الاثنين، 6 سبتمبر 2021

أحاديث من القلب

 

موعظة الجبل (55)

بقلم : فخرى كرم

 

«اسألوا تُعطوا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يُفتح لكم» (مت7:7)

بعد ما حذرنا ربنا من سكب أعماقنا أمام الناس هاهو يرشدنا إلى المجال الوحيد الآمن للتعبير عن احتياجاتنا العميقة ومكنونات قلوبنا، ألا وهو مجال الشركة اللصيقة مع الآب السماوي، أو كما نسميها اختصاراً «الصلاة». والرب هنا يكلمنا عن ثلاثة مستويات للصلاة: «السؤال» و«الطلب» و«القرع».

المستوى الأول: اسألوا تُعطوا

السؤال هو طلب احتياجنا من الله عندما لا تكون لدينا أية قدرة لفعل أي شيء حيال هذا الاحتياج، مثل الطفل الصغير الذي يتطلع إلى والديه بثقة وينتظر منهما تسديداً لكل احتياجاته لأنه لا يملك ما يساعد به نفسه، وهذا المستوى هو ما يغلب على علاقتنا بالآب السماوي في بدايات حياتنا الروحية، لأننا كأطفال مولودين حديثاً في العالم الروحي نشعر باحتياجنا العميق لأشياء كثيرة لا نفهمها ولا نستطيع حيالها شيئاً، والحقيقة أن الله يُسر بأن يسمع لسؤالنا ويجيبنا ويسدد كل احتياجنا بحسب غناه في المجد (في4: 6، 19) ولكن كلمة الله تضع أمامنا بضعة شروط ينبغي توفرها في سؤالنا لكي يستجيبه الله:

(1) التوافق مع مشيئة الله (1يو5: 14): الله يرسم لكل واحد من أولاده أفضل سيناريو لحياته وأفضل تفاصيل توافق شخصيته ودعوته، والمؤمن الناضج هو الذي يدرك هذه الحقيقة ولا يسأل من الله إلا ما يتوافق ويتمم مشيئته الصالحة، لكن المشكلة هي أننا في طفولتنا الروحية كثيراً ما نتعلق بأشياء نراها في حياة الآخرين ونريدها في حياتنا حتى لو لم تكن ضمن مشيئة الله الخاصة بنا، مثل الأطفال الذين تحركهم دائماً الغيرة نحو امتلاك ما في حوزة الآخرين سواء كان مناسباً لهم أم لا، فسمة الأطفال الروحيين هي تعلقهم بالأشياء التي يروها في حياة الآخرين أكثر من تعلقهم بالأشياء التي يريدها الله أن تكون موجودة في حياتهم، يطلبون بالحاح أشياء معينة ليس لأنها في مشيئة الله بل فقط لكي لا يشعروا أنهم أقل من الآخرين!!

(2) أن تكون للخير ( يع4: 3): أحياناً نطلب أشياء نعتقد أنها خير لنا بينما يراها الله مغذية لشهواتنا الردية وسبباً لشر كثير!! تماماً مثل الطفل الصغير الذي كثيراً ما يتعلق بأشياء لمجرد أنها لذيذة المذاق أو شهية المنظر بينما يعلم الأباء أنها مضرة جداً بصحته!! ولذلك نرى الأباء لا يستجيبون لإلحاح أطفالهم وصراخهم ودموعهم لأنهم حريصون على خير أبنائهم أكثر من الأبناء أنفسهم!!

(3) أن تكون باسم المسيح (يو16: 23، 24): المؤمنون هم جسد المسيح وأعضاء جسده، وبالتالي ينبغي أن تكون طلباتهم من الآب باسم المسيح، أي كما لو أن المسيح بذاته هو الذي يطلبها، والآب بكل تأكيد سيستجيب كل طلبة يطلبها المسيح لأنه (له المجد) لا يطلب إلا كل ما يؤول لمجد الله الآب. لذلك يمكننا أن نضع امتحاناً بسيطاً لطلباتنا: هل يطلب يسوع هذه الطلبة لو كان في مكاني؟!

(4) أن تكون بلجاجة (لو18: 1): أحياناً تكون طلبتنا مقبولة في جوهرها لكنها تحتاج إلى وقت لتتسق مع توقيت الله وتتوافق مع مقاصده، لكننا عادة ما نكون متعجلين أكثر من اللازم وغير قادرين على الصبر والمواظبة في الصلاة لو تأنى الله في الاستجابة، وبالتالي نفقد فرحة التوافق مع توقيت الله حين نراه يستجيب طلبتنا في وقته المناسب!! ليتنا نتعلم أن نواظب ونثابر في صلاتنا عالمين أن الأوقات والأزمنة هي في سلطان الآب وأن توقيته دائماً هو الأفضل!! وللحديث بقية (يتبع)