الأحد، 11 فبراير 2024

أحاديث من القلب

 

سبعة أرواح الله (63)

بقلم : فخري كرم

قلنا إن الله لا يتعامل مع الكيان العتيق الساكن بداخلنا إلا بالموت ، لأن هذا الكيان غير قابل للتعليم أو التدريب أو التغيير ، واليوم نختتم حديثنا ببعض الملاحظات الهامة ، أولها أن موت أو صلب هذا الكيان له جانبان :

شرعي و عملي

عندما يتكلم الكتاب عن هذا الموت بصيغة الماضي باعتباره عملا قد تم بالفعل فهو يتكلم عنه شرعياً أمام الله ، فكما قلنا أن الله أصدر حكم الموت على هذا الكيان يوم أصدر حكم الموت على البديل ، ربنا يسوع المسيح ، صليب المسيح قد وضع هذا الكيان الأثيم في حكم الموت أمام الله مرة واحدة و إلى الأبد ، وعلى هذا الأساس يقبلنا الله ويتعامل معنا كأناس تم فيهم حكم الموت شرعاً !!

أما عندما يتكلم الكتاب عن هذا الموت باعتباره عملاً حاضراً ينبغي أن يتم كل يوم فهو يتكلم من وجهة النظر العملية ، فالحكم الشرعي الذي تم تنفيذه في شخص البديل لابد أن تظهر آثاره عملياً في حياتنا ، وموقف الله من هذا الكيان شرعاً لابد أن يكون هو نفسه موقفنا العملي اليومي ، إذا كنا قد قبلنا موت المسيح كنائب عنا فنحن إذا قبلنا ضمنيا موت إنساننا العتيق معه، لذلك لا ينبغي أن ندعه يحيا فينا بعد أو يمارس سلطانه على حياتنا .

والرسول يجمع الجانبين معا في عدة مواضع ، مثل قوله : «عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صلب معه ( شرعا ) ليبطل جسد الخطية كي لا نعود نستعبد أيضا للخطيــة (عملياً ) » (رو6: 6) وهذا يقودنا بالضرورة إلى الملاحظة الثانية ألا وهي :

الموت لا يعني التلاشى !!

          أحيانا نظن بالخطأ أن « موت » الإنسان العتيق يعني عدم وجوده، ولعل هذا الظن يرجع لمفهوم الموت في حياتنا العملية، فعندما نقول عن شخص ما أنه مات فهذا يعني أنه لم يعد موجوداً بيننا ، لكن الأمر ليس هكذا في موضوع الإنسان العتيق!! فالكتاب لا يعلمنا أن صلب الإنسان العتيق مع المسيح يعني أنه لم يعد موجوداً اليوم في حياتنا العملية ، ولا يعلمنا أن إماتته عملياً في أرض الواقع ستصل إلى حد أنه لا يعد موجوداً ، فالموت لا يعني في كلمة الله التلاشي ، ولن يأتي يوم لا نشعر بوجود هذا الكيان بداخلنا ، فهذا الكيان باق حتى نتحرر منه بالخروج من الجسد والاستيطان عند الرب ، إذا ما معنى موت هذا الكيان؟

الموت هنا يعني فقدان السلطان على حياتنا ، لا تصبح لهذا الكيان فيما بعد القدرة على تسيير أمورنا والتحكم فيها ، تصير أفكاره ومواقفه وأعماله مرفوضة منا وغير مطاعة، إنه موجود ولكنه غير مؤثر ، يشبه الملك الذي كان يوما مسيطراً على الحياة لكنه أنزل عن عرشه ووضع في سجن وأغلال لأن الحياة صارت لملك آخر !! هذا هو معنى كلمة «يبطل» في (رو6:6) أي لا تعود له القدرة أو السلطان ، إن الروح يميت فينـا « أعمال الجسد وليس الجسد نفسه ، الروح يعتقنا من « ناموس» ( أي سلطان ) الخطية والموت ولكنه لا ينزع منا الكيان القابل للخطأ !! وهذا يقودنا للملاحظة الثالثة :

مسئولية مشتركة

مسئولية وضع الإنسان العتيق في حكم الموت تقع عملياً على كل من المؤمن وشخص الروح القدس ، مسئولية الروح هي القوة والسلطان ومسئولية المؤمن هي الإرادة والاختيار، فالمؤمن لا يستطيع بقواه أن ينتصر على جسد الخطية والله لا ينتظر منه هذا ، الروح فقط هو المسئول عن مقاومة هذا الجسد (غل 5 : 17) فناموس الخطية والموت لا يستطيع أن يعادله وينتصر عليه إلا ناموس آخر هو ناموس روح الحياة (رو ۸: ۲) الروح وحده هو الذي يميت أعمال الجسد (رو8: ۱۳) هذه هي تعزية ومعونة الروح لنا في معركتنا مع الإنسان العتيق .

لكن المؤمن يشارك في المسئولية بإرادته واختياره ، فالروح لن يستطيع أن يميت أعمال الجسد إذا كنا نحن نقبلها ونتعاطف معها ، لو لم يقتنع المؤمن تماما أن كيانه العتيق مرفوض من الله ويشترك مع الله في هذا الرفض ، ويقبل ويخضع لسلطان الروح داخله وهو يقاوم الجسد فلن يستطيع الروح أن يفعل شيئا !! بدون معونة الروح لن يستطيع الإنسان التحرر من جسد الخطية ، وبدون إرادة الإنسان لن يستطيع الروح أن يحرره!!

لو كنا لا نزال نعاني من هذا الكيان الساقط فالقصور بكل تأكيد ليس من جانب الروح بل من جانب إرادتنا المنقسمة التي تعرج بين الفرقتين!! مازلنا غير مقتنعين بفسادنا ومازلنا متعاطفين مع ذواتنا ، ليت الله يقنعنا بأنه لا يسكن فينا شيء صالح حتى نرفض ونندم في التراب والرماد ونخضع برضا وسرور لمعاملات الروح معنا ، تاركين له الفرصة الكاملة حتى يعطينا الغلبة على هذا الكيان الأثيم ، إنه الروح المعزى الذي أتى لكي يعين ضعفنا ويصنع منا أناس بحسب مشيئة الله ، له كل المجد (يتبع)

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق