السبت، 30 نوفمبر 2019

أحديث من القلب


موعظة الجبل (35)
بقلم : فخرى كرم

«واغفر لنا ذنوبنا» (مت6: 12)

بعد أن علَّمنا الرب أن نطلب خبز الكفاف لأجسادنا نجده يعلّمنا أن نعطي وقتاً في صلاتنا للاعتراف بخطايانا وطلب المغفرة من الآب السماوي، وهذه الطلبة تعبِّر عن احتياج أساسي لنفوسنا لا يقل أهمية عن احتياج أجسادنا للخبز، فأجسادنا تحتاج للخبز لتكتسب الطاقة اللازمة للنشاط الجسدي ونفوسنا تحتاج إلى الشعور بالغفران والتبرير لتكتسب الطاقة اللازمة للنشاط النفسي، وإذا كانت أجسادنا تحتاج للخبز عدة مرات في اليوم الواحد هكذا نفوسنا تحتاج للغفران والتبرير عدة مرات في كل يوم!!
إن طعام النفس هو الشعور بالدفء والأمان والمحبة، ولذلك فالشعور بالذنب والإدانة والرفض هو أقسى شعور تواجهه النفس البشرية، ويشبه تماماً شعور الجسد بالحرمان من الطعام، وإذا استمرت النفس لفترات طويلة تحت وطأة الإحساس بالذنب فإنها تضعف وتمرض بل وتموت!!
وإذا كانت صحة أجسادنا ترتبط بشكل مباشر بطبيعة وقيمة الطعام الذي نتناوله فصحة نفوسنا ترتبط أيضاً بطبيعة وقيمة التبرير الذي نشعر به، وكما أن تناول الإنسان لطعام مغشوش يصيب جسده بالأمراض هكذا أيضاً نفوسنا تمرض إذا تغذت على أنواع مغشوشة من التبرير!! والكتاب المقدس يكلمنا عن أنواع مغشوشة من التبرير قد يلجأ إليها الإنسان ليسد بها جوعه النفسي:
(1) التبرير الذاتي (لو18: 10-14): الكثير من الناس يتغذى على تبريره هو لذاته، ذهنه كل الوقت في حالة دفاع مستميت عن تصرفاته، وضميره دائماً يلتمس الأعذار لكل أخطائه، وفي نفس الوقت يتلذذ باصطياد الأخطاء للأخرين ليبدو أمام نفسه باراً، إنه مثل ذلك الفريسي الذي وقف في الهيكل يعدد محاسنه ويدين باقي الناس، ولقد وصف الرب بالحق صلاة ذلك الفريسي عندما قال إنه وقف ليصلي «في نفسه»!! أنها صلاة المنكفئ على ذاته، الباحث عن تبريره لذاته وليس عن تبرير الله له، إنه يصلي أمام نفسه وليس أمام الله، يهتم بأن يرضي ضميره ولا يعنيه رضا الله، إنه يغذي نفسه بطعام مغشوش لا يمكن أن يعطيه إشباعاً حقيقياً للنفس، ولذلك قال الرب أنه نزل إلى بيته دون الحصول على أي تبرير حقيقي!!
إننا لا نجد في صلاة الفريسي أي اعتراف بأية أخطاء، فبالنسبة لهذه النوعية من الناس يكون الاعتراف بالخطأ أمراً في منتهى الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً!! إنهم لا يريدون أن يظهروا أمام ذواتهم مخطئين، يخشون من احساسهم بالخطأ أكثر من خشيتهم من الخطأ نفسه!! يضعون لأنفسهم مقاييس وموازين للصواب والخطأ ويقيسون أنفسهم عليها، وعادة ما تكون هذه المقاييس مغشوشة وغاشّة ولكنهم يشعرون بالراحة متى توافقوا معها، أما مقاييس الله وموازينه فلا يعرفونها ولا يعنيهم أن يعرفوها!!
مأساة هؤلاء القوم أنهم في اليوم الأخير سيقفون للمحاكمة أمام الله وليس أمام ضمائرهم، وهناك سيكتشفون أنهم يحاسبون بحسب مقاييس الله وليس مقاييسهم، وحياتهم توضع في موازين الحق وليس موازينهم المغشوشة، وعندئذ سيكون عليهم أن يواجهوا الحقيقة المريرة التي عاشوا عمرهم كله يتجنبون مواجهتها، حقيقة أنهم خاطئون وغير مبررين أمام الله!! وللحديث بقية (يتبع)

الجمعة، 1 نوفمبر 2019

أحاديث من القلب


موعظة الجبل (34)
بقلم : فخرى كرم

«أعطنا اليوم» (مت6: 11)
بهذه الكلمات القليلة يُثبِّت الرب مبدأ هاماً في حياة أبناء الملكوت، وهذا المبدأ هو وجوب أن نعيش حياتنا ونحن نقسِّمها إلى وحدات اسمها «اليوم»!! فقوانا الذهنية والعصبية مُصممة لكي تحمل في اليوم الواحد مسئولية يوم واحد!! في كل صباح نشحذ قوانا لكي نحمل مسئولية «اليوم» الذي نعيشه، ومع المساء تكون قوانا قد استنفذت ونحتاج أن نخلد إلى السكينة والنوم لكي نعطي لأذهاننا وأعصابنا الفرصة للراحة وتجديد الطاقة، ومع اشراقة اليوم التالي ننهض بطاقات متجددة لمواجهة الوحدة الجديدة في مشوار حياتنا المُسماة «اليوم»!! ولقد كرر الرب في موعظة الجبل هذا المبدأ بشكل واضح عندما قال «لا تهتموا للغد، لأن الغد يهتم بما لنفسه. يكفي اليوم شره» (مت6: 34)
ولو رجعنا للكتاب المقدس لوجدناه قد أرسى هذا المبدأ منذ البدء، عندما قسَّم الله عمله في الخليقة إلى وحدات تُسمى «اليوم»، فكل مرحلة من الخلق كانت تنحصر بين «مساء» و«صباح» يوم جديد، وبعد ستة أيام من العمل استراح الله في «اليوم» السابع، وعندما أعطى الله الناموس لشعبه القديم طالبهم أن يتبعوا نفس النظام الذي اتبعه هو في الخليقة، أن تنقسم حياتهم إلى وحدات هي «اليوم» وهذا اليوم ينقسم إلى «صباح» للسعي والاجتهاد و«مساء» للراحة وتجديد الطاقة، وبعد ستة أيام على هذا المنوال هناك «يوم» سابع ينبغي أن يستريحوا فيه من كل أعمال الجسد ويتفرغوا لتجديد طاقتهم الروحية ولطلب وجه الرب لمواجهة الأسبوع الجديد!!
وعندما أعطى الرب المن للشعب طوال رحلتهم في البرية كان يطالبهم أن يخرجوا باكراً في كل صباح ليلتقطوا لأنفسهم الطعام الذي يكفيهم ليوم واحد، كان يريدهم أن يتعلموا كيف يعيشون حياتهم متكلين على صلاح الله كل يوم، واثقين أنه سيمنحهم الخير الذي يكفيهم يوماً فيوماً، لكن الإنسان في زيغانه يريد أن يؤسس سلامه على ما في يديه وليس على ما في يدي الله!! ولذلك رأينا البعض من الشعب كان يجمع أكثر من احتياجه اليومي لكي يشعر بأمان تجاه الغد، ولكنه في الغد كان يجد أن الفساد قد انتشر في الطعام المخزون!!
 ولا يمكننا أن ننسى ذلك الغني الذي أثمرت كورته فجمع الثمر في مخازن أكثر وأوسع، وظن أنه سيجد شبعه وفرحه فيما اختزن بين يديه وليس في الله الصالح الذي جعل كورته تثمر بهذه الوفرة، واعتقد أنه جمع طعاماً يكفيه لسنين عديدة ولم يعلم أن هذا «المساء» في حياته لن يعقبه أبداً أي «صباح»!!
خلاصة القول أن ربنا يريدنا أن نتعلم كيف نكون بلا هم من جهة المستقبل، وأن نعتمد في سلامنا على صلاحه واحسانه اليومي وليس على ما نمتلكه في مخازننا، ان مراحم الرب جديدة في كل «صباح» ولابد أن نخرج لنلتقطها في كل «صباح» (مرا3: 23) عندما نقول للرب في صلاتنا «أعطنا اليوم» نحن نعلن ايماننا واتكالنا الكامل واليومي على صلاحه الذي لن يتركنا أو يهملنا أبداً، ونحن نعلن أننا سنعيش حياتنا كل يوم فيوم بسلام وطمأنينة لأننا نعلم أن كفايتنا هي بما في يدي الرب لنا وليس بما نختزنه نحن في أيدينا!! وللحديث بقية (يتبع)


الأربعاء، 2 أكتوبر 2019

أحاديث من القلب


موعظة الجبل (33)
بقلم : فخرى كرم

«خبزنا كفافنا أعطنا اليوم» (مت6: 11)

يعلمنا الرب هنا أننا بعد أن نصرف وقتاً كافياً في الصلاة لأجل ثلاثة مجالات تختص بالآب وهي تقديس اسمه ومجيء ملكوته وتتميم مشيئته، ينبغي أن نفسح وقتاً كافياً للصلاة لأجل ثلاثة مجالات أخرى تختص باحتياجاتنا الشخصية، المادية منها والروحية، فكما يُسر الآب بأن نشترك معه في أموره الخاصة هكذا يُسر أيضا بأن يشترك معنا في أمورنا الخاصة، وكما يسعد الأب إذا وجد ابنه يصنع مرضاته هكذا يسعد بأن يسدد لهذا الابن كل احتياجاته!! الصلاة علاقة ذات اتجاهين، كما ترفع المؤمن ليشارك الله أموره ذات البُعد الأبدي هكذا تأتي بالله لكي يشترك مع المؤمن في صميم احتياجاته ذات البعد الشخصي!! وهذه الاحتياجات الثلاثة هي: الاحتياجات المادية اللازمة لبقاء الجسد حياً، والاحتياج النفسي للشعور بالتبرير والغفران، والاحتياج الروحي للنجاة من الشيطان وتجاربه.
«خبزنا»: غني عن البيان أن المقصود هنا ليس هو «الخبز» بحصر اللفظ بل كل ما يلزم أجسادنا لكي تظل حية وقادرة على العمل والإثمار، وهذا يشمل الطعام والشراب واللباس والمسكن والصحة...الى آخره!!
«كفافنا»: الرب بهذه الكلمة أرسى مبدأً هاماً ينبغي أن نتبعه فيما يخص احتياجاتنا المادية، ألا وهو وجوب «القناعة» والاكتفاء بالكفاف في كل شيء، و«الكفاف» هو القدر الذي يكفينا لأداء العمل المطلوب منا، الطعام الذي يمنح الجسد القدرة لأداء وظائفه، والملبس الكافي لإعطائنا المظهر المقبول من الناس، والمسكن الكافي للمعيشة ومنح الخصوصية اللازمة للحياة...الى آخره. لو عاش المؤمنون بهذا المبدأ لشعروا بالرضا والاكتفاء وتحرروا من غالبية الضغوط والمشاكل التي يعانون منها اليوم، لو تعلم المؤمنون أن يشكروا في كل شيء ويكونوا مكتفين بما عندهم لحفظ سلام الله الذي يفوق كل عقل قلوبهم وأفكارهم في المسيح يسوع. ولكي نفهم هذه الطلبة نحتاج أن نتعلم التمييز بين عدة أمور:
أولاً ينبغي أن نميّز بين ما «نحتاج» وما «نشتهي»: «الاحتياج» هو الشيء الضروري اللازم لكي نقوم بالتزاماتنا وبدونه لا نستطيع أن نتمم المطلوب منا، أما «الشهوة» فهي ما يريده الانسان ويسعى إليه حتى لو كان غير ضروري ويمكننا الحياة بدونه، الرب هنا يعلمنا أن نطلب لأجل «الاحتياج» المادي الضروري للحياة، ولقد وعدنا أن يملأ كل «احتياجنا» بحسب غناه في المجد (في4: 19) لكنه لم يعدنا قط بأنه سيعطينا كل ما نشتهي حتى وإن كان غير ضروري وغير مفيد!!
ثانياً نحتاج للتمييز بين «الطلب» و«الاستجابة»: لقد علمنا الرب أن نطلب «الاحتياج» الضروري ولا نهتم أو ننشغل بأكثر من ذلك، لكن هذا لا يعني أن الله دائماً يجيب طلبتنا بحسب ما نطلب بل أحياناً كثيرة يعطينا أكثر جداً مما نطلب أو نفتكر، بل يعطينا بغنى للتمتع، وعندئذ ينبغي ألا نستكبر أو نلقي رجاءنا على غير يقينية الغنى بل يظل رجاؤنا وافتخارنا بالله الحي، ونتعلم أن نستخدم هذا الغنى في صنع الصلاح ونكون أسخياء في العطاء كرماء في التوزيع، مدخرين لأنفسنا أساساً حسناً للمستقبل لكي نمسك بالحياة الأبدية (1تي6: 17-19) وللحديث بقية (يتبع)

السبت، 7 سبتمبر 2019

أحاديث من القلب


موعظة الجبل (32)
بقلم : فخرى كرم

«كما في السماء كذلك على الأرض» (مت6: 10)
لئلا يظن أحد أن تعبير «لتكن مشيئتك» يحمل معنى العبودية وانسحاق المشيئة الشخصية أكمل الرب الطلبة بقوله «كما في السماء كذلك على الأرض»!! فالعبد قد يقول لسيده «لتكن مشيئتك» ويتممها بغض النظر عن مشيئته الشخصية أو مدى اقتناعه بمشيئة سيده، لأنه يتحرك بروح العبودية الممتلئة خوفاً من بطش السيد، هل الرب يريدنا أن نصلي «لتكن مشيئتك» بنفس روح العبودية هذه؟! حاشا!!
عندما يطلب الرب من أبناء الملكوت أن يصلوا لأجل تتميم مشيئة الله على الأرض يضع أمامهم النموذج الكامل لهذا التتميم ألا وهو «كما في السماء»!! ولو رفعنا عيوننا إلى دائرة السماء سنجد أن كرسي الرب ثابت هناك ومملكته على الكل تسود (مز103: 19) ولو سألنا عن سبب هذا الثبات والسيادة في السماء بالمقارنة مع الفوضى والشر المنتشر في الأرض يجيبنا الوحي بأن السبب هو أن ملائكة الله يتممون مشيئته في السماء بكل دقة واجتهاد «باركوا الرب يا ملائكته المقتدرين قوة، الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه» (مز103: 20)
لكن هل الملائكة تتمم مشيئة الله بدافع الخوف والعبودية؟ حاشا، بل نراهم في (أش6) يحيطون بالعرش ولا حديث بينهم إلا عن تسبيح السيد والتغني بقداسته المطلقة ومجده الذي يملأ كل الأرض!! ان وجود الملائكة في السماء يعطيهم نظرة شاملة لمعاملات الله مع خليقته، وهذه النظرة الشاملة تؤكد لهم في كل لحظة أن قداسة الله مطلقة لا تشوبها شائبة، وأن كل معاملاته صالحة وعادلة حتى أنهم يستطيعون أن يروا مجده في كل أركان الأرض، ولذلك هم يفعلون أمره عند سماع صوت كلامه ليس بدافع الاضطرار بل بطاعة الاقتناع والحب!! 
عندما صعد يوحنا الرائي إلى السماء وصف لنا مدى التألق والمجد الموجود في المدينة السماوية، ومدى التسبيحات المحيطة بعرش الله والخروف، والسبب هو أن هناك منظومة ملائكية تعمل بكل اجتهاد في دائرة السماويات لتتميم مشيئة الله وخدمة العتيدين أن يرثوا الخلاص (عب1:14) إذاً فالكتاب المقدس يعلمنا أن هناك ارتباطاً دائماً بين ثبات ملكوت الله في السماء وبين خدمة الملائكة وتتميمهم لمشيئة الله، ولأن مشيئة الله كلية الصلاح والخير فلا نجد في السماء إلا كل الصلاح والخير، ولأن الملائكة يؤدون خدمتهم بدافع الاقتناع والحب فلا نسمع في السماء إلا أصوات التسبيح والحمد للجالس على العرش.
وبالتالي نستطيع أن نفهم أن السبب وراء الانزعاج والتشويش الذي يملأ حياتنا هو أن مشيئة الله غير متممة على الأرض، البشر لا يتممون مشيئة الله بل مشيئة ابليس أبيهم (يو8: 44) ومشيئة إبليس ممتلئة ألماً وانزعاجاً وموتاً، ومع ذلك نجد أن أعداد البشر التي تتمم مشيئة ابليس أكثر بكثير من هؤلاء الذين يطلبون تتميماً لمشيئة الله الصالحة الكاملة المرضية!!
ولذلك فالرب يطلب من أبناء الملكوت أن يشغل تتميم مشيئة الله على الأرض حيزاً أساسياً في صلواتهم وفي حياتهم، ولا يكون هذا بدافع القهر والعبودية بل بدافع الاقتناع الكامل بصلاح الله والمحبة المطلقة لشخصه، تماماً كما تفعل الملائكة في السماء!! وللحديث بقية (يتبع) 

الثلاثاء، 6 أغسطس 2019

أحاديث من القلب


موعظة الجبل (31)
بقلم : فخرى كرم

«لتكن مشيئتك» (مت6: 10)
أعلن الكتاب المقدس منذ البدء عن مشيئة الله الصالحة للإنسان، عندما خلقه على صورته وغرس له جنة ووضعه فيها ومنحه سلطاناً على كل الأرض والمخلوقات، لم يكن الإنسان يحتاج إلى دلائل أكثر من هذه ليتيقن أن الله يحبه ويريد له الخير، وهذا اليقين كان بلا شك سيدفعه إلى حياة تتكل بالتمام على مشيئة الله الصالحة وتسعى لتحقيقها.
لكن إبليس تدخل في العلاقة بين الله والإنسان ساعياً لإفشال المشيئة الإلهية الصالحة للإنسان، وكان جوهر التجربة هو إلقاء الشك في قلب الانسان تجاه صلاح مشيئة الله، فعندما سألت الحية حواء «أحقاً قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة»؟ كان الهدف من السؤال هو بث روح الشك في صلاح الله وتصويره كمن يسعى لحرمان الانسان وتعذيبه، فالإله الذي يغرس كل شجر الجنة ثم يأمر بعدم الاقتراب منه هو بالتأكيد إله يتلذذ بتعذيب خليقته!! ورغم أن حواء كانت تعلم أن هذه الكلمات خاطئة ولا تعبِّر عن الحقيقة إلا أن روح الشك المسمومة التي غلفت السؤال كانت قد نفذت فعلاً إلى قلبها!!
وهنا تقدمت الحية لتثبيت وتأكيد الشك بداخل حواء بقولها أن الله يعلم أن الأكل من الشجرة سيؤدي إلى خير هو لا يريده لهما، وهذا الخير هو أن يصير الإنسان كالله عارفاً الخير والشر، وبالتالي يصبح قادراً على اختيار طريقه في الحياة من خلال معرفته بالخير والشر ولا يحتاج للاتكال على مشيئة الله له، اعتقاد الانسان أنه يعرف ما هو خير له وما هو شر يجعله يرفض التسليم لمشيئة الله أو على الأقل يجعله يقبل مشيئة الله بشرط توافقها مع ما يعتقده هو من معرفة بالخير والشر، وفي كلتا الحالتين يفقد الانسان قدرته على التسليم المطلق لمشيئة الله، فإما أنه لا يقول «لتكن مشيئتك» على الاطلاق وإما أن يقولها هكذا «لتكن مشيئتك بشرط توافقها مع معرفتي للخير والشر»!!
ومنذ أن سرى هذا السم في جسد الإنسان الأول ومنه انتقل لكل الجنس البشري ابتعد الإنسان بحياته عن طلب مشيئة الله وأصبح كل انسان يضع لنفسه مشيئات ذاتية يسعى لتحقيقها، واضعاً فيها كل ما يعتقد أنه خير ومتجنباً كل ما يظن أنه شر!! أصبح من النادر على مدار التاريخ البشري أن تجد انساناً يطلب مشيئة الله لحياته ويخضع لها، رغم أن تلك الحالات النادرة في التاريخ البشري أثبتت أن مشيئة الله للإنسان هي دائماً أفضل استثمار لحياته!!
حتى أتى ربنا إلى الأرض مكتوب عنه في درج الكتاب «أن أعمل مشيئتك يا إلهي سررت» (عب10: 7) وكان طعامه وشبعه أن يعمل مشيئة الآب الذي أرسله، لم ينطق إلا بما سمعه من الآب ولم يعمل إلا ما رأى الآب يعمل، وفي نهاية حياته على الأرض وعندما سارت الأحداث بطريقة تبدو متعارضة مع ما يعتقد الإنسان أنه «خير» وجدناه يقول للآب «ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت» (مت26: 39) وفي تسليمه الكامل لمشيئة الآب تحقق كل الخير والخلاص لكل البشرية!! وها هو يعلمنا في موعظة الجبل أن المؤمن المولود في ملكوت السماوات يتيقن بداخله أن مشيئة الله لحياته هي أفضل اختيار بالنسبة له لذلك فلسان حاله دائماً في الصلاة هو «لتكن مشيئتك»!! وللحديث بقية (يتبع)

السبت، 6 يوليو 2019

أحاديث من القلب


موعظة الجبل (30)
بقلم : فخرى كرم

«ليأتِ ملكوتك» (مت 6: 10)
بدأ الرب الكرازة ببشارة «الملكوت» والتي كانت تعني إقامة ملكوت الله على الأرض من خلال سيادته على شعبه القديم، واستعلان قوات هذا الملكوت بنقض أعمال ابليس المتسلط على حياة البشر من خلال أرواح الشر والمرض والموت (أع10: 38) ولهذا كان لعبارة «ليأت ملكوتك» عندما نطق بها ربنا لأول مرة معنى محدد في أذهان التلاميذ، هذا المعنى كان مقترناً بعودة ملكوت الله على الشعب اليهودي وبالتالي عودة سيادة الشعب اليهودي على سائر الشعوب (أع1: 6) ولهذا ألمح الرب أكثر من مرة إلى أن من القائمين معه أناساً لن يذوقوا الموت حتى يروا ملكوت السماوات آتياً بالقوة (مت 16: 28) وأن تلاميذه لن يكمِّلوا الكرازة في مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان في ملكوته (مت10: 23)
لكن لابد أن نفهم أن هذه النتائج المباركة كانت مرتبطة ومتوقفة على فرضية أن الشعب اليهودي سوف يقبل الكرازة بالملكوت ويرحب بالملك الآتي باسم الرب، لكن للأسف هذا لم يحدث!! ووجدنا أن الذين قبلوا هذه الكرازة كانوا أعداداً قليلة وهم الذين ثبتوا مع الرب لنهاية خدمته على الأرض، حوالي مائة وعشرون نفساً من مجموع الشعب اليهودي كله!! بينما الأغلبية الساحقة من الشعب انساقوا وراء قادتهم الدينيين ورفضوا ملكوت ربنا عليهم، حتى أن بيلاطس سألهم باندهاش «أأصلب ملككم»؟! فكانت اجابتهم الحاسمة «ليس لنا ملك إلا قيصر»!!
عند هذه النقطة الفارقة في تاريخ الشعب القديم حدث تغييراً في مسار الأحداث، إذ لم يعد الرب ولا تلاميذه يكرزون بملكوت مادي محصور في شعب بعينه أو حدود جغرافية محددة، بل أصبحت الكرازة في الكنيسة هي بملكوت روحي يملك فيه الله على أفراد من كل قبيلة وأمة وشعب ولسان، أصبحت الكنيسة هي استعلان ملكوت الله على الأرض من خلال أناس لا تربطهم أية روابط عرقية أو جغرافية أو لغوية، وهذه الكرازة الجديدة بلا شك أكثر اتساعاً وشمولاً من الكرازة التي بدأ بها الرب خدمته.
ولابد أن نؤكد هنا أن هذا التغيير لم يكن أبداً فشلاً لكرازة يسوع بالملكوت أو انحرافاً عن مقاصد الله الأزلية، فكل شر الإنسان لا يمكنه أن يغيِّر إرادة الله أو ينحرف بها عن مسارها، بل أن رفض الشعب اليهودي لملكوت ربنا كان موجوداً في علم الله السابق، وقدرته السرمدية كانت ترتب لتحويل هذا الرفض إلى الخير بفتح باب الكرازة للعالم كله (رو11: 25) ولذلك نجد ربنا في صلاته للآب يتكلم بلهجة النجاح والانتصار قائلاً «أنا مجدتك على الأرض، العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته» (يو17: 4)
ولهذا ينبغي أن يكون لعبارة «ليأت ملكوتك» معناها المختلف اليوم عن المعنى الذي فهمه التلاميذ يوم سمعوها من الرب لأول مرة، فاذا كانت أفكارهم ذهبت وقتها نحو انتظار ملكوت ملموس يسود أرضهم ودولتهم فنحن الآن تذهب أفكارنا لملكوت روحي على قلوب وأرواح البشر، في كل مرة نردد «ليأت ملكوتك» ينبغي أن نتضرع إلى ربنا لكي تزداد سيادته على أفكارنا وتصرفاتنا، ينبغي أن نعترف بكل فكر أو سلوك غير خاضع لسلطان روح الله القدوس ونتوب عنه، لكي يأتي ملكوت الله بالحق على حياتنا ويظهر من خلالنا للآخرين. وللحديث بقية (يتبع)

السبت، 1 يونيو 2019

أحاديث من القلب


موعظة الجبل (29)
بقلم : فخرى كرم

«ليأتِ ملكوتك» (مت6: 10)
بدأ الرب يسوع خدمته بالكرازة ببشارة الملكوت قائلاً «توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات» (مت4: 17) وعلَّم تلاميذه أن يكون جزء أساسي في صلاتهم مخصص لطلب مجيء هذا الملكوت، ولكي نفهم هذا الجزء من «الصلاة الربانية» ينبغي أن نفهم أصل فكرة الملكوت وتطورها.
عندما خلق الله الإنسان وضع صورته وصفاته فيه لكي يعلن ملكيته لهذا الإنسان، كما كان قيصر يضع صورته على الدينار ليؤكد ملكيته لهذه العملة، فالإنسان مخلوق لكي يعيش تحت سلطان ومُلك الله، وهذا الوضع ليس تقييداً لحرية الإنسان ولا تكبيلاً لقدراته بل هو قمة الاتساع والاطلاق لقدرات الانسان، فـ «ملكوت الله» هو «المناخ» الصحي الوحيد القادر أن يحرر الانسان ويُطلق قدراته من قيود الضعف والمرض والموت.
وعندما خلق الله الإنسان أعطاه سلطاناً وملكاً على الأرض وسائر المخلوقات الأخرى، ولكي يستمر سلطان الإنسان على الأرض كان ينبغي أن يظل خاضعاً لسلطان الله على حياته، ولكن بالعصيان تمرد آدم على ملك الله وسلطانه وخضع باختياره لمُلك آخر هو الشيطان، وبالتالي أُخضعت كل الخليقة للبُطل وصارت في حالة الأنين والتمخض حتى يومنا هذا (رو8: 18-22) بل وصارت الخليقة تتمرد على مُلك الإنسان وانفرط عقد خضوعها لسلطانه، وأصبح الإنسان يعيش في «مناخ» ملكوت الشيطان وهو مناخ الضعف والمرض والموت.
أية مقارنة بسيطة بين الحياة التي عاشها آدم في جنة عدن والحياة التي عاشها بعدما طُرد إلى الأرض تُظهر الفرق بين الحياة في ملكوت الله والحياة تحت أي ملكوت آخر!! فالمناخ الذي يميز ملكوت الله هو مناخ البر والسلام والفرح (رو14: 17) أما المناخ السائد في ملكوت الشيطان فهو الضعف والمرض والموت!!
مرت آلاف السنين بعد خروج الإنسان من ملكوت الله ومعاناته تحت مُلك الشيطان حتى جاء ربنا إلى الأرض ليكرز بعودة ملكوت الله إلى الأرض مرة أخرى!! ولم تكن كرازته بالكلام فقط بل نقل للناس «مناخ» ملكوت الله الذي كان في جنة عدن، فرأيناه يشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب ويطرد الأرواح الشريرة التي سادت على حياة الناس ويُعيد الحياة للأجساد والنفوس التي ماتت وانسحقت تحت المرض والضعف والموت.
وعندما أرسل ربنا تلاميذه في ارساليتهم الأولى (مت10) طلب منهم أن تقتصر كرازتهم على خراف بيت إسرائيل الضالة وألا يمضوا في طريق للأمم أو يدخلوا مدينة للسامريين، فالقصد الأول كان استعلان ملكوت الله على الأرض من خلال شعب الله الأرضي القديم، ولقد أيَّد الرب تلاميذه بسلطان لشفاء المرضى وإقامة الموتى وإخراج الشياطين لكي تكون كرازتهم بالملكوت مؤيدة بسمات و«مناخ» هذا الملكوت، وكان الوعد أنه اذا قبلت الأمة اليهودية ملكوت الله وخضعت له يُستعلن هذا الملكوت في وسطهم بصورة مادية منظورة بكل قوته وبهائه (مت10: 23) وللحديث بقية (يتبع)      

الاثنين، 6 مايو 2019

أحاديث من القلب


موعظة الجبل (28)
بقلم : فخرى كرم

«ليتقدس اسمك» (مت6: 9)
خلق الله الإنسان على صورته بمعنى أنه وضع فيه بعضاً من صفاته ولو بشكل جزئي ومحدود، وكان القصد الإلهي أن يكون الإنسان هو المُعلن عن اسم الله (أي صفاته) على الأرض، ولكن بالسقوط تشوهت طبيعة الإنسان وأصبح يعكس صورة غير حقيقية عن الله، وبدل أن يجتذب المجد لله أصبح يجلب التجديف على اسمه (رو2: 24) حتى جاء ملء الزمان وأتى «ابن الإنسان» الحقيقي وعاش على الأرض صورة الله غير المنظور ورسم جوهره، لقد «قدَّس» يسوع اسم الله وصفاته أمام عيوننا، حتى أنه بعد مرور ألفي عام مازالت صورة الله التي رأيناها في يسوع هي موضوع إيماننا ومصدر ثباتنا وحصن أماننا!!
 وعندما يطلب منا يسوع أن تكون طلبتنا الأولى في الصلاة هي «ليتقدس اسمك» لا يقصد أن نكرر هذه الجملة بحصر اللفظ، لكنه يقصد أن نفهم أن مهمتنا الأولى التي خُلقنا وأُفتدينا لأجلها هي أن يتقدس اسم الله في حياتنا أولاً ثم يتقدس من خلالنا في أعين الآخرين، يقصد أن نحمل مسئولية اكمال العمل الذي بدأه هو على الأرض، أن يظل اسم الآب ممجداً في حياتنا كما تمجد في حياة يسوع.
«ليتقدس اسمك» تعني أن نخصص وقتاً في صلاتنا اليومية لنتضرع أمام الله لكي يغرس في أعماقنا صفات الله التي تجسدت في حياة يسوع، نحن لا يمكننا أن نقدِّس اسم الله في عيون الأخرين إلا إذا كان هذا الاسم مُقدساً في حياتنا نحن أولاً، هل أعماقنا تدرك قداسة الله وتخافه وتخضع له؟! هل حقاً نحن نستند على قدرته ونرتمي على محبته ونختبئ في صلاحه؟! قبل أن نستطيع تقديس اسم الله في سلوكنا الخارجي يوصينا الرسول بطرس قائلاً «قدِّسوا الرب الإله في قلوبكم» (1بط3: 15)
«ليتقدس اسمك» تعني أن نصرف وقتاً كافياً أمام الروح القدس ليفحص حياتنا ويمتحن سلوكنا، هل تصرفاتنا تنقل للمتعاملين معنا صورة الله المجيدة الموجودة في أعماقنا؟! هل مَنْ يسمع أقوالنا ويرى أفعالنا يسبِّح إلهنا ويمجده؟! وإذا أشار الروح القدس على نقص في سلوكنا أو خلل في تصرفاتنا فلابد أن نعطي وقتاً كافياً للاعتراف بالخطأ والتوبة عنه، ولطلب النعمة والمعونة لكي نقوِّم سلوكنا لمجد الله.
«ليتقدس اسمك» تعني أن نصلي ليقودنا الله بالروح القدس لتمييز مشيئته في حياتنا وتتميمها، فالطريق الوحيد ليتمجد الله في حياتنا هو أن نكمل عمله الذي كلفنا به، ولذلك قرن ربنا في صلاته الشفاعية بين مجد الآب وتكميل مشيئته «أنا مجدتك على الأرض، العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته» (يو17: 4) لذلك لابد أن تحتوي صلاتنا على طلب الامتلاء بالروح القدس ومواهبه لكي نستطيع أن نقدس اسم الله في حياتنا.
«ليتقدس اسمك» تعني أن نصرف وقتاً كافياً لنتشفع لأجل كل قصور أو خلل نراه وسط الكنيسة، فلكي يتقدس اسم الله ينبغي أن تكون الكنيسة كلها في حالة لائقة تعكس صلاح الله وقداسته، وما نطلبه لأنفسنا ينبغي أن نطلبه لإخوتنا في جسد المسيح، فليس قصد الرب أن يتمجد في حياتنا كأفراد فقط بل بالأحرى كرعايا ملكوت واحد هو ملكوت السماوات، وللحديث بقية (يتبع) 

الثلاثاء، 2 أبريل 2019

أحاديث من القلب


موعظة الجبل (27)
بقلم : فخرى كرم

«ليتقدس اسمك» (مت6: 9)
«الاسم» هو واسطة التعريف بشخص أو شيء ما، وبمجرد ذكر «الاسم» ترتسم في أذهاننا مجموعة الصفات التي نعرفها عن صاحب هذا الاسم، واسماء الله هي مجموع صفاته التي أعلنها عن نفسه ويريدنا أن نعرفه بها، وأن يتقدس اسم الله يعني أن تُستعلن صفاته ببهاء وعظمة في حياتنا ومن خلالنا للأخرين.
عندما يطلب منا الرب أن نقول «ليتقدس اسمك» فهو يضعنا مباشرة أمام مسئوليتنا وهدف وجودنا في الحياة، لأن هدف الله الأول من خلق الانسان هو التعريف بصفاته أمام كل الخليقة. عندما خلق الله كل الخليقة أظهر فيها قدرته السرمدية ولاهوته ولكن عندما خلق الإنسان وضع فيه صورته ومثاله، أي أن صفات الله الشخصية لا تظهر في كل الخليقة بقدر ظهورها في الانسان!! اننا دون أن نشعر نتخيل صورة الله على شكل «انسان» فائق العظمة والقدرة، لماذا؟ لأن الله وضع صورته في «الانسان»!! لماذا نؤمن أن الله محب وصالح وعادل وطاهر... إلى آخر هذه الصفات الرائعة؟ ببساطة لأن هذه هي الصفات التي نراها في «الإنسان» إذا وصل إلى أعظم حدود كماله!! وإن كان الكتاب المقدس يعلمنا أن الله روح ولا يمكن التعبير عنه تعبيراً كاملاً من خلال صورة الانسان المحدودة والقاصرة ولكن يبقى «الانسان» هو المخلوق الوحيد القادر على التعريف بصفات الله!!
عندما سقط آدم في الخطية ابتعد عن صورته الأولى وأكتسب صفات رديئة من الحية القديمة التي استمع إليها وخضع لسلطانها، وبالتالي أصبحت صورة الله التي ينقلها للخليقة هي صورة ناقصة ومشوهة. ولذلك أتى ربنا إلى العالم في ملء الزمان لكي يحمل إلينا صورة الله غير المنظور، وكان هو الانسان الكامل الذي قدم للخليقة صورة صحيحة عن صفات الله، كان قدوساً بلا خطية ورفض الاستماع لإبليس والخضوع له فقدم لنا صورة كاملة لله بلا تشوه، حتى أنه قال لتلاميذه «من رآني فقد رأى الآب» (يو14: 9) كان هو من رسم جوهر الله أمام عيون خليقته ولذلك أحبته الخليقة كلها وخضعت له، فرأينا السمك يدخل الى الشباك الخاوية والأمواج تحمله على ظهرها والرياح تسكن خضوعاً لأمره!!
لقد جاء يسوع لكي «يُقدِّس» اسم الله في عيون البشر، أعماله وحياته وأقواله أعادت البريق واللمعان لكل صفات الله التي تشوهت في عيون الناس بسبب السلوكيات الرديئة لرجال الدين المنتسبين لله، رجال الدين الذين مزجوا بين كلام الله ومنطق الحية القديمة فقدموا للشعب صورة مشوهة عن إلههم، ولأن الشعب يستمد صورة الله من خلال الانسان المنتسب لله فكان لابد أن يتجسد الرب ويأتي في صورة انسان ويعيش وسط الناس ويتلامس مع حياتهم لكي يعيد لصورة الله مصداقيتها وروعتها.
الأغلبية من الخطاة والمنبوذين في المجتمع اليهودي كان الدافع وراء حياتهم الخاطئة هو تمردهم على صورة الله المشوهة التي يقدمها لهم الكتبة والفريسيين، ولكن لما جاء يسوع حاملاً الصورة الحقيقية عن الله واقترب من هؤلاء المنبوذين وأحبهم وأكل معهم رأيناهم يحبون صورة الله الظاهرة في يسوع، وكان هذا دافعهم للتوبة والرجوع لحياة البر والقداسة!! وللحديث بقية (يتبع)  

السبت، 2 مارس 2019

أحاديث من القلب


موعظة الجبل (26)
بقلم : فخرى كرم

«أبانا الذي في السموات» (مت6: 9)
«أبانا»: ابوة الله لنا ليست مجازية أو اعتبارية بل هي ابوة حقيقية إلى أبعد مدى، فاذا كان الأب والأم هما واسطة انتقال الحياة الإنسانية إلينا فمصدر هذه الحياة هو الله الخالق الذي غرس الحياة في آدم وحواء وأعطاهما القدرة على نقل هذه الحياة إلى نسلهما، فاذا كنا ندعو الأب الأرضي «أبانا» وهو مجرد الواسطة التي انتقلت بها الحياة إلينا فكم بالأحرى جداً ندعو الأب السماوي «أبانا» وهو المصدر الأول والمطلق لكل حياة تدب فينا!!
ان الله هو الأب الحقيقي لكل طاقة إيجابية تجدها في جسدك أو نفسك أو روحك، عندما نفخ الرب الإله نسمة الحياة في آدم تحول التراب الهامد إلى نفس حية نابضة بالطاقات والرغبات والقدرات، وقد انتقلت هذه الحياة الينا عبر مئات الأجيال وأصابها الكثير من الخلل والنقص بسبب شرور الإنسان وعدم أمانته تجاه الحياة الكامنة فيه، حتى صرنا نولد بميراث ناقص من الحياة الأولى التي أودعها الله في أبينا أدم، ولكن تبقى الحقيقة أن كل طاقة إيجابية مازالت تتحرك فينا ترجع في أصلها إلى الله الخالق، ولن تعود طاقاتنا تعمل بالشكل الصحيح وفي الاتجاه الصائب إلا إذا عادت تتصل بأبيها السماوي!!
وإذا كان الله هو الأب لكل البشر باعتباره المصدر الأصيل لحياتهم البشرية (أع17: 28) فهذه الأبوة تتضاعف بالنسبة لأبناء الملكوت الذين وُلدوا روحياً من الله بعمل الروح القدس وقبولهم للمسيح (يو1: 13) بالنسبة لهؤلاء يكون الله هو الأب الأصيل لحياتهم البشرية الموروثة من آدم وأيضاً هو الأب لحياتهم الروحية الجديدة المستمدة من الروح القدس، ولذلك عندما يعلمنا يسوع أن نخاطب الله تبارك اسمه بلقب «أبانا» فهو يقصد المعني الحرفي والحقيقي للكلمة على الصعيد الجسدي والروحي!!

الذي في السماوات: لقد أردف ربنا لقب «الآب» بعبارة «الذي في السماوات» لكي يميز أبوة الله عن كل أبوة عرفناها واختبرناها في الأرض، الكثيرون منا يحملون ذكريات مؤلمة وتعيسة تختص بأبائهم الأرضيين، هناك كثيرون يعانون الحرمان من إحساس الأبوة رغم أن أباءهم مازالوا على قيد الحياة، الكثيرون منا تعثرت خطواتهم في الحياة بل وانحرفت عن الصواب بسبب تأثيرات الأباء، هناك الكثيرون يكفي أن يسمعوا كلمة «الأب» حتى ترتجف أوصالهم خوفاً وألماً وإحساساً بالظلم!! إلى كل هؤلاء يقول ربنا أن الله هو أبونا الحقيقي الذي يسمو في كل صفاته عن أباء أجسادنا كما ترتفع السماء عن الأرض، أنه أب «سماوي» في محبته وصلاح وحكمته، بل حتى في تعليمه وتأديبه وتقويمه (عب12: 9، 10)       
عندما ندخل إلى مخادعنا ونصلي لأبينا الذي في السماوات فنحن نعود إلى أصلنا، نرجع للنبع الأول الذي انبثقت منه حياتنا الجسدية والروحية، وعندما نتواصل معه تتجدد فينا كل طاقات أنهكها العالم حتى بدأت تنضب، وتعود تنبعث الحياة في كل قدراتنا التي ضعفت بل وماتت فينا بفعل الخطية، عندما ننتظر أمام الرب تتجدد قوانا وتترفع أجنحتنا كالنسور، نركض في هذه الحياة دون تعب ونمشي في دروبها بلا عياء، عندما ترتفع عيوننا إلى أبينا السماوي تشرق علينا شمس البر وكل الشفاء في أجنحتها!! وللحديث بقية (يتبع)

الأحد، 3 فبراير 2019

أحاديث من القلب


موعظة الجبل (25)
بقلم : فخرى كرم

«فصلُّوا أنتم هكذا: أبانا الذي في السموات» (مت6: 9)
بعد ما تحدث ربنا عن جوهر الصلاة وكونها علاقة سرية في الخفاء مع الآب السماوي، ليس للناس نصيب في تحديد وقتها أو كيفيتها أو مضمونها، كما ليس لهم الحق في تقييمها سلباً أو ايجاباً، بل الآب السماوي وحده الذي يرى صلاة أبنائه في الخفاء هو يجازيهم في العلن..، نجد ربنا يتقدم للحديث عن مضمون الصلاة وموضوعاتها من خلال هذا النموذج الذي اعتادت الكنيسة على تسميته «الصلاة الربانية». والحقيقة أن ربنا لم يقصد مطلقاً أن تكون هذه الصلاة مادة محفوظة تتكرر على ألسنة المؤمنين بنص كلماتها وحروفها، وما يدفعنا للجزم بذلك عدة أسباب:

(1) كان الرب قد نهى سامعيه تواً عن تكرار الكلام باطلاً كالأمم (ع7) ولا يُعقل أنه بعد هذا النهي مباشرة يقدم لهم نصاً ليحفظوه ويكرروه في كل مناسبة بلا وعي، فالمسيحية بحسب الكتاب المقدس لا تنادي بقدسية ألفاظ وعبارات محددة ينبغي أن نكررها في صلواتنا لنوال بركات خاصة، لكنها بالحري تنادي بعلاقة حميمة مع الآب السماوي تتخطى جمود الألفاظ ومحدودية الكلمات!!

(2) كان ربنا يصرف ساعات طويلة في الصلاة وأحياناً كان يقضي الليل كله في الصلاة، ولا يُعقل أن تكون هذه الصلاة بنصها هي موضوع صلاته وهي التي لا يستغرق ترديدها سوى ثوانٍ معدودة!!

(3) لم يُذكر في كل العهد الجديد أن تلاميذ الرب قد صلوا هذه الصلاة بنصها أو اقتبسوا منها عبارات في مواعظهم أو رسائلهم، أو تباركوا بترديدها في بداية عبادتهم أو نهايتها، أو علَّموا أتباعهم أن يحفظوها ويرددوها في صلواتهم، وإذا كنا نؤمن أن تلاميذ الرب هم أكثر الكل فهماً لتعاليم سيدهم فلابد أن نستنتج بالتالي أنهم لم يتعلموا من الرب أبداً ضرورة حفظ وترديد هذه الصلاة!!
كل هذه الأسباب تدفعنا لنفهم أن ربنا لم يقصد أن نحفظ نص هذه الصلاة ونردده، لكنه كان يقصد أن يلخص لنا المجالات التي ينبغي أن تدور فيها صلاتنا، فبين مقدمة وخاتمة نجد الرب يذكر لنا ستة مجالات لابد أن تدور صلاتنا في فلكهم، بل نستطيع أن نجزم أنه لم تخرج صلاة أي مؤمن طوال التاريخ البشري خارج نطاق هذه المجالات الستة!!

مقدمة: «أبانا الذي في السموات»
«أبانا»: هذه ليست كلمة للحفظ والترديد بل موقف قلبي ندخل به إلى ما وراء الحجاب!! ونحن نتقدم إلى الأقداس لابد أن نكون في موقف الابن الذي يتلهف ويشتاق للارتماء في حضن أبيه، انه لا يؤدي فرضاً ولا يصنع واجباً بل هو يسرع بشغف إلى موضع راحته!! ان وقت الصلاة والاختلاء بالآب السماوي هو واحة راحتنا الوحيدة في هذه البرية شديدة القسوة، انه المكان الوحيد الذي يمكننا أن نرتوي فيه من مياه نقية بدلاً من المياه المالحة التي يقدمها لنا العالم كل الوقت، ان محضر الآب السماوي هو المجال الوحيد الذي سنجد فيه «خبزاً» يسد جوعنا بدلاً من «الأحجار» التي يلقمنا إياها الناس، انه الموضع الوحيد الذي اذا طلبنا فيه «بيضة» سنجدها متاحة ومُشبعة ومُغذية بينما خارج هذا المحضر القدوس إذا لمس الناس جوعنا قدموا لنا مشاعر مزيفة وملتوية مثل «الحية»!!    يا ترى هل هذا هو بالحقيقة موقفنا من الصلاة؟!   وللحديث بقية (يتبع)

الثلاثاء، 1 يناير 2019

صفحة يسوع هو الحياة

صفحة ( يسوع هو الحياة ) بها مجموعة من المقالات و العظات الروحية المفيدة لباقة من رجال الله الأتقياء ... بعمل ( إعجاب ) ( لايك like ) للصفحة يصلك كل جديد من المقالات و العظات ....رابط الصفحة هو :-

https://www.facebook.com/%D9%8A%D8%B3%D9%88%D8%B9-%D9%87%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A9-532483980169207/

أحاديث من القلب


موعظة الجبل (24)
بقلم : فخرى كرم
«متى صنعت صدقة فلا تعرِّف شمالك ما تفعل يمينك» (مت6: 3)
العطاء صفة جوهرية في طبيعة الآب السماوي الذي هو «أبو الأنوار» الذي تنزل من عنده كل عطية صالحة وكل موهبة تامة، عطاء الله لخليقته متواصل طوال الوقت لا يتوقف أبداً، فلو توقف هذا العطاء للحظة واحدة توقف سريان الحياة نفسها، وعندما صنع الله خليقته وضع في جوهرها قانون العطاء بحيث لا تستمر الحياة إلا باستمرار العطاء، الشمس لا تكف عن الشروق كل يوم لتعطي النور والدفء والحياة لكل الأرض، والأرض كلها في حالة تبادل للمنفعة والعطاء لا يتوقف لحظة واحدة، ضوء الشمس يعطي الغذاء للنبات والنبات يعطي الغذاء للحيوان الذي يعطي بمخلفاته الغذاء للتربة لكي ينمو النبات!! الأمطار تعطي الحياة للأنهار التي تروي الأرض وتتبخر مياهها لتعطي سحاباً يمطر على الأرض ويتحول إلى أنهار من جديد، وهكذا دواليك حتى يأذن الله بنهاية للزمان، ان دورة الحياة على الأرض هي في جوهرها دورة عطاء متبادل!!
غريزة الأبوة أو الأمومة ماهي إلا رغبة دفينة للعطاء، فالأب لا يشعر بكمال رجولته إلا إذا أعطى من نفسه وقوته لأبنائه، وكذلك الأم لا تشعر بالشبع إلا إذا منحت كل اهتمام وحنو لأطفالها، الذين بدورهم عندما يكبرون يصبحون أباء وأمهات لأجيال جديدة، ولا يمكننا للحظة تخيل الحياة بدون هذا العطاء المتواصل عبر الأجيال!!
ولأن العطاء هو طبيعة الله فلابد أن تظهر ذات الطبيعة في أبنائه، فكل ابن لله يجد سروره في العطاء الدائم والمستمر، ولا يمكن للمؤمن المسيحي أن يتمتع بشركة حقيقية مع أبيه السماوي بدون أن يشترك معه في عطائه لخليقته، سواء كان هذا العطاء على المستوى المادي أو النفسي أو الروحي، وسواء كان العطاء للأحباء أو للأعداء، دون اعتبار لرد الفعل أو انتظار للمجازاة، فالله يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين، ولذلك قال ربنا «أحسنوا وأقرضوا وأنتم لا ترجون شيئاً فيكون أجركم عظيماً وتكونوا بني العلي، فإنه منعم على غير الشاكرين والأشرار» (لو6: 35)
الدافع الوحيد للعطاء عند أبناء الملكوت هو أن يتوافقوا مع الآب السماوي في طبيعته ويشتركوا معه في عمله المتواصل في خليقته، عندما يقدمون عطاء للآخرين يكون هدفهم الوحيد هو اشباع قلب الله وتتميم مشيئته، ولذلك هم يقدمون عطاءهم أمام عيني الآب وليس أمام عيون الناس، لا يبحثون عن تقدير الناس ولا يستجدون مديحهم، لا يسعون لتعريف القريبين منهم بما يفعلون من احسان حتى لو كانوا في قرب اليد اليسرى، ولا يبتكرون أساليب زاعقة وعلانية للعطاء لكي يلفتوا أنظار البعيدين عنهم!!  
العطاء بالنسبة لأبناء الملكوت ليس نشاط يقوم به الأغنياء تجاه الفقراء بل هو أسلوب حياة وطبيعة قلب ومجال للعبادة، ولذلك تجد حتى الفقراء منهم يسرون بالعطاء!! لقد قدمت كنائس مكدونية عطايا سخية بفرح رغم فقرهم الشديد، والسبب هو أنهم قدموا أولاً أنفسهم للرب، فكان اتحادهم بالرب هو الدافع لعطائهم (2كو8: 1-5) والأرملة الفقيرة التي وضعت الفلسين في خزانة الهيكل كانت متوافقة ومرضية لقلب الرب أكثر من جميع الأغنياء (لو21: 3) وللحديث بقية (يتبع)