سبعة أرواح
الله (64)
بقلم :
فخري كرم
بعد أن تتبعنا الصور
الرمزية لشخص الروح القدس في الكتاب المقدس ورأينا صورة « الحمامة» التي تحدثنا عن
روح الوداعة ، و راقبنا بخشوع صورة «النار» التي تشير إلى روح القداسة والتطهير ،
وسمعنا صوت «الريح» التي تخبرنا عن الروح الخفي الذي لا يمكن وضعه تحت المراقبة أو
التوقع ، ووقفنا أمام ينبوع «المياه » الحية الذي يرمز إلى روح الشبع والحياة ،
وشممنا الرائحة العطرة ل «زيت» المسحة المقدس الذي أشار إلى روح الخدمة والعمل ،
وتذوقنا «الخمر» الجيدة التي تشرح لنا تعزية الروح ومعونته لحياتنا ، حان الوقت
الآن لنتقدم إلى آخر أسفار الكتاب لنرى آخر الصور الرمزية التي دونت في كلمة الله ،
الصورة التي اقتبسنا منها عنوان هذه السلسلة من المقالات ، وهي في الواقع صورة
مزدوجة وإن كانت تشير إلى معنى واحد ، ألا وهي صورة :
المصباح المنير والعين
الثاقبة!!
« وأمام العرش سبعة
مصابيح نار متقدة هي سبعة أرواح الله» (رؤ4: 5)
« ورأيت ...خروف قائم كأنه مذبوح له سبعة قرون وسبع أعين
هي سبعة أرواح الله المرسلة إلى كل الأرض « (رؤ5: 6)
والواقع أن هاتان الصورتان - المصباح المتقد بنار والعين
- تتحدان في أكثر من موضع مما يؤكد أنهما صورة واحدة مزدوجة تشير إلى معنى واحد :
«هذا يقوله ابن الله الذي له عينان كلهيب نار .. فرس
أبيض والجالس عليه يدعى أميناً وصادقاً وعيناه كلهيب نار .. وعيناه كمصباحي نار»
(رؤ۲: ۱۸، 19 : 12 ، دا 10 : 6) والجدير بالملاحظة هنا أن النار في هذه
الأجزاء ليست نار الفرن التي تمتحن وتطهر التي تكلمنا عنها من قبل ، بل هي النار
التي كانت تستخدم لإنارة المصابيح والسرج قديماً ، النار التي تنير الظلمة وتكشف
المستور لكي تستطيع العين أن ترى حقيقة الأشياء بوضوح !! العين تستطيع أن تبصر
الأشياء الموجودة في النور ، أما الأشياء الموجودة في الظلمة فالمصباح ينيرها لكي
تستطيع العين أن تراها أيضا ، إذا فالعين والمصباح هما وسيلة الإنسان لإدراك حقيقة
الأشياء المحيطة به ، الأشياء الموجودة في النور وأيضا تلك الموجودة في الظلام ،
أي أن صورة المصباح المتقد والعين تريد أن تخبرنا عن الروح القدس باعتباره
روح الحق
أحد الأسماء التي
أطلقها رب المجد على الروح القدس هو «روح الحق» ( يو 26 : 15 ، 16 : 13) أي انه
الروح الذي يدرك حقيقة كل الأشياء ، لا شيء يخفى عن عينيه ، كل شيء عريان و مكشوف
أمامه ، حتى الظلمة لا تظلم لديه ، كالظلمة هكذا النور ، مهما اكتنفت الظلمه حياتي
فروح «المصباح» يضيء سراجي و ينير ظلمتي (مز ۱۸: ۲۸) لو قلت الظلمة تغشاني أجد الليل مثل النهار يضيء ( مز ۱۳۹: 11 ، 12) دائرة معرفته لا حدود لها ، فهو يعرف « جميع الحق» (يو
16: ۱۳) ويستطيع أن يعلمنا «كل شيء»
(يو 14: ۲۹) و « كل شيء» هذه تعني :
كل شيء في الأرض
عيناه تجولان في كل الأرض وتراقبان كل
الأمم (۲ أي 16 : 9 ، مز 66: 7)
عيناه مفتوحتان على كل طرق بني آدم ليعطي كل واحد حسب طرقه (إر ۳۲: 19) إنه يعرف جلوسى و قيامي ، يفهم أفكاري المختفية بداخل عقلي ،
يعرف دوافعي إذا سلكت ويدرك أهدافي إذا ربضت ، يعرف كل كلمة في لساني قبل أن أنطق
بها ، بل أن تلك العينين المباركتين قد رأتا كل أعضائي وعدتا عظامي قبل أن تراني
عيني أمي، أين أذهب إذاً من هذا الروح المبارك ؟ أنه يحاصرني من خلف ومن قدام ( مز۱۳۹ ) إنه يعرف كل الحق عن كل ما في الأرض..
.. وفي السماء أيضا !!
يقول الكتاب : «لأن
الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله» (1كو ۲: ۱۰) أي أن روح «العين» يرى كل ما يدور في قلب إلهنا المبارك، يعرف كل
ما يجول في فكره ومقاصده ، فهو موجود دائماً «أمام العرش» (رؤ4: 5) وفي ذات الوقت
هو مرسل إلى «كل الأرض» ( رؤ5: 6) أي أن دائرة علمه تمتد من عرش الله نفسه إلى
أطراف الأرض، من أعماق الله وحتى أعماق الإنسان ، من أعماق النور الذي لا يدنى منه
في السماويات إلى أعماق الظلمة الحالكة في أقسام الأرض السفلي !! وللحديث بقية .