الجمعة، 2 فبراير 2018

أحاديث من القلب

موعظة الجبل (13)
بقلم : فخرى كرم

«أنتم نور العالم» (مت5: 14)

يكمل سيدنا تفسيره لوجود أبناء الملكوت وسط هذا العالم الموضوع في الشرير، ويضيف إلى جانب أنهم ملح الأرض حقيقة أخرى وهي أنهم أيضاً نور للعالم، والنور هو طاقة إيجابية تساعد الإنسان أن يرى الأشياء التي حوله، فبدون النور لا يمكننا أن ندرك بشكل كامل حقيقة الأشياء المحيطة بنا، أما الظلمة فهي شيء سلبي لا وجود حقيقي لها، فالظلمة هي ببساطة غياب النور!!
الرب يؤكد هنا أن أبناء ملكوت السماوات هم مصدر المعرفة الصحيحة في هذا العالم، بدون أبناء الملكوت لا يمكن للبشر أن يدركوا حقيقة الأشياء التي تحيط بهم وتحدث لهم في هذا العالم، روح الله هو الطاقة الإيجابية التي تعمل من خلال أبناء الله لتوضيح وكشف الحقائق بخصوص حياة الناس وأبديتهم.
يسوع المسيح هو النور الحقيقي الذي أتى إلى العالم لينير كل انسان (يو1: 9) وكل من يتبعه لا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة (يو8: 12) هو بذاته النور الكامل الذي أنار حقائق الحياة والخلود (2تي1: 10) وهو شمس البر الذي ينبثق منه النور ويتوزع إلى كل أبنائه في هذا العالم (مل4: 2) وكل واحد من هؤلاء الأبناء يصبح بالتالي نوراً للعالم في المكان والزمان الموجود فيه بحسب مقدار النور الذي أخذه من يسوع.
النور هو طبيعة الله نفسه (1يو1: 5) أي إنه ليس مجرد معرفة عقلية أو إدراك ذهني يمكن أن يمتلكه الإنسان ويعيش به منفصلاً عن روح الله، إن النور هو طاقة روحية حية تتدفق في روح الانسان وتجعله يدرك الأمور المحيطة به يوم بيوم وساعة بساعة، إنه استنارة داخلية متواصلة بمقدار تواصل الإنسان مع يسوع بواسطة روح الله، إن النور الحقيقي هو حياة تنبض بداخل أرواحنا وتنمو وتتزايد إلى النهار الكامل (أم4: 18)
كم من أناس أخذوا نوراً من الله في أرواحهم وأدركوا أموراً ثمينة لكنهم فيما بعد ترجموها إلى أفكار في أذهانهم وظنوا أن هذا الأفكار هي نفسها النور!! وأنهم بنقل هذه الأفكار إلى الأخرين ينقلون النور إلى العالم، وهذه محض كذبة!! فالنور الحقيقي هو قوة حياة في الأرواح وليس أفكاراً ميتة في الأذهان، النور الحقيقي هو طبيعة الله نفسه ولا يمكن ترجمته إلى أفكار مجردة، النور الحقيقي ينبغي أن يتدفق لحظة بلحظة في روح كل إنسان ولا يمكن وضعه في هيئة أفكار محفوظة تُختزن في الأذهان ليستخدمها الإنسان وقتما شاء وكيفما شاء، سيظل النور دائماً ملكاً لله وحده ولن يصير يوماً ملكاً للإنسان!!
أما الظلمة فهي شيء سلبي يملأ كل مجال لم يملأه النور، إذا كان النور يكشف الحق عن كل الأمور فالظلمة هي غياب الحق وانتشار الضلال والخداع والكذب عن ذات الأمور، كل أمر لا تستطيع أن تراه في نور الله ستضطر أن تقبل عنه مفاهيم خاطئة وكاذبة وتعيش بذهن تسوده الظلمة عن هذا الأمر، ولأن الظلمة شيء سلبي ميت فهي بعكس النور يمكن انتقالها بسهولة بين البشر، الظلمة لا تحتاج إلى تدخل روحي فوقي لكي تنتشر في العالم بل يكفي اختلاط وتعامل الناس بعضهم ببعض لكي تنتشر الظلمة وتنتقل من ذهن إلى ذهن ومن نفس إلى نفس ومن روح إلى روح!!

إذا كان الله هو رأس ملكوت النور ومصدره الوحيد فإبليس يؤسس ملكوته على الظلمة التي تسود هذا العالم (أف6: 12) لأنه الكذاب وأبو الكذب (يو8: 44) ولذلك يترك الله أبناء النور في الأرض لكي يضيئون بين الناس كأنوار في العالم (في2: 15) وللحديث بقية (يتبع)