيون من إصابتهم بالأمراض، وأثبت أن 20 بالمائة منهم يتوفون ولا يعودون من تلك الرحلات.
وفي عام 1806 قامت مجموعة من المناهضين لتجارة الرقيق في مدينة مانشستر بجمع آلاف التواقيع من بينها قائمة مكونة من ألفي توقيع من شخصيات معروفة وبلغ طول العريضة سبعة أمتار، مطالبين باستصدار قانون يمنع تلك التجارة اللاأخلاقية. وتم تمرير المشروع بنتيجة مائة صوت مقابل 36 صوتًا معارضًا في يناير 1807، ومنحه الملك جورج الثالث الفعالية عندما صدق عليه في 25 مارس من السنة نفسها. واشتهر النائب ويلبرفورس حتى صار رمزًا لتحرير العبيد، وأقيمت له التماثيل في أكثر من مكان، لكن اشخاصًا آخرين كانوا أهم منه في تلك الحملة، التي شكلت أساس الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم، فهو اقتصر دوره داخل البرلمان، بينما هناك آخرون من أهمهم توماس كلاركسون، الذي وصفه الشاعر صامويل كولريدج بأنه «الآلة الأخلاقية المحركة» للحركة، التي أطلقت من داخل محل للطباعة في لندن عام 1785، حيث اجتمع مجموعة من البريطانيين المتحمسين للفكرة. أيضا هناك الموسيقي «جرانفيل شارب» الذي هاجم الرق لعقود من الزمن وأنقذ كثيراً من السود في إنجلترا من أن يعادوا إلى العبودية في أمريكا. كذلك اشتهر في هذا المجال رجل الدين المسيحي جيمس رامسي الذي عاش وسط تجار الرقيق في الكاريبي، وتعرض لعدائيتهم عندما كتب مؤلفًا صغيرًا يهاجم فيه تلك التجارة البشرية. أما من السود فهناك «أولودا إكويانو» الذي حرر نفسه بماله، وكتب سيرته الذاتية، التي قرأها عشرات الآلاف من القراء في ذلك الوقت وتركت تأثيرًا كبيرًا فيهم. عندما تأسست جمعية إلغاء تجارة العبيد 1738 هيمن عليها الذكور، وكان بعض قادتها ضد انضمام النساء للحملة، من بينهم النائب ويلبرفورس نفسه الذي كان متدينًا واعتقد أن دوافع النساء أبعد من تحرير العبيد! كما أن بعض الناشطات أردن إلغاء العبودية ككل وفورًا، بينما كان رأيه أن البداية تكون بإلغاء التجارة فقط إلى أن يتم الإلغاء النهائي تدريجيًا. وبالرغم من تلك المحاربة، فإن النساء شكلن 10 بالمائة من المتبرعين للحملة، وشكّلن ما نسبته ربع الأعضاء في مناطق مثل مانشستر.
النساء استثنين أيضًا من قيادة الحملة عام 1923، والتي كان هدفها إلغاء العبودية في لإمبراطورية البريطانية ككل، إلا أن نساء مدينة بيرمنجهام التقين عام 1925 وشكلن جمعية نسوية لمساعدة العبيد السود، تلتها بسرعة جمعيات نسوية في مدن بريطانية أخرى قوطعت أحيانًا من قبل الرجال وبينهم ويلبرفورس الذي طالب زملاءه بعدم المحاضرة في تلك الجمعيات. ومن الأسماء النسائية، التي برزت ميري لويد واليزابيث هيريك، التي أصدرت كتيبًا عن هذا الموضوع سرعان ما انتشر في أنحاء البلاد. وفي عام 1930 كانت النساء قد شكّلن قوة لابأس بها على هذا المستوى إذ شاركن في المؤتمر الوطني الخاص، وطالبن بإصدار تعهد بأن تأخذ الحملة على عاتقها العمل على الإنهاء الفوري للعبودية في الإمبراطورية البريطانية، وهددن بسحب دعمهن المالي. وفعلا، وافق المؤتمر على سحب تعبير «الإنهاء التدريجي للعبودية» من شعاراته، ورفع حملة تواقيع للبرلمان في العام التالي تطالب باعتبار كل الأطفال الذين يولدون لعبيد، أفرادًا أحرارًا. إلى أن صدر قانون عام 1833 ألغى العبودية ككل. وعلى أي حال، شكّلت تلك الجمعيات النسوية أساسًا لنضال المرأة على مستوى حقوقهن الشخصية إضافة إلى مشاركتهن في قضايا حقوقية أخرى.

هل انتهت العبودية بعدها؟
يعتقد كثيرون أن العبودية انتهت في العالم بموافقة البرلمان البريطاني على تحريم تجارة العبيد عام 1807، أو بتحريمها داخل الإمبراطورية البريطانية ككل عام 1834. أو أنها انتهت لاحقًا مع إصدار قيصر روسيا قانونًا حرر العبيد في بلاطه في ستينيات القرن التاسع عشر، أو بتحرير العبيد في مزارع القطن في الولايات الجنوبية للولايات المتحدة بمبادرة من الرئيس إبراهام لينكولن. مع الأسف فإن هذا الأمر ليس صحيحا إذا عرّفنا العبودية بأنها: «إجبار إنسان على العمل من غير أجر مدفوع». لقد تم تعويض ملاك العبيد بملايين الجنيهات كرشوة لقبولهم بالقانون، لكنهم لم يحرروا مَن كانوا يملكونهم بسرعة، أو لم يدفعوا لهم أجرًا مقابل عملهم، وانطلقت ثورات في تلك المزارع حركها العبيد الذين حرروا أنفسهم عمليًا.
تصدمنا النتائج إذا علمنا أن العبودية بتجلياتها لا تزال تحوم في العالم، فمنظمة العمل الدولية تقدر أنه يوجد ما لا يقل عن 3.12 مليون إنسان يعيشون تحت شكل من أشكال العبودية في عالمنا اليوم. في جنوب شرق آسيا يعيش الملايين مكبلين بقيود الديون، التي عليهم أن يعملوا بالقوة لأصحابها لتسديدها وبعضهم يعيش في أماكن أشبه بالسجن التابع للدائن. وبسبب حجم تلك الديون، فإنهم لن يتمكنوا من تسديدها طوال حياتهم ويبقون بمنزلة العبيد للدائنين. وفي موريتانيا حيث صدر قانون إلغاء العبودية عام 1980، لايزال آلاف الأفارقة السود عبيدًا عند السكان العرب، وفق صحيفة الاندبندنت البريطانية. أما الشكل الأقرب إلى العبودية في الغرب، فهو الرقيق الأبيض، حيث تجارة الدعارة التي تتعرض فيها آلاف النساء إلى التهريب من أوربا الشرقية وغيرها من دول العالم إلى أوربا الغربية بحجة توفير فرص عمل، وتتعرض النساء إلى الاغتصاب والضرب في حال رفضهن الدعارة وحبسهن في أماكن مغلقة لا يسمح لهن فيها بالخروج. وقدرت المصادر البريطانية أنه تم تهريب أكثر من 4000 امرأة إلى بريطانيا لهذا الهدف في السنوات الأخيرة، الأمر الذي دعا الاتحاد الأوربي إلى استصدار قانون لمنع تهريب البشر والمتاجرة بهم وتنفيذ عقوبات شديدة على مرتكبي تلك الجرائم.
تجارة الرقيق.. أرقام وحقائق 8.2 مليون إفريقي شحنتهم السفن البريطانية على متنها بين الأعوام 1690 حتى 1807. ويعتقد أن ما مجموعه 12 مليون إفريقي اقتلعوا من أماكنهم ضمن حملة الرقيق في العالم. 2704 هو عدد السفن التي أبحرت من لندن بهدف نقل العبيد خلال تجارة الرق عبر الأطلسي. 1785 العام الذي أعلن فيه توماس كلاركسون ورفاقه من داخل مطبعة في لندن حركة اجتماعية لوقف الاتجار بالعبيد. 2000 مواطن من مانشيستر وقعوا عريضة عام 1806 قدمت إلى البرلمان البريطاني عبر وليام ويلبرفورس النائب عن مدينة هال الشمالية تطالب بتحريم تجارة الرقيق. وكانت سبقتها عريضة أولى عام 1787. 1804 استقل سكان هاييتي من العبيد عن الاستعمار الفرنسي يوم 23 أغسطس، وأسسوا أول جمهورية من السود في العالم بعد ثورة العبيد، التي استمرت خمس عشرة سنة. 1834 العام الذي ألغيت فيه العبودية تمامًا من الإمبراطورية البريطانية، بينما أعلنت أمريكا تحرير العبيد عام 1865. 1840 وما بعده من أعوام سمح للفارين من أمريكا بالمحاضرة في أنحاء إنجلترا خصوصًا في مانشيستر.

الاسم العجيب (58)
فخرى كرم
قلنا أن أحد ألقاب ربنا يسوع المسيح كان لقب «عبد» الله الكامل، وقلنا أن العبد هو مَن يعمل دائماً مشيئة سيده وليس مشيئته الخاصة، ابتداء بالمشيئة العامة المطلوبة من كل عبيد الله وصولاً إلى المشيئة الخاصة التي يتفرَّد فيها كل عبد عن سواه، ودعونا الآن نرى كيف انطبقت صفة العبد هذه على ربنا الكريم تمام الانطباق:
عبد منذ ولادته!!
يقول الوحي بروح النبوة على لسان ربنا يسوع المسيح: «بذبيحة وتقدمة لم تُسرَّ، أذني فتحتَ، محرقة وذبيحة خطية لم تطلب، حينئذ قلتُ: هنذا جئتُ، بدرج الكتاب مكتوب عني، أن أفعل مشيئتك يا إلهي سُررت، وشريعتك في وسط أحشائي»(مز40: 7-9) وهذا النص اقتبسه كاتب رسالة العبرانيين من الترجمة السبعينية اليونانية القديمة كالتالي: «لذلك عند دخوله إلى العالم يقول: ذبيحة وقرباناً لم تُرد ولكن هيأت لي جسداً... ثم قلتُ هنذا أجئ في درج الكتاب مكتوب عني لأفعل مشيئتك يا الله»(عب10: 5-7) والمعنى في كل من النص الأصلي والاقتباس يتكامل ليعطينا صورة جميلة للمشورات الأزلية التي كانت بين الآب والابن قبل التجسد ودخول الابن إلى العالم.
في هذه الصورة نرى الآب يعلن للابن عدم رضاه عن ما يقدمه الإنسان من عبادة تنحصر في ذبائح وتقدمات بينما القلب والحياة تدور في فلك إرادة الإنسان وشهواته، الآب يعلن أن أعمال العبادة التي يقدمها الإنسان لا يمكن أن تُدخل السرور إلى قلبه طالما أن أعماق الإنسان وأحشاءه يعتمل فيها دوافع ورغبات مبتعدة تماماً عن مشيئة الله الصالحة، لقد جعل الإنسان العبادة جزءاً منفصلاً من الحياة يقدم فيها بعض الأعمال والممارسات بهدف إرضاء الله  بينما بقية الحياة تسير نحو غاية واحدة هي إرضاء الإنسان!! الآب يعلن للابن أنه يشتاق إلى رؤية إنسان تكون مشيئة الله في وسط أحشائه، تجري في دمه، تتغلغل إلى خلاياه، تدخل إلى عمق أفكاره ونواياه، إنسان لا يفتعل «عبادة» لكنه يعيش ببساطة وتلقائية «عبودية» كاملة لله، إنسان يجد سروره في سرور الله ويجد شبعه في شبع الإله، الآب يعلن انه لا يريد ذبائح حيوانية يقدمها الإنسان بالانفصال عن ذاته لكنه يشتاق أن يقدم الإنسان ذاته وجسده في طاعة كاملة لله وتتميم لمشيئته، الآب لا يُسر بالمحرقات والذبائح بل يُسر بإنسان له أذن مفتوحة للاستماع والطاعة، لأنه هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة والإصغاء أفضل من شحم الكباش (1صم 15: 22)
وفي المقابل نجد الابن المبارك يعلن اعتزامه أن يكون هذا الإنسان المُشبع لقلب الآب، الابن يعلن للآب أنه بكامل رضاه سيقبل الجسد الذي هيأه له الآب وسيدخل إلى العالم حاملاً الطبيعة الإنسانية الكاملة، وسيكون هدفه منذ دخوله إلى العالم هو أن يعمل مشيئة الآب وسيجد في هذا كل سروره، الابن يعلن للآب أنه سيفتح أذنه في كل صباح ليستمع لمشيئة الله ويسعى لتنفيذها على الفور، حتى لو كانت هذه المشيئة تحتوي على ألم أو مهانة فلن يستر وجهه قط عن العار والبصق (أش 50: 5) لأن شريعة الله ليست منفصلة عن ذاته بل هي في وسط أحشائه، يجد شبعه حين يصنعها ويرتوي إذا تممها (يو4: 34) يا لها من محبة فائقة متبادلة بين الآب والابن!!
كل واحد من عبيد الله بدأ عبوديته لله في يوم ما من أيام حياته، يوم سبقته أيام كثيرة لم يكن فيها عبد لله ولم يصنع فيها مشيئة الله، كلنا عشنا سنوات طويلة نصنع مشيئات الجسد والأفكار حتى افتقدتنا نعمة الله (أف2: 3) أما سيدي المبارك فقد اتخذ قراره أن يكون عبداً لله عند دخوله إلى العالم، أي أنه كان عبداً منذ ولادته وحتى موته، لم تكن هناك ساعة واحدة في حياته خارج نطاق مشيئة الآب ولا وجود ليوم واحد صنع فيه مشيئته الخاصة!! وللحديث بقية.

الموت مع المسيح (3)
بقلم: واتشمان ني
«عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلب معه ليُبطل جسد الخطية
كي لا نعود نُستعبد أيضاً للخطية» (رو6: 6)
استخدم الرسول بولس في هذه الآية ثلاثة تعبيرات مختلفة في معرض حديثه عن الحل لمشكلة الخطية في حياة المؤمنين، وهذه التعبيرات هي: «الخطية» و«الإنسان العتيق» و«جسد الخطية»، ولو فهمنا معنى كل تعبير منهم لازدادت الأمور وضوحاً في أذهاننا:
† الخطية: هي الطبيعة الفاسدة الموروثة من آدم والتي تبغض الله وتقاوم مشيئته وتريد دائماً أن تعمل الخطايا والمعاصي.
† الإنسان العتيق: هو كياننا النفسي القديم قبل أن نعرف الرب وننال الخلاص.
† جسد الخطية: هو الجسد المادي في حال عبوديته وتنفيذه لمشيئة الخطية الساكنة فينا.

«الخطية» ليس لها سلطان مباشر على «الجسد» المادي ولا تستطيع أن تجبره على فعل الخطايا، إنها تمارس سلطانها من خلال «الإنسان العتيق»، أي من خلال الأفكار الفاسدة والرغبات الشريرة والمشاعر المنحرفة الموجودة في كياننا النفسي، هذا الكيان النفسي له سلطان مباشر على أعضاء الجسد ويستطيع أن يقودها ويجبرها على أن تكون «آلات إثم للخطية» أي أن «الإنسان العتيق» هو حلقة الوصل بين الخطية الساكنة فينا وبين الجسد المنفذ للأفعال الخاطئة، ونستطيع أن نوضح هذا برسم مُبسط:
    الخطية في الداخل والجسد في الخارج والإنسان العتيق طالما ظل حياً يبقى في المنتصف، الخطية تغري الإنسان العتيق وتثيره من خلال الرغبات والأفكار والمشاعر المظلمة الموجودة فيه، وعندما يتجاوب الإنسان العتيق مع إغراء الخطية يؤثر على الجسد ليجعله يتحرك لفعل الخطايا، الجسد المادي في حد ذاته ليس رديئاً لكنه مجرد الأداة التي تنفذ مشيئة الخطية الساكنة فينا، وفي هذه الحالة يصبح اسمه «جسد الخطية»، ينبغي أن ندرك أن الجسد المادي كيان ضعيف ليس له سلطان على نفسه، إنه خاضع للنفس الداخلية التي تُملي عليه ما يفعله، الجسد لا يستطيع أن يفعل شيئاً من ذاته لكنه فقط يفعل ما يؤمر به سواء كان خطأ أم صواباً!!
عندما مات ربنا يسوع المسيح على الصليب لم يحكم بالموت على الجسد المادي ولا أباد جذر الخطية المغروس فينا ولكنه أمات إنساننا العتيق الموجود بينهما!! وعندما يموت الإنسان العتيق تنقطع حلقة الوصل بين الخطية الساكنة فينا وبين أجسادنا الخارجية وبالتالي نستطيع أن نتوقف عن فعل الخطايا العملية، قد يظل جذر الخطية مغروساً في كياننا لكنه فاقد السلطان والقدرة على تحريك أجسادنا لفعل المعاصي، أو كما يقول الرسول بولس «ليُبطل جسد الخطية» وكلمة «يُبطل» بحسب الأصل اليوناني تعني حرفياً «يصبح عاطلاً عن العمل» لأنه لم يعد يتلقى الأوامر من الإنسان العتيق!! وللحديث بقية (يتبع)

الأربعاء، 9 مايو 2012

لينك به خدمات للأخ : فخرى كرم . و الأب: متى المسكين . و الأسقف: منير حكيم . و الأخ :رأفت وليم .

هذا موقع رائع للأخوة بها عدد كبير من الكتب

وهذا عنوان للينك هام مرفوع عليه برامج و ترانيم و خدمات و كتب روحية مترجمة

 http://www.4shared.com/folder/HyX8MWzi/_online.html

موقع به مجموعة كبيرة من الترانيم القديمة

http://www.4shared.com/folder/IUvhXdz7/_online.html

موقع به عدد كبير من الكتب المسيحية

http://www.4shared.com/folder/j6eKPM-O/__online.html 

موقع على الساوند كلاوود به جميع عظات الأخ : فخرى كرم

https://soundcloud.com/yousef-683158027

الثلاثاء، 1 مايو 2012


الموت مع المسيح (2)
بقلم/ واتشمان ني
الفرق في تعامل الله مع الخطايا العملية والإنسان العتيق
الإنسان العتيق هو كيان فاسد ميت غير قابل للإصلاح أو الشفاء، الله لا يتعامل مع الإنسان العتيق إلا بالموت، الله يريد أن يعطينا كياناًً جديداً، في نفس الوقت يطلب منا الكتاب أن نتطهر من خطايانا ونغتسل منها في دم ربنا يسوع المسيح: «دم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية» (1يو1: 7) «الذي أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه» (رؤ1: 5) الخطايا هنا هي الأفعال الخاطئة التي يعملها الإنسان خارجياً، هذه نحتاج أن نغتسل ونتطهر منها بالدم بينما الكتاب المقدس لم يخبرنا قط بأن الإنسان العتيق يمكنه أن يتطهر أو يغتسل، الخطايا الفعلية يمكن غسلها بدم المسيح أما الإنسان العتيق الساكن فينا فينبغي أن يموت، هذا هو الحق الكتابي.
الله يعمل كل شيء في هذا الزمان من خلال ربنا يسوع المسيح، عندما أراد أن يعاقب الخطية عاقب ربنا يسوع المسيح لأن ربنا اختار أن يقف في موقف الخطاة ويكون نائباً عنهم، وعندما أراد أن يصلب إنساننا العتيق صلب ربنا يسوع المسيح، وبهذا الفعل هو جمع كل الخطاة جنباً إلى جنب مع المسيح على الصليب، إذاً موت ربنا كان له وجهان: الأول هو موت بالنيابة والثاني هو موت بالمشاركة!! هذه كلمات الكتاب الواضحة «إن كان واحد قد مات لأجل الجميع فالجميع إذاً ماتوا» (2كو5: 14)
هذا الحق ينبغي أن ننتبه له ولا نمر عليه مرور الكرام، فالمؤمن الحقيقي الذي نال الخلاص عندما اعترف بخطاياه وآمن بالرب يسوع المسيح ينبغي أن يدرك أن صلب إنسانه العتيق ليس عملاً خاصاً عليه أن يقوم به مستقلاً عن المسيح، لكنه عمل تم بالإتحاد مع موت المسيح على الصليب، عندما مات ربنا يسوع المسيح مات معه إنساننا العتيق ومات فيه، هذا يوضح لنا لماذا يفشل الكثيرون من المؤمنين في حياتهم الروحية: إنهم يبذلون كل قواهم لكي يصلبوا إنسانهم العتيق، ولكنهم يكتشفون دائماً انه مازال حياً، ولذلك يظلوا طوال حياتهم يحاولون بقواهم الخاصة أن يصلبوا الإنسان العتيق بعيداً عن صليب المسيح، هذه المجهودات لن تنجح أبداً لأنه إذا لم يُصلب الإنسان العتيق مع المسيح فلن يُصلب بأي شكل آخر.
إننا لا نموت بقوانا الخاصة بل نموت بالإتحاد مع المسيح، إننا «اعتمدنا لموته» (رو6: 3) «قد صرنا متحدين معه بشبه موته» (رو6: 5) «قد متنا مع المسيح» (رو6: 8) «عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلب معه ليبطل جسد الخطية كي لا نعود نُستعبد أيضاً للخطية» (رو6:6) إننا لا يمكننا أن نصلب أنفسنا ثانية، إن موتنا مع المسيح صار أمراً واقعاً فعلاً، إن موت ربنا يسوع المسيح على الصليب حقيقة واقعة، وموته لأجل خطايانا هو أيضاً حقيقة واقعة، وموتنا نحن معه هو أيضاً حقيقة واقعة!!
لكن ما هي نتائج موتنا مع المسيح؟ ما هو الهدف؟ نتعلم من الشواهد السابقة أن الهدف هو أن يُبطل جسد الخطية، بمعنى أن يصير بلا سلطان ولا تأثير علينا فلا نعود نستعبد بعد للخطية، ولعلنا نزيد الأمر وضوحاً في المرة القادمة (يتبع)

الاسم العجيب (57)
فخرى كرم
تكلمنا عن لقب «العبد» الذي لربنا يسوع المسيح، وقلنا أن العبد يتميز بعدة صفات أولها أنه لا يعمل مشيئته الخاصة بل دائماً يعمل مشيئة سيده، إنه لا يختار ماذا يكون أو ماذا يفعل بل في كل وقت يستقبل فكر سيده وينفذه، وإذا كان التاريخ قد شهد الكثير من عبيد الله الذين استطاعوا تتميم مشيئته على الأرض إلا أن سيدنا يقف متفرداً في هذا المضمار لا يدنو منه أحد، فربنا كان عبداً كاملاً لله لا تشوب عبوديته شائبة أو نقص!! لكن قبل أن نبدأ الحديث عن عبودية ربنا الكاملة لله لابد أن نوضح هنا ما نقصده بالعبودية لله وما نعنيه بتتميم مشيئته على الأرض:
العبودية لله هي جوهر العبادة
عندما يؤمن الإنسان بالله إيماناً حياً فإنه بذلك يختار أن يحيا حياته خاضعاً لسلطان الله متمماً لمشيئته طائعاً لوصاياه، فباختياره لله «سيداً» للحياة هو يختار أن يكون «عبداً» لله، وهذه العبودية لسيادة الله على الحياة هي جوهر كل عبادة يقدمها الإنسان لله، فالعبادة في جوهرها هي العبودية لله أي تنفيذ مشيئته في كل جوانب الحياة (رو12: 1) حتى أنه في لغتنا العربية نجد للعبادة والعبودية نفس الأصل اللغوي!!
لقد حاول الإنسان أن يتنصل من هذه العبودية فجعل العبادة مجموعة من الطقوس التي يمارسها في أوقات محددة وأماكن محددة، كلمات جوفاء يتلوها أو يرتلها من حين لآخر، فأصبحت العبادة تجري بروتينية في اتجاه بينما بقية الحياة تجري في اتجاه آخر مغاير تماماً، في «العبادة» يتلو كلمات عن ربوبية الله وسلطانه بينما يسلك في حياته العملية بموجب شهوات الجسد وسلطانه، أصبح الإنسان فعلياًً عبداً لذاته لأنه طوال الوقت ينفذ رغباته الخاصة.
المؤمن الحقيقي هو الذي يقدم لله عبادة حية حقيقية من خلال خضوعه الدائم لمشيئة الله وتتميم وصاياه، إنه يختار بكامل إرادته أن يحيا عبداً لله يصنع مشيئته تعالى ولا يخضع لشهوات جسده ورغباته الذاتية، وهذا الاختيار قد يبدأ في لحظة محددة هي لحظة الإيمان ولكنه يتجدد في كل يوم من أيام الحياة. لكن ماذا نعني بعمل مشيئة الله؟ 
مشيئة الله العامة والخاصة
عندما نتكلم عن تتميم مشيئة الله ينبغي أن نعلم أن الله له في حياة البشر مشيئة عامة ومشيئة خاصة، المشيئة العامة هي المشيئة المطلوب تنفيذها من كل المؤمنين بلا استثناء، هي المشيئة المذكورة في وصايا وتعاليم الكتاب، وكل المؤمنين الباحثون عن رضا الله يجتهدون أن يحفظوا هذه المشيئة العامة قدر استطاعتهم، ولا يمكن اعتبار الإنسان مؤمناً حقيقياً إلا إذا تولدت بداخله رغبة حقيقية واجتهاد حقيقي لتتميم وصايا الله الموجودة في الكتاب المقدس.
  ولكن هناك مشيئة أخرى خاصة بحياة كل واحد من أبناء الله، كل واحد منا له دور خاص ينبغي أن يقوم به في تتميم مشيئة الله على الأرض، لأننا مخلوقون في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها، هذه المشيئة الخاصة لا يمكن تعميمها على الجميع لأنها خاصة بأصحابها فقط، وتنفيذ هذه المشيئة الخاصة يحتاج إلى أمانة خاصة وتكريس خاص من منفذيها، كما أنها تحتاج إلى إعداد خاص وقدرات خاصة يصنعها الله في حياتهم.
عبد الله الحقيقي هو مَن يبدأ بتنفيذ مشيئة الله العامة الموجودة بين يديه، وكلما زادت أمانته وطاعته يبدأ الله يكشف له المشيئة الخاصة بحياته، وعندئذ يبدأ طريقاً جديداً من الطاعة والتكريس لتنفيذ هذه المشيئة الخاصة، وسنرى كيف كان سيدنا نموذجاً كاملاً لنا في هذا المضمار، وللحدث بقية(يتبع)