الأربعاء، 3 فبراير 2016

أحاديث من القلب

الأوقات والأزمنة (5)

فخرى كرم

«كُن مُراضياً لخصمك سريعاً ما دمت معه في الطريق» (مت5: 25)
عندما يقول الرب «سريعاً» فهو يلفت انتباهنا لأهمية الوقت وخطورة الزمن، كان الرب يتكلم في هذا الجزء من موعظة الجبل عن الخطأ في حق الأخوة، وكيف أن الله لن يقبل ذبيحتنا قبل أن نصطلح معهم، فلا يمكننا أن نستتر وراء علاقة ظاهرية مع الله لنُخفي علاقات مكسورة مع البشر، وهذا الصُلح مع الآخرين ينبغي أن يكون سريعاً بدون تسويف، حتى أن الرب يقول أن الذبيحة من الممكن أن تُؤجل بينما الصُلح لا يمكن أن يُؤجل!!
ويواصل الرب كلامه ليشرح لنا سبب الاسراع في طلب الصلح مع الأخ الذي أخطأت في حقه، والسبب هو أن هناك وقتاً لطلب الغفران ينبغي ألا يضيع من بين أيدينا، لأنه إذا انتهى هذا الوقت تنتهي معه فرصة الغفران، وبانتهاء وقت الغفران يبدأ وقت آخر هو وقت القضاء والتأديب!! وغني عن البيان أننا نتكلم هنا عن الغفران الزمني وليس الغفران الأبدي الذي حصلنا عليه بدم المسيح.
إن لكل شيء تحت السماء وقت، ويُخطئ كثيراً مَن يظن أن الوقت يمر بعشوائية أو أن الأيام كلها تتشابه، ويُخطئ كثيراً مَن يعتقد أن ما ينبغي أن يفعله اليوم يمكنه أن يفعله غداً أو بعد غد، لقد حدَّد الله وقتاً لكل شيء تحت السماء، وهذه الأوقات تتغيَّر وتتبدل بسلطان الله المطلق، وبحسب كلمات الرب فان الخطأ في حق الأخوة قد يمر بثلاثة مراحل مختلفة، ولكل مرحلة مداها الزمني والقوى الروحية المسئولة عنها.
المرحلة الأولى هي مرحلة طلب الغفران، وفي هذه المرحلة نحن نتعامل مع الأخوة الذين أخطأنا في حقهم، ويتعامل معنا روح الله بالتبكيت والحث على الاتضاع وطلب الغفران، ولكن لو مضت هذه المرحلة دون أن أصطلح مع أخي تبدأ عندئذ مرحلة أخرى هي مرحلة القضاء الإلهي، ومرحلة القضاء هذه تختلف تماماً عن المرحلة السابقة، في هذه المرحلة أتقابل مع قضاء الله وعدله وليس مع أناته وغفرانه، وإذا أصدر الله قضاءه عليَّ يسلمني إلى مرحلة أخرى هي مرحلة الوقوع تحت التأديب، وفي هذه المرحلة نحن لا نتعامل مع الأخوة ولا مع الله القاضي بل مع ما يسميه الرب «الشرطي» أي القوات الروحية المسئولة عن تنفيذ قضاء الله في العالم، وهذه المرحلة لا يمكن الهروب منها إلا بعد أن يتم عدل الله وحقه حتى الفلس الأخير!!
ان الرب هنا يكرر نفس حقيقة «سنة الرب المقبولة» و«يوم الإنتقام لإلهنا» ولكن على صعيد العلاقة الفردية مع الأخوة، فكما أن هناك زمن للنعمة يعقبه وقت للدينونة هكذا الأمر بشكل مصغَّر في علاقتنا بعضنا مع بعض، هناك وقت يطالبنا الرب فيه بأن نحب بعضنا بعضاً ونتواضع بعضنا لبعض، ولكن اذا لم  نسلك هكذا فلابد أن نحصد ثماراً مُرَّة!!

يؤسفنا أن نقول أن كثيرين من الأخوة يعانون من التأديب بسبب ضياع الفرص والاستهانة بمرور الوقت، أخطأوا ولم يسرعوا بطلب الغفران من أخوتهم وظنوا أن الرب لا يراقب ولا يقضي، وبدلاً من أن يشبعوا كل يوم بالاستيقاظ على شبه الرب تفزعهم هيئة «الشرطي» المتجهم ليلاً ونهاراً!! ليت الرب يعطينا ادراكاً لقيمة الوقت وخطورة مرور الزمن، وليته يملأنا محبة وتواضعاً لجميع الأخوة، وللحديث بقية (يتبع)