السبت، 2 مارس 2019

أحاديث من القلب


موعظة الجبل (26)
بقلم : فخرى كرم

«أبانا الذي في السموات» (مت6: 9)
«أبانا»: ابوة الله لنا ليست مجازية أو اعتبارية بل هي ابوة حقيقية إلى أبعد مدى، فاذا كان الأب والأم هما واسطة انتقال الحياة الإنسانية إلينا فمصدر هذه الحياة هو الله الخالق الذي غرس الحياة في آدم وحواء وأعطاهما القدرة على نقل هذه الحياة إلى نسلهما، فاذا كنا ندعو الأب الأرضي «أبانا» وهو مجرد الواسطة التي انتقلت بها الحياة إلينا فكم بالأحرى جداً ندعو الأب السماوي «أبانا» وهو المصدر الأول والمطلق لكل حياة تدب فينا!!
ان الله هو الأب الحقيقي لكل طاقة إيجابية تجدها في جسدك أو نفسك أو روحك، عندما نفخ الرب الإله نسمة الحياة في آدم تحول التراب الهامد إلى نفس حية نابضة بالطاقات والرغبات والقدرات، وقد انتقلت هذه الحياة الينا عبر مئات الأجيال وأصابها الكثير من الخلل والنقص بسبب شرور الإنسان وعدم أمانته تجاه الحياة الكامنة فيه، حتى صرنا نولد بميراث ناقص من الحياة الأولى التي أودعها الله في أبينا أدم، ولكن تبقى الحقيقة أن كل طاقة إيجابية مازالت تتحرك فينا ترجع في أصلها إلى الله الخالق، ولن تعود طاقاتنا تعمل بالشكل الصحيح وفي الاتجاه الصائب إلا إذا عادت تتصل بأبيها السماوي!!
وإذا كان الله هو الأب لكل البشر باعتباره المصدر الأصيل لحياتهم البشرية (أع17: 28) فهذه الأبوة تتضاعف بالنسبة لأبناء الملكوت الذين وُلدوا روحياً من الله بعمل الروح القدس وقبولهم للمسيح (يو1: 13) بالنسبة لهؤلاء يكون الله هو الأب الأصيل لحياتهم البشرية الموروثة من آدم وأيضاً هو الأب لحياتهم الروحية الجديدة المستمدة من الروح القدس، ولذلك عندما يعلمنا يسوع أن نخاطب الله تبارك اسمه بلقب «أبانا» فهو يقصد المعني الحرفي والحقيقي للكلمة على الصعيد الجسدي والروحي!!

الذي في السماوات: لقد أردف ربنا لقب «الآب» بعبارة «الذي في السماوات» لكي يميز أبوة الله عن كل أبوة عرفناها واختبرناها في الأرض، الكثيرون منا يحملون ذكريات مؤلمة وتعيسة تختص بأبائهم الأرضيين، هناك كثيرون يعانون الحرمان من إحساس الأبوة رغم أن أباءهم مازالوا على قيد الحياة، الكثيرون منا تعثرت خطواتهم في الحياة بل وانحرفت عن الصواب بسبب تأثيرات الأباء، هناك الكثيرون يكفي أن يسمعوا كلمة «الأب» حتى ترتجف أوصالهم خوفاً وألماً وإحساساً بالظلم!! إلى كل هؤلاء يقول ربنا أن الله هو أبونا الحقيقي الذي يسمو في كل صفاته عن أباء أجسادنا كما ترتفع السماء عن الأرض، أنه أب «سماوي» في محبته وصلاح وحكمته، بل حتى في تعليمه وتأديبه وتقويمه (عب12: 9، 10)       
عندما ندخل إلى مخادعنا ونصلي لأبينا الذي في السماوات فنحن نعود إلى أصلنا، نرجع للنبع الأول الذي انبثقت منه حياتنا الجسدية والروحية، وعندما نتواصل معه تتجدد فينا كل طاقات أنهكها العالم حتى بدأت تنضب، وتعود تنبعث الحياة في كل قدراتنا التي ضعفت بل وماتت فينا بفعل الخطية، عندما ننتظر أمام الرب تتجدد قوانا وتترفع أجنحتنا كالنسور، نركض في هذه الحياة دون تعب ونمشي في دروبها بلا عياء، عندما ترتفع عيوننا إلى أبينا السماوي تشرق علينا شمس البر وكل الشفاء في أجنحتها!! وللحديث بقية (يتبع)